٤٤-٤٥{خلق اللّه السموات والأرض بالحق إنّ في ذلك لآية للمؤمنين أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} قال ابن عمر : تغني. الفراء : أن تنهي عن الفحشاء والمنكر ودليل هذا التأويل قوله : {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} أي بقراءتك. وقال آخرون : هي الصلاة التي فيها الركوع والسجود. قال ابن مسعود وابن عباس : يقول : في الصلاة : منتهى ومزدجر عن معاصي اللّه سبحانه وتعالى، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهاه عن المنكر لم يزدد بصلاته من اللّه إلاّ بعداً. وقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (لا صلاة لمن لم يطع الصلاة، وإطاعة الصلاة أن تنهي عن الفحشاء والمنكر). وروى أبو سفيان عن جابر قال : قيل لرسول اللّه ( (صلى اللّه عليه وسلم) : إنّ فلاناً يصلي بالنهار ويسرق بالليل، فقال : (إنّ صلاته لتردعه). وقال أنس بن مالك : كان فتى من الأنصار يصلي الصلاة مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ثم لا يدع شيئاً من الفواحش إلاّ ركبه، فوصف لرسول اللّه (عليه السلام) حاله، فقال : (إنّ صلاته تنهاه يوماً ما)، فلم يلبث أن تاب وحسن حاله، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ألم أقل لكم إنّ صلاته تنهاه يوماً ما). وقال ابن عون : معناه أنّ الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ما دام فيها، وقال أهل المعاني : ينبغي أن تنهاه صلاته كقوله : {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنًا} . {وَلَذِكْرُ اللّه أَكْبَرُ} اختلفوا في تأويله، فقال قوم : معناه {وَلَذِكْرُ اللّه} إياكم أفضل من ذكركم إياه، وهو قول عبد اللّه وسلمان ومجاهد وعطية وعكرمة وسعيد بن جبير، ورواية عبد اللّه بن ربيعة عن ابن عباس، وقد روى ذلك مرفوعاً : أخبرناه الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني، قال : حدثني أحمد بن علي بن الحسين، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود البزكي، قال : حدثنا الحسين اللّهبني، قال : حدثنا صالح بن عبد اللّه بن أبي فروة، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمّه موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر إنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال في قول اللّه سبحانه : {وَلَذِكْرُ اللّه أَكْبَرُ} قال : (ذكر اللّه إياكم أكبر من ذكركم إياه). قالت الحكماء : لأنّ ذكر اللّه سبحانه للعبد على حدّ الاستغناء، وذكر العبد إياه على حدّ الافتقار، ولأنّ ذكره دائم، وذكر العبد مؤقت، ولأنّ ذكر العبد بحد رفع أو دفع ضر، وذكر اللّه سبحانه إياه للفضل والكرم. وقال ذو النون : لأنّك ذكرته بعد أن ذكرك، وقال ابن عطاء : لأنّ ذكره لك بلا علة، وذكرك مشوب بالعلل. أبو بكر الوراق : لأنّ ذكره تعالى للعبد أطلق لسانه بذكره له، ولأنّ ذكر العبد مخلوق وذكره غير مخلوق. وقال أبو الدرداء وابن زيد وقتادة : معناه ولذكر اللّه أكبر مما سواه وهو أفضل من كل شيء. أخبرني أبو عبد اللّه الحسين بن محمد بن محمد الثقفي الحافظ قال : حدثنا أبو حذيفة أحمد بن محمد بن علي قال : حدثنا زكريا بن يحيى بن يعقوب المقدسي، قال : حدثنا عيسى بن يونس قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن جويبر عن الضحاك، عن عبد اللّه بن مسعود قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في قوله : {وَلَذِكْرُ اللّه أَكْبَرُ} قال : (ذكر اللّه على كل حال أحسن وأفضل، والذكر أن نذكره عند ما حرم، فندع ما حرم ونذكره عند ما أحل فنأخذ ما أحل). وأخبرني الحسين بن محمد قال : حدثنا ابن شنبه قال : حدثنا جعفر بن محمد الفرباني قال : حدثنا إسحاق بن راهويه قال : أخبرنا إسحاق بن سليمان الرازي قال : سمعت موسى بن عبيدة الزيدي يحدث أبي عبد اللّه القراظ، عن معاذ بن جبل قال : بينما نحن مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) نسير بالدف من حمدان إذ استنبه، فقال : (يا معاذ إن السابقين الذين يستهترون بذكر اللّه، من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر اللّه سبحانه). قال إسحاق بن سليمان : سمعت حريز بن عثمان يحدث، عن أبي بحرية، عن معاذ بن جبل، قال : ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب اللّه من ذكر اللّه سبحانه، قالوا : ولا الجهاد في سبيل اللّه؟ قال : لا ولو ضرب بسيفه، قال اللّه سبحانه : {وَلَذِكْرُ اللّه أَكْبَرُ} . وأخبرني الحسين بن محمد، قال : حدثنا ابن شنبه، قال : حدثنا جعفر بن محمد الفرباني، قال : حدثنا يحيى بن عمار المصيصي، قال : حدثنا أبو أسامة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن صالح بن أبي غريب، عن كثير بن مرة الحضرمي، قال : سمعت أبا الدرداء يقول : ألا أخبركم بخير أعمالكم لكم وأحبها إلى مليككم وأتمها في درجاتكم، وخير من أن تغزوا عدوكم فتضرب رقابكم وتضربون رقابهم، وخير من إعطاء الدنانير والدراهم، قالوا : وما هو يا أبا الدرداء؟ قال : ذكر اللّه، قال اللّه سبحانه : {وَلَذِكْرُ اللّه أَكْبَرُ} . وقيل لسلمان : أي العمل أفضل؟ قال : أما تقرأ القرآن {وَلَذِكْرُ اللّه أَكْبَرُ} لا شيء أفضل من ذكر اللّه سبحانه. وأنبأني عبد اللّه بن حامد، قال : أخبرنا محمد بن يعقوب، قال : حدثنا حميد بن داود، قال : حدثني يزيد بن خالد قال : حدثنا عبد الرحمن بن ثابت، عن أبيه، عن مكحول، عن جبير ابن هبير، عن مالك بن عامر، عن معاذ بن جبل قال : سألت رسول اللّه ( : أي الأعمال أحب إلى اللّه تعالى؟ قال (صلى اللّه عليه وسلم) (أن تموت ولسانك رطب من ذكر اللّه). وأنبأني عبد اللّه بن حامد، قال : أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، قال : حدثنا سلمة بن محمد ابن أحمد بن مجاشع الباهلي، قال : حدثنا خالد بن يزيد العمري، قال : حدثنا سفيان الثوري، عن عطاء بن قرة، عن عبد اللّه بن ضمرة، عن أبي هريرة، قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلاّ ذكر اللّه عز وجل وما والاه أو عالم أو متعلم). قالت الحكماء : وإنّما كان الذكر أفضل الأشياء لأنّ ثواب الذكر الذكر، قال اللّه تعالى : {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ} ويؤيد هذا ما أخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا مكي بن عبدان، قال : حدثنا عبد اللّه بن هشام، قال : حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (يقول اللّه عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن اقترب إلي شبراً اقتربت إليه ذراعاً، وإن اقترب إلي ذراعاً اقتربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة). وأخبرنا عبد اللّه، قال : أخبرنا علي، قال : أخبرنا عبد اللّه بن هاشم، قال : حدثنا عبد الرحمن، قال : حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأعز أبي مسلم، قال : أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد إنّهما شهدا على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إنّه قال : (ما جلس قوم يذكرون اللّه سبحانه إلاّ حفّت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم فيمن عنده). وأخبرني ابن فنجويه، قال : حدثنا ابن شيبة، قال : حدثنا الفرباني، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شنبه، قال : حدثنا عبد اللّه، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك {وَلَذِكْرُ اللّه أَكْبَرُ} قال : ذكر اللّه العبد في الصلاة أكبر من الصلاة. ابن عون : معناه : الصلاة التي أنت فيها وذكرك اللّه فيها أكبر مما نهتك عنه الصلاة من الفحشاء والمنكر، وقال ابن عطاء : {وَلَذِكْرُ اللّه أَكْبَرُ} من أن تبقى معه بالمعصية. {وَاللّه يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} . |
﴿ ٤٤ ﴾