٤-٥

{لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُون اللّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالاْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيع أَفَلاَ تَتَذَكَّرُون يُدَبِّرُ الاْمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الاْرْضِ} أي ينزل الوحي مع جبرائيل من السماء إلى الأرض {ثُمَّ يَعْرُجُ} يصعد {إِلَيْهِ} جبرائيل بالأمر في يوم واحد من أيّام الدُّنيا،

وَقَدْرُ مسيرِهِ ألف سنة،

خمسمائة نزوله من السماء إلى الأرض،

وخمسمائة صعوده من الأرض إلى السماء. وما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة سنة يقول : لو ساره أحد من بني آدم لم يسره إلاّ في ألف سنة،

والملائكة يقطعون هذه المسافة بيوم واحد،

فعلى هذا التأويل نزلت الآية في وصف مقدار عروج الملائكة من الأرض إلى السماء،

ونزولهم من السماء إلى الأرض،

وأمّا قوله : {تَعْرُجُ الْمَلَاكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} فإنّه أراد مدّة المسافة من الأرض إلى سدرة المنتهى التي فيها مقام جبرائيل (عليه السلام).

يقول : يسير جبرائيل والملائكة الذين معه من أهل مقامهِ مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيّام الدنيا،

وهذا كلّه معنى قول مجاهد وقتادة والضحّاك،

وأمّا معنى قوله : {إِلَيْهِ} على هذا التأويل فإنّه يعني إلى مكان الملك الذي أمره اللّه أنْ يعرج إليه،

كقول إبراهيم (عليه السلام) {إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى} وإنّما أراد أرض الشام. وقال : {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّه} أي إلى المدينة،

ولم يكن اللّه تعالى بالمدينة ولا بالشام.

أخبرني ابن فنجويه،

عن هارون بن محمد بن هارون،

عن حازم بن يحيى الحلواني،

عن محمد بن المتوكل،

عن عمرو بن أبي سلمة،

عن صدقة بن عبداللّه عن موسى بن عقبة،

عن الأعرج،

عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أتاني ملك برسالة من اللّه عزّ وجلّ،

ثمّ رفع رجله فوضعها فوق السماء،

والاُخرى في الأرض لم يرفعها). وقال بعضهم معناه : يُدَّبِرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأرض مدّة أيّام الدنيا،

ثمّ يَعْرُجُ إليه الأمر والتدبير،

ويرجع يعود إليه بعد انقضاء الدنيا وفنائها {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} وهو يوم القيامة.

وأمّا قوله : {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} فإنّه أراد على الكافر،

جعل اللّه ذلك اليوم عليه مقدار خمسين ألف سنة،

وعلى المؤمن كقدر صلاة مكتوبة صلاّها في دار الدنيا. ويجوز أن يكون ليوم القيامة أوّل وليس له آخر وفيه أوقات شتّى بعضها ألف سنة وبعضها خمسين ألف سنة. ويجوز أن يكون هذا إخبار عن شدّتهِ وهوله ومشقّته لاِنّ العرب تصف أيّام المكروه بالطّول وأيّام السرور بالقصر،

وإلى هذا التأويل ذهب جماعة من المفسِّرين.

وروي عبد الرزاق عن ابن جريح قال : أخبرني ابن أبي مليكة قال : دخلت أنا وعبداللّه بن فيروز مولى عثمان بن عفّان على ابن عبّاس فسأله ابن فيروز عن هذه الآية،

فقال له ابن عبّاس : مَنْ أنت؟

قال : أنا عبداللّه بن فيروز مولى عثمان بن عفّان،

فقال عبداللّه بن عبّاس : أيّام سمّاها اللّه لا أدري ما هي،

وأكره أنْ أقول في كتاب اللّه ما لا أعلم. قال ابن أبي مليكة : فضرب الدهر حتّى دخلتُ على سعيد بن المسيّب فسئل عنها فلم يدر ما يقول،

فقلت له : ألا أخبرك ما حضرتُ مِن ابن عبّاس،

فأخبرته،

فقال ابن المسيب للسائل : هذا ابن عبّاس قد اتّقى أنْ يقول فيها وهو أعلم منّي.

﴿ ٥