٢١{وهل آتياك نبؤا الخصم} الآية. اختلف العلماء بأخبار الأنبياء في سبب امتحان اللّه سبحانه نبيّه داود بما امتحنه به من الخطيئة. فقال قوم : كان سبب ذلك أنه تمنى يوماً من الأيام على ربّه عزّ وجلّ منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب (عليهم السلام) وسأله أن يمتحنه نحو الذي كان امتحنهم، ويعطيه من الفضل نحو الذي كان أعطاهم. وروى السدي والكلبي ومقاتل : عن أشياخهم دخل حديث بعضهم في بعض قالوا : كان داود قد قسّم الدهر ثلاثة أيام : يوماً يقضي فيه بين الناس، ويوماً يخلوا فيه لعبادة ربّه، ويوماً يخلوا فيه لنسائه وأشغاله. وكان يجد فيما يقرأ من الكتب فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب فقال : يارب أرى الخير كله قد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي. فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : أنهم إبتلوا ببلاء مالم تبتلِ بشيء من ذلك فصبروا عليها. إبتلى إبراهيم بنمرود وبذبح ابنه، وإبتلى إسحاق بالذبح وبذهاب بصره، وإبتلى يعقوب بالحزن على يوسف. وأنك لم تبتلِ بشيء من ذلك. فقال داود : ربِّ فإبتلني بمثل ما إبتليتهم وأعطني مثل ما أعطيتهم. فأوحى اللّه سبحانه إليه : أنك مبتلى في شهر كذا في يوم كذا واحترس. فلمّا كان ذلك اليوم الذي وعده اللّه تعالى، دخل داود محرابه وأغلق بابه وجعل يصلي ويقرأ الزبور، فبينا هو كذلك إذ جاءه الشيطان قد تمثل في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن، فوقعت بين رجليه، فمدَّ يده ليأخذها ويدفعها إلى ابن صغير له، فلما أهوى إليها طارت غير بعيد، من غير أن توئيسه من نفسها فامتد اليها ليأخذها فتنحت، فتبعها فطارت حتّى وقعت في كوة، فذهب ليأخذها فطارت من الكوة، فنظر داود أين تقع، فبعث إليها من يصيدها، فأبصر امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل، هذا قول الكلبي. وقال السدي : رآها تغتسل على سطح لها، فراى امرأة من أجمل النساء خلقاً، فتعجب داود من حسنها وحانت منها التفاتة وأبصرت ظله، فنفضت شعرها فغطى بدنها، فزاده ذلك إعجاباً بها فسأل عنها. فقيل : هي تشايع بنت شايع امرأة أوريا بن حنانا، وزوجها في غزاة بالبلقاء مع أيوب بن صوريا ابن أخت داود. فكتب داود إلى ابن أخته أيوب صاحب بعث البلقاء : أن ابعث أوريا إلى موضع كذا وقدّمه قبل التابوت وكان من قدّم على التابوت لا يحل له أن يرجع وراءه حتّى يفتح اللّه سبحانه على يديه أو يستشهد، فبعثه وقدّمه فَفُتح له، فكتب إلى داود بذلك، فكتب إليه أيضاً : أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا. فبعثه فَفُتح له، فكتب إلى داود بذلك، فكتب إليه أيضاً : أن ابعثه إلى عدو كذا أشدّ منه بأساً. فبعثه فقتل في المرة الثالثة، فلمّا انقضت عدّة المرأة تزوجّها داود فهي أم سليمان. وقال آخرون : سبب امتحانه أن نفسه حدثته أنّه يطيق قطع يوم بغير مقارفة. وهو ما أخبرنا شعيب بن محمّد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدثنا أحمد بن الأزهر قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا سعيد عن مطر عن الحسن قال : إن داود جزّأ الدهر أربعة أجزاء : يوماً لنسائه، ويوماً للعبادة، ويوماً للقضاء بين بني إسرائيل، ويوماً لبني إسرائيل يذاكرهم ويذاكرونه ويبكهم ويبكونه. قال : فلما كان يوم بني إسرائيل ذكروا فقالوا : هل يأتي على الإنسان يوم لايصيب فيه ذنباً؟ فأضمر داود في نفسه أنه سيطبق ذلك، فلمأا كان يوم عبادته غلق أبوابه وأمر أن لايدخل عليه أحد، وأكبّ على قراءة التوراة، فبينما هو يقرأ إذ حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن قد وقعت بين يديه، فأهوى إليها ليأخذها، فطارت فوقعت غير بعيد من غير أن توئيسه من نفسها، فما زال يتبعها حتّى أشرف على امرأة تغتسل فأعجبه خلقها وحسنها، فلمّا رأت ظله في الأرض جللت نفسها بشعرها، فزاده ذلك بها إعجاباً، وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه، فكتب إليه أن أسر إلى مكان كذا وكذا مكاناً، إذا سار إليه قُتل ولم يرجع ففعل فأصيب، فخطبها داود فتزوجها. وقال بعضهم : في سبب ذلك ما أخبرنا أبو عبد اللّه الحسين بن محمّد قال : حدثنا مخلد ابن جعفر الباقرجي قال : حدثنا الحسين بن علوية قال : حدثنا إسماعيل قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن قال : قال داود لبني إسرائيل حين ملك : واللّه لأعدلن بينكم، فلم يستثن فابتلي به. وقال أبو بكر محمّد بن عمر الوراق : كان سبب ذلك أن داود (عليه السلام) كان كثير العبادة فأعجب بعلمه فقال : هل في الأرض أحد يعمل عملي؟ فأتاه جبرئيل فقال : ان اللّه عزّ وجلّ يقول : أعجبت بعبادتك والعُجب يأكل العبادة، فإن أُعجبت ثانياً وكلتك إلى نفسك. قال : يارب كلني إلى نفسي سنة. قال إنها لكثيرة. قال : فساعة. قال : شأنك بها. فوكل الأحراس ولبس الصوف ودخل المحراب ووضع الزبور بين يديه، فبينا هو في نسكه وعبادته إذ وقع الطائر بين يديه وكان من أمر المرأة ما كان. قالوا : فلمّا دخل داود بامرأة أوريا لم تلبث إلاّ يسيراً حتّى بعث اللّه سبحانه ملكين في صورة أنسيين فطلبا أن يدخلا عليه، فوجداه في يوم عبادته فمنعهما الحرس أن يدخلا عليه، فتسورا المحراب عليه، فما شعر وهو يصلي إلاّ وهو بهما بين يديه جالسين، فذلك قوله : {وهل أتاك نبؤا الخصم إذ تسوّروا} وإنّما جعلوا جمع الفعل، لأن الخصم اسم يصلح للواحد والجميع والإثنين والمذكر والمؤنث. قال لبيد : وخصم يعدون الدخول كأنهم قروم غيارى كل أزهر مصعب وقال آخر : وخصم عضاب ينفضون لحاهم كنفض البراذين العراب المخاليا وإنّما جمع وهما إثنان، لأن معنى الجمع ضم شيء إلى شيء فالإثنان فما فوقهما جماعة، كقوله عزّ وجلّ {قد صغت قلوبكما} . |
﴿ ٢١ ﴾