٣٤

{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} هذه قصة محنة نبي اللّه سليمان وسبب زوال ملكه مدة،

واختلفوا في سبب ذلك.

فروى محمّد بن إسحاق عن بعض العلماء قال : قال وهب بن منبه : سمع سليمان بمدينة في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون،

بها ملك عظيم الشأن لم يكن للناس إليه سبيل لمكانه في البحر،

وكان اللّه قد أتى سليمان في ملكه سلطاناً لا يمتنع عليه شيء في بر ولا بحر،

إنما يركب إليه (إذا ركب على) الريح،

فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجنّ والإنس،

فقتل ملكها واستقام فيها وأصاب فيما أصاب بنتاً لذلك الملك يقال لها : جرادة،

لم يرَ مثلها حسناً وجمالاً،

واصطفاها لنفسه ودعاها إلى الإسلام،

فأسلمت على جفاء منها وقلة ثقة،

وأحبها حباً لم يحبه شيئاً من نسائه،

وكانت على منزلتها عنده،

لايذهب حزنها ولايرقأ دمعها،

فشق ذلك على سليمان فقال لها : ويحك ما هذا الحزن الذي لا يذهب والدمع الذي لايرقأ؟

قالت : إن أبي أذكره وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزنني ذلك.

فقال سليمان : فقد أبدلك اللّه به ملكاً هو أعظم من ملكه،

وسلطاناً أعظم من سلطانه،

وهداك للإسلام وهو خير من ذلك كله.

قالت : إن ذلك لكذلك،

ولكنني إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن،

فلو أنك أمرت الشياطين فصوّروا صورته في داري التي أنا فيها أراها بكرة وعشياً،

لرجوت أن يُذهب ذلك حزني،

وأن يسلّى عني بعض ما أجد في نفسي.

فأمر سليمان الشياطين فقال : مثّلوا لها صورة أبيها في دارها حتّى لاتنكر منه شيئاً.

فمثّلوا لها حتّى نظرت إلى أبيها بعينه،

إلاّ أنّه لا روح فيه،

فعمدت إليه حين صنعوه فأزّرته وقمّصته وعمّمته،

وردّته بمثل ثيابه التي كان يلبس،

ثم كانت إذا خرج سليمان من دارها تغدوا عليه في ولائدها حتّى تسجد له ويسجدن معها كما كانت تصنع به في ملكه،

وتروح كل عشية بمثل ذلك،

وسليمان لايعلم بشيء من ذلك أربعين صباحاً وبلغ ذلك آصف بن برخيا،

وكان صدّيقاً وكان لايرد عن باب سليمان أيّ ساعة أراد دخول شيء من بيوته،

حاضراً كان (سليمان) أو غائباً،

فأتاه فقال : يانبي اللّه كبرت سني،

ودق عظمي،

ونفد عمري،

وقد حان مني الذهاب،

وقد أحببت أن أقوم مقاماً قبل الموت،

أذكر فيه من مضى من أنبياء اللّه،

وأثني عليهم بعلمي فيهم،

وأُعلم الناس بعض ما كانوا يجهلون من كثير من أمورهم.

فقال : إفعل.

فجمع له سليمان الناس،

فقام فيهم خطيباً،

فذكر من مضى من أنبياء اللّه،

فأثنى على كل نبي بما فيه وذكر ما فضّله اللّه به،

حتّى انتهى إلى سليمان فقال : ما كان أحلمك في صغرك،

وأورعك في صغرك،

وأفضلك في صغرك،

وأحكم أمرك في صغرك،

وأبعدك من كل ما يكره في صغرك،

ثم انصرف.

فوجد سليمان في نفسه من ذلك حتّى ملأه غضباً،

فلما دخل سليمان داره أرسل إليه فقال : يا آصف ذكرت من مضى من أنبياء اللّه،

وأثنيت عليهم خيراً في كل زمانهم وعلى كل حال من أمرهم،

فلما ذكرتني جعلت تثني عليَّ بخير في صغري،

وسكت عمّا سوى ذلك من أمري في كبري فما الذي أحدثت في آخر عمري؟

قال : إن غير اللّه ليعبد في دارك منذ أربعين صباحاً في هوى امرأة.

فقال : في داري؟

فقال : في دارك.

قال : إنّا للّه وإنا إليه راجعون،

لقد علمت أنك ماقلت الذي قلت إلاّ عن شيء بلغك.

ثم رجع سليمان إلى داره فكسّر ذلك الصنم،

وعاقب تلك المرأة وولائدها،

ثم أمر بثياب الطهرة فأتى بها وهي ثياب لا يغزلها إلاّ الأبكار ولم تمسها امرأة رأت الدم فلبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده،

وأمر برماد ففرش له،

ثم أقبل تائباً إلى اللّه عزّ وجلّ حتّى جلس على ذلك الرماد وتمعك فيه بثيابه تذللاً للّه سبحانه وتضرعاً إليه،

يبكي ويدعو ويستغفر ممّا كان في داره ويقول فيما يقول :

رب ماذا ببلائك عند آل داود أن يعبدوا غيرك وأن يقرّوا في دورهم وأهاليهم عبادة غيرك.

فلم يزل كذلك يومه ذلك حتى أمسى،

ثم يرجع إلى داره،

وكانت أم ولد له يقال لها : الأمينة،

كان إذا دخل مذهبه أو أراد إصابه امرأة من نسائه وضع خاتمه عندها حتّى يتطهر،

وكان لايلبس خاتمة إلاّ وهو طاهر،

وكان ملكه في خاتمه،

فوضعه يوماً من تلك الأيام عندها كما كان يضعه ثم دخل مذهبه،

فأتاها الشيطان صاحب البحر وكان إسمه : صخر،

على صورة سليمان لاينكر منه شيئاً.

فقال : يا أمينة خاتمي.

فناولته إياه فجعله في يده ثم خرج حتّى جلس على سرير سليمان،

وعكفت عليه الطير والجن والانس،

وخرج سليمان فأتى الأمينة،

وقد غيرت حاله وهيبته عند كل من رأى فقال : يا أمينة خاتمي.

فقالت : ومن أنت؟

قال : أنا سليمان بن داود.

فقالت : كذبت لست بسليمان وقد جاء سليمان وأخذ خاتمه وهو جالس على سريره في ملكه.

فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته،

فخرج فجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل فيقول : أنا سليمان بن داود. فيحثون عليه التراب ويسبونه ويقولون : انظروا إلى هذا المجنون أي شيء يقول يزعم أنه سليمان بن داود.

فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر فكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر إلى السوق،

فيعطونه كل يوم سمكتين فإذا امسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة وشوى الأُخرى فأكلها،

فمكث بذلك أربعين صباحاً،

عدة ما كان عُبِدَ ذلك الوثن في داره،

فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم عدو اللّه الشيطان في تلك الأربعين اليوم.

فقال آصف : يامعشر بني إسرائيل هل رأيتم من اختلاف حكم ابن داود ما رأيت؟

قالوا : نعم.

قال : أمهلوني حتّى أدخل على نسائه فأسألهن : هل أنكرن منه في خاصة أمره،

ما أنكرناه في عامة أمر الناس وعلانيته؟

فدخل على نسائه فقال : ويحكن هل أنكرتن من أمر ابن داود ما أنكرناه؟

فقلن : أشدّه مايدع امرأة منّا في دمها،

ولايغتسل من جنابة.

فقال : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون إن هذا لهو البلاء المبين.

ثم خرج إلى بني إسرائيل فقال : مافي الخاصة أعظم ممّا في العامة. فلما قضى أربعون صباحاً طار الشيطان عن مجلسه،

ثم مرَّ بالبحر فقذف الخاتم فيه،

فبلعته سمكة وأخذها بعض الصيادين،

وقد عمل له سليمان صدر يومه ذلك حتّى إذا كان العشي أعطاه سمكته وأعطى السمكة التي أخذت الخاتم،

وخرج سليمان بسمكتيه فباع التي ليس في بطنها الخاتم بالأرغفة،

ثم عمد إلى السمكة الأخرى فبقرها ليشويها،

فاستقبله خاتمه في جوفها فأخذه فجعله في يده،

ووقع ساجداً وعكفت عليه الطير والجنّ وأقبل عليه الناس،

وعرف الذي كان دخل عليه لما كان أحدث في داره،

فرجع إلى ملكه وأظهر التوبة من ذنبه وأمر الشياطين فقال : ائتوني بصخر. فطلبته له الشياطين حتّى أُخذ له فأتى به فجاءت له صخرة،

فأدخله فيها ثم شد عليه أخرى ثم أوثقها بالرصاص والحديد،

ثم أمر به فقذف في البحر.

فهذا حديث وهب بن منبه.

قال السديّ في سبب ذلك : كان لسليمان (عليه السلام) مائة امرأة،

وكانت امرأة منهُنّ يقال لها : جرادة،

وهي أبرّ نسائه وآمنهن عنده،

فكان إذا أحدث أو أتى حاجة،

نزع خاتمه ولم يأتمن عليه أحداً من الناس غيرها،

فجاءته يوماً من الأيام فقالت له : إن أخي بينه وبين فلان خصومة،

وأنا أحب أن تقضي له إذا جاءك.

فقال : نعم. ولم يفعل،

فابتلي بقوله وأعطاها خاتمه ودخل المخرج فخرج الشيطان في صورته،

فقال لها : هات الخاتم.

فأعطته،

فجاء حتّى جلس على مجلس سليمان،

وخرج سليمان بعده فسألها أن تعطيه خاتمه.

فقالت : ألم تأخذه قبل؟

قال : لا. وخرج من مكانه تائهاً،

ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوماً.

قال : فأنكر الناس حكمه،

فاجتمع قرّاء بني إسرائيل وعلمائهم،

فجاؤا حتّى دخلوا على نسائه،

فقالوا : إنّا قد أنكرنا هذا،

فإن كان سليمان فقد ذهب عقله،

وأنكرنا أحكامه،

فبكى النساء عند ذلك قال : فأقبلوا يمشون حتّى أتوه فأحدقوا به ثم نشروا التوراة فقرأوها،

فلما قرأوا التوراة طار من بين أيديهم حتّى وقع على شرفة والخاتم معه،

ثم طار حتّى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه في البحر فابتلعته حوت.

قال : فأقبل سليمان في حاله التي كان فيها،

حتّى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو جائع وقد إشتد جوعه،

فاستطعمه من صيدهم،

وقال : إني أنا سليمان.

فقام إليه بعضهم فضربه بعصاً فشجه.

قال : فجعل يغسل دمه وهو على شاطىء البحر،

فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه،

وقالوا : بئس ما صنعت حين ضربته.

فقال : إنه زعم أنه سليمان. فأعطوه سمكتين ممّا قد مذر عندهم،

فلم يشغله ما كان به من الضرب،

حتّى قام إلى شط البحر فشق بطونهما وجعل يغسلهما،

فوجد خاتمه في بطن أحديهما فأخذه فلبسه،

فردَّ اللّه عليه ملكه وبهاءه،

وجاءت الطير حتّى حامت عليه،

فعرف القوم أنه سليمان،

فقاموا يعتذرون مما صنعوا.

فقال : ما أحمدكم على عذركم ولا ألومكم على ما كان منكم هذا أمر كان لابدّ منه.

ثم جاء حتّى أُتي ملكه وأمر حتّى أتى بالشيطان الذي أخذ خاتمه،

وجعله في صندوق من حديد ثم أطبق عليه،

وأقفل عليه بقفل وختم عليه بخاتمه ثم أمره فألقي في البحر،

وهو كذلك حيٌّ حتّى الساعة.

وفي بعض الروايات : أن سليمان لما افتتن،

سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه،

فأخذه سليمان فأعاده إلى يده فسقط من يده،

فلما رآه سليمان لايثبت في يده أيقن بالفتنة،

وأن آصف قال لسليمان : إنك مفتون بذنبك والخاتم لايتماسك في يدك أربعة عشر يوماً.

ففرّ إلى اللّه تائباً من ذنبك،

وأنا أقوم مقامك وأسير في عالمك وأهل بيوتك بسيرتك،

إلى أن يتوب اللّه عليك ويردك إلى ملكك.

ففرّ سليمان هارباً إلى ربّه،

وأخذ أصف الخاتم فوضعه في يده فثبت،

وأن الجسد الذي قال اللّه تعالى : {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} كان هو أصف كاتباً لسليمان،

وكان عنده علم من الكتاب،

فأقام أصف في ملك سليمان وعالمه يسير بسيرته ويعمل بعمله أربعة عشر يوماً،

إلى أن رجع سليمان إلى منزله تائباً إلى اللّه سبحانه وردَّ اللّه عليه ملكه،

فقام أصف من مجلسه وجلس سليمان على كرسيه،

وأعاد الخاتم في يده فثبت فيها.

وأخبرنا شعيب بن محمّد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : أخبرنا أحمد بن الأزهر قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب : أن سليمان بن داود احتجب عن الناس ثلاثة أيام،

فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : أن ياسليمان احتجبت عن الناس ثلاثة أيام فلم تنظر في أمور عبادي،

ولم تنصف مظلوماً من ظالم. وذكر حديث الخاتم وأخذ الشيطان إياه كما رويناه.

وقال في آخره : قال علي : فذكرت ذلك للحسن فقال : ما كان اللّه عزّ وجلّ يسلطه على نسائه.

وقال بعض المفسرين : كان سبب فتنة سليمان أنه أُمر أن لايتزوج امرأة (إلاّ) من بني إسرائيل،

فتزوج امرأة من غيرهم فعوقب على ذلك.

وقيل : ان سليمان لما أصاب ابنة ملك صيدون أعجب بها،

فعرض عليها الإسلام فأبت وامتنعت فخوّفها سليمان.

فقالت : إن أكرهتني على الإسلام قتلت نفسي.

فخاف سليمان أن تقتل نفسها،

فتزوج بها وهي مشركة،

وكانت تعبد صنماً لها من ياقوت أربعين يوماً في خفية من سليمان إلى أن أسلمت،

فعوقب سليمان بزوال ملكه أربعين يوماً.

وقال الشعبي في سبب ذلك : ولد لسليمان ابن،

فاجتمعت الشياطين وقال بعضهم لبعض : إن عاش له ولد لم ننفك مما نحن فيه من البلاء والسحرة،

فسبيلنا أن نقتل ولده أو نحيله.

فعلم سليمان بذلك فأمر السحاب حتّى حملته الريح وغدا ابنه في السحاب خوفاً من معرة الشيطان،

فعاقبه اللّه لخوفه من الشيطان،

ومات الولد فأُلقى ميتاً على كرسيّه،

فهو الجسد الذي قال اللّه سبحانه : {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} .

وقيل : هو ان سليمان قال يوماً : لأطوفن الليلة على نسائي كلهن،

حتّى يولد لي من كل واحدة منهن ابن فيجاهد في سبيل اللّه. ولم يستثن،

فجامعهن كلهن في ليلة واحدة،

فما خرج له منهن إلاّ شق مولود،

فجاءت به القابلة والقته على كرسي سليمان.

فذلك قوله عزّ وجلّ : {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} وهو ما أخبرنا عبد اللّه بن حامد عن آخرين قالوا : حدثنا ابن الشرقي،

قال : حدثنا محمّد بن عقيل وأحمد بن حفص قالا : حدثنا حفص قال : حدثني إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة،

قال : اخبرني أبو الزناد عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة

قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (قال سليمان بن داود لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة،

كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل اللّه. فقال له صاحبه : قل إن شاء اللّه. فلم يقل : إن شاء اللّه. فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلاّ امرأة واحدة جاءت بشق رجل،

والذي نفس محمّد بيده لو قال : إن شاء اللّه لجاهدوا في سبيل اللّه فرساناً أجمعون) فذلك قوله عزّ وجلّ : {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} .

قال مقاتل : فُتن سليمان بعد ملك عشرين سنة،

وملك بعد الفتنة عشرين سنة.

{وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} أيّ شيطاناً،

عن أكثر المفسرين.

واختلفوا في اسمه،

فقال مقاتل وقتادة : اسمه صخر بن عمر بن عمرو بن شرحبيل وهو الذي دل سليمان على الألماس حين أُمر ببناء بين المقدس وقيل له : لايسمعن فيه صوت حديد،

فأخذوا الألماس فجعلوا يقطعون به الحجارة والجواهر ولاتصوت،

وكان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء والحمام لم يدخل بخاتمه،

فدخل الحمام وذكر القصة في أخذ الشيطان الخاتم.

قال : وكان فيهم رجل يشبهونه بعمر بن الخطاب في القوة فقال : أما واللّه لأُجربنّه،

فقال : يانبي اللّه وهو لا يرى أنه نبي اللّه أرأيت أحدنا تصيبه الجنابة في الليلة الباردة فيدع الغسل عمداً حتّى تطلع الشمس،

أترى عليه بأساً؟

قال : لا. فرخص له في ذلك،

وذكر الحديث.

وروى أبو إسحاق عن عمارة بن عبد عن عليح قال : بينما سليمان جالس على شاطىء البحر وهو يلعب بخاتمه،

إذ سقط في البحر وكان ملكه في خاتمه.

وروى حماد بن سلمة عن عمر بن دينار عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (كان نقش خاتم سليمان بن داود لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه).

رجع إلى حديث علي قال : فانطلق سليمان وخلّف شيطاناً في أهله وأتى عجوزاً فآوى إليها فقالت له العجوز : أن شئت ان تنطلق فاطلب فأكفيك عمل البيت وإن شئت أن تكفيني البيت وانطلق والتمس.

قال : فانطلق يلتمس،

فأتى قوم يصيدون السمك فجلس إليهم فنبذوا إليه سمكات،

فانطلق بهن حتّى أتى العجوزة،

فأخذت تصلحه فشقت بطن سمكة،

فإذا فيها الخاتم فأخذته وقالت لسليمان : ماهذا؟

فأخذه سليمان فلبسه،

فأقبلت الشياطين والجنّ والإنس والطير والوحوش،

وهرب الشيطان الذي خلّف في أهله،

فأتى جزيرة في البحر فبعث إليه الشياطين فقالوا : لانقدر عليه،

ولكنه يرد علينا في الجزيرة في كل سبعة أيام يوماً،

لانقدر عليه حتّى يسكر.

قال : فنزح ماءها وجعل فيها خمراً. قال : فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر فقال : واللّه إنك لشراب طيب إلاّ أنك تصبين الحليم وتزيدين الجاهل جهلاً.

ثم رجع حتّى عطش عطشاً شديداً ثم أتاها فقال : إنك لشراب طيب إلاّ أنك تصبين الحليم وتزيدين الجاهل جهلاً.

قال : ثم شربها حتّى غلبته على عقله،

ثم أروه الخاتم فقال : سمع وطاعة.

قال : فأتى به سليمان فأوثقه ثم بعث به إلى جبل،

فذكروا أنه جبل الدخان الذي يرون من نفسه،

والماء الذي يخرج من الجبل هو بوله.

وقال السدي : اسم ذلك الشيطان اسمذي وقيل خبفيق.

وقال مجاهد : اسمه آصف.

أخبرنا أبو صالح بن أبي الحسن البيهقي الفقيه قال : أخبرنا أبو حاتم التميمي قال : حدثنا أبو الأزهر العبدي قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} قال : شيطاناً يقال له : آصف. قال له سليمان : كيف تفتنون الناس؟

قال : أرني خاتمك أخبرك. فلما أعطاه نبذه آصف في البحر،

فساح سليمان فذهب ملكه وقعد آصف على كرسيّه ومنعه اللّه سبحانه نساء سليمان فلم يقربهن،

وأنكر الناس أمر سليمان،

وكان سليمان يستطعم فيقول : اتعرفونني؟

أنا سليمان فيكذبونه حتّى أعطته امرأة يوماً حوتاً فبطّ بطنه،

فوجد خاتمه في بطنه فرجع إليه ملكه وفرَّ آصف فدخل البحر. وقيل : إن الجسد هو آصف ابن برخيا الصدّيق،

وقد مضت القصة.

وقيل : هو الولد الميت الذي غدا في السحاب.

وقيل : هو الولد الناقص الخلق.

وقيل : معنى قوله : {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} أن سليمان ضرب بعلّة أشرف منها على الموت،

حتّى صار جسداً في المثل بلا روح،

وقد وصف المريض المضني بهذه الصفة،

فيقال كالجسد المُلقى ولم يبق منه إلاّ جسده وتقدير الآية {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} .

وأما صفة كرسي سليمان

فرويّ ان سليمان لما ملك بعد أبيه،

أمر باتخاذ كرسي ليجلس عليه للقضاء،

وأمر بأن يعمل بديعاً مهولاً،

بحيث إن لو رآه مبطل أو شاهد زور ارتدع وتهيّب.

قال : فعمل له كرسي من أنياب الفيل،

وفصصوه بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد وأنواع الجواهر،

وحففوه بأربع نخلات من ذهب شماريخها الياقوت الأحمر والزمرد الأخضر،

على رأس نخلتين منها طاووسان من ذهب وعلى رأس الآخرين نسران من ذهب بعضها مقابل لبعض،

وقد جعلوا من جنبتي الكرسي أسدين من الذهب،

على رأس كل واحد منهما عمود من الزمرد الأخضر،

وقد عقدوا على النخلات أشجار كروم من الذهب الأحمر،

واتخذوا عناقيدها من الياقوت الأحمر،

بحيث أظل عريش الكروم النخل والكرسي.

قال : وكان سليمان إذا أراد صعوده وضع قدميه على الدرجة السفلى،

فيستدير الكرسي كله بما فيه دوران الرحى المسرعة،

وتنشر تلك النسور والطواويس أجنحتها ويبسط الأسدان أيديهما فيضربان الأرض بأذنابهما،

وكذلك يفعل في كل درجة يصعدها سليمان،

فإذا إستوى بأعلاه أخذ النسران اللذان على النخلتين تاج سليمان فوضعاه على رأس سليمان،

ثم يستدير الكرسي بما فيه ويدور معه النسران والطاووسان والأسدان مائلات برؤسها إلى سليمان ينضحن عليه من أجوافها المسك والعنبر ثم تناولت حمامة من ذهب قائمة على عمود من جوهر من أعمدة الكرسي التوراة،

فيفتحها سليمان ويقرأها على الناس ويدعوهم إلى فصل القضاء،

ويجلس عظماء بني إسرائيل على كراسي الذهب المفصصة وهي ألف كرسي عن يمينه،

ويجيء عظماء الجنّ ويجلسون على كراسي من الفضة عن يساره وهي ألف كرسي حافين جميعاً،

به ثم تحف بهم الطير تظلهم،

ويتقدم إليه الناس للقضاء،

فإذا دعى بالبينات وتقدمت الشهود لإقامة الشهادات،

دار الكرسي بما فيه من جميع ماحوله دوران الرحى المسرعة،

ويبسط الأسدان أيديهما ويضربان الأرض باذنابهما وينشر النسران والطاووسان أجنحتهما،

فيفزع منه الشهود ويدخلهم من ذلك رعب شديد،

فلا يشهدون إلاّ بالحق.

﴿ ٣٤