سورة المؤمن

مكية

قال الثمالي : إنما سميت بذلك من أجل حزقيل مؤمن آل فرعون،

وهي خمس وثمانون آية،

وألف ومائة وتسعوتسعون كلمة،

وأربعة ألف وتسع مائة وستون حرفاً

في فضل الحواميم :

أخبرنا الأُستاذ أبو الحسين علي بن محمّد بن الحسن الجنازي قراءة عليه حدثنا أبو الشيخ الأصبهاني حدثنا محمّد بن أبي عصام حدثنا إبراهيم بن سليمان الحرّاني حدثنا عثمان المزني حدثنا عبد القدوس بن حبيب عن الحسن عن أنس قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (الحواميم ديباج القرآن).

أخبرنا أبو محمّد ابن الرومي أخبرنا أبو العباس السراج حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن الجراح بن أبي الجراح حدثه عن ابن عبّاس قال : لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم.

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن يعقوب القصري بها أخبرنا أبو علي الصفار ببغداد حدثنا سعدان بن نصر وأخبرنا أبو الحسين الخبازي أخبرنا الشدائي وهو أبو بكر أحمد بن نصر حدثنا ابن المنادي عن سعدان بن نصر : أن المعتمر بن سليمان الرقي حدثهم عن الخليل بن مرة مرسلاً قال : كان النبي (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (الحواميم سبع وأبواب جهنّم سبع : جهنم،

والحطمة،

ولظى،

والسعير،

وسقر،

والهاوية،

والجحيم،

فتجيء كل حاء ميم منهن يوم القيامة على باب من هذه الأبواب فيقول : لايدخل الباب من كان يؤمن بي ويقرأني).

أخبرنا علي بن محمّد بن الحسن حدثنا أبو جعفر محمّد بن عبد اللّه بن بذرة حدثنا أبو علي أحمد ابن بشر المرثدي حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا جعفر بن عون عن مسعر عن سعيد بن إبراهيم قال : كنّ الحواميم يسمون العرائس.

وروي عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أنه قال : (لكل شيء ثمرة،

وأن ثمرة القرآن ذوات حسم هن روضات حسان مخصبات متجاورات،

فمن أحب أن يرتع في رياض الجنّة فليقرأ الحواميم).

وقال ابن مسعود : إذا وقعت في أل حم وقعت في روضات أتأنق فيهن.

وقال (صلى اللّه عليه وسلم) (مثل الحواميم في القرآن مثل الحبرات في الثياب).

وقال ابن سيرين : رأى رجل في المنام سبع جوار حسان في مكان واحد لم ير أحسن منهن فقال لهن : لمن أنتن؟

قلن : لمن قرأ أل حم.

فأما فضائل هذه السورة خاصة.

فأخبرنا أبو عبد اللّه حدثنا ظفران حدثنا أبو محمّد بن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمّد ابن الصباح وأخبرنا أبو الحسين الخبازي حدثنا ظفران حدثنا ابن أبي داود حدثنا محمّد بن عاصم وأخبرنا الخبازي حدثنا ابن حبش المقريء حدثني أبو العبّاس محمّد بن موسى الدقاق حدثنا عبد اللّه بن روح المدائني حدثنا نشابة بن سوار حدثنا مخلد بن عبد الواحد عن علي بن زيد وعن عطاء بن أبي ميمونة عن زر بن حبيش عن أُبي بن كعب عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) ال : (من قرأ حم المؤمن لم تبق روح نبيّ ولا صدّيق ولاشهيد ولامؤمن إلاّ صلّوا عليه واستغفرو له).

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

{حم} أنبأنا أبو عبد اللّه بن فنجويه حدثنا أبو علي بن حبش المقريء حدثنا أبو القاسم ابن الفضل حدثنا علي بن الحسن حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا يحيى بن حسان حدثنا رشد عن الحسن بن ثوبان عن عكرمة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (حم اسم من أسماء اللّه تعالى وهي مفاتيح خزائن ربّك تعالى).

أخبرنا عبد اللّه بن حامد الوزان أخبرنا مكي بن عبدان حدثنا عبد اللّه بن هاشم حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي حدثنا شعبة قال : سألت السدي عن حم؟

فقال : قال ابن عبّاس : هو اسم اللّه الأعظم.

وروى عكرمة عن ابن عبّاس قال : (الر) و (حم) و (ن) حروف الرحمن مقطوعة.

الوالبي عنه : قسم أقسم اللّه تعالى به،

وهو اسم من أسماء اللّه تعالى.

وقال قتادة : حم اسم من أسماء القرآن.

مجاهد : فواتح السور.

القرظي : أقسم اللّه تعالى بحلمه وملكه أن لا يعذب أحداً عاد إليه يقول لا إله إلاّ اللّه مخلصاً من قلبه.

الشعبي : شعار السورة.

وقال عطاء بن أبي مسلم الخراساني : الحاء افتتاح أسماء اللّه تعالى : حليم،

وحميد،

وحيّ،

وحنّان،

وحكيم،

والميم افتتاح أسمائه : ملك،

ومجيد،

ومنّان. يدل عليه ماروى عن أنس بن مالك أنه قال : سأل أعرابي رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ا حم،

فإنا لا نعرفها في لغتنا؟

فقال : (بدء أسماء وفواتح سور).

وقال الضحاك والكسائي : معناه قضى ماهو كائن،

كأنه أراد الاشارة إلى حُمّ بضم الحاء وتشديد الميم.

٢

{تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللّه الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} واختلف القراء في قوله : (حم) فكسر الحاء حيث كان،

عيسى وحمزة والكسائي وخلف،

ومثله روى يحيى وحماد عن أبي بكر عن عاصم.

وقرأ أبو جعفر وأبو عبيد وأبو حاتم وابن ذكوان بين الفتح والكسر.

ومثله روى بكر بن سهل الدمياطي وإسماعيل النخاس عن ورش عن نافع.

وقرأ الباقون : بالفتح.

٣

{غَافِرِ الذَّنبِ} قال ابن عبّاس : لمن قال : لا إله إلاّ اللّه.

{وَقَابِلِ التَّوْبِ} ممّن قال : لا إله إلاّ اللّه {شَدِيدُ الْعِقَابِ} لمن لايقول : لا إله إلاّ اللّه {ذِى الطَّوْلِ} ذي الغنى عمّن لايقول : لا إله إلاّ اللّه.

وقال الضحاك : ذي المنن.

قتادة : ذي النعم.

السدي : ذي السعة.

الحسن : ذي الفضل.

ابن زيد : ذي القدرة،

وأصل الطول : الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه،

يقال : اللّهم طلّ علينا،

أي أنعم علينا وتفضل،

ومنه قيل للمنفع : طائل،

ويقال في الكلام : ماخليت من فلان بطائل وما حظيت منه بنائل،

أي لم أجد منه منفعة.

حدثنا الحسن بن محمّد بن فنجويه حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا يوسف بن عبد اللّه ابن ماهان حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت قال : كنت إلى جانب سرادق مصعب بن الزبير في مكان لا يمر فيه الدواب،

وقد استفتحت {حم تنزيل الكتاب من اللّه العزيز العليم} إذ مرَّ رجل على دابة فلما قلت : (غافر الذنب). قال : قل : ياغافر الذنب اغفر لي ذنبي.

قلت : (وقابل التوب).

قال : قل : ياقابل التوب اقبل توبتي. قلت : (شديد العقاب).

قال : قل : ياشديد العقاب اعف عني عقابي.

قلت : (ذي الطول).

قال : قل ياذي الطول طلّ عليَّ بخير.

قال : ثم التفتُ يميناً وشمالاً فلم أر شيئاً.

وقال أهل الاشارة : (غافر الذنب) فضلاً (وقابل التوب) وعداً (شديد العقاب) عدلاً.

{اله إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} فرداً. و (التّوب) يجوز أن يكون مصدراً،

ويحتمل أن يكون جمع التوبة،

مثل دومة ودوّم وعومة وعوّم.

أخبرنا عبد اللّه بن حامد قرأه عليه حدثنا محمّد بن خالد بن الحسن أخبرنا داود بن سليمان حدثنا عبد بن حميد حدثنا كثير بن هشام أخبرنا جعفر بن مرقان حدثنا يزيد بن الأصم : أن رجلاً كان ذا بأس،

وكان يوفد إلى عمر بن الخطاب ح لبأسه،

وكان من أهل الشام،

وأن عمر فقده فسأل عنه فقيل له : يتابع في هذا الشراب فدعا عمر كاتبه فقال : اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان سلام عليكم،

فإني أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو {بسم اللّه الرحمان الرحيم حم تنزيل الكتاب من اللّه العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلاّ هو إليه المصير} . وختم على الكتاب ثم دفعه إلى رسوله وقال : لا تدفعن الكتاب إليه حتّى تجده صحوان.

ثم أمر من عنده فدعوا له أن يقبل اللّه تعالى عليه بقلبه،

وأن يتوب عليه،

فلما أتت الصحيفة الرجل جعل يقرأها ويقول قد وعدني اللّه تعالى أن يغفر لي وحذّرني عقابه،

فلم يزل يرددها على نفسه حتّى بكى ثم نزع،

فاحسن النزع وحسنت توبته وحاله،

فلما بلغ عمر أمره قال : هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم زَل زلة فسدّدوه ووفقوه وادعوا اللّه تعالى له أن يتوب عليه،

ولاتكونوا أعواناً للشياطين عليه.

٤

{مَا يُجَادِلُ} مايخاصم ويمادي {مَا يُجَادِلُ فِى} بالإنكار لها {إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا} .

أخبرنا عبد اللّه بن حامد أخبرنا محمّد بن يعقوب حدثنا محمّد بن إسحاق حدثنا خالد بن الوليد حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال : آيتان ما أشدّهما على الذين يجادلون في القرآن {مَا يُجَادِلُ فِى ءَايَاتِ اللّه إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا} و {إن الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} .

أخبرنا عبد اللّه بن حامد حدثنا محمّد بن خالد حدثنا داود بن سليمان أخبرنا عبد بن حميد حدثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائد عن ليث عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (إن جدالاً في القرآن كفر).

{فلا يغررك تَقَلُّبُهُمْ} تصرفهم {فِى الْبِلَادِ} للتجارات وبقائهم فيها مع كفرهم،

فإن اللّه تعالى يمهلهم ولايهملهم،

نظيره : {لايغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل} ،

٥

ثم قال : {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَاحْزَابُ} والكفار الذين تحزبوا على أنبيائهم بالمخالفة والعداوة {مِّن بَعْدِهِمْ} ،

أي من بعد قوم نوح {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّة بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} ويقتلوه.

قال الفراء : كان حقه أن يقول برسولها وكذلك هي في قراءة عبد اللّه،

ولكنه أراد بالأمة الرجال فكذلك قال : (برسولهم).

{وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا} ليبطلوا ويزيلوا {بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}

٦-٧

{وَ كذلك حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ} من الملائكة.

قال ابن عبّاس : حملة العرش مابين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمس مائة عام. وقال : مسيرة أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش،

وهم خشوع لا يرفعون طرفهم،

وهم أشد خوفاً من أهل السماء السابعة،

وأهل السماء السابعة أشد خوفاً من أهل السماء التي تليها،

والتي تليها أشد خوفاً من التي تليها.

قال مجاهد : بين الملائكة وبين العرش سبعون حجاباً من نور.

أخبرنا ابن فنجويه الدينوري حدثنا مخلد بن جعفر حدثنا الحسن بن علوية حدثنا إسماعيل ابن عيسى حدثنا إسحاق أخبرني مقاتل عن الضحاك عن ابن عبّاس قال : لمّا خلق اللّه حملة العرش قال لهم : احملوا عرشي. فلم يطيقوا،

فخلق مع كل ملك منهم من أعوانهم مثل جنود من في السماوات من الملائكة ومن في الأرض من الخلق،

فقال : احملوا عرشي. فلم يطيقوا،

فخلق مع كل واحد منهم جنود سبع سماوات وسبع أرضين ومافي الأرض من عدد الحصى والثرى فقال : احملوا عرشي. فلم يطيقوا،

فقال : قولوا لاحول ولاقوة إلاّ باللّه.

فقالوا : لا حول ولا قوة إلاّ باللّه استقلينا عرش ربّنا.

قال : فنفذت أقدامهم في الأرض السابعة على متن الثرى فلم تستقر،

فكتب على قدم كل ملك اسم من اسمائه تعالى،

فاستقرت أقدامهم.

وروى شهر بن حوشب عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (لا تتفكروا في عظمته ولكن تفكروا فيما خلق اللّه تعالى من الملائكة،

فإن خلقاً من الملائكة يقال له : إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه في الأرض السفلى،

وقد مرق رأسه من سبع سماوات وأنه ليتضأل من عظمة اللّه تعالى حتّى يصير كأنه الوضيع).

وروى موسى بن عقبة عن محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أُذِنَ لي أن أُحدّث عن ملك من ملائكة اللّه من حملة عرشه ما بين شحمة أُذنه إلى عاتقه مسيرة سبع مائة عام).

وفي الخبر : أن اللّه تعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة عرشه،

تفضيلاً لهم على سائر الملائكة،

فهذه صفة حملة العرش.

وأما صفة العرش :

فروى لقمان بن عامر عن أبيه قال : ان اللّه تعالى خلق العرش من جوهرة خضراء،

للعرش ألف ألف رأس زاجون ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة قد وضعوا اليمنى على اليسرى ليس منهم أحد إلاّ وهو يسبح بتحميده لايسبحه الآخر،

مابين جناحي أحدهم مسيرة ثلاثمائة عام،

ومابين شحمة أُذنه إلى عاتقه أربع مائة عام،

واحتجب اللّه تعالى بينه وبين الملائكه الذين هم حول العرش بسبعين حجاباً من نار،

وسبعين حجاباً من ظلمة،

وسبعين حجاباً من نور،

وسبعين حجاباً من در أبيض،

وسبعين حجاباً من ياقوت أحمر،

وسبعين حجاباً من زبرجد أخضر،

وسبعين حجاباً من ثلج،

وسبعين حجاباً من ماء،

وسبعين حجاباً من برد ومالا يعلمه إلاّ اللّه تعالى.

قال : ولكل واحد من حملة العرش ومن حوله أربعة وجوه : وجه ثور،

ووجه أسد،

ووجه نسر،

ووجه إنسان،

ولكل واحد منهم أربعة أجنحة : أما جناحان فعلى وجه من أن ينظر إلى العرش فيصعق،

وأما جناحان فيتبوأ فَيَقْوى بهما،

ليس لهم كلام إلاّ التسبيح والتحميد والتكبير والتمجيد.

وقال يزيد الرقاشي : ان للّه تعالى ملائكة حول العرش يسمّون المخلصين،

تجري أعينهم مثل الأنهار إلى يوم القيامة يميدون كأنما ينفضهم من خشية اللّه،

فيقول لهم الربّ جلّ جلاله : يا ملائكتي مخافة تخيفكم؟

فيقولون : ياربّنا لو أن أهل الأرض أطلعوا من عزتك وعظمتك على ما اطلعنا عليه،

ما أساغوا طعاماً ولا شراباً ولا انبسطوا في فرشهم،

ولخرجوا إلى الصحارى يخورون كما يخور البقر.

{يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا} وهذا تفسير لقوله {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الأرض} {رَبَّنَآ} أي ويقولون : ربّنا {وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا} نصباً على التفسير،

وقيل : نصباً على النقل،

أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَا تَّبَعُوا سَبِيلَكَ} دينك {وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} .

روى الأعمش عن إبراهيم قال : كان أصحاب عبد اللّه يقولون الملائكة خير من ابن الكوا،

يستغفرون لمن في الأرض وابن الكوا يشهد عليهم بالكفر،

وابن الكوا رجل من الخوارج قال : وكانوا لايحبون الإستغفار على أحد من أهل هذه القبلة.

وقال : وجدنا أنصح عباد اللّه لعباد اللّه الملائكة،

ووجدنا أغش عباد اللّه للعباد الشيطان.

وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : سمعت أبي يقول : سمعت محمّد بن علي بن محمّد الوراق يقول : سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول لأصحابه إذ قرأ هذه الآية : افهموا فما في العالم خيراً أرجى منه.

٨

{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن} في محل نصب عطفاً على الهاء والميم {صَلَحَ مِنْ ءَابَآهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

قال سعيد بن جبير : يدخل الرجل الجنّة فيقول : أين أبي أين أمي أين ولدي أين زوجي؟

فيقال : لم يعملوا مثل عملك.

فيقول : كنت أعمل لي ولهم.

فيقال : ادخلوهم الجنّة.

٩-١٠

{وَقِهِمُ السَّيِّ َئاتِ} أنواع العذاب {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ} يوم القيامة وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم حين عاينوا العذاب فيقال لهم : {لَمَقْتُ اللّه} إياكم في الدُّنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون {أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ} اليوم {أَنفُسَكُمْ} عند حلول العذاب بكم

١١

{إذْ تُدْعَوْنَ إلَى الإيمَانِ فَتَكْفُرُونَ قَالُوا ربَّنَا أمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْن}.

قال ابن عبّاس وقتادة والضحاك : كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم،

فأحياهم اللّه تعالى في الدُّنيا ثم أماتهم الموتة التي لابدّ منها،

ثم أحياهم للبعث يوم القيامة،

فهما حياتان وموتتان،

وهذا مثل قوله تعالى : {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّه وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} الآية.

وقال السدي : أُميتوا في الدُّنيا ثم أُحيوا في قبورهم،

فسُئلوا ثم أُميتوا في قبورهم،

ثم أُحيوا في الآخرة.

{فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} فنصلح أعمالنا،

نظيرها قوله : {هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ}

١٢

{ذَالِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ اللّه وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} في الكلام متروك استغنى بدلالة الظاهر عليه،

مجازه : فأُجيبوا أن لاسبيل إلى ذلك وهو العذاب والخلود في النار،

بأنه إذا دُعي اللّه وحده في الدُّنيا كفرتم به وأنكرتم أن لا تكون الإلهية له خالصة،

وقلتم أجعل الإلهة إلهاً واحداً {وَإِن يُشْرَكْ بِهِ} غيره.

{تُؤْمِنُوا} تصدقوا ذلك المشرك. وسمعت بعض العلماء يقول : وإن يشرك به بعد الرد إلى الدُّنيا لو كان تؤمنوا تصدقوا المشرك ذكره بلفظ الإستفهام. نظيره قوله تعالى : {ولو ردّوا لعادوا لما نهو عنه} {فَالْحُكْمُ للّه الْعَلِىِّ الْكَبِيرِ} .

١٣

{هُوَ الَّذِى يُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ رِزْقًا} بأدرار الغيث

١٤-١٥

{وَمَا يَتَذَكَّرُ إلاَّ مَنْ يُنِيبُ فَادْعُوا اللّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين} العبادة والطاعة {وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ رَفِيعُ} أيّ هو رفيع {الدَّرَجَاتُ} يعني رافع طبقات الثواب للأنبياء والمؤمنين في الجنّة.

قال ابن عبّاس : رافع السماوات وهو فوق كل شيء وليس فوقه شيء.

{ذُو الْعَرْشِ} خالقه ومالكه {يُلْقِى الرُّوحَ} ينزل الوحي،

سمّاه وحياً،

لأنه يحيي به القلوب كما يحيي بالأرواح الأبدان {مِنْ أَمْرِهِ} من قوله وقيل بأمره {عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يوم التلاق} .

قراءة العامة : بالياء أي ينذر اللّه تعالى.

وقرأ الحسن : بالتاء،

يعني لتنذر أنت يامحمّد يوم التلاق.

أخبرنا أبو الحسين بن الفضل الفقيه حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا محمّد بن عبيد اللّه حدثنا أبو أُسامة حدثنا المبرك بن فضالة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عبّاس في قوله تعالى : {لِيُنذِرَ يوم التلاق} قال : يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض.

وقال قتادة ومقاتل : يلتقي فيه الخلق والخالق.

ابن زيد : يتلاقى العباد.

ميمون بن مهران : يلتقي الظالم والمظلوم والخصوم. وقيل : يلتقي العابدون والمعبودون. وقيل : يلتقي فيه المرء مع عمله

١٦

{يَوْمَ هُم بَارِزُونَ} خارجون من قبورهم،

ظاهرون لايسترهم شيء {يَخْفَى عَلَى اللّه مِنْهُمْ} من أعمالهم وأحوالهم {شَىْءٍ} ومحل (هم) رفع على الابتداء و (بارزون) خبره {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} وذلك عند فناء الخلق،

وقد ذكرنا الأخبار فيه.

قال الحسن : هو السائل وهو المجيب،

لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه فيجيب نفسه فيقول : {للّه الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} الذي قهر الخلق بالموت.

أخبرنا شعيب أخبرنا مكي حدثنا أبو الأزهر حدثنا روح حدثنا حماد عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : يجمع اللّه الخلق يوم القيامة بصعيد واحد،

بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضّة لم يعص اللّه تعالى فيها قط،

فأول ما تتكلم به أن ينادي مناد {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ للّه الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} .

١٧

{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللّه سَرِيعُ الْحِسَابِ} فأول مايبدؤن به من الخصومات الدماء

١٨

{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ازِفَةِ} أي بيوم القيامة،

سمّيت بذلك لأنها قريبة،

إذ كل ماهو آت قريب.

قال النابغة :

أزف الترحل غير أن ركابنا

لمّا تزل برحالنا وكأن قد

أي : قَرُب،

ونظيرها هذه الآية قوله تعالى : {أَزِفَتِ الآزِفَةُ} أيّ قربت القيامة.

{إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} من الخوف قد زالت وشخصت من صدورهم،

فتعلقت بحلوقهم فلا هي تعود إلى أماكنها ولا هي تخرج من أفواههم فيموتوا فليسوا سواء نظيره قوله : {وَأَفْدَتُهُمْ هَوَآءٌ} {كَاظِمِينَ} مكروبين ممتلئين خوفاً وحزناً،

والكاظم الممسك للشيء على مافيه،

ومنه كظم قربته إذا شد رأسها،

فهم قد أطبقوا أفواههم على مافي قلوبهم من شدة الخوف،

والكظم تردد الغيظ والخوف والحزن في القلب حين يضيق به.

يقول العرب للبئر الضيقة وللسقاية المملؤة : ماء كظامة وكاظمة،

ومنه الحديث : كيف بكم (إذا) بعجت مكة كظائم.

قال الشاعر :

يخرجن من كاظمة العصن الغرب

يحملن عبّاس بن عبد المطلب

ونصب كاظمين على الحال والقطع.

{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ} قريب وصديق،

ومنه قيل للأقرباء والخاصة حامّة {وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} فيشفع فيهم

١٩

{يَعْلَمُ خَآنَةَ اعْيُنِ} .

وقال المؤرخ : فيه تقديم وتأخير مجازه أي الأعين الخائنة قال ابن عبّاس : هو الرجل يكون جالساً مع القوم،

فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها.

وقال مجاهد : هي نظر الأعين إلى ما نهى اللّه تعالى عنه.

قتادة : هي همزة بعينه وإغماضه فيما لايحب اللّه تعالى ولايرضاه.

٢٠

{وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وَاللّه يَقْضِي بِالحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} يعني الأوثان {يَقْضُونَ بِشَىْءٍ} لأنها لاتعلم شيء ولا تقدر على شي.

وقرأ أهل المدينة وأيوب : تدعون بالتاء،

ومثله روى هشام عن أهل الشام والباقون : بالياء.

٢١

{إنَّ اللّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ أوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّة}.

قرأه العامة : بالهاء.

وقرأ ابن عامر : منكم بالكاف. وكذلك هو في مصاحفهم.

{وَآ ثَاراً فِي الأرْض} فلم ينفعهم ذلك حين أخذهم اللّه {بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللّه مِن وَاقٍ} يعني من عذاب اللّه من واق ينفعهم ويدفع عنهم

٢٢-٢٥

{ذَلِكَ بِأنَّهُمْ كَانَتْ تَأتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأخَذَهُمُ اللّه إنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ العِقَابِ وَلَقَدْ أرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَان مُبِين إلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا} يعني فرعون وقومه {اقْتُلُوا أَبْنَآءَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ} .

قال قتادة : هذا قتل غير القتل الأول،

لأن فرعون كان أمسك عن قتل الولدان،

فلما بُعث إليه موسى أعاد القتل عليهم.

{وَاسْتَحْيُوا نِسَآءَهُمْ} ليصدوهم بقتل الأبناء واستحياء النساء عن متابعة موسى ومظاهرته {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ} وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم

٢٦

{إلاَّ فِي ضَلال وَقَالَ فِرْعَوْنُ} لملائه {ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منّا {إِنِّى أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ} يغير {دِينِكُمْ} الذي أنتم عليه بسحر {أَوْ أَن} .

قرأ أبو عمر وأهل المدينة وأهل الشام وأهل مكة : وأن بغير ألف،

وكذلك هي في مصاحف أهل الحرمين والشام.

وقرأ الكوفيون وبعض البصريين : (أو أن) بالألف،

وكذلك هي في مصاحف أهل العراق.

وقال أبو عبيد : وبها يقرأ للزيادة التي فيها،

ولأن (أو) ربما كانت في تأويل الواو،

ولا تكون الواو في معنى أو.

{يُظْهِرَ فِى الأرض الْفَسَادَ} .

قرأ أهل المدينة والبصرة : (يُظهِر) بضم الياء وكسر الهاء،

و (الفسادَ) بنصب الدال على التعدية.

ومثله روى حفص عن عاصم وهي اختيار أبي عبيد قال لقومه : يبدل دينكم،

فكذلك يظهر ليكون الفعلان على نسق واحد.

وقرأ الآخرون : بفتح الياء والهاء ورفع الدال على اللزوم،

وهي اختيار أبي حاتم. والفساد انتقاص الأمر،

وأراد فرعون به تبديل الدين وعبادة غيره.

٢٧-٢٨

{وَقَالَ مُوسَىا} لما توّعده فرعون بالقتل : {إنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّر لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِسَابِ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمَانَه} اختلفوا في هذا المؤمن.

فقال بعضهم : كان من آل فرعون،

غير أنه كان آمن بموسى،

وكان يكتم إيمانه من فرعون وقومه خوفاً على نفسه.

قال السدّي ومقاتل : كان ابن عم فرعون وهو الذي أخبر اللّه تعالى عنه فقال : {وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى} .

وقال آخرون : كان إسرائيلياً،

ومجاز الآية : وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون. واختلفوا أيضاً في اسمه.

فقال ابن عبّاس وأكثر العلماء : اسمه حزبيل.

وهب بن منبه : اسمه حزيقال.

ابن إسحاق : خبرل.

أخبرنا عبد اللّه بن حامد أخبرنا محمّد بن خالد أخبرنا داود بن سليمان أخبرنا عبد الواحد أخبرنا أحمد بن يونس حدثنا خديج بن معاوية عن أبي إسحاق قال : كان اسم الرجل الذي آمن من آل فرعون (حبيب).

{أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن} أي لأن {يَقُولَ رَبِّىَ اللّه وَقَدْ جَآءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِى يَعِدُكُمْ} من العذاب.

وقال بعض أهل المعاني : أراد يصبكم كل الذي يعدكم.

والعرب تذكر البعض وتريد الكل،

كقول لبيد :

تراك أمكنة إذا لم أرضها

أو يرتبط بعض النفوس حمامها

أي كل النفوس.

{إِنَّ اللّه يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مشرك.

وقال السدي : قتّال.

{كَذَّابٌ} على اللّه.

أخبرنا الامام أبو منصور محمّد بن عبد اللّه الجمشاذي حدثنا أبو العبّاس الأصم حدثنا العبّاس بن محمّد الثوري حدثنا خالد بن مخلد القطواني حدثنا سليمان بن بلال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عمرو بن العاص قال : ما تؤول من رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) شيء كان أشد من أن طاف بالبيت فلقوه حين فرغ فأخذوا بمجامع ردائه فقالوا : أنت الذي تنهانا عمّا كان يعبد آباؤنا؟

فقال : (أنا ذاك).

فقام أبو بكرحفالتزمه من ورائه وقال : {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّىَ اللّه وَقَدْ جَآءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ} إلى آخر الآية رافع صوته بذلك،

وعيناه تسفحان حتّى أرسلوه.

٢٩

{يَا قَوْمِ لَكُمُ المُلْكُ اليَوْمَ ظَاهِرِينَ} غالبين مستعلين على بني إسرائيل {فِى الأرض} أرض مصر {فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللّه} عذاب اللّه {إِن جَآءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ} من الرأي والنصيحة {إِلا مَآ أَرَى} لنفسي.

وقال الضحاك : ما أعلمكم إلاّ ما أعلم نظيره {بما أراك اللّه} .

٣٠-٣١

{وَمَا أهْدِيكُمْ إلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إنِّي أخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأحْزَابِ مِثْلَ دَأبِ قَوْمِ نُوح وَعَاد وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} مثل ما أصابهم من العذاب

٣٢

{وَمَا اللّه يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ وَيَا قَوْمِ إنِّي أخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} .

قرأه العامة : بتخفيف الدال،

بمعنى يوم ينادي المناد بالشقاوة والسعادة،

إلاّ أن فلان بن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً،

إلاّ أن فلان بن فلان شقى شقاوة لايسعد بعدها أبداً،

وينادي الناس بعضهم بعضاً،

وينادي أصحاب الأعراف،

وأهل الجنّة أهل النار،

وأهل النار أهل الجنّة،

وينادي حين يذبح الموت : يا أهل الجنّة خلود فلا موت،

ويا أهل النار خلود فلا موت،

وينادي كل قوم بأعمالهم. وقرأ الحسن : (التنادي) بتخفيف الدال واثبات الياء على الأصل.

وقرأ ابن عبّاس والضحاك : بتشديد الدال،

على معنى يوم التنافر،

وذلك إذا ندّوا في الأرض كما تند الابل إذا شردت على أربابها.

قال الضحاك : وذلك إذا سمعوا زفير النار ندّوا هراباً،

فلا يأتون قطراً من الاقطار إلاّ وجدوا ملائكة صفوفاً،

فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه،

فذلك قوله : {يَوْمَ التَّنَادِ} وقوله تعالى : {يا معشر الجنّ والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا} {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَآهَا} .

٣٣

{يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} أيّ منصرفين عن موقف الحساب إلى النار.

وقال مجاهد : يعني فارّين غير معجزين.

{مَا لَكُم مِّنَ اللّه مِنْ عَاصِمٍ} ناصر يمنعكم من عذابه

٣٤

{وَمَنْ يُضْلِلِ اللّه فَمَا لَهُ مِنْ هَاد وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ} بن يعقوب (عليه السلام) {مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ} أي من قبل موسى بالبينات.

قال وهب : إن فرعون موسى هو فرعون يوسف،

عمّر إلى زمن موسى. وقال الباقون : هو غيره.

{فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللّه مِن بَعْدِهِ رَسُولا كذلك يُضِلُّ اللّه مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مشرك {مُّرْتَابٌ} شاك

٣٥

{الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِى ءَايَاتِ اللّه بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَ اهُمْ كَبُرَ مَقْتًا} أي كبر ذلك الجدال مقتاً كقوله : {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللّه أَن تَقُولُوا} و {كَبُرَتْ كَلِمَةً} {عِندَ اللّه وَعِندَ الَّذِينَ ءَامَنُوا كذلك يَطْبَعُ اللّه} يختم اللّه بالكفر {عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} .

وقرأ أبو عمرو وابن عامر : (قلب) منّوناً.

وقرأ الآخرون : بالإضافة.

(واختاره أبو حاتم وأبو عبيد)،

وفي قراءة ابن مسعود : (على قلب كل متكبر جبار).

٣٦

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً} قصراً. والصرح البناء الظاهر الذي لايخفى على الناظر وإن بُعد،

وأصله من التصريح وهو الإظهار.

٣٧

{لَعَلِّي أبْلُغُ الأسْبَابَ أسْبَابَ السَّماوَاتِ} أي طرقها وأبوابها {فَأَطَّلِعَ} .

قرأه العامة : برفع العين نسقاً على قوله : (أبلغ).

وقرأ حميد الأعرج : بنصب العين.

ومثله روى حفص عن عاصم على جواب (لعلّي) بالفاء.

وأنشد الفراء عن بعض العرب :

على صروف الدهر أو دولاتها يدلننا

اللمّة من لماتها فتستريح النفس من زفراتها

بنصب الحاء على جواب حرف التمني.

{إِلَى اله مُوسَى وَإِنِّى ظُنُّهُ} يعني موسى {كَاذِبًا} فيما يقول : إن له ربّا غيري أرسله الينا {وَ كذلك زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِى تَبَابٍ} خسار وضلال. نظيره : {تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ} .

٣٨

{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} طريق الصواب

٣٩

{يَا قَوْمِ إنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} متعة وبلاغ،

تنتفعون بها مدة ثم تزول عنكم

٤٠-٤٣

{وَإنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَر أوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب وَيَا قَوْمِ مَا لِي أدْعُوكُمْ إلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لأكْفُرَ بِاللّه وَاُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأنَا أدْعُوكُمْ إلَى العَزِيزِ الغَفَّارِ لا جَرَمَ أنَّمَا تَدْعُونَنِي إلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَة} ينتفع بها.

وقال السديّ : يعني لايستجيب لأحد في الدُّنيا ولا في الآخرة،

فكان معنى الكلام : ليست له استجابة دعوة.

وقال قتادة : ليست له دعوة مستجابة. وقيل : ليس له دعوة في الدُّنيا ولافي الآخرة إلاّ عبدوها،

لأن الأوثان لم تأمر بعبادتها في الدُّنيا،

ولم تدع الربوبية وفي الآخرة تتبرأ من عابديها {وَأنَّ مَرَدَّ نَا} مرجعنا {إِلَى اللّه وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} .

قال ابن عبّاس وقتادة : يعني المشركين.

وقال مجاهد : هم السفّاكون الدماء بغير حقها.

وقال عكرمة : الجبارين المتكبرين.

٤٤

{فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ} إذا عاينتم العذاب حين لاينفعكم الذكر {وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللّه} وذلك انهم توعدوه لمخالفة دينهم {إِنَّ اللّه بَصِيرُ بِالْعِبَادِ} عالم بأمورهم من المحق منهم ومن المبطل

٤٥

{فَوَقَاهُ اللّه سَيَِّاتِ مَا مَكَرُوا} .

قال قتادة : نجا مع موسى وكان قبطياً.

{وَحَاقَ} نزل {فَوَقَ اهُ اللّه سَيِّ َاتِ مَا} في الدُّنيا الغرق وفي الآخرة النار وذلك قوله :

٤٦

{النَّارِ} وهي رفع على البدل من السوء {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} وأصل العرض اظهار الشيء.

قال قتادة : يعرضون عليها صباحاً ومساءاً،

يقال لهم : يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخاً ونقمة وصغاراً لهم.

وقال السدي وهذيل بن شرحبيل : هو أنهم لما هلكوا جُعلت أرواحهم في أجواف طير سود،

فهي تُعرض على النار كل يوم مرتين تغدوا وتروح إلى النار حتى تقوم الساعة.

أخبرني عقيل بن محمّد بن أحمد الجرجاني : أن أبا الفرج البغدادي القاضي أخبرهم عن محمّد بن جرير حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير حدثنا حماد بن محمّد الفزاري قال : سمعت الأوزاعي وسأله رجل فقال : يرحمك اللّه رأينا طيوراً تخرج من البحر تأخذ ناحية الغرب بيضاً فوجاً فوجاً،

لايعلم عددها إلاّ اللّه تعالى،

فإذا كان العشي رجع مثلها سوداً.

قال : وفطنتم لذلك؟

قال : نعم.

قال : إن تلك الطيور في حواصلها أزواج آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً،

فترجع إلى وكورها وقد احترقت رياشها وصارت سوداً،

فنبت عليها أرياش من الليل بيض وتناثر السود،

ثم تغدوا فيعرضون على النار غدواً وعشياً ثم ترجع إلى وكورها،

فذلك دأبهم في الدُّنيا،

فإذا كان يوم القيامة قال اللّه تعالى : {أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} .

قال : وكانوا يقولون : إنهم ستمائة ألف مقاتل.

قال عكرمة ومحمّد بن كعب : هذه الآية تدل على عذاب القبر،

لأن اللّه تعالى ميّز عذاب الآخرة فقال : {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} ادخلوا.

قرأ أهل المدينة والكوفة إلاّ أبا بكر ويعقوب : بقطع الألف وكسر الخاء من الادخال.

وقرأ الباقون : بوصل الألف وضم الخاء من الدخول.

٤٧

{وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِى النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} في الدُّنيا {فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ} والتبع يكون واحداً وجمعاً.

وقال نحويوا البصرة : وواحده تابع.

وقال أهل الكوفة : هو جمع لا واحد له،

لأنه كالمصدر وجمعه أتباع.

٤٨

{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ} .

وقرأ ابن السميقع : (إنا كلاً فيها) بالنصب،

جعلها نعتاً وتأكيداً ل (إنا).

٤٩

{إنَّ اللّه قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العِبَادِ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّار} إذا اشتد.

الشعبي قال : كنية الدجال أبو يوسف.

٥٨

{وَمَا يَسْتَوِى الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِىءُ قَلِيلا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} بالتاء أهل الكوفة وغيرهم : بالياء.

واختاره أبو عبيد قال : لأن أول الآيات وآخرها خبر عن قوم.

٥٩

{إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ} لجائية {لا رَيْبَ فِيهَا وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يُؤْمِنُونَ} بها

٦٠

{وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} أي وحدوني وأعبدوني دون غيري أجبكم وآجركم واثيبكم واغفر لكم،

هذا قول أكثر المفسرين. يدل عليه سياق الآية.

وقال بعضهم : هو الذكر والدعاء والسؤال.

أخبرنا ابن فنجويه حدثنا محمّد بن الحسن حدثنا أبو بكر بن أبي الخصيب حدثني عثمان ابن خرداد حدثنا قطر بن بشير حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ليسأل أحدكم ربّه حاجته كلها حتّى شسع نعله إذا إنقطع).

{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى} توحيدي وطاعتي،

عن أكثر المفسرين.

وقال السديّ : عن دعائي.

أخبرنا عقيل بن محمّد أبو المعافا بن زكريا أخبرنا محمّد بن جرير حدثنا محمّد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن منصور والأعمش عن ذر عن سبع الحضرمي عن النعمان بن بشير قال : سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (الدعاء هو العبادة ثم تلا هذه الآية : {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادي} ) عن دعائي.

وباسناده عن ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشام بن القاسم عن الأشجع قال : قيل لسفيان : ادع اللّه. قال : إن ترك الذنوب هو الدعاء {سَيَدْخُلُونَ} .

قرأ ابن كثير وأبو جعفر وأبو حاتم : بضم الياء وفتح الخاء.

واختلف فيه.

عن أبي عمرو وعاصم غيرهم ضده.

{جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} صاغرين

٦١-٦٣

{اللّه الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إنَّ اللّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ذَلِكُمُ اللّه رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْء لا إلَهَ إلاَّ هُوَ فَأنَّا تُؤْفَكُونَ كَذَلِك} كما أفكتم عن الحق مع قيام الدلائل،

٦٤-٦٦

كذلك {يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللّه يَجْحَدُونَ اللّه الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأحْسَنَ صُوَرَكُم}.

قرأه العامة : بضم الصاد. وقرأ أبو رزين العقيلي : وأحسن صوركم بكسر الصاد،

وهي لغة.

{وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللّه رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللّه رَبُّ العَالَمِينَ هُوَ الحَيُّ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الحَمْدُ للّه رَبِّ العَالَمِينَ قُلْ إنِّي نُهِيتُ أنْ أعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه لَمَّا جَاءَنِيَ البَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ العَالَمِين} وذلك حين دُعي إلى الكفر (فأمر أن يقول هذا).

٦٧

{هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْ} أي أطفالاً،

نظيره : {أو الطفل الذي لم يظهروا على عورات النساء} . {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ} أن يصير شيخاً {وَلِتَبْلُغُوا} جميعاً {أَجَ مُّسَمًّى} وقتاً محدوداً لا تجاوزونه ولا تسبقونه {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ذلك فتعرفوا أن لا إله غيره فعل ذلك

٦٨-٦٩

{هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإذَا قَضَى أمْراً فَإنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ألَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللّه أنَّى يُصْرَفُونَ} .

قال ابن زيد : هم المشركون.

وقال أكثر المفسرين : نزلت في القدريّة.

أخبرني عقيل بن محمّد إجازة أخبرنا المعافا بن زكريا أخبرنا محمّد بن جرير أخبرنا محمّد ابن بشار ومحمّد بن المثنى حدثنا مؤمل حدثنا سفيان عن داود بن أبي هند عن محمّد بن سيرين قال : إن لم تكن هذه الآية نزلت في القدريّة فأنا لا أدري فيمن نزلت. {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِى ءَايَاتِ اللّه أَنَّى يُصْرَفُونَ} إلى قوله {بل لن نكن ندعوا من قبل شيئاً} إلى آخر الآية.

وبه عن ابن جرير حدثنا يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك بن أبي الخير الزيادي عن أبي قبيل عن عقبة بن عامر الجهني : أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (سيهلك من أمتي أهل الكتاب وأهل اللين).

فقال عقبة : يارسول اللّه وما أهل الكتاب؟

قال : (قوم يتعلمون كتاب اللّه يجادلون الذين آمنوا).

فقال : وما أهل اللين؟

فقال : (قوم يتبعون الشهوات ويضيّعون الصلوات).

قال أبو قتيل : لا أحسب المكذبين بالقدر إلاّ الذين يجادلون الذين آمنوا،

وأما أهل اللين فلا أحسبهم إلاّ أهل العمود ليس عليهم إمام جماعة ولايعرفون شهر رمضان.

قال محمّد بن جرير : أهل العمود الحي العظيم.

٧٠-٧١

{الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالكِتَابِ وَبِمَا أرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إذِ الأغْلالُ فِي أعْنَاقِهِم}.

أخبرنا ابن فنجويه الدينوري حدثنا ابن حبش المقريء حدثنا ابن فنجويه حدثنا سلمة حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن التيمي عن أبيه قال : لو أن غلاً من أغلال جهنّم وضع على جبل لو هصه حتّى يبلغ الماء الأسود.

{وَالسَّلَاسِلُ} .

قرأه العامة : بالرفع،

عطفاً على الأغلال.

أخبرنا ابن فنجويه الدينوري حدثنا أبو علي بن حبش المقريء حدثنا أبو القاسم بن الفضل حدثنا أبو زرعة حدثنا نصر بن علي حدثني أبي عن هارون عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عبّاس أنه قرأ :

٧٢

{والسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الحَمِيمِ} بنصب اللام والياء. يقول : إذا كانوا يسحبونها كان أشد عليهم.

أخبرنا الحسين بن محمّد الحديثي حدثنا محمّد بن علي بن الحسن الصوفي حدثنا عبد اللّه ابن محمّد بن عبد العزيز البغوي حدثني جدي حدثني منصور بن عمار حدثنا بشر بن طلحة عن خالد بن الدريك عن يعلى بن منبه رفعه قال : ينشيء اللّه تعالى لأهل النار سحابة سوداء مظلمة فيقال يا أهل النار ماتشتهون؟

فيسألون بارد الشراب. فتمطرهم أغلالاً تزيد في أغلالهم وسلاسلا تزيد في سلاسلهم وجمراً يلتهب النار عليهم.

{ثُمَّ فِى النَّارِ يُسْجَرُونَ} أي توقد بهم النار.

قال مجاهد : يصيرون وقوداً للنار.

٧٣-٧٤

{ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللّه} يعني الأصنام {قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا} فلا نراهم {بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئاً} أنكروا. وقيل : جهلوا.

وقال بعضهم : فيه إضمار،

أي لم نكن ندعو من قبل شيئاً ببصر وبسمع وبضر وبنفع.

وقال الحسين بن الفضل : يعني لم نكن نصنع من قبل شيئاً،

أي ضاعت عبادتنا لها فلم نكن نصنع شيئاً.

قال اللّه سبحانه وتعالى { كذلك يُضِلُّ اللّه الْكَافِرِينَ} .

٧٥

{ذَالِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ} تبطرون وتأمرون {فِى الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} تفخرون وتختالون وتنشطون

٧٦-٧٧

{ادْخُلُوا أبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى المُتَكَبِّرِينَ فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللّه حَقٌّ فَإمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُم} من العذاب في حياتك {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل أن يحل بهم ذلك

٧٨-٧٩

{فَإلَيْنَا يُرْجَعُونَ وَلَقَدْ أرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ} خبرهم في القرآن {وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُول أنْ يَأتِيَ بِآيَة إلاَّ بِإذْنِ اللّه فَإذَا جَاءَ أمْرُ اللّه قُضِيَ بِالحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ المُبْطِلُونَ اللّه الَّذِي} تحق له العبادة هو الذي {جَعَلَ} خلق {لَكُمُ الأنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ }

٨٠

{وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا} في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها {وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ} تحمل أثقالكم في أسفاركم من بلد إلى بلد {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} نظيره {وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} .

٨١-٨٢

{وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأيَّ آيَاتِ اللّه تُنكِرُونَ أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أكْثَرَ مِنْهُمْ وَأشَدَّ قُوَّةً وَآ ثَاراً فِي الأرْض} يعني مصانعهم وقصورهم {فَمَآ أَغْنَى عَنْهُم} أيّ لم ينفعهم {مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وقيل : هو بمعنى الإستفهام،

ومجازه : أي شيء أغنى عنهم كسبهم.

٨٣

{فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا} يعني الأُمم {بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ} .

قال مجاهد : قولهم نحن أعلم منهم لن نعذب ولن نبعث،

وقيل : أشروا بما عندهم من العلم،

بما كان عندهم أنه علم وهو جهل.

وقال الضحاك : رضوا بالشرك الذي كانوا عليه.

وقال بعضهم : هو الفرح راجع إلى الرسل يعني فرح الرسل بما عندهم من العلم بنجاتهم وهلاك أعدائهم.

٨٤

{وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون فَلَمَّا رَأوْا بَأسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللّه وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} أيّ تبرأنا ممّا كنا نعدل باللّه

٨٥

{فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} عذابناً {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ} في نصبها ثلاثة أوجه أحدها : بنزع الخافض أيّ كسنّة اللّه.

والثاني : على المصدر،

لأن العرب تقول سنَّ يسنّ سّناً وسنّة.

والثالث : على التحذير والأغراء،

أي احذروا سنّة اللّه كقوله : (ناقة اللّه وسنّة اللّه).

{قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ} وهي أنهم إذا عاينوا عذاب اللّه لم ينفعهم أيمانهم {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} بذهاب الدارين.

﴿ ٠