سُورَةُ فُصّلَتسورة حم السجدة : مكّية، وهي أربع وخمسون آية، وسبعمائة وست وتسعون كلمة، وثلاث آلاف وثلاثمائة وخمسون حرفاً بِسمِ اللّه الرَّحمنِ الرّحِيمِ ١-٣{حم تَنزِيلٌ مِن الرَّحمنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِلَت} بينت {كِتَابٌ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا} ولو كان غير عربي لما علموه. وفي نصب القرآن وجوه : أحدها : إنّه شغل الفعل علامات حتّى صارت بمنزلة الفاعل، فنصب القرآن وقوع البيان عليه. الثاني : على المدح. والثالث : على إعادة الفعل، أي فصَّلنا قرآناً. والرابع : على إضمار فعل، أي ذكرنا قرآناً. والخامس : على الحال. والسادس : على القطع. ٤{بَشِيرًا وَنَذِيرًا} نعتان للقرآن {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} أي لا يسمعونه ولا يصغون إليه ٥{وَقَالُوا} يعني مشركي مكّة {قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ} أغطية {مِمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ} فلا نفقه ما يقول، قال مجاهد : كالجعبة للنبل {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِى} فلا نسمع ما يقول، وإنّما قالوا ذلك ليؤَيّسئوه من قبولهم لدينه وهو على التمثيل. {وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} خلاف في الدين، فجعل خلافهم ذلك ساتراً وحاجزاً لا يجتمعون ولا يوافقون من أجله ولا يرى بعضهم بعضاً. {فَاعْمَلْ} بما يقتضيه دينك. {إِنَّنَا عَامِلُونَ} بما يقتضيه ديننا. قال مقاتل : فأعبد أنت إلهِك، وإنّا عابدون آلهتنا. ٦{قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَآ الهكُمْ اله وَاحِدٌ} قال الحسن : عَلَمَهُ اللّه التواضع {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ} وجهوا وجوهكم إليه بالطاعة والإخلاص {وَاسْتَغْفِرُوهُ} من ذنوبكم الّتي سلفت. ٧{وَوَيلٌ لِلمُشرِكِينَ الَّذِينَ لاَ يُؤتُونَ الزَّكَاةَ} قال ابن عباس : لا يشهدون لا إله إِلاَّ اللّه وهي زكاة الأنفس، وقال الحسن وقتادة : لا يقرّون بالزكاة ولا يؤمنون بها، ولا يرون إيتاءها واجباً، وقال الضحاك ومقاتل : لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعة. وكان يقال : الزّكاة قنطرة الإسلام، فمن قطعها نجا ومن تخلف عنها هلك، وقد كان أهل الردة بعد النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قالوا : أما الصلاة فنصلي، وأما الزّكاة فواللّه لا تغصب أموالنا. وقال أبو بكر (ح) : واللّه لا أفرق بين شيء جمع اللّه تعالى بينه واللّه لو منعوني عقالاً ممّا فرض اللّه ورسوله لقاتلتهم عليه. وقال مجاهد والربيع : يعني لا يزكّون أعمالهم، وقال الفراء : هو أنّ قريشاً كانت تطعم الحاج، فحرموا ذلك على من آمن بمحمّد (صلى اللّه عليه وسلم) ٨{وَهُم بِالآخِرَةِ هُم كَافِرُونَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم أَجرٌ غَيرُ مَمنُون} قال ابن عباس : غير مقطوع. مقاتل : غير منقوص، ومنه المنون لأنّه ينقص منه الإنسان أي قوته. مجاهد : غير محسوب، وقيل : غير ممنون به. قال السدي : نزلت هذه الآية في المرضى والزمنى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة يكتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعلمون فيه. ٩{قُل أَئِنَّكُم لَتَكفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرضَ فِي يَومَينِ} الأحد والأثنين. ١٠{وَتَجعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} أي في الأرض بما خلق فيها من المنافع، قال السدي : أنبت شجرها. {وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا} قال الحسن والسدي : يعني أرزاق أهلها ومعايشهم وما يصلحهم، وقال مجاهد وقتادة : وخلق فيها بحارها، وأنهارها، وأشجارها، ودوابها في يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، روى ابن نجيح عن مجاهد، قال : هو المطر. قال عكرمة والضحاك : يعنيوقدر في كل بلدة منها، ما لم يجعله في الأخرى، ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد إلى بلد، فالسابري من سابور، والطيالسة من الري، والحبر واليمانية من اليمن، وهي رواية حصين، عن مجاهد. وروى حيان، عن الكلبي، قال : الخبز لأهل قِطر، والتمر لأهل قِطر، والذرة لأهل قِطر، والسمك لأهل قِطر، وكذلك أخواتها. {فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} يعني إنّ هذا مع الأول أربعة أيّام، كما يقول : تزوجت أمس امرأة واليوم اثنتين وأحدهما الّتي تزوجتها أمس، ويقال : أتيت واسط في خمسة والبصرة في عشرةِ، فالخمسة من جملة العشرة. فرد اللّه سبحانه الآخر على الأوّل، وأجمله في الذكر. {سَوَآءً} رفعه أبو جعفر على الإبتداء، أي هي سواءٌ، وخفضه الحسن ويعقوب على نعت قوله : في أربعة أيّام، ونصبه الباقون على المصدر، أي استوت إستواءً، وقيل : على الحال والقطع، ومعنى الآية : سواءً. {لِّلسَّآلِينَ} عن ذلك، قال قتادة والسدي : من سأله عنه، فهكذا الأمر، وقيل : لّلسائلين اللّه حوائجهم. قال إبن زيد : قدر ذلك على قدر مسائلهم، لأنّه لا يكون من مسائلهم شيء إلاّ قد علمه قبل أن يكون. قال أهل المعاني : معناه سواءً لّلسائلين وغير السائلين، يعني إنّه بيّن أمر خلق الأرض وما فيها لمن سأل ومن لم يسأل، ويعطي من سأل ومن لم يسأل. ١١{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ} أي عمد إلى خلق السماء وقصد، تسويتها، والإستواء من صفة الأفعال على أكثر الأقوال، يدل عليه قوله سبحانه وتعالى : ثمّ استوى إلى السّماء. {وَهِىَ دُخَانٌ} بخار الماء. {فَقَالَ لَهَا وَلِرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} أي جيئا بما خلقت فيكما من المنافع، وإخرجاها، وإظهراها بمصالح خلقي. قال ابن عباس : قال اللّه تعالى للسّموات : إطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وقال للأرض : شقي أنهارك واخرجي ثمارك. {قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآعِينَ} ولم يقل طائعتين، لأنّه ذهب به إلى السّماوات والأرض ومن فيهنّ، مجازه : أَتينا بمن فينا طائعين، فلمّا وصفهما بالقول أخرجهما في الجمع مجرى ما يعقل، وبلغنا أنّ بعض الأنبياء، قال : ياربّ لو إنّ السّماوات والأرض حين قلت لهما ائتيا طوعاً أو كرهاً عصيناك، ما كنت صانعاً بهما؟ قال : كنت أأمر دابة من دوابي فتبتلعهما. قال : وأين تلك الدابة؟ . قال : في مرج من مروجي. قال : وأين ذلك المرج؟ قال : في علم من علمي. وقرأ ابن عباس : أئتيا وآتينا بالمد، أي اعطينا الطاعة من أنفسكما. قالتا : أعطينا. قال عكرمة والضحاك : يعنيوقدر في كل بلدة منها، ما لم يجعله في الأخرى، ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد إلى بلد، فالسابري من سابور، والطيالسة من الري، والحبر واليمانية من اليمن، وهي رواية حصين، عن مجاهد. وروى حيان، عن الكلبي، قال : الخبز لأهل قِطر، والتمر لأهل قِطر، والذرة لأهل قِطر، والسمك لأهل قِطر، وكذلك أخواتها. {فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} يعني إنّ هذا مع الأول أربعة أيّام، كما يقول : تزوجت أمس امرأة واليوم اثنتين وأحدهما الّتي تزوجتها أمس، ويقال : أتيت واسط في خمسة والبصرة في عشرةِ، فالخمسة من جملة العشرة. فرد اللّه سبحانه الآخر على الأوّل، وأجمله في الذكر. {سَوَآءً} رفعه أبو جعفر على الإبتداء، أي هي سواءٌ، وخفضه الحسن ويعقوب على نعت قوله : في أربعة أيّام، ونصبه الباقون على المصدر، أي استوت إستواءً، وقيل : على الحال والقطع، ومعنى الآية : سواءً. {لِّلسَّآلِينَ} عن ذلك، قال قتادة والسدي : من سأله عنه، فهكذا الأمر، وقيل : لّلسائلين اللّه حوائجهم. قال إبن زيد : قدر ذلك على قدر مسائلهم، لأنّه لا يكون من مسائلهم شيء إلاّ قد علمه قبل أن يكون. قال أهل المعاني : معناه سواءً لّلسائلين وغير السائلين، يعني إنّه بيّن أمر خلق الأرض وما فيها لمن سأل ومن لم يسأل، ويعطي من سأل ومن لم يسأل. {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ} أي عمد إلى خلق السماء وقصد، تسويتها، والإستواء من صفة الأفعال على أكثر الأقوال، يدل عليه قوله سبحانه وتعالى : ثمّ استوى إلى السّماء. {وَهِىَ دُخَانٌ} بخار الماء. {فَقَالَ لَهَا وَلِرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} أي جيئا بما خلقت فيكما من المنافع، وإخرجاها، وإظهراها بمصالح خلقي. قال ابن عباس : قال اللّه تعالى للسّموات : إطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وقال للأرض : شقي أنهارك واخرجي ثمارك. {قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئعِينَ} ولم يقل طائعتين، لأنّه ذهب به إلى السّماوات والأرض ومن فيهنّ، مجازه : أَتينا بمن فينا طائعين، فلمّا وصفهما بالقول أخرجهما في الجمع مجرى ما يعقل، وبلغنا أنّ بعض الأنبياء، قال : ياربّ لو إنّ السّماوات والأرض حين قلت لهما ائتيا طوعاً أو كرهاً عصيناك، ما كنت صانعاً بهما؟ قال : كنت أأمر دابة من دوابي فتبتلعهما. قال : وأين تلك الدابة؟ . قال : في مرج من مروجي. قال : وأين ذلك المرج؟ قال : في علم من علمي. وقرأ ابن عباس : أئتيا وآتينا بالمد، ١٢{فَقَضَ اهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِى يَوْمَيْنِ} أي أتمهنَّ وفرغ من خلقهنّ {وَأَوْحَى فِى كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا} قال قتادة والسدي : يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها، وخلق في كلّ سماء خلقها من الملائكة والخلق الّذي فيها من البحار وجبال البرد، وما لا يُعلم، وقيل : معناه وأوحى إلى أهل كلّ سماء من الأمر والنهي ما أراد. {وَزَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} كواكب. {وَحِفْظًا} لها من الشياطين الّذين يسترقون السمع، ونصب حفظها على المعنى، كأنّه قال : جعلها زينة وحفظاً، وقيل : معناه وحفظاً زيّنّاها على توهم سقوط الواو أي وزّيّنا السّماء الدّنيا بمصابيح حفظاً لها، وقيل : معناه وحفظها حفظاً. ١٣{ذَلِكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ فَإِن أَعرَضُوا} يعني هؤلاء المشركين، {فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ} خَوفتكم. {صَاعِقَةُ} وقيعة وعقوبة ١٤{مِثلَ صَاعِقَةِ عَاد وَثَمُودَ إِذ جَاءَتُهُم} يعني عاداً وثموداً {الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} يعني قبلهم وبعدهم. وأراد بقوله : {مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} الرّسل الّذين أرسلوا إلى آباءهم من قبلهم ومن خلفهم، يعني من بعد الرّسل الّذين أرسلوا إلى آباءهم، وهو الرسول الّذي أرسل إليهم، هود وصالح (عليهما السلام)، والكناية في قوله : {مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} راجعة إلى عاد وثمود، وفي قوله تعالى : {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} ، راجعة إلى الرسل. {أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللّه قَالُوا لَوْ شَآءَ رَبُّنَا نزَلَ مَلَاكَةً} بدل هؤلاء الرّسل ملائكة. {فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} . أخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن حامد بن محمد الأصبهاني، قرأه عليه في شوال سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العبيدي، حدثنا أحمد بن نجدة بن العُرْيان، حدثنا الجماني حدثنا ابن فضيل، عن الأجلح من الذيال بن حرملة، عن جابر بن عبد اللّه، قال : قال الملأ من قريش وأبو جهل : قد التبس علينا أمر محمّد، فلو إلتمستم رجلاً عالماً بالشعر والكهانة والسحر، فأتاه فكلمه ثمّ أتانا ببيان من أمره، فقال عتبة بن ربيع : واللّه لقد سمعت بالشعر والكهانة والسحر، وعلمت من ذلك علماً، وما يخفى عليَّ إن كان ذلك. فأتاه، فلما خرج إليه، قال : يامحمّد، أنت خير أم هاشم؟، أنت خير أم عبد المطلب؟، أنت خير أم عبد اللّه؟، فبم تشتم آلهتنا، ونضلك إيانا، فإن تتمنى الرئاسة عقدنا لك ألويتنا، فكنت رئيسنا ما بقيت، وإن كانت بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي أبيات قريش، وإن كان بك المال جمعنا لك ما تستغني أنت وعقبك من بعدك، ورسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ساكت لا يتكلم، فلما فرغ، قرأ رسول اللّه (عليه السلام) : {بسم اللّه الرّحمان الرّحيم. حم. تنزيل من الرّحمن الرّحيم. كتاب فصّلت آياته قرآناً عربيًّا}... إلى قوله : {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم، ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش، فاحتبس عنهم عتبة، فقال أبو جهل : يامعشر قريش، واللّه ما نرى عتبة إلاّ قد (صَبَأ) إلى محمّد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلاّ من حاجة أصابته، فانطلقوا بنا إليه، فانطلَقوا إليه. فأتاه أبو جهل فقال : واللّه ياعتبة، ما حبسك عنّا إلاّ إنّك صبوت إلى محمّد، وأعجبك طعامه، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمّد. فغضب عتبة وأقسم ألاّ يكلم محمّداً أبداً، وقال : واللّه لقد علمتم إنّي مّن أكثر قريش مالاً، ولّكني أتيته وقصصت عليه القصة، فأجابني بشيء، واللّه ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر. {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم. حم. تنزيلٌ من الرّحمان الرّحيم. كتاب فصّلت آياته قرآناً عربيّا}... إلى قوله : {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف وقد علمتم إنّ محمّداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب. ١٥-١٦{فَأَمَّا عَادٌ} يعني قوم هود. {فَاسْتَكْبَرُوا فِى الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} وذلك إنّهم كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم. {أَوَ لَم يَروا أَنَّ اللّه الّذي خَلَقَهُم هُوَ أَشَدُّ مِنهُم قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يجحَدُونَ فَأَرسَلنَا عَلَيهِم رِيحاً صَرصَراً} أي باردة شديدة الصوت والهبوب وأصله من الصرير، فضوعف كما يقال : نهنهت وكفكفت، وقد قيل : إنّ النهر الّذي يسمّى صرصراً إنّما سمي بذلك لصوت الماء الجاري فيه. {فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} متتابعات شديدات نكدات مشؤومات عليهم ليس فيها من الخير شيء، وقرأ أبو جعفر وإبن عامر وأهل الكوفة {نَّحِسَاتٍ} بكسر الحاء، غيرهم بجزمه. أخبرنا أبو عبد اللّه بن فنجويه، حدثنا مخلد بن جعفر، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا إسماعيل بن عيسى، حدثنا إسحاق بن بشر، حدثنا مقاتل عن الضحاك في قوله تعالى : {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} ، قال : أمسك اللّه تعالى عنهم المطر ثلاث سنين ودامت الرياح عليهم من غير مطر، وبه عن مقاتل، عن إبراهيم التيمي وعن أبي الزبير عن جابر بن عبد اللّه، قال : إذا أراد اللّه بقوم خيراً، أرسل عليهم المطر وحبس عنهم كثرة الرياح، وإذا أراد اللّه بقوم شرّاً حبس عنهم المطر وأرسل عليهم كثرة الرياح. {لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى} لهم وأَشد إذلالاً وإهانه. ١٧{وَهُم لا يُنصَرُون وَأَمَّا ثَمُودُ} قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب، {ثَمُودُ} بالرفع والتنوين، وكانا يجران ثموداً في القرآن كله إلاّ قوله : {وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ} ، فإنّهما كانا لا يجرانه هاهنا من أجل إنّه مكتوب في المصحف هاهنا بغير ألف، وقرأ ابن أبي إسحاق {وَأَمَّا ثَمُودُ} منصوباً غير منون، وقرأ الباقون مرفوعاً غير منون. {فَهَدَيْنَاهُمْ} دعوناهم وبيّنا لهم. {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} فاختاروا الكفر على الإيمان. {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ} مهلكة. {الْعَذَابِ الْهُونِ} أي الهوان، ومجازه : ذي هون. ١٨-١٩{بِمَا كانُوا يَكسِبُونَ وَنَجُّينَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون وَيَومَ يُحشَرُ} يبعث ويجمع، وقرأ نافع ويعقوب {نَحْشُرُ} بنون مفتوحة وضم الشين. {أَعْدَآءِ اللّه} نصباً. {إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} يساقون ويدفعون إلى النّار، وقال قتادة والسدي : يحبس أولهم على آخرهم. ٢٠{حَتَّى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم} أي بشراتهم. {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال السدي وعبيد اللّه إبن أبي جعفر : أراد بالجلود الفروج. وأنشد بعض الأدباء لعامر بن جوين : المرء يسعى للسلامة والسلامة حسبه أوسالم من قد تثنى جلده وأبيض رأسه وقال : جلده كناية عن فرجه. ٢١{وَقَالُوا} يعني الكفّار الّذين يحشرون إلى النّار. {لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللّه الَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ} حدثنا عقيل بن محمّد : إنّ أبا الفرج البغدادي القاضي أخبرهم عن محمّد بن جرير، حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، أخبرنا علي بن قادم الفزاري، أخبرنا شريك، عن عبيد المكيت، عن الشعبي، عن أنس، قال : ضحك رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ذات يوم حتّى بدت نواجذه، ثمّ قال : (ألاّ تسألوني مِمَّ ضحكت). قالوا : مم ضحكت يارسول اللّه؟ قال : (عجبت من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، قال : يقول يا ربّ أليس وعدتني أن لا تظلمني؟ قال : فإنّ لك ذاك. قال : فإنّي لا أقبل عليّ شاهداً، إلاّ من نفسي. قال : أوَ ليس كفى بيّ شهيداً، وبالملائكة الكرام الكاتبين؟ قال : فيختم على فيه وتتكلم أركانه بما كان يعمل). قال : (فيقول لهنّ بُعداً لَكُنّ وسحقاً عنكنّ كنت أجادل). ٢٢قال اللّه تعالى : {وَهُوَ خَلَقَكُم أَوَّلَ مَرَّة وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ وَمَا كُنتُم تَستَتِرُونَ} أي تستخفون في قول أكثر المفسرين، وقال مجاهد : تتقون. قتادة : تظنون. {أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَاكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللّه يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ} أخبرنا الحسين بن محمّد ابن فنجويه، حدثنا هارون بن محمد بن هارون وعبد اللّه بن عبد الرّحمن الوراق، قالا : حدثنا محمد بن عبد العزيز، حدثنا محمد بن كثير وأبو حذيفة، قالا : حدثنا سفيان عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن وهب بن ربيعة، عن ابن مسعود، قال : إنّي لمستتر بأستارِ الكعبة، إذ جاء ثلاثة نفر، ثقفي وختناه قريشيان، كثير شحم بطونهم، قليل فقههم، فحدّثوا الحديث بينهم، فقال أحدهم : أترى يسمع ما قلنا؟ فقال الآخر : إذا رفعنا يسمع، وإذا خفضنا لم يسمع، وقال الآخر : إن كان يسمع إذا رفعنا فإنّه يسمع إذا خفضنا. فأتيت النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) فذكرت له ذلك، فأنزل اللّه تعالى {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} ... إلى قوله : فأصبحتم من الخاسرين والثقفي عبد ياليل وختناه القريشيان ربيعة وصفوان بن أمية. ٢٣{وَذَالِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِى ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} أهلككم. {فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ} قال قتادة : الظنّ هاهنا بمعنى العلم، وقال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (لا يموتنّ أحدكم، إلاّ وهو يحسن الظنّ باللّه، وإنّ قوماً أساءوا الظنّ بربّهم فأهلكهم) فذلك قوله : {وذلك ظنّكم الّذي ظننتم} ... الآية. أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه الدينوري، حدثنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي، حدثنا عبد اللّه بن العباس الطيالسي، حدثنا أحمد بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن أبي الزياد عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول اللّه تعالى : (أنا عند ظنّ عبدي بيّ، وأنا معه حين يذكرني). وقال قتادة : من استطاع منكم أن يموت وهو حسن الظنّ بربّه فليفعل، فإنّ الظنّ إثنان : ظنّ ينجي، وظنّ يردي، وقال محمّد بن حازم الباهلي : الحسن الظنّ مستريح يهتم من ظنّه قبيح من روح اللّه عنه هبّت من كلّ وجه ريح لم يخب المرء عن منح سخاء وإنّما يهلك الشحيح ٢٤{فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا} يسترضوا ويطلبوا العتبى. {فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ} المرضيين، والمعتّب الّذي قَبل عتابة وأجيب إلى ما يسأل، وقرأ عبيد بن عمير {وإن تُستعتبوا} على لفظ المجهول {فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ} بكسر التاء، يعني إن سألوا أن يعملوا ما يرضون به ربّهم {فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ} أي ما هم بقادرين على إرضاء ربّهم لأنهم فارقوا دار العمل. ٢٥{وَقَيَّضْنَا} سلّطنا وبعثنا ووكلنا. {لَهُمْ قُرَنَآءَ} نظراء من الشياطين. {فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أمر الدّنيا حتّى آثروه على الآخرة. {وَمَا خَلْفَهُمْ} من أمر الآخرة، فدعوهم إلى التكذيب به وإنكار البعث. {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِى أُمَمٍ} ٢٦مع أمم. {قَد خَلَت مِن قَبلِهِم مِن الجِنِ وَالإِنسِ إِنَّهُم كَانُوا خَاسِرِينَ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} من مشركي قريش. {تَسْمَعُوا لِ هذا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْا فِيهِ} قال ابن عباس : يعني والغطوا فيه، كان بعضهم يوصي إلى بعض، إذا رأيتم محمداً يقرأ، فعارضوه بالزجر والإبتعاد. مجاهد {وَالْغَوْا فِيهِ} بالمكاء والصفير وتخليط في المنطق على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إذا قرأ. قال الضحاك : إكثروا الكلام فيختلط عليه القول. السدي : صيحوا في وجهه. مقاتل : إرفعوا أصواتكم بالأشعار والكلام في وجوههم حتّى تلبسوا عليهم قولهم، فيسكتوا. أبو العالية : قعوا فيه وعيبوه. وقرأ عيسى بن عمرو {الغُوا فيه} بضم الغين. قال الأخفش : فتح الغين، كان من لغا يلغا مثل طغا يطغا، ومن ضم الغين كان من لغا يلغوا مثل دعا يدعوا. {لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} محمداً على قراءته. ٢٧{فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ} أقبح. {الَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ} في الدّنيا. ٢٨{ ذلك } الّذي ذكرت. {جَزَآءُ أَعْدَآءِ اللّه} ثمّ بيّن ذلك الجزاء ما هو، فقال : {النَّارِ} أي هو النّار. {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَآءَ بِمَا كَانُوا بَِايَاتِنَا يَجْحَدُونَ} فقد ذكر إنّها في قراءة ابن عباس ذلك جزاء أعداء اللّه النّار دار الخلد، ترجم بالدار عن النّار، وهو مجاز الآية. ٢٩{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَآ أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلا نَا مِنَ الْجِنِّ} وهو إبليس الأبالسة. {وَالإنسِ} وهو ابن آدم الّذي قتل أخاه. {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا} في النّار. {لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ} في الدرك الأسفل لأنهما سنا المعصية. ٣٠{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللّه ثُمَّ اسْتَقَامُوا} أخبرنا الحسين بن محمد الثقفي بقراءتي عليه، حدثنا الفضل الكندي، أخبرنا إبراهيم بن عبد اللّه الزيدي العسكري، حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو قتيبة سلمة بن قتيبة، حدثنا سهل بن أبي حزم عن ثابت عن أنس عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) في قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللّه ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قال : من مات عليها، فهو ممّن استقام. أخبرنا الحسين بن محمد الثقفي بقراءتي عليه، حدثنا عبيد بن محمد بن شنبه، حدثنا جعفر ابن الفربابي، حدثنا محمد بن الحسن البلخي، أخبرنا عبد اللّه بن المبارك أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد، عن سعيد بن عمران، عن أبي بكر الصديق ح، {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قال : لم يشركوا باللّه شيئاً. أخبرنا ابن فنجويه الثقفي، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا يونس، عن الزهري إنّ عمر بن الخطاب ح، قال وهو يخطب النّاس على المنبر : {الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللّه ثُمَّ اسْتَقَامُوا} فقال : استقاموا على طريقة اللّه بطاعته، ثمّ لم يروغوا روّغان الثعالب، وقال عثمان بن عفان ح : يعني أخلصوا العمل للّه، وقال علي بن أبي طالب ح : أدُّوا الفرائض. ابن عباس استقاموا على أداء فرائضه. أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا عبد اللّه بن يوسف بن أحمد بن مالك، حدثنا محمد بن موسى الحلواني، حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور، حدثنا مسكين أبو فاطمة عن شهر بن حوشب، قال : قال الحسن : وتلا هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللّه ثُمَّ اسْتَقَامُوا} فقال : استقاموا على أمر اللّه تعالى، فعملوا بطاعته، واجتنبوا معصيته. مجاهد وعكرمة : استقاموا على شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، حتّى لحقوا به. قتادة وابن زيد : استقاموا على عبادة اللّه وطاعته، ابن سيرين : لم يعوجّوا، سفيان الثوري : عملوا على وفاق ما قالوا. مقاتل بن حيان : استقاموا على المعرفة ولم يرتدوا. مقاتل بن سليمان : استقاموا على إنّ اللّه ربّهم. ربيع : أعرضوا عما سوى اللّه تعالى. فضيل بن عياض : زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية. بعضهم : استقاموا إسراراً كما استقاموا إقرار، وقيل : استقاموا فعلاً كما استقاموا قولاً. روى ثابت عن أنس إنّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال لما نزلت هذه الآية : (أمتي وربّ الكعبة). أخبرنا الحسن بن محمد الثقفي، حدثنا الفضل بن الفضل الكندي وأحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم السني، قالا : حدثنا أبو خليفة الفضل بن حيان الجمحي، حدثنا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز، عن سفيان بن عبد اللّه الثقفي. قال : قلت : يارسول اللّه أخبرني بأمر أعتصم به، فقال : (قل ربّي اللّه ثمّ استقم) قال : قلت : ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بلسان نفسه، وقال : (هذا). وروي إنّ وفداً أقدموا على النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فقرأ عليهم القرآن، ثمّ بكى، فقالوا : أمن خوف الّذي بعثك تبكي؟ قال : (نعم، إنّي قد بعثت على طريق مثل حد السيف، إن استقمت نجوت، وإن زغت عنه هلكت). وقال قتادة : كان الحسن إذا تلا هذه الآية، قال : اللّهم أنت ربّنا فارزقنا الاستقامة. {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَاكَةُ} عند الموت {أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} قال قتادة : إذا قاموا من قبورهم. قال وكيع بن الجراح البسري : تكون في ثلاثة مواطن : عند الموت، وفي القبر، وفي البعث، ألاّ يخافوا ولا يحزنوا. قال أبو العالية : لا تخافوا على صنيعكم ولا تحزنوا على مخلفكم. مجاهد : لا تخافوا على ما تقدمون عليه من أمر الآخرة ولا تحزنوا على ما خلفتم في دنيّاكم من أهل وولد ونشيء، فإنّا نخلفكم في ذلك كله. السدي : لا تخافوا ما أمامكم، ولا تحزنوا على ما بعدكم. عطاء بن رباح : لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم، فإنّي أغفرها لكم. وقال أهل اللسان في هذه الآية : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللّه ثُمَّ اسْتَقَامُوا} بالوفاء على ترك الجفاء {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَاكَةُ} بالرضا أن لا تخافوا من العناء ولا تحزنوا على الفناء، وأبشروا بالبقاء مع الّذين كنتم توعدون من اللقاء، لا تخافوا فلا خوف على أهل الإستقامة، ولا تحزنوا فإن لكم أنواع الكرامة، وابشروا بالجنّة الّتي هي دار السلامة. لا تخافوا فعلى دين اللّه استقمتم، ولا تحزنوا فبحبل اللّه اعتصمتم، وأبشروا بالجنّة وإن ارتبتم وأُحزنتم، لا تحزنوا فطالما رهبتم، ولا تحزنوا فقد نلتم ما طلبتم، وأبشروا بالجنّة الّتي فيها رغبتم، لا تخافوا فأنتم أهل الإيمان، ولا تحزنوا فأنتم أهل الغفران، وإبشروا بالجنّة الّتي هي دار الرضوان، لا تخافوا فأنتم أهل الشهادة، ولا تحزنوا فأنتم أهل السعادة، وإبشروا بالجنّة الّتي هي دار الزيادة، لا تخافوا فأنتم أهل النوال، ولا تحزنوا فأنتم أهل الوصال، وأبشروا بالجنّة الّتي هي دار الجلال، لا تخافوا فقد أمنتم الثبور ولا تحزنوا فقد آن لكم الحبور وإبشروا بالجنّة الّتي هي دار السرور، لا تخافوا فسعيكم مشكور ولا تحزنوا فذنبكم مغفور، وإبشروا بالجنّة الّتي هي دار النون، لا تخافوا فطالما كنتم من الخائفين، ولا تحزنوا فقد كنتم من العارفين، وإبشروا بالجنّة الّتي عجز عنها وصف الواصفين، لا تخافوا فلا خوف على أهل الإيمان، ولا تحزنوا فلستم من أهل الحرمان، وإبشروا بالجنّة الّتي هي دار الإيمان، لا تخافوا فلستم من أهل الجحيم، ولا تحزنوا فقد وصلتم إلى الربّ الرحيم، وإبشروا بالجنّة الّتي هي دار النعيم، لا تخافوا فقد زالت عنكم المخافة، ولا تحزنوا فقد سلمتم من كلّ آفة، وإبشروا بالجنّة الّتي هي دار الضيافة، لا تحزنوا العزل عن الولاية، ولا تحزنوا على ما قدمتم من الخيانة، وابشروا بالجنّة الّتي هي دار الهداية، لا تخافوا حلول العذاب، ولا تحزنوا من هول الحساب وابشروا بالجنّة الّتي دار الثواب. لا تخافوا فأنتم سالمون من العقاب، ولا تحزنوا فأنتم واصلون إلى الثواب، وابشروا بالجنّة فإنها نعم المآب. لا تخافوا فأنتم أهل الوفاء ولا تحزنوا على ما كسبتم من الجفاء وإبشروا بالجنّة فإنها دار الصفاء لا تخافوا فقد سلمتم من العطب، ولا تحزنوا فقد نجوتم من النصب، وإبشروا بالجنّة فإنّها دار الطرب. ٣١{نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ} تقول لهم الملائكة الّذين تتنزل عليهم بالبشارة : نحن أولياؤكم وأنصاركم وأحبّاءكم، {نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا} قال السدي : نحن أولياؤكم يعني نحن الحفظة الّذين كنا معكم في الدّنيا، ونحن أولياؤكم في الآخرة. أخبرنا عبد اللّه بن حامد، أخبرنا ابن خالد، أخبرنا داود بن عمرو الضبّي أخبرنا إبراهيم ابن الأشعث عن الفضيل بن عياض عن منصور عن مجاهد {نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ} في الحياة الدّنيا وفي الآخرة. قال : قرناؤهم الّذين كانوا معهم في الدّنيا، فإذا كان يوم القيامة، قالوا : لن نفارقكم حتّى ندخلكم الجنّة. {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} تريدون وتسألون وتتمنون، وأصل الكلمة إنّ ما تدّعون إنّه لكم، فهو لكم بحكم ربّكم. ٣٢{نُزُلا} أي جعل ذلك رزقاً. {مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} . ٣٣{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللّه} إلى طاعة اللّه. {وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ} قال ابن سيرين والسدي وابن زيد : هو رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وقال مقاتل : هو جميع الأئمّة والدعاة إلى اللّه تعالى، وقال عكرمة : هو المؤذن. قال أبو أُمامة الباهلي : {وَعَمِلَ صَالِحًا} يعني صلّى ركعتين بين الآذان والإقامة. أنبأني عبد اللّه بن حامد، أخبرنا حاجب بن أحمد بن يرحم بن سفيان، حدثنا عبد اللّه بن هاشم، حدثنا وكيع، حدثنا عبيد اللّه بن الوليد الوصاني عن عبد اللّه بن عبيد بن عمير عن عائشة خ قالت : إنّي لأرى هذه الآية نزلت {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللّه} .. الآية في المؤذنين. وروى جرير بن عبد الحميد عن فضيل بن رفيدة، قال : كنت مؤذناً في زمن أصحاب عبد اللّه، فقال ليّ عاصم بن هبيرة : إذا أذّنت وفرغت من آذانك، فقل : اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلاّ اللّه، وأنا من المسلمين، ثمّ أقرأ هذه الآية : ٣٤{وَلا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} قال الفراء : {وَلا} هاهنا صلة معناه ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، وأنشده : ما كان يرضي رسول اللّه فعلهما والطيبان أبو بكر وعمر أي أبو بكر وعمر ذ. {ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ} قريبٌ صديق، قال مقاتل : نزلت في أبي سفيان بن حرب وكان مؤذياً لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فصار له وليًّا، بعد أن كان عدواً. نظيره قوله تعالى : {عَسَى اللّه أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً} ، قال ابن عباس : أمر اللّه تعالى في هذه الآية بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم اللّه من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنّه وليّ حميم. ٣٥{وَمَا يُلَقَّ اهَآ} يعني هذه الخصلة والفعلة. {إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّ اهَآ إِلا ذُو حَظِّ عَظِيمٍ} في الخير والثواب، ٣٦وقيل : ذو حظ. {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّه إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لإستعاذتك وأقوالك. {الْعَلِيمِ} بأفعالك وأحوالك. ٣٧{وَمِن آيَاتِهِ الَّيلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمسُ وَالقَمَرُ لاَ تَسجُدُوا لِلشَّمسِ وَلاَ لِلقَمَرِ وَاسجُدُوااِللّه الَّذِي خَلَقَهُنَّ} إنما قال خلقهنّ بالتأنيث لإنّه أجرى على طريق جمع التكسير، ولم يجر على طريق التغليب للمذكر على المؤنث؛ لأنّه فيما لا يعقل. ٣٨{إِن كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ فَإِنِ استَكبَرُوا} عن السجود. {فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ} يعني الملائكة. {يُسَبِحُونَ لَهُ بِالَّيلِ وَالنَّهَارِ وَهُم لاَ يَسئَمُونَ} . لقوله تعالى : {يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} . ٣٩-٤٠{وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرض خَاشِعَةً} يابسة دارسة لا نبات فيها. {فَإِذَا أَنزَلنَا عَلَيهَا المَاءَ اهتَزَّت وَرَبَت إِنَّ الَّذِي أَحيَاهَا لَمُحيِ المَوتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِ شَيء قَدِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ يُلحِدُونَ فِي آيَاتِنَا} أي يميلون عن الحقّ في أدلتنا. قال ابن عباس : هو تبديل الكلام ووضعه في غير موضعه، وقال مجاهد : {يُلْحِدُونَ فِى ءَايَاتِنَا} بالمكاء والتصدية واللغو واللغط. قتادة : يعني يكذبون في آياتنا. السدي : يعاندون ويشاققون. ابن زيد : يشركون ويكذبون. قال مقاتل : نزلت في أبي جهل لعنه اللّه. {يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَى فِى النَّارِ} أبو جهل. {خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِى ءَامِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} عثمان بن عفان وقيل : عمار بن ياسر {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} أمر وعيد وتهديد {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} عالم فيجاز بكم به. ٤١{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ} بالقرآن. {لَمَّا جَآءَهُمْ} حين جاءهم. {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} كريم على اللّه عن ابن عباس، وقال مقاتل : منيع من الشّيطان والباطل. السدي : غير مخلوق. ٤٢{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ} قال قتادة والسدي : يعني الشيطان. {مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} . فلا يستطيع أن يُغيّر أو يُزيد أو يُنقص، وقال سعيد بن جبير : يعني لا يأتيه النكير من بين يديه ولا من خلفه، وقيل : لا يأتيه ما يبطله أو يكذّبه من الكتب المتقدّمة، بل هو موافق لها مصدّق ولا يجي بعده كتاب يبطله وينسخه، بل هو موافق لها مصدق. عن الكلبي. ٤٣{تَنزِيلٌ مِن حَكِيم حَمِيد مَّا يُقَالُ لَك} من الأذى. {إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} يعزّي نبيه (صلى اللّه عليه وسلم) {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} لمن تاب. {وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} لمن أصر. ٤٤{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْءَانًا أعْجَمِيًّا} بغير لغة العرب. {لَّقَالُوا لَوْ فُصِّلَتْ} بيّنت. {ءَايَاتُهُ} بلغتنا حتّى نفقهها، فإِنّا قومٌ عربٌ، ما لنا وللأعجمية. {أَأعجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} يعني أكتاب أعجميّ ونبي عربي. قال مقاتل : وذلك إنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كان يدخل على يسار غلام ابن الحضرمي وكان يهودياً أعجميّاً ويكنى (أبا فكيهة)، فقال المشركون : إنّما يعلّمه يسار، فأخذه سيده عامر بن الحضرمي، وضربه، وقال : إنّك تعلم محمداً. فقال يسار : هو يعلمني. فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. وقرأ الحسن : أعجمي بهمزة واحدة على الخبر، وكذلك رواه هشام عن أهل الشام. ووجهه ما روى جعفر بن المغيرة عن سعيد بن جبير، قال : قالت قريش : لولا أنزل هذا القرآن أعجميًّا وعربيًّا حتّى تكون بعض آياته أعجميًّا وبعضها عربيًّا، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، وأنزل في القرآن بكلّ لسان، فمنه السجيل، وهي فارسية عربت سنك وكل، والقراءة الصحيحة قراءة العامة بالإستفهام على التأويل الأول. {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا هُدًى وَشِفَآءٌ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ فِى ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} أخبرنا محمد بن نعيم، أخبرنا الحسين بن الحسين بن أيوب، أخبرنا علي بن عبد العزيز، أخبرنا القاسم بن سلام، حدثنا حجاج بن أيوب، عن شعبة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سلمان بن قتيبة، عن ابن عباس ومعاوية وعمرو ابن العاص، إنّهم كانوا يقرأون هذه الحروف بكسر الميم {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} ، وقرأه الباقين بفتح الميم على المصدر، وإختاره أبو عبيد، قال : لقوله : {هُدًى وَشِفَآءٌ} فكذلك {عَمًى} مصدر مثلها، ولو إنّها هاد وشاف لكان الكسر في عمىً أجود ليكون نعتاً مثلهما. {أُولَائِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَان بَعِيدٍ} قال بعض أهل المعاني : قوله : {أُولَائِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَان بَعِيدٍ} خبر لقوله : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ} ، وحديث عن محمد بن جرير، قال : حدثني شيخ من أهل العلم، قال : سمعت عيسى بن عمر سأل عمرو بن عبيد {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ} ، أين خبره؟ فقال عمرو : معناه في التفسير {إنّ الّذين كفروا بالذّكر لما جاءهم كفروا به وإنّه لكتاب عزيز} فقال عيسى بن عمر : أجدت ياأبا عثمان. وقوله تعالى : {يُنَادَوْنَ مِن مَّكَان بَعِيدٍ} مثل لقلت إستماعهم وإنتفاعهم بما يوعظون به، كأنهم ينادون إلى الإيمان وبالقرآن من حيث لا يسمعون لبعد المسافة. ٤٥{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ} فمؤمن به وكافر، ومصدّق ومكذّب. كما أختلف قومك في كتابك. {وَلَوْ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} في تأخير العذاب. {لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ} من عذابهم وعجل إهلاكهم. ٤٦-٤٧{وَإنَّهُم لَفِي شَكّ مِنهُ مُريب مَّن عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّم لِلعَبِيدِ إِلَيهِ يُرَدُّ عِلمُ السَّاعَةِ} فإنّه لا يعلمه غيره، وذلك إنّ المشركين، قالوا للنبي (صلى اللّه عليه وسلم) لئن كنت نبياً، فأخبرنا عن الساعة متى قيامها؟، ولئن كنت لا تعلم ذلك فإنّك لست بنبيّ. فانزل اللّه تعالى هذه الآية. {وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ} من صلة ثمرات، بالجمع أهل المدينة والشام، غيرهم ثمرة على واحدة. {مِّنْ أَكْمَامِهَا} أوعيتها، واحدتها كمة، وهي كلّ ظرف لمال أو وغيره، وكذلك سمّي قشرة الكفري، أي الذي ينشق عن الثمرة كمه. قال ابن عباس : يعني الكفري قبل أن ينشق، فإذا أنشقت فليست بأكمام. {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ} يقول إليه يردّ علم السّاعة كما يردّ إليه علم الثمار والنتاج. {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} يعني ينادي اللّه تعالى المشركين. {أَينَ شُرَكَاءِي} الّذين تزعمون في الدّنيا إنّها آلهة. {قَالُوا} يعني المشركين، وقيل : الأصنام، يحتمل أن يكون القول راجعاً إلى العابدين وإلى المعبودين أيضاً {ءَاذَنَّاكَ} أعلمناك وقيل : أسمعناك. {مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} شاهد إنّ لك شريك لما عاينوا القيامة تبرؤا من الأصنام، وتبرأ الأصنام منهم ٤٨{وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ} في الدنيا. {وَظَنُّوا} أيقنوا. {مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ} مهرب، و {مَّا} هاهنا حرف وليس باسم، فلذلك لم يعمل فيه الظنّ، وجعل الفعل ملقى. ٤٩{لا يَسْئمُ} يمل. {الإنسان} يعني الكافر. {مِن دُعَآءِ الْخَيْرِ} أي من دعائه بالخير ومسألته ربّه، ودليل هذا التأويل، قراءة عبد اللّه {لا يَسْئمُ الإنسان} من دعائه بالخير، أي بالصحّة والمال. {وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ} من روح اللّه. {قَنُوطٌ} من رحمته. ٥٠{وَلَ نْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً} عافية ونعمة. {مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ} شدة وبلاء أصابته. {لَيَقُولَنَّ هذا لِى} أي بعملي، وأنا محقوق بهذا. {وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآمَةً وَلَ ن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَى} أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان، حدثنا عبد اللّه بن ثابت، حدثنا أبو سعيد الكندي، حدثنا أحمد بن بشر، عن أبي شرمة، عن الحسن بن محمد بن علي أبي طالب، قال : الكافر في أمنيتين، أما في الدّنيا، فيقول : لئن رجعت إلى ربّي إنّ لي عنده للحسنى، وأما في الآخرة، فيقول ياليتني كنت تراباً. {فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} شديد. ٥١{وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَئا بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ} كثير، والعرب تستعمل الطول والعرض كلاهما في الكثرة، يقال : أطال فلان الكلام والدعاء، وأعرض إذا أكثر. ٥٢-٥٤{قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ} القرآن. {مِنْ عِندِ اللّه ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِى شِقَاق بَعِيدٍ * سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِى افَاقِ وَفِى} قال ابن عباس : يعني منازل الأمم الخالية. {وَفِى أَنفُسِهِمْ} بالبلاء والأمراض، وقال المنهال والسدي : في الآفاق يعني ما يفتح لمحمد (صلى اللّه عليه وسلم) من الآفاق، وفي أنفسهم : مكّة، وقال قتادة : في الآفاق يعني وقائع اللّه تعالى في الأمم، وفي أنفسهم، يوم بدر. عطاء وابن زيد : في الآفاق يعني أقطار الأرض والسّماء من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والأنهار والبحار والأمطار، وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة، وسبيل الغائط والبول، حتّى إنّ الرجل ليأكل ويشرب من مكان واحد، ويخرج ما يأكل ويشرب من مكانين. {حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُم الحَقُّ} يعني إنّ ما نريهم ونفعل من ذلك هو الحقّ، وقيل : إنّه يعني الإسلام، وقيل : محمد (صلى اللّه عليه وسلم) وقيل : القرآن {أَوَ لَم يَكفِ بِرَبِكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِ شَيء شَهِيدٌ أَلا إِنَّهُم فِي مِريَة مّن لِقَاءِ رَبِهِم أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِ شَيء مُّحِيطٌ} . |
﴿ ٠ ﴾