سورة الزخرفمكّية، وهي تسع وثمانون آية، وثمانمائة وثلاثوثلاثون كلمة، وثلاثة آلاف وأربعمائة حرف أخبرنا ابن المقري، أخبرنا إبن مطر، حدثنا ابن شريك، حدثنا ابن يونس، حدثنا سلام بن سليم، حدثنا هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم عن أبيه، عن أبي أُمامة الباهلي، عن أُبي بن كعب. قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ سورة الزّخرف كان ممن يقال له يوم القيامة : يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون إدخلوا الجنّة بغير حساب). قوله تعالى : بِسمِ اللّه الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ ١-٣{حم وَالكِتَابِ المُبِينِ إِنَّا جَعَلنَاهُ قُرآناً عَرَبِيًّا} . أي أنزلناه وسميناه وبيّناه ووصفناه. كقوله تعالى : {مَا جَعَلَ اللّه مِن بَحِيرَةٍ وَلا سَآئبَةٍ} ، وقوله : {وَجَعَلُوا الْمَلَاكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} ، وقوله : {جَعَلُوا الْقُرْءَانَ عِضِينَ} ، ٤وقوله تعالى : {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَآجِّ} . كلّها بمعنى الوصف والتسمية ويستحيل أن يكون بمعنى الخلق. {لَّعَلَّكُم تَعقِلُونَ وَإِنَّهُ} يعني هذا الكتاب. {فِى أُمِّ الْكِتَابِ} يعني اللوح المحفوظ الّذي عند اللّه تعالى منه ينسخ، وقال قتادة : أصل الكتاب وجملته. أخبرنا عبد اللّه بن حامد الوزان، أخبرنا مكي بن عيدان، حدثنا عبد اللّه بن هاشم بن حيان، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا هشام الدستوائي، حدثني القاسم بن أبي يزه، حدثني عروة بن عامر القريشي، قال : سمعت ابن عباس يقول : إنّ أول ما خلق اللّه تعالى القلم وأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق والكتاب عنده ثمّ قرأ {وَإِنَّهُ فِى أُمِّ الْكِتَابِ} . ٥{لَدَينَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ أَفَنَضرِبُ عَنكُمُ الذِكرَ صَفحاً} . إختلفوا في معناه. فقال قوم : أفنضرب عنكم العذاب ونمسك ونعرض عنكم ونترككم فلا نعاقبكم على كفركم، وهذا قول مجاهد والسدي، ورواية الوالبي عن ابن عباس. قال : أفحسبتم إنّه يصفح عنكم ولما تعقلوا ما أَمرتم به، وقال آخرون : معناه أفنمسك عن إنزال القرآن ونتركه من أجل أنّكم لا تؤمنون به فلا ننزله ولا نكرره عليكم، وهذا قول قتادة وإبن زيد. وقال قتادة : واللّه لو كان هذا القرآن رُفع حين ردّه أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن اللّه تعالى عاد بعائدته ورحمته فكرره عليهم ودعاهم إليه عشرين سنة. أو ما شاءَ اللّه من ذلك. وقال الكلبي : أفنترككم سدى لا نأمركم ولا ننهاكم. الكسائي : أفنطوي عنكم الذكر طيًّا، فلا تدعون ولا توعظون. وهذا من فصيحات القرآن، والعرب تقول لمن أَمسك عن الشيء وأعَرض عنه : ضرب عنه صفحاً، والأصل في ذلك إنّك إذا أعرضت عنه ولّيته صفحة عنقك، قال كثير : صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلَةً فمن ملّ منها ذلك الوصل مَلّتِ أي معرضة بوجهها، وضربت عن كذا وأَضربت، إذا تركته وأمسكت عنه. {أَن كُنتُمْ} قرأ أهل المدينة والكوفة إلاّ عاصماً أن تُكتب الألف على معنى إذ. كقوله : {وَذَرُوا مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَواا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ، وقوله : {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} . وقرأ الآخرون بالفتح على معنى لأنّ كنتم أرادوا على معنى المضي كما يقول في الكلام : أَسبّك إن حرمتني، يريد إذا حرمتني. قال أبو عبيدة : والنّصبُ أَحبُّ إليَّ؛ لأنّ اللّه تعالى عاتبهم على ما كان منهم وعلمه قبل ذلك من فعلهم. {قَوْمًا مُّسْرِفِينَ} مُشركين متجاوزين أمر اللّه. ٦-٧{وَكَم أَرسَلنَا مِن نَّبِيّ فِي الأَوَّلِينَ وَمَا يَأتِيِهم} . أي وما كان يأتيهم. {مِن نَّبيّ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَستَهزِءُون} كاستهزاء قومك بك. يعزّي نبيه (صلى اللّه عليه وسلم) ٨{فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا} قوة. {وَمَضَى مَثَلُ الأولين} صفتهم وسنتهم وعقوبتهم. ٩-١١{وَلَئِن سَأَلتَهُم مَّن خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزِيزُ العَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ مَهداً وَجَعَلَ لَكُم فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُم تَهتَدُونَ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدر} أي بمقدار حاجتكم إليه. {فَأَنشَرْنَا} فَأحيّينا. {بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كذلك } أي كما أحيّينا هذه البلدة الميتة بالمطر كذلك. {تُخْرَجُونَ} من قبوركم أَحياء. ١٢-١٣{وَالَّذِى خَلَقَ الأزواج} الأصناف. {كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ والأنعام مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ} ذكر الكناية لأنّه ردها إلى ما، وقال الفراء : أضاف الظهور إلى الواحد لأنّه ذلك الواحد في معنى الجمع كالجند والجيش والرهط والخيل ونحوها من أسماء الجيش. {ثُمَّ تَذكُرُوا نِعمَةَ رَبِكُم إِذَا استَوَيتُم عَلَيهِ وَتَقُولُوا سُبحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرِنِين} أي مطبقين ضابطين قاهرين وهو من القرآن، كأنّه أراد وما كنا مقاومين له في القوة. ١٤{وَإِنَّآ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} لمنصرفون في المعاد. أخبرنا إبن فنجويه الدينوري، حدثنا سعيد بن محمد بن اسحاق الصيرفي، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شنبه، حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى، حدثنا أبي عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن علي بن ربيعة، عن علي ح، عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) إنّه كان إذا وضع رجله في الركاب، قال : (بسم اللّه) فإذا إستوى على الدابة. قال : (الحمد للّه على كلّ حال {سبحان الّذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون})، وكبّر ثلاثاً وهلل ثلاثاً. وقال قتادة : في هذه الآية يُعلمكم كيف تقولون إذا ركبتم في الفلك والأنعام تقولون : {وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِى مُنزَلا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} . ١٥{وَجَعَلُوا} يعني هؤلاء المشركين {لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} أي نصيباً وبعضاً. وقال مقاتل وقتادة : عدلاً وذلك قولهم للملائكة هم بنات اللّه تعالى. {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ مُّبِينٌ} . ١٦{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم} أخلصكم وخصصكم. {بِالْبَنِينَ} نظيره قوله تعالى : {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الملائكة إِنَاثًا} . ١٧{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَانِ مَثَلا} يعني البنات. دليلها في النّحل {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} من الحزن والغيظ. ١٨{أَوَمَن يُنَشَّؤُا} قرأها أهل الكوفة بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين على غير تسمية الفاعل. أي يُربي غيرهم {يُنَشَّؤُا} بفتح الياء وجزم النون وتخفيف الشين، أي ينبت ويكبر. {فِى الْحِلْيَةِ} في الزينة، يعني النساء. قال مجاهد : رخّص للنساء في الحرير والذهب، وقرأ هذه الآية. أخبرنا عبد اللّه بن حامد، أخبرنا محمد بن الحسين الزعفراني، حدثنا يحيى بن جعفر بن أبي طالب، حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا عبيد اللّه بن عمر، عن نافع، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى الأشعري، قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (الذهب والحرير حرام على ذكور أمتي، حلّ لأُناثهم). {وَهُوَ فِى الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} للحجة من ضَعفهنَّ وسَفَههُنَّ. قال قتادة في هذه الآية : قلما تتكلم امرأة بحجّتها إلاّ تكلمت الحجة عليها، وفي مصحف عبد اللّه (وهو في الكلام غير مبين). وقال بعض المفسرين : عني بهذه الآية أوثانهم الّتي كانوا يعبدونها ويجلّونها ويزينونها وهي لا تتكلم ولا تنبس. قال ابن زيد : هذه تماثيلهم الّتي يضربونها من فضة وذهب، وينشؤنها في الحلية يتعبدونها. في محلّ من ثلاثة وجوه : الرفع على الإبتداء، والنصب على الإضمار، مجازه : أو من ينشاء يجعلونه ربّاً أو بنات اللّه، والخفض ردّاً على قوله : {مِمَّا يَخْلُقُ} وقوله : {بما صرت} .. ١٩{وَجَعَلُوا الْمَلَاكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} قرأ أبو عمرو وأهل الكوفة {عِبَادُ الرَّحْمَنِ} بالألف والياء، وأختاره أبو عبيد قال : لأن الإسناد فيها أعلى ولأنّ اللّه تعالى إِنّما كذبهم في قوله : {بنات اللّه} فأخبر إنّهم عبيده وليسوا بناته، وهي قراءة ابن عباس. أخبرنا محمد بن نعيم، أخبرنا الحسين بن أيوب، أخبرنا علي بن عبد العزيز، أخبرنا القاسم بن سلام، حدثنا هيثم عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، إنَّهُ قرأها {عِبَادُ الرَّحْمَنِ} . قال سعيد : فقلت لابن عباس : إنَّ في مصحفي عبد الرّحمن. فقال : إمسحها وإكتبها {عِبَادُ الرَّحْمَنِ} ، وتصديق هذه القراءة، قوله {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} ، وقرأ الآخرون عند الرّحمن بالنون وإختاره أبو حاتم، قال : لأن هذا مدح، وإذا قلت : {عِبَادُ الرَّحْمَنِ} وتصديقها قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ} . {أَشَهِدُوا} أَحَضِرُوا {خَلْقَهُمْ} حتّى يعرفوا إنّهم أناث، وقرأ أهل المدينة {أَشَهِدُوا} على غير تسمية الفاعل أي أَحضروا. {خَلْقَهُمْ} حين خلقوا. {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ} على الملائكة إنّهم بنات اللّه {وَيُسْ َلُونَ} عنها. ٢٠{وَقَالُوا لَوْ شَآءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم} يعني الملائكة في قول قتادة ومقاتل والكلبي، وقال مجاهد : يعني الأوثان، وإنَّما لم يعجل عقوبتنا على عبادتنا إياها لرضا منا بعبادتها. قال اللّه تعالى : {مَّا لَهُم بذلك مِنْ عِلْمٍ} فيما يقولون {إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} يكذبون. ٢١{أَمْ ءَاتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ} أي من قبل هذا القرآن. ٢٢{فَهُم بِهِ مُستَمسِكونَ بَل قَالُوا إِنَّا وَجَدنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة} دين. {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَآ} وقراءة العامة (أُمة) بضم الألف، وهي الدين والملة، وقرأ عمر بن عبد العزيز ومجاهد اَمة بكسر الألف وإختلفوا في معناها، فقيل : هي الطريقة والمقصد من قولهم أممت، وقيل : هي النعمة. قال عدي بن زيد : ثمّ بعد الفلاح والملك والأمة وأريهم هناك القبور، وقيل : هما لغتان بمعنى واحد. ٢٣{وَ كذلك مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} مستنون متبعون. ٢٤{قَالَ} قراءة العامة على الأمر، وقرأ ابن عامر على الخبر ومثله روى حفص بن عاصم. {أَوَلَوْ جِئْتُكُم} بالألف أبو جعفر. الباقون جئتكم على الواحد. {بِأَهْدَى} بدين أَصوب. ٢٥-٢٦{مِمَّا وَجَدتُّم عَلَيهِ آبَاءَكُم. قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرسِلتُم بِهِ كَافِرُونَ فَانتَقَمنَا مِنهُم. فَانُظر كَيفَ كَانَ عَاقِبةُ المُكَذِبِينَ وَإِذ قَالَ إِبرَاهِيمُمِلأَبِيهِ وَقومِهِ إِنَّنِي بَرَاء} أي بريء، ولا يثنّى البراء ولا يجمع ولا يؤنث لأنّه مصدر وضع موضع النعت، وفي قراءة عبد اللّه (بريء) بالياء. ٢٧{مِمَّا تَعبُدُونَ إلاّ الَّذِى فَطَرنِي} خلقني، ومجاز الآية : إنّني براء من كلّ معبود إلاّ الّذي فطرني. {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} إلى دينهِ. ٢٨{وَجَعَلَهَا} يعني هذه الكلمة والمقالة {كَلِمَةَ بَاقِيَةً فِى عَقِبِهِ} قال مجاهد وقتادة : يعني لا إله إلاَّ اللّه، وقال القرظي : يعني وجعل وصية إبراهيم الّتي أوصى بها بنيه باقية في نسله وذريته وهي الّتي ذكرها اللّه تعالى في سورة البقرة : {وَوَصَّى بِهَآ إِبْرَاهِمُ بَنِيهِ} ، وقال ابن زيد : يعني قوله : {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وقرأ {هُوَ سَمَّ اكُمُ الْمُسْلِمِينَ} . {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} من كفرهم إلى الطاعة ويتوبون ٢٩{بَلْ مَتَّعْتُ هؤلاء وَءَابَآءَهُمْ} في الدّنيا فلم أهلكهم ولم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم. {حَتَّى جَآءَهُمُ الْحَقُّ} القرآن، وقال الضحاك : الإسلام. {وَرَسُولٌ مُّبِينٌ} يبين لهم الأعلام والأحكام وهو محمد (صلى اللّه عليه وسلم) ٣٠-٣١{وَلَمَّا جَآءَهُمُ الْحَقُّ} القرآن {قَالُوا هذَا سِحرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا لَولاَ نُزِلَ هَذَا القَرآنُ عَلَى رَجُل مِنَ القَريَتَينِ عَظِيم}. يعني من إحدى القريتين ولم يختلفوا في القريتين إنَّهما مكّة والطائف، وإختلفوا في الرجلين من هما. قال ابن عباس : الوليد بن المغيرة من مكّة وكان يسمى ريحانة قريش، وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي من الطائف. وقال مجاهد : عتبة بن الربيع من مكّة وابن عبدياليل الثقفي من الطائف. قتادة : هما الوليد بن المغيرة المخزومي، وأبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي، وقال السدي : الوليد بن المغيرة وكنانة بن عبد عمرو بن عمير. ٣٢قال اللّه سبحانه وتعالى : {أَهم يقسِمُونَ رَحمَتَ رَبِكَ} نبوته وكرامته فيجعلونها لمن شاءوا. {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا} فجعلنا هذا غنياً وهذا فقيراً وهذا ملكاً وهذا مملوكاً، وقرأ ابن عباس وابن يحيى (معايشهم) {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا} أي ليُسخّر الأغنياء بأموالهم الأجراء الفقراء بالعمل ويستخدمونهم ليكون بعضهم لبعض سبب المعاش في الدّنيا، هذا بماله وهذا باعماله؛ هذا قول السدي وابن زيد، وقال قتادة والضحاك : يعني ليملك بعضهم بعضاً فهذا عبد هذا، وقيل : يسخر بعضهم من بعض، وقيل : يتسخر بعضهم بعضاً. {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ} يعني الجنّة {خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} في الدنيا من الأموال ٣٣{وَلَوْ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} مجتمعين على الكفر فيصيروا كلّهم كفّاراً. هذا قول أكثر المفسرين، وقال ابن زيد : يعني : ولولا أن يكون النّاس أُمة واحدة في طلب الدّنيا وإختيارها على العقبى. {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ} وقرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو وحميد ويحيى بن وثاب {سُقُفًا} بفتح السين على الواحد ومعناه الجمع إعتباراً بقوله : {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ} ، وقرأ الباقون بضم السين والقاف على الجمع. يقال سقف وسُقّف مثل رهن ورُهّن. قال أبو عبيد : ولا ثالث لهما، وقيل : هو جمع سقيف، وقيل : هو جمع سقوف وجمع الجمع. {وَمَعَارِجَ} أي مصاعد ومراقي ودرجاً وسلاليم، وقرأ أبو رجاء العطاردي (ومعاريج) وهما لغتان واحدهما معراج مثل مفاتح ومفاتيح. {عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} يعلون ويرتقون ويصعدون بها، ظهرت على السطح إذا علوته. قال النابغة الجعدي : بلّغنا السماء مجدنا وسناؤنا وإِنَّا لنرجو فوق ذلك مظهرا أي مصعداً. ٣٤{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا} من فضة {وَسُرُرًا} من فضة ٣٥{عَلَيهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخرُفاً} أي ولجعلنا لهم مع ذلك {وَزُخْرُفًا} وهو الذهب نظير بيت مزخرف، ويجوز أن يكون معناه من فضة وزخرف فلما نزع الخافض نصب. {وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذلك لَمَّا مَتَاعُ الْحياةِ} شدده عاصم وحمزة على معنى {وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذلك لَمَّا مَتَاعُ الْحياةِ} ، وخففه الآخرون على معنى. { ذلك مَتَاعُ الْحياةِ الدُّنْيَا} فتكون (لغة) الواصلة {وَاخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} للمؤمنين. أخبرنا عبد اللّه بن حامد الوزان، أخبرنا أحمد بن شاذان، أخبرنا جيغويه بن محمد، حدثنا صالح بن محمد، حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبان، عن سليمان بن القيس العامري، عن كعب. قال : إنّي لأجد في بعض الكتب : لولا أن يحزن عبدي المؤمن لكللت رأس الكافر بأكاليل فلا يصدع ولا ينبض منه عرق يوجع. أخبرنا أبو عبد اللّه بن فنجويه، حدثنا عبد اللّه بن محمد بن شنبه، حدثنا الفربابي، حدثنا إبراهيم بن العلاء الزيدي، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن ثعلبة بن مسلم، عن مسلم بن أبي المجرد، عن عمر بن الخطاب ح إنّه كان يقول : لو أنّ رجلاً هرب من رزقه لإتبعه حتّى يدركه، كما إنّ الموت يدرك من هرب منه له أجل هو بالغه، أو أثر هو واطئة ورزق هو آكله وحرف هو قائله فاتقوا اللّه وإجملوا في الطلب، فلا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بمعصية اللّه تعالى، فإنّ اللّه لا ينال ما عنده إلاّ بطاعته، ولن يُدرك ما عنده بمعصيته. فأتقوا اللّه وإجملوا في الطلب. ٣٦{وَمَن يَعْشُ} يعرض {عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} فلم يخف عقابه ولم يرج ثوابه. وقال الضحاك : يمض قدماً. القرظي : يولّ ظهره على ذكر الرّحمن وهو القرآن. أبو عبيدة والأخفش : أي تظلم عينه، الخليل بن أحمد : أصل العشو النظر ببصر ضعيف، وأنشد في معناه : متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد وروى نوفل بن أبي عقرب عن ابن عباس إنَّه قرأ {وَمَن يَعْشُ} بفتح الشين ومعناه : (من يعم). يقال منه : عشي يعشي عشياً إذا عمي، ورجل أعشى وامرأة عشواء، ومنه قول الأعشى : رأت رجلا غائب الوافدين مختلف الخلق أعشى ضريرا {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} أي نظمه إليه ونسلّطه عليه {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} فلا يفارقه. ٣٧{وَإِنَّهُمْ} يعني الشياطين {لَيَصُدُّونَهُمْ} يعني الكافرين. ٣٨{عَنِ السَّبِيلِ وَيحسَبُون أَنَّهُم مُّهتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} قرأ أهل العراق وابن محيص على الواحد يعنون الكافر، واختاره أبو عبيد وقرأ الآخرون {جَآءَنَا} على التشبيه يعنون الكافر وقرينه. {قَالَ} الكافر للشيطان. {يَا لَيتَ بَينِي وَبَينَكَ بُعدَ المَشرِقَينِ} أي المشرق والمغرب، فقلب إسم أحدهما على الآخر، كما قال الشاعر : أخذنا بآفاق السّماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع يعني الشمس والقمر، ويقال للغداة والعشي : العصرات، قال حميد بن ثور : ولن يلبث العصران يوم وليلة إذا طلبا أن يدركا ما تيمما وقال آخر : وبصرة الأزد منا والعراق لنا والموصلان ومنا المصر والحرم أراد الموصل والجزيرة، ويقال للكوفة والبصرة : البصرتان، ولأبي بكر وعمر (ذ) : العمران، وللسبطين : الحسنان، وقال بعضهم : أراد بالمشرقين، مشرق الصيف ومشرق الشتاء. كقوله تعالى : {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} . {فَبِئْسَ الْقَرِينُ} قال أبو سعيد الخدري : إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشيطان فلا يفارقه حتّى يصير إلى النّار. ٣٩{وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ} في الآخرة {إِذ ظَّلَمْتُمْ} أشركتم في الدّنيا {أَنَّكُمْ فِى الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} يعني لن ينفعكم إشراككم في العذاب لأنّ لكلّ واحد نصيبه الأوفر منه فلا يخفف عنكم العذاب لأجل قرنائكم. وقال مقاتل : لن ينفعكم الإعتذار والندم اليوم لأنّكم أنتم وقرناؤكم مشتركون اليوم في العذاب كما كنتم مشتركين في الكفر. ٤٠{أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِى الْعُمْىَ وَمَن كَانَ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ} يعني الكافرين الّذين حقّت عليهم كلمة العذاب فلا يؤمنون. ٤١{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} فنميتك قبل أن نعذبهم. ٤٢{فإِنَّا مِنُهم مُّنتَقِمونَ أو نُرِيَنَّكَ الَّذِيَ عَدنَاهُم} فنعذبهم في حياتك. {فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ} قال أكثر المفسرين : أراد به المشركين من أهل مكّة فإنتقم منهم يوم بدر، وقال الحسن وقتادة : عني به أهل الإسلام من أمة محمد (صلى اللّه عليه وسلم) وقد كان بعد نبي الرحمة نقمة شديدة فأكرم اللّه نبيه وذهب به، ولم يُره في أمته إلاّ الّذي تقر عينه، وأبقى النقمة بعده، وليس من نبي إلاَّ أُرى في أُمته العقوبة، وذكر لنا إنّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أُري ما يصيب أمته بعده فما رُئيَ ضاحكاً منبسطاً حتّى قبضه اللّه تعالى. ٤٣-٤٤{فَاستَمسِك بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاط مُّستَقِيم وَإِنَّهُ} يعني القرآن. {لَذِكْرٌ لَّكَ} لَشرفٌ لك {وَلِقَوْمِكَ} من قريش، نظيره قوله : {لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} أي شرفكم. {وَسَوْفَ تُسْ َلُونَ} عن حقّه وأداء شكره. أخبرنا أبو عبد اللّه بن فنجويه الدينوري، حدثنا أبو علي بن حبش المقري، حدثنا أبو بكر ابن محمد بن أحمد بن إبراهيم الجوهري، حدثنا عمي، حدثنا سيف بن عمر الكوفي، عن وائل أبي بكر، عن الزهيري، عن عبد اللّه وعطيه بن الحسن، عن أبي أيوب، عن علي، عن الضحاك، عن ابن عباس. قال : كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يعرض نفسه على القبائل بمكّة، ويعدهم الظهور، فإذا قالوا لمن الملك بعدك، أمسك، فلم يخبرهم بشيء، لأنّه لم يؤمر في ذلك بشيء حتّى نزل {وإِنَّهُ ذكر لك ولقومك} . فكان بعد ذلك إذا سُئل، فقال : لقريش، فلا يجيبونه، وقبلته الأنصار على ذلك. أخبرنا أبو عبد اللّه بن فنجويه الدينوري، حدثنا نصر بن منصور بن جعفر النهاوندي، حدثنا أحمد بن يحيى بن الجاورد، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر، إنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (لا يزال هذا الامر في قريش ما بقي من النّاس إثنان). أخبرنا عبيد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن محمد الناهد، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، حدثنا الحسن بن ناصح ومحمد بن يحيى، قالا : حدثنا نعيم بن عماد، حدثنا عبد اللّه بن المبارك، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن محمد بن حسن بن مطعم، عن معاوية، قال : سمعت النبي (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (لا يزال هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلاَّ كُبّ على وجهه ما أقاموا الدّين). أخبرنا عبيد اللّه بن محمد الزاهد، أخبرنا أبو العباس السراج، حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم، حدثنا هوذه بن خليفة، حدثنا عوف، عن زياد بن محراق، عن أبي كنانة، عن أبي موسى، قال : قام النبي (صلى اللّه عليه وسلم) على باب البيت وفيه نفرٌ من قريش، فأخذ بعضادي الباب، ثمّ قال : (هل في البيت إلاَّ قريشي؟) قالوا : لا يارسول اللّه. إلاّ ابن إخت لنا، قال : (ابن إخت القوم منهم) ثم قال : (لا يزال هذا الأمر في قريش ما داموا إذا حكموا فعدلوا، واسترحموا فرحموا، وعاهدوا فوفوا، فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين، لا يقبل اللّه منه صرفاً ولا عدلاً). أخبرنا عبيد اللّه الزاهد، حدثنا أبي العباس السراج، حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم، حدثني موسى بن داود وخالد بن خداش، قالا : حدثنا بُكير بن عبد العزيز، عن يسار بن سلامة، عن أبي بردة، قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (الأُمراء من قريش، لي عليهم حقّ ولهم عليكم حقّ ما فعلوا ثلاثاً : ما حكموا فعدلوا، وإسترحموا فرحموا، وعاهدوا فوفوا). زاد خالد : (فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين). أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا عبيد اللّه بن محمد بن شنبه، قال : سمعت أبي يقول : سمعت مالك بن أنس يقول : في قول اللّه تعالى : {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} قال : قول الرجل : حدثني أبي، عن جدي. ٤٥{وَسْ َلْ} يا محمد. {مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ} . اختلف العلماء في هؤلاء المسؤولين. فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي وعطاء بن أبي رياح والحسن والمقاتلان : هم المؤمنون أهل الكتابين، وقالوا : هي في قراءة عبد اللّه وأبي (وأسئل الّذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا)، وقال ابن جبير وابن زيد : هم الأنبياء الّذين جمعوا له ليلة أُسري به ببيت المقدس. أخبرنا ابن فنجويه حدثنا موسى بن محمد، حدثنا الحسن بن علوية، حدثنا إسماعيل بن عيسى، حدثنا المسيب، قال : قال : أبو جعفر الدمشقي : سمعت الزهري يقول : لما أسري بالنبي (صلى اللّه عليه وسلم) صلى خلفه تلك الليلة كلّ نبي كان أُرسل فقيل للنبي (عليه السلام) : {وَسْ َلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} . أخبرنا الحسين بن محمد الدينوري، حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين الأزدي الموصلي، حدثنا عبد اللّه بن محمد بن غزوان البغدادي. حدثنا علي بن جابر، حدثنا محمد بن خالد بن عبد اللّه ومحمد بن إسماعيل، قالا : حدثنا محمد بن فضل، عن محمد ابن سوقة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه بن مسعود، قال : قال رسول اللّه : (صلى اللّه عليه وسلم) (أتاني ملك فقال : يامحمد {وَسْ َلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ} على ما بعثوا، قال : قلت : على ما بعثوا، قال : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب). ٤٦-٤٧{وَلَقَد أَرسَلَنا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرعَونَ وَملإِيْهِ فَقَالَ إِنِي رَسُولُ رَبِ العَالَمِينَ فَلَمَّا جَاءَهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم يَضحَكُونَ} وبها يستهزؤن ويكذبون. ٤٨{وَمَا نُرِيهِم مِّنْ ءَايَةٍ إِلا هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} قرينتها وصاحبتها الّتي كانت قبلها. {وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ} بالسنين والطوفان والجراد والقُمّل والضفادع والدم. ٤٩{لَعَلَّهُم يَرجِعُون وقالوا} لما عاينوا العذاب. {يا أَيُّها السّاحِرُ} يا أيّها العالم الكامل الحاذق، وإنَّما قالوا هذا توقيراً وتعظيماً منهم، لأنّ السحر كان عندهم علماً عظيماً وصفة ممدوحه، وقيل : معناه يا أيّها الّذي غلبنا بسحره، كقول العرب : خاصمته فخصمته، ونحوها. ويحتمل إنّهم أرادوا به الساحر على الحقيقة عيّباً منهم إياه، فلم يناقشهم موسى (عليه السلام) في مخاطبتهم إياه بذلك رجاء أن يؤمنوا. {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} أي بما أخبرتنا عن عهده إِليكَ إِنَّا إن آمنا كُشف عنا، فاسأله يكشف عنا. {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} مؤمنون. ٥٠{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} ينقضون عهدهم ويصرّون على كفرهم ويتمارون في غيهم. ٥١{وَنَادَى فِرعَونُ فِي قَومِهِ قَالَ يَا قَومِ أَليسَ لِي مُلكُ مِصرَ وَهَذِهِ الأَنهارُ} يعني أنهار النيل ومعظمها أربعة : نهر الملك، ونهر طولون، ونهر دمياط، ونهر تنيس. {تَجْرِى مِن تَحْتِى} بين يدي وجناتي وبساتيني، وقال ابن عباس : حولي. عطاء : في قبضتي وملكي. الحسن : بأمري. ٥٢{أَفَلاَ تُبصِرُونَ أَم أَنَا خَيرٌ} بل أنا بخير. (أم) بمعنى بل، وليس بحرف على قول أكثر المفسرين، وقال الفراء : وقوم من أهل المعاني الوقوف على قوله (أَم)، وعنده تمام الكلام. وفي الآية إضمار ومجازها : أفلا تبصرون أم لا تبصرون أم إبتداء، فقال : أنا خير {مِّنْ هذا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ} ضعيف حقير يعني موسى (عليه السلام). {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} يفصح بكلامه وحجته، لعيّه ولعقدته والرنة الّتي في لسانه. ٥٣{فَلَوْ أُلْقِىَ عَلَيْهِ} إن كان صادقاً {أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ} قرأ الحسن ويعقوب وأبو حاتم وحفص {أَسْوِرَةٌ} على جمع السوار، وقرأ أبي : أساور، وقرأ إبن مسعود : أساوير، وقرأ العامة : أساورة بالألف على جمع الأسورة وهو جمع الجمع. وقال أبو عمرو بن العلاء : واحد الأساورة والأساور والأساوير أساور، وهي لغة في السوار. قال مجاهد : كانوا إذا استودوا رجلاً سوّروه بسوار، وطوّقوه بطوق من ذهب يكون ذلك دلالة لسيادته وعلامة لريّاسته. فقال فرعون : هلا ألقى ربّ موسى أسورة من ذهب. {أَوْ جَآءَ مَعَهُ الْمَلَاكَةُ مُقْتَرِنِينَ} متابعين يقارن بعضهم بعضاً يمشون معه شاهدين له. ٥٤قال اللّه تعالى : {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ} القبط وجدهم جهالاً. {فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} . أخبرنا أبو عبد اللّه بن فنجويه، حدثنا ابن مالك، حدثنا إبن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا الوليد بن مسلم، قال : قال الضحاك بن عبد الرحيم بن أبى حوشب : سمعت بلال بن سعد يقول : قال أبو الدرداء : لو كانت الدّنيا تزن عند اللّه جناح ذباب ما سقي فرِعون منها شراباً. ٥٥{فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا} أغضبونا، وقال الحسين بن الفضل : خالفونا {فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} ٥٦{ فَجَعَلنَاهُم سَلَفاً } قرأ علي وابن مسعود بضم السين وفتح اللام، وقال المؤرخ والنضر بن شميل : هي جمع سلفة، مثل طرقة وطرق، وغرفة وغرف، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي بضم السين واللام، قال الفراء : هو جمع سليف، وحكي عن القاسم بن معين إنّه سمع العرب تقول : مضى سليف من الناس، وقال أبو حاتم : سَلف وسُلف واحد، مثل خَشَب وخُشُب، وثَمَر وثُمُر وقرأ الباقون فتح السين واللام على جمع السالف مثل حارس وحرس، وراصد ورّصد، وهم جميعاً : الماضون المتقدمون من الأمم. {وَمَثَ} عبرة. {لِّخِرِينَ} لمن يجيء بعدهم، قال المفسرون : سلفاً لكفّار هذه الأمة إلى النّار. ٥٧{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا} في خلقه من غيرِ أَب. فشبه بآدم من غيرِ أَب ولا أُم. {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} ويقولون ما يريد محمد منا إلاّ أن نعبده ونتخذه إلهاً كما عبدت النصارى عيسى. قاله قتادة. وقال ابن عباس : أَراد به مناظرة عبد اللّه بن الزبعري مع النبي (صلى اللّه عليه وسلم) وشأن عيسى (عليه السلام)، وقد ذكرناها في الأنبياء (عليهم السلام) وأختلف القرّاء في قوله : {يَصِدُّونَ} فقرأ أهل المدينة والشام وجماعة من الكوفيين بضم الصاد، وهي قراءة علي والنخعي ومعناه يعرضون، ونظيره قوله : {رأيت المنافقون يصدون عنك صدوداً} . وقرأ الباقون بكسر الصاد، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم واختلفوا في معناه، فقال الكسائي : هما لغتان مثل يعرشون ويعرشون، ويعكفون ويعكفون، ودرّت الشاة تدر وتدُرُ، وشذ عليه يشذ ويشد، ونمّ الحديث ينمه وينمُه، وقال ابن عباس : معناه يضجون. سعيد بن المسيب : يصيحون ضحاك : يعجون. قتادة : يجزعون ويضحكون، وقال القرظي : يضجرون. وقال الفراء : حدثني أبو بكر بن عياش أنَّ عاصماً قرأ يصُدُون من قراءة أبي عبد الرحمن، وقرأ يصدُون، وفي حديث آخر إنّ ابن عباس لقي أخي عبيد بن عمير، فقال : إنّ عمك لعربي، فماله يلحن في قوله سبحانه وتعالى : {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} ؟. ٥٨{وَقَالُوا ءَأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} يعنون محمداً (صلى اللّه عليه وسلم) فنعبد إلهه ونطيعه ونترك آلهتنا، هذا قول قتادة، وقال السدي وابن زيد : أم هُوَ يعنون عيسى (عليه السلام)، قالوا : يزعم محمد إنّ كلّ ما عبد من دون اللّه في النّار، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عزير وعيسى والملائكة في النّار. قال اللّه تعالى : {مَا ضَرَبُوهُ} يعني هذا المثل. {لَكَ إِلا جَدَلا} خصومة بالباطل. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن علي الجمشاذي الفقيه، بقراءتي عليه، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي، حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل. حدثني أبي، حدثنا عبد اللّه بن نمير الكوفي، حدثنا حجاج بن دينار الواسطي، أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا هارون بن محمد بن هارون، حدثنا السريّ، حدثنا أبو النضر، حدثنا عنبسة بن عبد الواحد القريشي، عن الحجاج بن دينار، عن أبي غالب، عن أبي أُمامة، قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه، إلاَّ أُتوا الجدل، ثمّ قرأ : {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} ). ٥٩{إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِّبنى إسرائيل } يعني آية أو عبرة وعظه لبني إسرائيل. ٦٠{وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم} لأهلكناكم وجعلنا بدلاً منكم. {مَّلَاكَةً فِى الأرض يَخْلُفُونَ} يعني يكونون خلفاً منكم فيعمرون الأرض ويعبدونني ويطيعونني. ٦١{وَإِنَّهُ} يعني عيسى (عليه السلام). {لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} بنزوله يعلم قيام الساعة ويستدل على ذهاب الدّنيا وإقبال الآخرة. أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا طلحة بن محمد وعبيد اللّه بن أحمد، قالا : حدثنا أبو بشر بن مجاهد، حدثنا فضل بن الحسن، حدثنا عبيد اللّه بن معاد، حدثنا أبي، عن عمران بن جرير، قال : سمعت أبا نضرة يقرأ {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} ، قال : هو عيسى، وبإسناده عن ابن مجاهد، حدثني عبد اللّه بن (عمر) بن سعد، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، حدثنا خالد بن الحرث، حدثنا أبو مكي، عن عكرمة {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} ، قال : ذلك عيسى (عليه السلام). وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة و مالك بن دينار والضحاك {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} بفتح السين واللام، أي إمارة وعلامة، وفي الحديث : ينزل عيسى بن مريم على ثنية بالأرض المقدسة، يقال لها : أفيق، بين مُمصرّتَيْن وشعر رأسه د هين وبيده حربة يقتل بها الدجال. فيأتي بيت المقدس والنّاس في صلاة العصر، والإمام يؤم بهم فيتأخر الإمام، فيتقدّمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد (صلى اللّه عليه وسلم) ثمّ يقتل الخِنزير، ويكسر الصليب، ويخرب البيع والكنائس، ويقتل النصارى. إلاَّ من آمن به. وقال قوم : الهاء في قوله : {وَإِنَّهُ} كناية عن القرآن، ومعنى الآية وإِنَّ القرآن لَعِلمٌ لِلسَّاعَةِ يعلمكم قيامها ويخبركم بأحوالها وأهوالها، وإليه ذهب الحسن. {فَلاَ تَمتَرُونَ بِهَا} فلا تَشكُنَّ بها أي فيها. ٦٢{وَاتَّبِعُونِ. هَذَا صِرَاطٌ مُّستَقيمٌ وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ} ولا يَصرفنّكم {الشَّيْطَانُ} عن دين اللّه. {وَ يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ٦٣{وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى} بني إِسرائيل. {بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ} بالنبوة. {وَبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} من أحكام التوراة. ٦٤-٦٥{فَاتَّقُوا اللّه وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللّه رَبِي وَرَبَّكُم فَاعبُدُوهُ. هَذَا صِرَاطُ مُّستَقِيمٌ فَاختَلَفَ الأَحزَابُ} اليهود والنصارى. {مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا} كفروا واشركوا كما في سورة مريم. ٦٦-٦٧{مِن عَذَابِ يَوم أَلِيم هَل يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تأَتِيَهُم بَغتَةً وَهُم لاَ يَشعُرُونَ الأَخِلاَّء} على المعصية في الدنيا. {يَوْمَ ذ} يوم القيامة. {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ} . المتحابين في اللّه على طاعة اللّه. أخبرنا عقيل بن محمد إنّ أبا الهرج البغدادي القاضي أخبرهم، عن محمد بن جرير، حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن أبي اسحاق، إنّ علياً ح قال في هذه الآية : خليلان مؤمنان وخليلان كافران، فمات أحد المؤمنين، فقال : يا ربّ إنّ فلان كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير، وينهاني عن الشرّ، ويخبرني إنّي ملاقيك. يا ربّ فلا تضلّه بعدي واهده، كما هديتني، وإكرمه كما أكرمتني. وإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما، فيقول : ليثني أحدكما على صاحبه. فيقول : يا ربّ انه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشرّ، ويخبرني أنّي ملاقيك، فيقول : نعم الأخ، ونعم الخليل، ونعم الصاحب. قال : ويموت أحد الكافرين، فيقول : إنّ فلان كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالشّر، وينهاني عن الخير ويخبرني إنّي غير ملاقيك. فيقول : بئس الأخ، وبئس الخليل، وبئس الصاحب. ٦٨{يَا عِبَاد} أي فيقال لهم يا عبادي. {خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} أخبرنا عقيل بن محمد، أخبرنا المعافا بن زكريا، أخبرنا محمد بن جرير. أخبرنا ابن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر، عن أبيه، قال : سمعت إنّ الناس حتّى يبعثون ليس منهم أحد إلاّ فزع، فينادي مناد : {يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} فيرجوها الناس كلّهم. قال : فيتبعها. ٦٩{الَّذِينَ ءَامَنُوا بَِايَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} فينكس اهل الاديان رؤسهم غير المسلمين. ٧٠{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} تسرون وتنعمون. ٧١{يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ} بقصاع واحدتها صفحة. {مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} أباريق مستديرة الرؤوس ليست لها آذان ولا خراطم، واحدها كوب. قال الأعشى : صريفيّة طَيّبٌ طعمها لها زَبَدٌ بين كوب ودَنّ أخبرنا أبو عبد اللّه بن فنجويه، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا عبد اللّه بن أحمد ابن حنبل، حدثني أبي، حدثنا حسن بن موسى، حدثنا السكوني عبد الحميد بن عبد العزيز، حدثنا الأشعث الضرير، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة. قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إنّ أدنى أهل الجنّة منزلة لمن له سبع درجات هو على السادسة وفوق السابعة، وإنَّ له لثلاثمائة خادم، ويُغدي ويراح عليه كل يوم ثلاثمائة صحيفة)، ولا أعلمه إلاَّ قال : (من ذهب في كل صحيفة لون ليس في الأخرى، وإنَّه ليلذ أوله كما يلذ آخره، ومن الأشربة ثلاثمائة إناء، في كلّ إناء لون ليس في الأخرى، وإنَّهُ ليلذ أوله كما يلذ آخره، وإنّه ليقول يا ربّ لو أذنتني لأطعمت أهل الجنّة، وسقيتهم لا ينقص مما عندي شيء إنّ له من الحور العين لاثنين وسبعين زوجة، سوى زوجته في الدّنيا، وإنّ الواحدة منهنّ ليأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض). أخبرنا أبو عبد اللّه بن فنجويه الدينوري، حدثنا ابن حبش المقري، حدثنا ابن رنجويه، حدثنا سلمة، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن إسماعيل بن أبي سعيد، إنّ عكرمة أخبره رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (إنّ أدنى أهل الجنّة منزلة وأسفلهم درجة، رجل لا يدخل الجنّة بعده أحد، يفتح له بصره مسيرة مائة عام في قصور من ذهب وخيام من لؤلؤ ليس منها موضع شبر، إلاّ معمور يغدى عليه ويراح سبعين ألف صحيفة من ذهب، ليس منها صحيفة إلاّ وفيها لون ليس في الأخرى مثله). (شهوته في آخرها كشهوته في أولها، لو نزل به جميع أهل الدنيا لوسع عليهم مما أعطي لا ينقص ذلك مما أوتي شيئاً). {وَفِيهَا} في الجنّة. {مَا تَشْتَهِيهِ انفُسُ} قرأ أهل المدينة والشام وحفص عن عاصم {تَشْتَهِيهِ} بالهاء وكذلك هي في مصاحفهم. {وَتَلَذُّ اعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أخبرنا عقيل بن محمد، أخبرنا المعافا بن زكريا، أخبرنا محمد بن جرير، حدثنا ابن يسار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن ابن سابط، إنّ رجلاً قال : يارسول اللّه إنّي أحبُّ الخيل، فهل في الجنة خيل؟ . فقال : (إنّ يدخلك اللّه الجنّة فلا تشاء أن تركب فرساً من ياقوتة حمراء تطير بك في أي الجنّة شئت، إلاَّ ركبت). فقال : إعرابي يارسول اللّه إنّي أحبّ الإبل، فهل في الجنّة إبل؟ . فقال : (ياإعرابي إن يدخلك اللّه الجنّة إن شاء اللّه. كان لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عيناك). وبه عن ابن جرير، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عمر بن عبد الرحمن الأياد، عن محمد ابن سعد الأنصاري، عن أبي ظبية السلمي، قال : إنّ السرب من أهل الجنّة لتظلهم السحابة، فتقول : ما أمطركم؟ . فما يدعو داع من القوم بشيء إلاَّ مطرتهم، حتّى إنّ القائل منهم ليقول : أمطرينا كواعب أتراباً. وبه عن ابن جرير، حدثنا موسى بن عبد الرحمن، حدثنا زيد بن الحُبان بن الرَّيان، أخبرنا معاوية بن صالح، حدثني سليمان بن عامر، قال : سمعت أبا أُمامة يقول : إنّ الرجل من أهل الجنّة ليشتهي الطائر وهو يطير، فيقع منفلقاً نضيجاً في كفه، فيأكل منه حتّى تنتهي نفسه، ثمّ يطير، ويشتهي الشراب فيقع الإبريق في يده فيشرب منه ما يريد ثمّ يرجع إلى مكانه. ٧٢-٧٣{وَتِلكَ الجَنَّةَ الَّتِي أُورِثتُمُوهَا بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ لَكُم فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنهَا تَأكُلُون}. أخبرنا أبو عبد اللّه بن فنجويه، حدثنا عبد اللّه بن يوسف بن أحمد بن مالك، حدثنا محمد بن إبراهيم ابن زياد الطيالسي الرازي، حدثنا محمد بن حسان الأزرق، حدثنا ريحان بن سعيد، حدثنا عباد ابن منصور، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، إنّه سمع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (لا ينزع رجل من أهل الجنّة من ثمرها إلاّ أعيد في مكانها مثلاها). ٧٤{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ} المشركين. ٧٥-٧٧{فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لاَ يُفَتَّرُ عَنهُم وَهُم فِيهِ مُبلِسُون وَمَا ظَلَمَنَاهُم وَلَكِن كَانُوا هُم الظَّالِمِينَ وَنَادَوا يَا مَالِكُ لِيَقضِ عَلَينَا رَبُّك} ليمتنا ربّك فنستريح، فيجيبهم مالك بعد ألف سنة : {قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} مقيمون في العذاب. أخبرنا ابن فنجويه الدينوري، حدثنا ابن حبش المقري، حدثنا ابن الفضل، حدثنا جعفر ابن محمد الدنقاي الضبي، حدثنا عاصم بن يوسف اليربوعي، حدثنا قطبة بن عبد العزيز السعدي، عن الأعمش، عن سمر بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أُم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (يلقى على أهل النّار الجوع حتّى يعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع، فيستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام ذي غصة فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالشراب فيستغيثون بالشراب فيدفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم فاذا دخلت بطونهم قطعت ما في بطونهم، فيقولون ادعوا خزنة جهنم، فيقولون ألم تك تأتكم رسلكم بالبينات؟ قالوا : بلى، قالوا : فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال، قال : فيقولون إدعوا مالكاً، فيدعون : يا مالك ليقض علينا ربّك، فيجيبهم إنّكم ماكثون). قال : فقال الأعمش : أنبئت إنّ بين دعائهم وبين إجابته إياهم الف عام. أخبرنا ابن فنجويه، حدثنا هارون بن محمد بن هارون، حدثنا محمد بن عبد العزيز، حدثنا القاسم بن يونس الهلالي، حدثنا قطبة بن عبد العزيز يعني السعدي، عن الأعمش، عن سمر بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أُم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربّك). باللام. ٧٨-٧٩{لقد جِئنَاكُم بالحَقِ وَلكِنَّ أَكثَرَكُم لِلحَقِ كَارِهُونَ أَم أَبرَمُوا} أحكموا. {أَمْرًا} في المكر برسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} محكمون. ٨٠{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَ اهُم بَلَى} نسمع ونعقل {وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} يعني الحفظة. ٨١{قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} يعني {إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} في قولكم وبزعمكم، فأنا أولُ الموحدين المؤمنين باللّه في تكذيبكم والجاحدين لما قلتم من إنّ له ولداً. قاله مجاهد. وقال ابن عباس : يعني ما كان للرّحمن ولد وأنا أول الشاهدين له بذلك والعابدين له، جعل بمعنى النفي والجحد، يعني ما كان وما ينبغي له ولد. ثمّ ابتداء {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} ، وقال السدي : معناه، قل : {إِن كَانَ لِلرَّحْمَانِ وَلَدٌ فَأَنَا} أول من عبده بأنّ له ولد، ولكن لا ولد له، وقال قوم من أهل المعاني : معناه، قل {إِن كَانَ لِلرَّحْمَانِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ} الآنفين من عبادته. ويحتمل أن يكون معناه ما كان للرحمن ولدٌ. ثم قال : فأنا أول العابدين الآنفين من هذا القول المنكرين إنّ له ولداً. يقال عبد إذا أنف وغضب عبداً. قال الشاعر : ألا هويت أُم الوليد وأصحبت لما أبصرت في الرأس مني تعبد وقال آخر : متى ما يشاء ذو الود يَصرّم خليله ويعبد عليه لا محالة ظالما أخبرنا عقيل بن محمد أجازة، أخبرنا أبو الفرج، أخبرنا محمد بن جرير، حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، حدثنا ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، عن ابن قشط، عن نعجة بن بدر الجهني إنّ امرأة منهم دخلت على زوجها وهو رجل منهم أيضاً فولدت في ستة أشهر فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان ح وأمر بها ترجم، فدخل عليه علي بن أبي طالب ح فقال : إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه : {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وقال : (وفصاله في عامين) قال : فواللّه ما عبد عثمان ح أن بعث إليها ترد. قال عبد اللّه بن وهب : ما استنكف ولا أنف ٨٢{سُبحَانَ رَبِ السَّماوَاتِ وَالأَرضِ رَبِ العَرشِ عَمَّا يَصِفُون} يكذبون. ٨٣{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا} في باطلهم. {وَيَلْعَبُوا} في دنياهم. {حَتَّى يُلاَقُوا يَومَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} ٨٤{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفي الأَرضِ إِلَه} يعني يعبد في السّماء ويعبد في الأرض. {وَهُوَ الْحَكِيمُ} في تدبير خلقه. {الْعَلِيمُ} بصلاحهم. ٨٥-٨٦{وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا بَينَهُمَا وَعِندَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ وَلاَ يَملِكُ الَّذِينَ يَدعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالحَق}. اختلف العلماء في معنى هذه الآية. فقال قوم : {مِّنْ} في محل النصب وأراد ب {الَّذِينَ يَدْعُونَ} عيسى وعزير والملائكة، ومعنى الآية : ولا يملك عيسى وعزير والملائكة {الشّفاعة إلاّ لمن شهد بالحق} فآمن على علم وبصيرة، وقال آخرون : {مِّنْ} في وضع رفع والّذين يدعون الأوثان والمعبودين من دون اللّه. يقول : ولا يملك المعبودون من دون اللّه {الشفاعة إلاّ لمن شهد بالحق} وهم عيسى وعزير والملائكة يشهدون بالحقّ. {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} حقيقة ما شهدوا. ٨٧{وَلَ ن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّه فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} عن عبادته. ٨٨{وَقِيلِهِ} يعني قول محمد (صلى اللّه عليه وسلم) شاكياً إلى ربّه. {يَا رَبِ إِنَّ هَؤُلاءِ قَومٌ لاَ يُؤمِنُون}. واختلف القُراء في قوله : ، فقرأ عاصم وحمزة {وَقِيلِهِ} بكسر اللام على معنى {وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} وعلم قيله، وقرأ الأعرج بالرفع، أي وعنده قيله، وقرأ الباقون بالنصب وله وجهان : أحدهما : إنّا لا نسمع سرهم ونجواهم ونسمع قيله والثاني : وقال : . ٨٩{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ} نسختها آية القتال، ثمّ هددهم. {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} بالتاء أهل المدينة والشام وحفص، واختاره أيوب وأبو عبيد، الباقون بالياء. |
﴿ ٠ ﴾