سُورَةُ الجَاثِيَةِ

مكيّة،

وهي سبع وثلاثون آية،

وأربعمائة وثمانوثمانون كلمة،

وألفان ومائة وواحد وتسعون حرفاً

أخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم الفقيه،

أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر العدل،

حدثنا إبراهيم بن شريك بن الفضل،

حدثنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس،

حدثنا سلام بن سليم،

حدثنا هارون بن كثير،

عن زيد بن أسلم،

عن أبيه،

عن أبي أُمامة،

عن أُبي بن كعب،

قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ حم الجاثية ستر اللّه عورته وسكن روعته عند الحساب).

بِسمِ اللّه الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

١-٤

{حم تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللّه العَزيزَ الحَكِيمِ إِنَّ في السَّمَاوَاتِ والأَرضِ لآيات لّلمُؤمِنِينَ وَفِي خَلقِكُم وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّة آيَاتٌ }.

قرأ حمزة والكسائي ويعقوب بكسر التاء من آيات وكذلك الّتي بعدها رداً على قوله : {لآيَاتٍ} وقرأ الباقون برفعها على خبر حرف الصفة.

٥

{لِقَوم يُوقِنُونَ واختلاف الَّيلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللّه مِنَ السَّمَاءِ مِن رِزق} يعني الغيث سماه رزقاً لأنّه سبب أرزاق العباد وأقواتهم

٦

{وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ اللّه مِنَ السَّمَآءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ءَايَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} . أي بعد حديث اللّه وكلامه. {وَءايَاتِهِ} وحججه ودليله. {يُؤْمِنُونَ} قرأ أهل الكوفة بالتاء،

وأختلف فيه عن عاصم ويعقوب عنهم بالياء.

٧

{وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ} كذّاب.

٨-٩

{أَثِيم يَسمَعُ آيَاتِ اللّه تُتلَى عَلَيهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُستَكبِراً كَأن لَّم يَسمَعهَا. فَبَشِرهُ بِعَذَاب أَلِيم وَإِذا عَلِم} يعني قوله {مِنْ ءَايَاتِنَا شيئا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَاكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} نزلت في أبي جهل وأصحابه.

١٠

{مِّن وَرَآهِمْ} أمامهم. {جَهَنَّمُ} نظيره في سورة إبراهيم (عليه السلام) . {وَلا يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُوا} من الأموال. {شيئا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللّه أَوْلِيَآءَ} يعني الأوثان.

١١

{وَلَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ هَذَا} القرآن. {هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَِايَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} من عذاب موجع.

١٢-١٣

{اللّه الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ البَحرَ لِتَجرِيَ الفُلكُ فِيهِ بأَمرِهِ وَلِتَبتَغُوا مِن فَضلِهِ وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا في السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ جَمِيعاً مِنه} فلا تجعلوا للّه أنداداً.

أخبرنا ابن فنجويه الدينوري،

حدثنا طلحة وعبد اللّه،

قالا : حدثنا ابن مجاهد،

حدثني ابن أبي مهران،

حدثني أحمد بن يزيد،

حدثنا شبابة،

عن أبي سمبلة،

عن عبد العزيز بن علي القريشي،

حدثنا محمد بن عبد اللّه بن أيوب الثقفي،

عن عثمان بن بشير،

قال : سمعت ابن عباس يقرأ : {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأرض جَمِيعًا مِّنْهُ} مفتوحة (الميم)،

مرفوعة (النون)،

وبه رواية،

عن ابن عمر،

قال : سمعت مسلمة يقرأ : {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأرض جَمِيعًا مِّنْهُ} مفتوحة (الميم) مرفوعة (النون) وهي مشددة،

(والهاء) مضمومة.

١٤

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَات لِقَوم يَتَفَكَّرُونَ قُل لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرجُونَ أَيَّامَ اللّه} أي لا يخافون وقائع اللّه ولا يبالون نقمه،

قال ابن عباس ومقاتل : نزلت في عمر بن الخطاب (صلى اللّه عليه وسلم) وذلك أنّ رجلاً من بني غفار كان يشتمه فهمّ عمر أن يبطش به،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،

وأمره بالعفو.

أخبرنا الحسين بن محمد بن عبد اللّه،

حدثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد اللّه،

حدثنا الحسن بن علوية،

حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار،

حدثنا محمد بن زياد الشكري،

عن ميمون ابن مهران،

عن ابن عباس،

قال : لما نزلت هذه الآية {مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللّه قَرْضًا حَسَنًا} . قال يهودي بالمدينة يقال له فنحاص : احتاج ربّ محمد.

قال : فلما سمع بذلك عمر بن الخطاب إشتمل على سيفه وخرج في طلبه. فجاء جبريل إلى محمد (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : إنّ ربّك يقول : {قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللّه} ،

واعلم إنّ عمر بن الخطاب قد اشتمل على سيفه وخرج في طلب اليهودي). فبعث النبي (صلى اللّه عليه وسلم) في طلبه،

فلما جاءه،

قال : (ياعمر خرج سيفك؟).

قال : صدقت يارسول اللّه،

أَشهد أنّك أُرسلت بالحقّ،

قال : (فإنّ ربّك يقول : {قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللّه} ).

قال : لا جرم والّذي بعثك بالحقّ لا يُرى الغضب في وجهي.

قال القرظي والسدي : نزلت في ناس من أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من أهل مكّة كانوا في أذىً شديد من المشركين،

قبل أن يؤمروا بالقتال فشكوا ذلك إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وأنزل اللّه تعالى هذه الآية ثمّ نسختها آية القتال.

{لِيَجْزِىَ قَوْمَا} بفتح الياءين وكسر الزاء،

وقرأ أبو جعفر بضم الياء الأُولى وجزم الثانية،

قال أبو عمرو : وهو لحن ظاهر،

وقال الكسائي : وهذه ليجري الجزاء قوماً،

وقرأ الباقون بفتح اليائين على وجه الخبر عن اللّه تعالى،

واختاره أبو عبيده وأبو حاتم لذكر اللّه تعالى قبل ذلك.

١٥-١٦

{بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ مَن عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا. ثُمَّ إلَى رَبِكُم تُرجَعُونَ وَلَقَد آتَينَا بَنِي إِسرَائِيلَ الكِتَابَ والحُكمَ والنَّبُوةَ وَرَزَقنَاهُم مِنَ الطَيِبَات} الحلالات،

يعني المن والسلوى.

١٧

{وَفَضَّلنَاهُم عَلَى العَالَمِينَ وآتَينَاهُم بَيِنَات مِنَ الأَمرِ} يعني أحكام التوراة.

{فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

١٨

{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ} سنة وطريقة. {مِّنَ الأمْرِ} من الدّين.

{فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} يعني مُراد الكافرين الجاهلين،

وذلك حين دُعي إلى دين آبائه.

١٩

{إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللّه شيئا} إن إتبعت أهواءهم.

٢٠

{وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعض واللّه وَليُّ المُتَّقِينَ هذا} يعني هذا القرآن. {بَصَارُ} معالم. {لِلنَّاسِ} في الحدود والأحكام يبصرون بها.

{وَهُدىً وَرَحمَةٌ لِقَوم يُوقِنونَ أَم حَسِبَ الَّذِينَ اجتَرَحُوا} إكتسبوا. {السَّيَِّئاتِ} يعني الكفر والمعاصي.

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّ َئاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ} قرأ أهل الكوفة نصباً واختاره أبو عبيدة،

وقال : معناه نجعلهم سواءً،

وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء والخبر،

واختاره أبو حاتم،

وقرأ الأعمش {وَمَمَاتُهُمْ} بنصب التاء على الظرف،

أي في.

{مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس ما يقضون،

قال المفسرون : معناه المؤمن في الدّنيا والآخرة مؤمن،

والكافر في الدّنيا والآخرة كافر. نزلت هذه الآية في نفر من مشركي مكّة قالوا للمؤمنين : لئن كان ما تقولون حقاً لَنفضلنَّ عليكم في الآخرة،

كما فضلنا عليكم في الدّنيا.

أخبرنا ابن فنجويه،

حدثنا عبيد اللّه بن محمد بن شنبه،

حدثنا جعفر بن محمّد الفرماني،

حدثنا محمّد بن الحسين البلخي،

حدثنا عبد اللّه بن المبرك،

أخبرنا شعبة،

عن عمرو بن مرة،

عن أبي الضحي،

عن مسروق،

قال : قال لي رجل من أهل مكّة : هذا مقام أخيك تميم الداري،

لقد رأيته ذات ليلة،

حتّى أصبح أو كاد أن يصبح يقرأ آية من كتاب اللّه،

ويركع،

ويسجد،

٢١

ويبكي {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّ َئاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ} ... الآية.

أخبرنا أبو عبد اللّه بن فنجويه،

حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي،

حدثنا عبد اللّه بن أحمد ابن حنبل،

حدثني أبو هشام زياد بن أيوب،

حدثنا علي بن يزيد،

حدثنا عبد الرحمن بن عجلان،

عن بشير بن أبي طعمة،

قال : بتّ عند الربيع بن خيثم ذات ليلة،

فقام يصلي فمر بهذه الآية {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ} فمكث ليله حتّى اصبح ما يجوز هذه الآية إلى غيرها،

ببكاء شديد،

وقال إبراهيم بن الأشعث : كثيراً ما رأيت الفضيل بن عياض،

يردد من أول الليلة إلى آخرها هذه الآية ونظائرها {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّ َئاتِ} ثمّ يقول : يافضيل ليت شعري من أي الفريقين أنت.

٢٢-٢٣

{وَخَلَقَ اللّه السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ بِالحَقِ وَلِتُجزَى كُلُّ نَفس بِمَا كَسَبَت وَهُم لاَ يُظلَمُونَ أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاه}.

قال ابن عباس والحسين وقتادة : ذلك الكافر إتخذ دينه ما يهواه،

فلا يهوى شيئاً إلاّ ركبه،

إِنّه لا يؤمن باللّه ولا يخافه ولا يحرم ما حرم اللّه ولا يحل ما أحل اللّه،

إنّما دينه ما هويت نفسه يعمل به ولا يحجزه عن ذلك تقوى.

وقال آخرون : معناه أفرأيت من إتخذ معبوده هواه،

فيعبد ما يهوى.

قال سعيد بن جبير : كانت قريش تعبد العُزي وهو حجر أبيض حيناً من الدهر،

وكانت العرب تعبد الحجارة والذهب والفضة،

فإذا وجدوا شيئاً أحسن من الأول رموه أو كسروه أو ألقوه في بئر،

وعبدوا الآخر،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

وقال مقاتل : نزلت في الحارث بن قيس التميمي أحد المستهترين،

وذلك إنّه كان يعبد ما تهواه نفسه.

أخبرنا ابن فنجويه،

حدثنا طلحة وعبيد اللّه،

قالا : حدثنا ابن مجاهد،

حدثني ابن أبي مهران،

حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر،

قال : قال سفيان بن عيينة : إنّما عبدوا الحجارة لإنّ البيت حجارة.

وقال الحسين بن الفضل : في هذه الآية تقديم وتأخير مجازها : أَفرأيت من أتخذ هواه إلهه.

أخبرنا ابن فنجويه،

حدثنا عبيد اللّه بن محمد بن شنبه،

حدثنا محمد بن عمران بن هارون،

حدثنا أبو عبيد اللّه المخزومي،

حدثنا سفيان بن عيينة،

عن ابن شبرمه،

عن الشعبي،

قال : إنّما سمي الهوى لإنّه يهوي بصاحبه في النّار.

وبه عن سفيان،

عن سليمان الأحول،

عن طاووس،

عن ابن عباس،

قال : ما ذكر اللّه عز وجل هوى في القرآن إلاَّ ذمه.

فروى أبو أُمامة،

عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) إنّه،

قال : (ما عبد تحت السّماء إله أبغض إلى اللّه من هوى).

وقال (صلى اللّه عليه وسلم) (ثلاث مهلكات : شح مطاع،

وهوى متبع،

وإعجاب المرء بنفسه).

وروى ضمرة بن حبيب،

عن شداد بن أوس إنّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت،

والفاجر من إتبع نفسه هواها وتمنى على اللّه).

وقال مضر القاضي : لنحت الجبال بالأظافير حتّى تتقطع الأوصال،

أهون من مخالفة الهوى إذا تمكن في النفوس.

وسئل ابن المقفع عن الهوى،

فقال : هوانٌ سرقت نونه،

فنظمه الشاعر :

نون الهوان من الهوى مسروقة

فاذا هويت فقد لقيت هوانا

وقال آخر :

إنّ الهوى لهو الهوان بعينه

فإذا هويت فقد كسبت هوانا

وإذا هويت فقد تعبدك الهوى

فإخضع لحبّك كائناً من كانا

أنشدنا أبو القاسم الحبيبي،

أنشدنا أبو حاتم محمّد بن حيان المسني،

قال : ولم ار أكمل منه. قال : وأنشدنا محمد بن علي الحلاري لعبد اللّه المبرك :

ومن البلاء للبلاء علامة

أن لا يرى لك عن هواك نزوع

العبد عبد النفس في شهواتها

والحر يشبع تارة ويجوع

وأنشدنا أبو القاسم الحسن بن محمد الحبيبي،

أنشدنا أبو الحسن عيسى بن زيد العقيلي،

أنشدنا أبو المثنى معاذ بن المثنى العنبري،

عن أبيه لأبي العتاهية :

فإعص هوى النفس ولا ترضها

إنك إن أسخطتها زانكا

حتّى متى تطلب مرضاتها

وإنّها تطلب عدوانكا

وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي،

أنشدنا أبو عبيد الطوسي :

والنفس إن أعطيتها مناها

فاغرة نحو هواها فاها

وسمعت أبا القاسم يقول : سمعت أبا نصر بن منصور بن عبد اللّه الأصبهاني بهراة يقول : سمعت أبا الحسن عمرو بن واصل البحتري يقول : سئل سهل بن عبد اللّه التستري عن الهوى؛ فقال للسائل : هواك يأمرك فإن خالفته فرّط بك،

وقال : إذا عرض لك أمران شككت خيرها فإنظر أبعدهما من هواك فإنه.

وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي،

أنشدنا الإمام أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال المشاشي بمرو وأنشدني أبو بكر الزيدي :

إذا طالبتك النفس يوماً بشهوة

وكان إليها للخلاف طريق

فدعها وخالف ما هويت فإنما

هواك عدوٌّ والخلاف صديق

قوله سبحانه وتعالى :

{وَأَضَلَّهُ اللّه عَلَى عِلْمٍ} منه بعاقبة أمره. {وَخَتَمَ} طبع. {عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} قرأ حمزة والكسائي وخلف {غِشَاوَةً} بفتح (الغين) من غير (ألف) والباقون {غِشَاوَةً} (بالألف) وكسر (الغين).

٢٤

{فَمَن يَهدِيهِ مِن بَعدِ اللّه أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ وَقَالُوا} يعني المشركين. {مَا هِىَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} يموت الآباء ويحيا الأبناء. {وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلا الدَّهْرُ} وما يفنينا إِلاَّ الزمان وطول العمر وفي حرف عبد اللّه وما يهلكنا الدهر يمر.

{وَمَا لَهُم بذلك مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ} أخبرنا الحسين بن فنجويه بقراءتي حدثنا أبو حذيفة أحمد بن محمّد بن علي الدينوري،

حدثنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي،

حدثنا أحمد بن المقدام العجلي،

حدثنا سفيان بن عيينة بن ابي عمران،

عن الزهري،

عن سعيد ابن المسيب،

عن أبي هريرة،

عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (كان أهل الجاهلية يقولون : إنّما الليل والنهار هو الّذي يهلكنا يميتنا ويحيينا) فقال اللّه تعالى في كتابه : {مَا هِىَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلا الدَّهْرُ} فيسبون الدّهر.

فقال اللّه تعالى : يؤذيني إبن آدم يسب الدّهر وأنا الدّهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار).

أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد اللّه بن حمدون بقراءتي عليه في صفر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة فاقرّبه،

أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن،

حدثنا محمد بن يحيى وعبد الرحمن بن بشر وأحمد بن يوسف،

قالوا : حدثنا عبد الرزاق بن همام،

أخبرنا معمر بن راشد،

عن همام بن منبه بن كامل بن سيج،

قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة،

عن محمد (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (قال اللّه تعالى : لا يقل ابن آدم يا خيبة الدهر فإنّي أنا الدهر،

أُرسل الليل والنهار،

فإذا شئت قبضتهما).

أخبرنا أبو عبد اللّه بن فنجويه،

أخبرنا عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أبي سمرة،

حدثنا عبد الملك بن أحمد البغدادي،

حدثنا محمود بن خداش،

حدثنا سفيان بن محمد الثوري،

عن الأعمش،

عن أبي صالح،

عن أبي هريرة،

قال : قال رسول اللّه (عليه السلام) : (لا تسبوا الدهر فإنّ اللّه تعالى هو الدهر).

قال أبو عبيد القاسم بن سلام في تفسير هذا الحديث : إنّ هذا مما لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يجهل وجهه وذلك أن من شأن العرب أن يذموا الدهر عند المصائب والنوائب (.......) إجتاحهم الدهر وتخوفتهم الأيام وأتى عليهم الزمان وما أشبه ذلك حتّى ذكروها في أشعارهم،

(ونسبوا الأحداث إليه).

قال عمرو بن قميئة :

رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى

فكيف بمن يرمي وليس برام

فلو أنَّها نَبلٌ إذاً لاتقيتها

ولكنّني أرمي بغير سهام

على الراحتين مرة وعلى العصا

أنوء ثلاثاً بعدهنْ من قيامي

وروي إنّ الشعببي دخل على عبد الملك بن مروان وقد ضعف. فسأله عن حاله،

فأنشده هذه الأبيات :

فاستأثر الدهر الغداة بهم

والدهر يرميني ولا أرمي

يا دهر قد أكثرت فجعتنا

بسراتنا ووقرت في العظم

وتركتنا لحم على وضم

لو كنت تستبقي من اللحم

وسلبتنا ما لست تعقبنا

يا دهر ما أنصفت في الحكم

وأنشدنا أبو القاسم السدوسي،

أنشدنا عبد السميع بن محمد الهاشمي،

أخبرنا أبو الحسن العبسي لإبن لنكك في هذا المعنى :

قل لدهر عن المكارم عطل

يا قبيح الفعال جهم المحيا

كم كريم حططته من بقاع

ولئيم ألحقته بالثريا

قال أبو عبيده : وناظرت بعض الملاحدة. فقال : إلاّ تراه يقول : فإنّ اللّه هو الدهر. فقلت له : وهل كان أحد يسب اللّه في أياد الدهر،

بل كانوا يقولون كما قال الأعشى :

استأثر اللّه بالوفاء وبالعدل

وولى الملامة الرجلا

قال : فتأويل قوله (صلى اللّه عليه وسلم) (إنّ اللّه هو الدهر)،

إن اللّه جل ذكره هو الّذي يأتي بالدهر والشدائد والمصائب فإذا سببت الدهر وقع السب على اللّه تعالى لأنّه فاعل هذه الأشياء وقاضيها ومدبرها.

وقال الحسين بن الفضل : مجازه : فإنّ اللّه هو مدهّر الدهور.

وروي عن علي ح في خطبة له : مُدهّر الدهور،

ومن عنده الميسور،

ومن لدنه المعسور.

ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن النيسابوري،

حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن الكارزي،

حدثنا أبو عبد اللّه محمد بن القاسم الجمحي،

حدثنا عسر بن أحمد،

قال : بلغني إنّ سالم بن عبد اللّه بن عمر كان كثيراً ما يذكر الدهر،

فزجرهُ أبوه عبد اللّه بن عمر،

وقال له : يا بني إياك وذكر الدهر،

وأنشد :

فما الدهر بالجاني لشيء لحينه

ولا جالب البلوى فلا تشتم الدهرا

ولكن متى ما يبعث اللّه باعثاً

على معشر يجعل مياسيرهم عُسْرَا وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي،

أنشدنا الشيخ أبو محمد أحمد بن عبد اللّه المزني،

أنشدنا معاذ بن نجدة بن العريان :

دار الزمان على الأمور فإنّه

(إن لحدا أزراك) بالآلام

وذو الزمان على الملام فإنما

يحكي الزمان مجاري الأقلام

يُشكى الزمان ويستزاد وإنّما

بيد المليك ساند الأحكام

وأنشدنا الأستاذ أبو القاسم،

أنشدني أبي،

أنشدني أبو علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي :

يا عاتبَ الدهر إذا نابَهُ

لا تلم الدّهر على عذره

ألدهر مأمور له آمرٌ

وينتهي الدهر إلى أمره

كم كافر أمواله جمة

تزداد أضعافاً على كفره

ومؤمن ليس له درهم

يزدادا ايماناً على فقره

٢٥-٢٦

{وَإِذَا تُتلَى عَلَيهِم آيَاتُنَا بَيِنَات مَّا كَانَ حُجَّتَهُم إِلاَّ أَن قَالُوا ائتوا بآبَائِنَا إن كُنتُم صَادِقِينَ قُلِ اللّه يُحيِيُكم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُجمَعَكُم إِلَى يَومِ القِيَامَة} يعني ليوم القيامة.

٢٧-٢٨

{لاَ رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لاَ يَعلَمُونَ وَللّه مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَومَئِذ يَخسَرُ المُبطِلُونَ وَتَرَى كُلُّ أُمَّة جَاثِيَة} مجتمعة مستوفرة على ركبها من هول ذلك اليوم،

وأصل الجثوة الجماعة من كلّ شيء.

قال طرفة يصف قبرين :

ترى جثوتين من تراب عليهما

صفائح صم من صفيح مصمد

أخبرنا ابن فنجويه،

حدثنا عبد اللّه بن يوسف،

حدثنا موسى بن محمد الحلواني،

حدثنا يعقوب بن إسحاق العلوي. حدثنا عبد اللّه بن يحيى الثقفي،

حدثنا أبو عران،

عن عاصم الأحول،

عن ابن عثمان النهدي،

عن سلمان الفارسي،

قال : في القيامة ساعة هي عشر سنين يكون الناس فيها جثاة على ركبهم حتّى إبراهيم (عليه السلام) لينادي (لا أسألك اليوم إلأنفسي).

{كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} الّذي فيه أعمالها.

٢٩

{اليَومَ تُجزَونَ مَا كُنتُم تَعمَلُونَ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيكُم بِالحَق} فيه ديوان الحفظة وقيل اللوح المحفوظ.

أخبرنا ابن فنجويه،

حدثنا عمر بن نوح البجلي،

حدثنا أبو خليفة،

حدثنا عثمان بن عبد اللّه الشامي،

حدثنا عقبة بن الوليد،

عن أرطأة بن المنذر،

عن مجاهد،

عن ابن عمر،

قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أول شيء خلق اللّه القلم من نور مسيره خمسمائة عام،

واللوح من نور مسيره خمسمائة عام،

فقال للقلم : إجر فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة،

بردها وحرها،

ورطبها ويابسها،

ثمّ قرأ هذه الآية {هذا كتابنا ينطق بالحق} ).

{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} قال : وهل يكون النسخ إلاّ من كتاب قد فرغ منه،

ومعنى نستنسخ يأمر بالنسخ،

وقال الضحاك : نثبث. السدي نكتب. الحسن : نحفظ.

٣٠

{فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِهِ} جنّته { ذلك هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} الظفر الطاهر.

٣١-٣٢

{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} فيقال لهم : {أَفَلَم تَكُن آياتِي تُتلَى عَلَيكُم فَاستَكبَرتُم وَكُنتُم قَوماً مُّجرِمِينَ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعدَ اللّه حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لاَ رَيبَ فيها} قرأه العامة بالرفع على الابتداء وخبره فيما بعده ودليلهم قوله : {إِنَّ الأرض للّه يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} .

قرأ أبو رجاء وحمزة {وَالسَّاعَةُ} نصباً عطفاً بها على الوعد لا ريب فيها.

{قُلْتُم مَّا نَدْرِى مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} إنّها كائنة.

٣٣

{وَبَدَا لَهُمْ سَيَِّاتُ مَا عَمِلُوا} أي جزاؤها.

٣٤

{وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَستَهزِءُونَ وَقِيلَ اليَومَ نَنسَاكُم} نترككم في النّار.

{كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هذا} كما تركتم الإيمان بيومكم هذا.

٣٥

{وَمَأوَاكُم النَّارُ وَمَا لَكُم مِن نَّاصِرِينَ. ذَلِكُم بِأَنَّكُم اتَّخَذتُم آيَاتِ اللّه هُزُواً وَغَرَّتكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا فَاليَومَ لاَ يُخرَجُونَ} . قرأه العامة بضم الياء،

وقرأ أهل الكوفة إِلاَّ عاصم بفتحة.

{مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ} يسترضون.

٣٦

{فَللّه الحَمدُ رَبِ السَّمَاوَاتِ ورَبِ الأرضِ رَبِ العَالَمِينَ} قرأه العامة بكسر (الباء) في ثلاثتها،

وقرأ ابن محيصن رفعاً على معنى هو ربُّ.

٣٧

{وَلَهُ الْكِبْرِيَآءُ فِى السَّمَاوَاتِ والأرض وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

﴿ ٠