سُورَةُ مُحَمَّد

مدنية،

وهي ثمان وثلاثون آية وتسع وثلاثون كلمة،

وألفان وثلاثمائة وتسعة وأربعون حرفاً

أخبرنا أبو الحسن محمّد بن القاسم بن أحمد الفارسي بقراءتي عليه،

أخبرنا أبو عمر،

وإسماعيل بن مجيد بن أحمد بن يوسف السلمي،

أخبرنا أبو عبداللّه محمّد بن إبراهيم بن سعيد البوشيخي،

حدّثنا سعيد بن حفص،

قال : قرأت على معقل بن عبداللّه،

عن عكرمة بن خالد،

عن سعيد بن جبير،

عن ابن عبّاس،

عن أُبي بن كعب،

قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ سورة محمّد كان حقّاً على اللّه تعالى أن يسقيه من أنهار الجنّة).

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللّه أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أي أبطلها فلم يقبلها،

وقال الضحّاك : أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي (صلى اللّه عليه وسلم) وجعل الديرة عليهم.

٢

{وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَءَامَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّ َاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} حالهم،

وجمعُهُ بالات. قال سفيان الثوري : {وَءَامَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} لم يخالفوه في شيء. قال ابن عبّاس : {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا} أهل مكّة. {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الأنصار.

٣

{ ذلك بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ} يعني الشياطين. {وَأَنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ} يعني القرآن. { كذلك يَضْرِبُ اللّه لِلنَّاسِ} يبيّن اللّه للنّاس. {أَمْثَالَهُمْ} أشكالهم.

٤

{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} من أهل الحرب. {فَضَرْبَ} نصب على الإغراء {الرِّقَابِ} الأعناق،

واحدتها رقبة. {حَتَّى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ} أي غلبتموهم،

وقهرتموهم،

وصاروا أسرى في أيديكم. {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} كي لا يفلتوا منكم،

فيهربوا. {فَإِمَّا مَنَّا} عليهم {بَعْدِ} الأسر،

بإطلاقكم إيّاهم من غير عوض،

ولا فدية.

{وَإِمَّا فِدَآءً} (و) نصبا بإضمار الفعل،

مجازه : فإمّا أن تمنّوا عليهم منّاً،

وإمّا أن تفادوهم،

واختلف العلماء في حكم هذه الآية،

فقال قوم : هي منسوخة بقوله : {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم} ... الآية. وقوله : {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} ،

وإلى هذا القول ذهب قتادة،

والضحاك،

والسدي،

وابن جريج،

وهي رواية العوفي،

عن ابن عبّاس.

أخبرنا عقيل بن محمّد أنّ أبا الفرج البغدادي أخبرهم،

عن محمّد بن جرير،

حدّثنا ابن عبد الأعلى،

حدّثنا ابن ثور،

عن معمر،

عن عبد الكريم الجزري،

قال : كُتب إلى أبي بكر ح في أسير أُسر،

فذكر أنّهم التمسوه بفداء كذا،

وكذا،

فقال أبو بكر : اقتلوه،

لَقتل رجل من المشركين أحبّ إليَّ من كذا،

وكذا.

وقال آخرون : هي مُحكمة والإمام مخيّر بين القتل،

والمنّ،

والفداء. وإليه ذهب ابن عمر،

والحسن،

وعطاء،

وهو الاختيار؛ لأنّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) والخلفاء الراشدين كلّ ذلك فعلوا،

فقتل رسول اللّه عقبة بن أبي معيط،

والنضر بن الحارث،

يوم بدر صبراً فادى سائر أسارى بدر. وقيل : بني قريظة،

وقد نزلوا على حكم سعد،

وصاروا في يده سلماً ومنّ على أمامة بن أثال الحنفي وهو أسير في يده.

أخبرنا عقيل أنّ أبا الفرج القاضي البغدادي أخبرهم،

عن محمّد بن جرير،

حدّثنا ابن عبد الأعلى،

حدّثنا ابن ثور،

عن معمر،

عن رجل من أهل الشام ممّن كان يحرس عمر بن عبد العزيز،

قال : ما رأيت عمر قتل أسيراً إلاّ واحداً من الترك،

كان جيء بأسارى من الترك،

فأمر بهم أن يسترقوا،

فقال رجل ممّن جاء بهم : يا أمير المؤمنين لو كنت رأيت هذا لأحدهم وهو يقتل المسلمين،

لكثر بكاؤك عليهم فقال عمر : قد فدك،

فاقتله،

فقام إليه فقتله.

{حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} أثقالها وأحمالها فلا تكون حرب،

وقيل : حتّى تضع الحرب آثامها،

وأجرامها،

فيرتفع،

وينقطع،

لأنّ الحرب لا تخلو من الإثم في أحد الجانبين والفريقين. وقيل : معناه حتّى يضع أهل الحرب آلتها وعدّتها أو آلتهم وأسلحتهم فيمسكوا عن الحرب.

والحرب القوم المحاربون كالشرب والركب،

وقيل حتّى يضع الأعداء المتحاربون أوزارها وآثامها بأن يتوبوا من كفرهم ويؤمنوا باللّه ورسوله. ويقال للكراع : أوزار،

قال الأعشى :

وأعددت للحرب أوزارها

رماحاً طوالاً وخيلاً ذكورا

ومعنى الآية أثخنوا المشركين بالقتل،

والأسر حتّى يظهر الإسلام على الأديان كلّها،

ويدخل فيه أهل كلّ ملّة طوعاً أو كرهاً {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للّه} فلا نحتاج إلى قتال وجهاد،

وذلك عند نزول عيسى (عليه السلام).

وقال الحسن : معناه حتّى لا يُعبد إلاّ اللّه. الكلبي : حتّى يسلموا أو يسالموا. { ذلك } الذي ذكرت وبيّنت من حكم الكفّار {وَلَوْ يَشَآءُ اللّه نتَصَرَ مِنْهُمْ} فأهلكهم وكفاكم أمرهم بغير قتال.

{وَلَاكِن لِّيَبْلُوَا بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} من حكم الكفّار ونعلم المجاهدين منكم والصابرين {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللّه} قرأ الحسن بضم (القاف) وكسر (التاء) مشدّداً من غير (ألف)،

وقرأ أبو عمرو ويعقوب وحفص بضمّ (القاف) وكسر (التاء) مخفّفاً من غير (ألف)،

واختاره أبو حاتم يعني الشهداء،

وقرأ عاصم الحجدري {قُتِلُوا} بفتح (القاف) و (التاء) من غير (ألف)،

يعني والذين قتلوا المشركين.

وقرأ الباقون {قَاتَلُوا} (بالألف) من المقاتلة،

وهم المجاهدون،

واختاره أبو عبيد. {فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} قال قتادة : ذُكر لنا إنّ هذه الآية أُنزلت يوم أحُد ورسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في الشعب وقد فشت فيهم الجراحات والقتل،

وقد نادى المشركون : أعلُ هُبل،

فنادى المسلمون : اللّه أعلى وأجلّ. فنادى المشركون : يوم بيوم والحرب سجال،

لنا عزّى ولا عزّى لكم.

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (قولوا : اللّه مولانا ولا مولى لكم،

إنّ القتال مختلفة،

إما قتلانا فأحياء عند ربّهم يرزقون،

وإمّا قتلاكم ففي النّار يُعذّبون).

٥

{سَيَهْدِيهِمْ} في الدُّنيا إلى الطاعة وفي العقبى إلى الدرجات.

{وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} يرضي خصماءهم،

٦

ويقبل أعمالهم {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} أي بيّن لهم منازلهم فيها حتّى يهتدوا إلى مساكنهم،

ودرجاتهم التي قسم اللّه لهم،

لا يخطئون،

ولا يستدلّون عليها أَحد،

كأنّهم سكّانها منذ خُلقوا،

وإنّ الرجل ليأتي منزله منها إاذ دخلها كما كان يأتي منزله في الدُّنيا،

لا يشكل ذلك عليه. وإنّه أهدى إلى درجته وزوجته وخدمه ونعمه منه إلى أهله ومنزله في الدُّنيا. هذا قول أكثر المفسِّرين،

وقال المؤرّخ : يعني طيبها،

والعرف : الريح الطيّبة،

تقول العرب : عرّفت المرقة إذا طيّبتها بالملح والأبازير،

قال الشاعر :

وتدخل أيد في حناجر أقنعت

لعادتها من الحزير المعرّف

٧

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللّه} أي رسوله ودينه.

{يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} على الإسلام،

٨

وفي القتال {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ} قال ابن عبّاس : بُعداً لهم،

وقال أبو العالية : سقوطاً،

وقال الضحّاك : خيبة،

وقال ابن زيد : شقاً،

وقال ابن جرير : حزناً،

وقال الفراء : هو نصب على المصدر على سبيل الدعاء،

وأصل التعس في النّاس والدواب،

وهو أن يقال للعاثر : تعساً،

إذا لم يريدوا قيامه،

ويقال : أتعسه اللّه،

فتعس وهو متعس،

وضدّه لعاء إذا أرادوا قيامه،

وقد جمعها الأعمش في بيت واحد يصف ناقته :

بذات لوث غفرناه إذا عثرت

فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا

{وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} لأنّها كانت في طاعة الشيطان خالية عن الإيمان.

٩-١٠

{ ذلك } الإضلال، والإبعاد. {بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللّه فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الاْرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللّه عَلَيْهِمْ} أي أهلكهم ودمّر عليهم منازلهم،

ثمّ توعّد مشركي قريش. {وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} إن لم يؤمنوا

١١

{ ذلك } الذي ذكرت،

وفعلت {بِأَنَّ اللّه مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا} وليّهم،

وناصرهم،

وحافظهم،

وفي حرف ابن مسعود ذلك بأنّ اللّه ولي الّذين آمنوا.

١٢

{وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ إِنَّ اللّه يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الاْنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا} محلّه رفع على الابتداء {يَتَمَتَّعُونَ} في الدُّنيا {وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ} ليس لهم همّة إلاّ بطونهم،

وفروجهم،

وهم لاهون ساهون عمّا في غدهم،

وقيل : المؤمن في الدُّنيا يتزوّد،

والمنافق يتزيّن،

والكافر يتمتّع.

{وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} .

١٣

{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِى أَخْرَجَتْكَ} أي أخرجك أهلها يدلّ عليه {أَهْلَكْنَاهُمْ} ولم يقل : أهلكناها {فَلا نَاصِرَ لَهُمْ} عن ابن عبّاس : لما خرج رسول اللّه عليه السلام من مكّة إلى الغار،

التفت إلى مكّة،

وقال : (أنت أحبّ بلاد اللّه إلى اللّه،

وأحبّ بلاد اللّه إليّ،

ولو أنّ المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك). فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

١٤

{أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} وهو محمّد (صلى اللّه عليه وسلم) والمؤمنون {كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَآءَهُم} وهم أبو جهل والمشركون.

١٥

{مَّثَلُ} شبه وصفة {الْجَنَّةِ الَّتِى} وقرأ علي بن أبي طالب أمثال الجنّة التي {وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ} آجن متغيّر منتن،

يقال : آسن الماء يأسن،

وآجن يأجن،

وأسن يأسن ويأُسن،

وأجن يأجن،

ويأُجن،

أُسونا،

وأُجوناً،

إذا تغيّر،

ويقال : أسِنَ الرجل : بكسر السين لا غير،

إذا أصابته ريح منتنة،

فغشى عليه قال زهير :

يغادر القرنُ مصفراً أنامله

يميد في الرمح ميل المائح الأسن

وقرأ العامّة آسن بالمد،

وقرأ ابن كثير بالقصر وهما لغتان.

{وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ} لم تدنسها الأيدي،

ولم تدنسها الأرجل،

ونظير لذّ ولذيذ،

طب وطبيب. {وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} قال كعب الأحبار : نهر دجلة نهر ماء الجنّة،

ونهر الفرات نهر لبنهم،

ونهر مصر نهر خمرهم،

ونهر سيحان نهر عسلهم،

وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر.

{وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِى النَّارِ} يعني المتّقين الّذين هم أهل الجنّة،

كمن هو خالد في النّار،

فاستغنى بدلالة للكلام عليه،

وقال ابن كيسان : مَثَلُ الجنّة التي فيها هذه الأنهار،

والثمار،

كمَثَلُ النّار التي فيها الحميم،

ومَثَلُ أهل الجنّة في النعيم المقيم،

كمثل أهل النّار في العذاب الأليم.

{وَسُقُوا مَآءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ} إذا أُدنِي منهم شوى وجوههم،

ووقعت فروة رؤوسهم،

فإذا شربوه قطّع.

١٦

{أَمْعَاءَهُمْ وَمِنْهُمْ} يعني ومن هؤلاء الكفّار {مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} وهم المنافقون يستمعون قولك،

فلا يعونه،

ولا يفهمونه تهاوناً منهم بذلك،

وتغافلاً {حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} من الصحابة {مَاذَا قَالَ ءَانِفًا} (الآن) وأصله الابتداء. قال مقاتل : وذلك أنّ النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) كان (صلى اللّه عليه وسلم) يخطب ويحث المنافقين،

فسمع المنافقون قوله،

فلمّا خرجوا من المسجد سألوا عبداللّه بن مسعود عمّا قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) استهزاءً وتهاوناً منهم بقوله.

قال ابن عبّاس في قوله : {قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} : أنا منهم وقد سئلت فيمن سئل. قال قتادة : هؤلاء المنافقون،

دخل رجلان : رجل عقل عن اللّه تعالى وانتفع بما سمع،

ورجل لم يعقل عن اللّه،

فلم ينتفع بما سمع،

وكان يقال : النّاس ثلاثة : سامع عاقل،

وسامع عامل،

وسامع غافل تارك.

{أُولَاكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّه عَلَى قُلُوبِهِمْ} فلم يؤمنوا.

١٧

{وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا} يعني المؤمنين. {زَادَهُمْ هُدًى وَءَاتَ اهُمْ} وقرأ ابن مسعود والأعمش وأنطاهم وأعطاهم {تَقُوَ اهُمْ} ألهمهم ذلك،

ووفّقهم،

وقال سعيد بن جبير : وآتاهم ثواب تقواهم.

١٨

{فَهَلْ يَنظُرُونَ} ينتظرون. {إِلا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا} أماراتها وعلاماتها،

وبعث (النبي) (صلى اللّه عليه وسلم) منها وقيل : أدلّتها وحجج كونها،

واحدها شرط،

وأصل الأشراط الإعلام،

ومنه الشرط،

لأنّهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها،

ومنه الشرط في البيع وغيره.

ويقال : أشرط نفسه في عمل كذا،

وأعلمها وجعلا له. قال أوس بن حجر يصف رجلاً وقد تدلّى بحبل من رأس جبل إلى نبعة ليقطعها ويتخذ منها قوساً :

فأشرط فيها نفسه وهو معصم

وألقى بأسباب له وتوكلا

{فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَ اهُمْ} يعني فمن أين لهم التذكّر والاتعاظ والتوبة إذا جاءتهم السّاعة،

نظيره قوله تعالى : {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَان بَعِيدٍ} .

١٩

{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا اله إِلا اللّه}

قال بعضهم : الخطاب للنبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) والمراد به غيره وأخواتها كثيرة،

وقيل : فاثبت عليه،

وقال الحسين بن الفضل : فازدد علماً على علمك،

وقال عبد العزيز ابن يحيى الكناني : هو أنّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) كان يضجر،

ويضيق صدره من طعن الكافرين،

والمنافقين فيه،

فأنزل اللّه هذه الآية،

يعني فاعلم إنّه لا كاشف يكشف ما بك إلاّ اللّه،

فلا تعلق قلبك على أحد سواه.

وقال أبو العالية وابن عيينة : هذا متصل بما قبله،

معناه فاعلم إنّه لا ملجأ،

ولا مفزع عند قيام السّاعة،

إلاّ اللّه. سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : سمعت أبا بكر بن عدش يقول : معناه فاعلم إنّه لا قاضي في ذلك اليوم إلاّ اللّه،

نظيره {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .

{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} ليتسنّ أُمّتك بسنّتك،

وقيل : واستغفر لذنبك من التقصير الواقع لك في معرفة اللّه.

{وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} أخبرني عقيل بن محمّد أنّ أبا الفرج القاضي أخبرهم،

عن محمّد بن جرير،

حدّثنا أبو كريب،

حدّثنا عثمان بن سعيد،

حدّثنا إبراهيم بن سليمان،

عن عاصم الأحول،

عن عبداللّه بن سرحس،

قال : دخلت على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقلت : غفر اللّه لك يا رسول اللّه،

فقال رجل من القوم : استغفر لك يا رسول اللّه؟

قال : (نعم ولك). ثمّ قرأ {واستغفر لذنبك وللمؤمنين وللمؤمنات} .

أخبرنا ابن منجويه الدينوري،

حدّثنا أحمد بن علي بن عمر بن حبش الرازي،

حدّثنا أبو بكر محمّد بن عيّاش العتبي،

حدّثنا أبو عثمان سعيد بن عنبسة الحراز،

حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّد،

عن بكر بن حنيس،

عن محمّد بن يحيى،

عن يحيى بن وردان،

عن أبي هريرة،

قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من لم يكن عنده مال يتصدّق به،

فليستغفر للمؤمنين والمؤمنات،

فإنّها صدقة).

{وَاللّه يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}

قال عكرمة : يعني منقلبكم من أصلاب الآباء إلى أرحام الأُمّهات،

ومثواكم : مقامكم في الأرض. ابن كيسان : متقلبكم من ظهر إلى بطن،

ومثواكم : مقامكم في القبور. ابن عبّاس والضحّاك : منصرفكم ومنتشركم في أعمالكم في الدُّنيا،

ومثواكم : مصيركم إلى الجنّة وإلى النّار. ابن جرير : متقلبكم : منصرفكم لأشغالكم بالنهار،

ومثواكم : مضجعكم للنوم بالليل،

لا يخفى عليه شيء من ذلك.

٢٠

{وَيَقُولُ الَّذِينَ ءَامَنُوا} اشتياقاً منهم إلى الوحي وحرصاً على الجهاد. {لَوْ نُزِّلَتْ سُورَةٌ} تأمرنا بالجهاد. {فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ} بالأمر والنهي،

قال قتادة : كلّ سورة ذكر فيها الجهاد،

فهي محكمة،

وهي أشدّ للقرآن على المنافقين. وفي حرف عبداللّه (سورةٌ محدثة) {وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} يعني المنافقين {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} شزراً،

بتحديق شديد كراهة منهم للجهاد،

وجبناً منهم على لقاء العدوّ {نَظَرَ} كنظر {الْمَغْشِىِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ} وعيد وتهديد،

٢١

قال : {طَاعَةٌ} مجازه،

ويقول هؤلاء المنافقون قبل نزول الآية المحكمة (طاعةٌ) رفع على الحكاية أي أمرنا طاعة أو منّا طاعة.

{وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} حسن وقيل : هو متصل بالكلام الأوّل،

(واللام) في قوله (لهم) بمعنى (الباء) مجازه فأولى بهم طاعة للّه ورسوله {وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} بالإجابة والطاعة.

{فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ} أي جدّ الأمر وعُزم عليه وأُمروا بالقتال. {فَلَوْ صَدَقُوا اللّه} في إظهار الإيمان والطاعة

٢٢

{لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ} فلعلّكم {إِن تَوَلَّيْتُمْ} أعرضتم عن الإيمان،

وعن القرآن،

وفارقتم أحكامه.

{أَن تُفْسِدُوا فِى الأرض} بالمعصية،

والبغي،

وسفك الدماء،

وتعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الفرقة،

بعدما جمعكم اللّه تعالى بالإسلام،

وأكرمكم بالألفة.

قال قتادة : كيف رأيتم القوم حين تولّوا عن كتاب اللّه؟

ألم يسفكوا الدم الحرام،

وقطعوا الأرحام،

وعصوا الرّحمن؟،

وقال بعضهم : هو من الآية. قال المسيب بن شريك والفراء : يقول : {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ} إن ولّيتم أمر الناس {أَن تُفْسِدُوا فِى الأرض} بالظلم،

نزلت في بني أمية،

ودليل هذا التأويل ما أخبرنا الحسين بن محمّد بن الحسين،

حدّثنا هارون بن محمّد بن هارون،

حدّثنا محمّد بن عبد العزيز،

حدّثنا القاسم بن يونس الهلالي،

عن سعيد بن الحكم الورّاق،

عن ابن داود،

عن عبداللّه بن مغفل،

قال : سمعت النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (صلى اللّه عليه وسلم) يقرأ {فهل عسيتم إن وليتم أن تفسدوا في الأرض} ثم قال : (هم هذا الحي من قريش أخذ اللّه عليهم إن وُلوا الناس ألاّ يفسدوا في الأرض ولا يقطّعوا أرحامهم).

وقرأ علي بن أبي طالب {إِن تَوَلَّيْتُمْ} بضمّ (التاء) و (الواو) وكسر (اللام)،

يقول : إن وليتكم ولاة جائرة خرجتم معهم في الفتنة،

وعاونتموهم. ومثله روى رويس عن يعقوب.

{وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} قرأ يعقوب،

وأبو حاتم،

وسلام (وتقطعوا) خفيفة من القطع اعتباراً بقوله : {وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّه بِهِ أَن يُوصَلَ} وقرأ الحسن مفتوحة الحروف،

اعتباراً بقوله : {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ} . وقرأ غيرهم {وَتُقَطِّعُوا} بضم (التاء) مشدّداً من التقطيع على التكثير لأجل الأرحام.

٢٣

{أَولَاكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّه فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} عن الحقّ.

٢٤

{أفلا يتدبرون الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} تفهم مواعظ القرآن،

وأحكامه،

أخبرنا عقيل ابن محمّد،

أخبرنا المعافى بن زكريا،

أخبرنا محمّد بن جرير،

حدّثنا ابن حميد،

حدّثنا يحيى بن واضح،

حدّثنا ثور بن يزيد،

عن خالد بن معدان،

قال : ما من النّاس أحدٌ إلاّ وله أربع أعين : عينان في وجهه لدنياه،

ومعيشته،

وعينان في قلبه لدينه،

وما وعد اللّه من الغيب. وما من أحدٌ إلاَّ وله شيطانٌ متبطّن فقار ظهره،

عاطف عنقه على عاتقه،

فاغرٌ فاه إلى ثمرة قلبه،

فإذا أراد اللّه بعبد خيراً أبصرت عيناه اللّتان في قلبه ما وعد اللّه تعالى من الغيب،

فيعمل به،

وإذا أراد اللّه بعبد شرّاً طمس عليهما،

فذلك قوله : {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} .

وبه عن ابن جرير،

حدّثنا بشير،

حدّثنا حمّاد بن زيد،

حدّثنا هشام بن عبده عن أبيه،

قال : تلا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يوماً : {أفلا يتدبرون الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} فقال شاب من أهل اليمن : بل عليها أقفالها حتّى يكون اللّه يفتحها أو يفرجها،

فما زال الشاب في نفس عمر حتّى ولي فاستعان به.

٢٥

{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى} قال قتادة : هم كفّار أهل الكتاب كفروا بمحمّد وهم يعرفونه ويجدون نعته مكتوباً عندهم،

وقال ابن عبّاس والضحّاك والسدي : هم المنافقون.

{الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ} زيّن لهم {وَأَمْلَى لَهُمْ} قرأ أبو عمرو بضم (الألف) وفتح (الياء) على وجه ما لم يُسمَّ فاعله. وقرأ مجاهد،

ويعقوب بضمّ (الألف) وإرسال (الياء) على وجه الخبر من اللّه تعالى عن نفسه أنّه يفعل ذلك بهم وهو اختيار أبي حاتم. وقرأ الآخرون {وَأَمْلَى} بفتح (الألف) بمعنى وأملى اللّه لهم وهو اختيار أبي عبيدة.

٢٦

{ ذلك بِأَنَّهُمُ} يعني هؤلاء المنافقين أو اليهود {قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللّه} وهم المشركون. {سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الأمْرِ} في مخالفة محمّد (صلى اللّه عليه وسلم) والقعود عن الجهاد.

{وَاللّه يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} قرأ أهل الكوفة إلاّ أبو بكر بكسر (الألف) على الفعل،

غيرهم بفتحها على جمع السر.

٢٧

{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ} (بالتاء) قراءة العامّة،

وقرأ عيسى بن عمر (توفّيهم) (بالياء). {الْمَلَاكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} عند الموت،

٢٨-٢٩

نظيرها في الأنفال والنحل. {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللّه وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أم حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض} شك،

يعني المنافقين {أَن لَّن يُخْرِجَ اللّه أَضْغَانَهُمْ} أحقادهم على المؤمنين،

واحدها ضغن،

٣٠

فيبديها لهم حتّى يعرفوا نفاقهم. {وَلَوْ نَشَآءُ رَيْنَاكَهُمْ} أي لأعلمناكهم،

وعرفناكهم،

ودللناك عليهم،

تقول العرب : سأُريك ما أصنع بمعنى سأُعلمك،

ومنه قوله تعالى : {بما أريك اللّه} .

{فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ} بعلامتهم،

قال أنس بن مالك : ما أخفي على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين،

كان يعرفهم بسيماهم،

ولقد كنّا معه في غزاة وفيها سبعة من المنافقين يشكوهم النّاس،

فناموا ذات ليلة وأصبحوا وعلى كلّ واحد منهم مكتوب هذا منافق. فذلك قوله : {سِيمَاهُمْ} .

وقال ابن زيد : قد أراد اللّه إظهار نفاقهم،

وأمر بهم أن يخرجوا من المسجد،

فأبوا إلاّ أن يمسكوا بلا إله إلاّ اللّه،

فلمّا أبوا أن يمسكوا إلاّ بلا إله إلاّ اللّه،

حُقنت دماؤهم،

ونَكحوا،

ونكحوا بها.

{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ} قال ابن عبّاس : في معنى {الْقَوْلِ} : الحُسن في فحواه. القرظي : في مقصده ومغزاه. واللحن وجهان : صواب،

وخطأ،

فأمّا الصواب فالفعل منه لحن يلحن لحناً،

فهو لحن إذا فطن للشيء،

ومنه قول النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض)،

والفعل من الخطأ لحن يلحن لحناً،

فهو لاحن،

والأصل فيه إزالة الكلام عن جهته،

وفي الخبر أنّه قيل لمعاوية : إنّ عبيداللّه بن زياد يتكلّم بالفارسية،

فقال : أليس طريفاً من ابن أخي أن يلحن في كلامه أي يعدل به من لغة إلى لغة،

قال الشاعر :

وحديث الذه هو ممّا

ينعت الناعتون يوزن وزنا

منطق صائب وتلحن أحيا

ناً وخير الحديث ما كان لحنا

يعني ترتل حديثها.

٣١

{وَاللّه يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} بالجهاد {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُم} قرأ العامّة كلّها بالنون لقوله : {وَلَوْ نَشَآءُ رَيْنَاكَهُمْ} . وروى أبو بكر والمفضل،

عن عاصم كلّها (بالياء). وقرأ يعقوب،

(ونبلوا) ساكنة (الواو) ردّاً على قوله : (نعلم).

قال إبراهيم بن الأشعث : كان الفضل إذا قرأ هذه الآية بكى،

وقال : اللّهم لا تبلنا،

فإنّك إن بلوتنا هتكت أستارنا،

وفضحتنا.

٣٢

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللّه وَشَآقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَن يَضُرُّوا اللّه شَيًْا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} قال ابن عبّاس : هم المطعمون يوم بدر،

نظيره قوله : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللّه} ... الآية.

٣٣

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} بمعصيتها،

قال مقاتل والثمالي : لا تمنوا على رسول اللّه فتبطلوا أعمالكم،

نزلت في بني أسد. وسنذكر القصة في سورة الحجرات إن شاء اللّه. وقيل : بالعجب والرياء.

٣٤

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللّه ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللّه لَهُمْ} قيل : هم أصحاب القليب،

٣٥

وحكمها عام {فَلا تَهِنُوا} تضعفوا {وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} إلى الصلح {وَأَنتُمُ الأعلون} لأنّكم مؤمنون محقّون.

{وَاللّه مَعَكُمْ} قال قتادة : لا تكونوا أوّل الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} قال ابن عبّاس وقتادة والضحّاك وابن زيد : لن يظلمكم. مجاهد : لن ينقصكم أعمالكم بل يثيبكم عليها،

ويزيدكم من فضله،

ومنه قول النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (من فاته صلاة العصر فكأنّما وتر أهله وماله) أي ذهب بهما.

٣٦

{إِنَّمَا الْحياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ} ربّكم. {أَمْوَالَكُمْ} لا يسألكم الأجر،

بل يأمركم بالإيمان،

والطاعة ليثيبكم عليها الجنّة،

نظيره قوله : {مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ} .. الآية،

وقيل : (ولا يسألكم) محمّد صدقة أموالكم،

نظيره قوله : {قُلْ مَآ أَسَْلكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} وقيل : معنى الآية ولا يسألكم اللّه ورسوله أموالكم كلّها إنّما يسألانكم غيضاً من فيض،

ربع العشر فطيبوا بها نفساً،

وإلى هذا القول ذهب ابن عُيينة وهو اختيار أبي بكر بن عبدش،

قال : حكى لنا ابن حبيب عنه،

يدلّ عليه سياق الآية.

٣٧

{إِن يَسَْلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ} فيجهدكم ويلحّ ويلحفكم عليها،

وقال ابن زيد : الإحفاء أن تأخذ كلّ شيء بيدك.

{تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} قال قتادة : قد علم اللّه تعالى أنّ في مسألة المال خروج الأضغان

٣٨

{هَا أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّه فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللّه الْغَنِيُّ} عن صدقاتكم وطاعتكم {وَأَنتُمُ الْفُقَرَآءُ} إليها {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} في الطواعية،

بل يكونوا أطوع للّه تعالى وأمثل منكم،

قال الكلبي : هم كندة والنخع. الحسن : هم العجم. عكرمة : فارس والروم. أخبرنا أبو عبداللّه الحسين بن محمّد ابن الحسين بن عبداللّه بن منجويه الدينوري،

حدّثنا عمر بن الخطّاب،

حدّثنا عبداللّه بن الفضل،

حدّثنا يحيى بن أيّوب،

حدّثنا إسماعيل بن جعفر،

أخبرني عبداللّه بن نجيح،

عن العلاء بن عبد الرّحمن،

عن أبيه،

عن أبي هريرة،

قال : قال أُناس من أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يا رسول اللّه مَنْ هؤلاء الذين ذكرهم اللّه تعالى في القرآن إن تولّينا استبدلوا،

ثمّ لا يكونوا أمثالنا؟

قال : وكان سلمان إلى جانب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فضرب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فخذ سلمان وقال : (هذا وقومه،

والّذي نفسي بيده لو كان الإيمان معلّقاً بالثريا لناله لتناوله رجال من فارس).

﴿ ٠