سورة الطور

مكية،

وهي ألف وخمسمائة حرف،

وثلاثمائةواثنتا عشرة كلمة،

وتسع وأربعون آية

أخبرني أبو الحسن الفارسي قال : حدّثنا أبو محمد بن أبي حامد قال : حدّثنا أبو جعفر محمد بن الحسن الصبهاني،

قال : حدّثنا المؤمل بن إسماعيل،

قال : حدّثنا سفيان الثوري،

قال : حدّثنا أسلم المنقري عن عبداللّه بن عبدالرَّحْمن بن ايزي عن أبيه عن أُبي بن كعب قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ سورة الطور كان حقّاً على اللّه عزّ وجلّ أن يؤمنه من عذابه وأن ينعّمه في جنته).

بسم اللّه الرَّحْمن الرحيم

١

{وَالطُّورِ} كل جبل طور،

لكنّه سبحانه عنى بالطور هاهنا الجبل الذي كلّم عليه موسى بالأرض المقدّسة،

وهي بمدين واسمه زبير،

وقال مقاتل بن حيان : هما طوران يقال لأحدهما : طور تينا،

وللآخر طور زيتونا؛ لأنهما ينبتان التين والزيتون.

٢

{وَكِتَابٍ مُّسْطُورٍ} مكتوب.

٣

{فِى رَقٍّ} جلد {مَّنشُورٍ} وهو الصحيفة،

واختلفوا في هذا الكتاب ما هو؟

فقال الكلبي : هو كتاب اللّه سبحانه بيد موسى ج من التوراة،

وموسى يسمع صرير القلم،

وكان كلّما مرّ القلم بمكان خرقه إلى الجانب الآخر،

فكان كتاباً له وجهان،

وقيل : اللوح المحفوظ (وهو) دواوين الحفظة،

تخرج إليهم يوم القيامة منشورة؛ فآخذٌ بيمينه وآخذٌ بشماله،

دليله ونظيره قوله سبحانه : {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا} وقوله سبحانه : {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} ،

وقيل : هو ما كتب اللّه تعالى في قلوب أوليائه من الإيمان،

بيانه : اولئك كتب في قلوبهم الإيمان،

وقيل : هو ما كتب اللّه تعالى للخلق من السابقة والعاقبة.

٤

{وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} بكثرة الحاشية والأهل،

وهو بيت في السماء السابعة،

حذاء العرش،

حيال الكعبة،

يقال له : الضراح،

حرمته في السماء كحرمة الكعبة في الأرض،

يدخله كل يوم سبعون ألف من الملائكة،

يطوفون به ويصلون فيه،

ثم لا يعودون إليه أبداً،

وخازنه ملك يقال له : (الجن).

وقيل : كان البيت المعمور من الجنّة،

حُمل إلى الأرض لأجل آدم ج،

ثم رفع إلى السماء أيام الطوفان.

أخبرنا الحسين بن محمد،

قال : حدّثنا هارون بن محمد بن هارون،

قال : حدّثنا إبراهيم ابن الحسين بن دربل،

قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل،

قال : حدّثني سفيان بن نسيط عن أبي محمد عن الزبير عن عائشة أنّ النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) قدم مكة فأرادت عائشة أن تدخل البيت يعني ليلا فقال لها بنو شيبة : أنّ أحداً لا يدخله ليلا ولكنا نخليه لك نهاراً،

فدخل عليها النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فشكت إليه أنّهم منعوها أن تدخل البيت،

فقال : (إنّه ليس لأحد أن يدخل البيت ليلا،

إن هذه الكعبة بحيال البيت المعمور الذي في السماء،

يدخل ذاك المعمور سبعون ألف ملك،

لا يعودون إليه أبداً الى يوم القيامة،

لو وقع حجر منه لوقع على ظهر الكعبة،

ولكن انطلقي أنتِ وصواحبك فصلّين في الحجر)

ففعلت فأصبحت وهي تقول : قد دخلت البيت على رغم من رغم.

وأخبرنا الحسين بن محمد،

قال : حدّثنا هارون بن محمد،

قال : حدّثنا محمد بن عبدالعزيز،

قال : حدّثنا كثير بن يحيى بن كثير،

قال : حدّثنا أبي عن عمر وعن الحسن في قوله سبحانه : {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} قال : هو الكعبة البيت الحرام الذي هو معمور من الناس،

يعمره اللّه كلّ سنة،

أوّل مسجد وضع للعبادة في الأرض.

٥

{وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} يعني السماء،

سمّاها سقفاً؛ لأنها للأرض كالسقف للبيت،

دليله ونظيره قوله سبحانه : {وَجَعَلْنَا السَّمَآءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا} .

٦

{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} قال مجاهد والضحاك وشمر بن عطية ومحمد بن كعب والأخفش : يعني الموقد المحمي بمنزلة التنور المسجور،

ومنه قيل للمسعر مسجر،

ودليل هذا التأويل ما روي أنّ النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) قال (لا يركبنّ البحر إلاّ حاجّ أو معتمر أو مجاهد في سبيل اللّه،

فإنّ تحت البحر ناراً وتحت النار بحراً،

وتحت البحر ناراً.

وقال (صلى اللّه عليه وسلم) (البحر نار في نار)،

وروى سعيد بن المسيب أنّ علياً كرم اللّه وجهه قال لرجل من اليهود : أين جهنم؟

فقال : البحر. فقال : ما أراه إلاّ صادقاً ثم قرأ {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} مخفّفة.

وتفسير هذه الأخبار ما روي في الحديث : (إنّ اللّه تعالى يجعل يوم القيامة البحار كلّها ناراً فيسجر بها نار جهنم).

وقال قتادة : المسجور : المملوء. ابن كيسان : المجموع ماؤه بضعه إلى بعض،

ومنه قول لبيد :

فتوسّطا عرض السرى وصدّعا

مسجورة متجاور أقلامها

وقال النمر بن تولب :

إذا شاء طالع مسجورة

ترى حولها النبع والسماسما

وقال أبو العالية : هو اليابس الذي قد ذهب ماؤه ونضب،

وفي رواية عطية وذي الرمّة الشاعر : أخبرنيه أبو عبداللّه الحسين بن محمد بن الحسن الدينوري. قال : حدّثنا عبيد اللّه بن أبي سمرة،

قال : حدّثنا أبو بكر عبداللّه بن سليمان بن الاشعث،

قال : حدّثنا السدوسي أبو جعفر،

قال : حدّثنا الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء عن ذي الرمّة عن ابن عباس {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} الفارغ. قال : خرجت أَمة تسقي فرجعت فقالت : إنّ الحوض مسجور. تعني فارغاً.

قال ابن أبي داود : ليس لذي الرمّة حديث غير هذا.

وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : المسجور : المحبوس،

وقال الربيع بن أنس : المختلط العذب بالملح.

وأخبرني ابن فنجويه،

قال : حدّثنا مخلد بن جعفر،

قال : حدّثنا الحسن بن علوية،

قال : حدّثنا إسماعيل بن عيسى،

قال : حدّثنا إسحاق بن بسر،

قال : أخبرني جويبر عن الضحاك،

ومقاتل بن سليمان عن الضحاك عن النزال بن سبرة،

عن علي بن أبي طالب أنّه قال في البحر المسجور : (هو بحر تحت العرش،

غمره كما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين،

وهو ماء غليظ يقال له : بحر الحيوان،

يمطر العباد بعد النفخة الأُولى أربعين صباحاً فينبتون من قبورهم).

٧-٨

{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} نازل {ماله من دافع} مانع.

قال جبير بن مطعم : قدمت المدينة لأكلم رسول اللّه في أسارى بدر (فذهبت) إليه وهو يصلّي بأصحابه المغرب،

وصوته يخرج من المسجد،

فسمعته يقرأ {وَالطُّورِ} الى قوله : {إنّ عذاب ربّك لواقع ماله من دافع} فكأنما صدع قلبي،

وكان أوّل ما دخل قلبي الإسلام،

فأسلمت خوفاً من نزول العذاب،

وما كنت أظن أني أقوم من مكاني حتى يقع بي العذاب.

وأخبرني أبو عبداللّه بن فنجويه قال : حدّثنا أبو بكر بن مالك،

قال : حدّثنا عبداللّه بن أحمد بن حنبل،

قال : أخبرت عن (محمد) بن الحرث المكي،

عن عبداللّه بن رجاء المكي،

عن هشام بن حسان،

قال : انطلقت أنا ومالك بن دينار إلى الحسن فانتهينا إليه وعنده رجل يقرأ،

فلمّا بلغ هذه الآية {إن عذاب ربّك لواقع ماله من دافع} بكى الحسن وبكى أصحابه،

وجعل مالك يضطرب حتى غشي عليه.

قال ابن أبي داود : ليس لذي الرمّة حديث غير هذا.

وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : المسجور : المحبوس،

وقال الربيع بن أنس : المختلط العذب بالملح.

وأخبرني ابن فنجويه،

قال : حدّثنا مخلد بن جعفر،

قال : حدّثنا الحسن بن علوية،

قال : حدّثنا إسماعيل بن عيسى،

قال : حدّثنا إسحاق بن بسر،

قال : أخبرني جويبر عن الضحاك،

ومقاتل بن سليمان عن الضحاك عن النزال بن سبرة،

عن علي بن أبي طالب أنّه قال في البحر المسجور : (هو بحر تحت العرش،

غمره كما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين،

وهو ماء غليظ يقال له : بحر الحيوان،

يمطر العباد بعد النفخة الأُولى أربعين صباحاً فينبتون من قبورهم).

{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} نازل {ماله من دافع} مانع.

قال جبير بن مطعم : قدمت المدينة لأكلم رسول اللّه في أسارى بدر (فذهبت) إليه وهو يصلّي بأصحابه المغرب،

وصوته يخرج من المسجد،

فسمعته يقرأ {وَالطُّورِ} الى قوله : {إنّ عذاب ربّك لواقع ماله من دافع} فكأنما صدع قلبي،

وكان أوّل ما دخل قلبي الإسلام،

فأسلمت خوفاً من نزول العذاب،

وما كنت أظن أني أقوم من مكاني حتى يقع بي العذاب.

وأخبرني أبو عبداللّه بن فنجويه قال : حدّثنا أبو بكر بن مالك،

قال : حدّثنا عبداللّه بن أحمد بن حنبل،

قال : أخبرت عن (محمد) بن الحرث المكي،

عن عبداللّه بن رجاء المكي،

عن هشام بن حسان،

قال : انطلقت أنا ومالك بن دينار إلى الحسن فانتهينا إليه وعنده رجل يقرأ،

فلمّا بلغ هذه الآية {إن عذاب ربّك لواقع ماله من دافع} بكى الحسن وبكى أصحابه،

وجعل مالك يضطرب حتى غشي عليه.

٩

{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَآءُ مَوْرًا} أي تدور كدوران الرحى،

وتتكفّأ بأهلها تكفّأ السفينة،

ويموج بعضها في بعض.

واختلفت عبارات المفسرين فيها : قال ابن عباس : تدور دوراناً. قتادة : تتحرك. الضحاك : تحرك. عطاء الخراساني : تختلف إحداها بعضها في بعض. قطرب : تضطرب. عطية : تختلف. المؤرخ : يتحول بعضهم تحولا. الأخفش : تتكفّأ،

وكلّها متقاربة.

وأصل المَوْر الاختلاف والاضطراب،

قال رؤبة :

مسودّة الأعضاد من وشم العرق

مائرة الضبعين مصلات العنق

أي مضطربة العضدين.

١٠

{وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} فتزول عن أماكنها وتصير هباءً منبثّاً.

١١

{فَوَيْلٌ يومئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ} وإنّما أدخل الفاء في قوله {فَوَيْلٌ} ؛ لأن في الكلام معنى المجاراة مجازه : إذا كان هذا فويل يومئذ للمكذبين.

١٢

{الَّذِينَ هُمْ فِى خَوْضٍ} باطل {يَلْعَبُونَ} غافلين جاهلين ساهين لاهين.

١٣

{يَوْمَ يُدَعُّونَ} يُدفعون {إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} دفعاً ويُزعجون إليها إزعاجاً،

وذلك أنّ خزنة النار يغلّون أيديهم إلى أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ثم يدفعونهم إلى النار دفعاً على وجوههم،

وتجافى أقفيتهم حتى يردوا النار.

وقرأ أبو رجاء العطاردي {يوم يُدعَوْن إلى النار دعاءً} بالتخفيف من الدعاء. قالوا : فاذا دَنَوْا من النار قالت لهم الخزنة :

١٤-١٥

{هذه النار التي كنتم بها تكذّبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون}.

١٦-١٨

{اصْلَوْهَا} ادخلوها {فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنّما تجزون ما كنتم تعملون إنّ المتقين في جنات ونعيم فاكهين} ذوي فاكهة كثيرة،

وفكهين : معجبين ناعمين.

{فَاكِهِينَ بِمَآ ءَاتَ اهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَ اهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ} ثم يقال لهم :

١٩-٢٠

{وكلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون متكئين على سرر مصفوفة} قد صفّ بعضها إلى بعض،

وقوبل بعضها ببعض

٢١

{وزوجناهم بحور عين والذين آمنوا واتّبَعتْهم} قرأ أبو عمرو (وأتبعناهم) بالنون والألف (ذرياتهم) بالألف فيهما،

وكسر التائين لقوله : {أَلْحَقْنَا} {وَمَآ أَلَتْنَاهُم} ليكون الكلام على نسق واحد،

وقرأ الآخرون {وَاتَّبَعَتْهُمْ} بالتاء من غير ألف ثم اختلفوا في قوله : {ذُرِّيَّتُهُم} ،

وقرأ أهل المدينة الأُولى بغير ألف وضم التاء،

والثانية بالألف وكسر التاء،

وقرأ أهل الشام بالألف فيهما وكسر تاء الثانية،

وهو اختيار يعقوب وأبي حاتم،

وقرأ الآخرون بغير ألف فيهما وفتح تاء الثانية،

وهو اختيار أبي عبيد.

واختلف المفسّرون في معنى الآية،

فقال قوم : معناها والذين آمنوا واتّبعتهم ذريّتهم التي بلغت الإيمان {بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان،

وهو قول الضحّاك ورواية العوفي عن ابن عباس. فأخبر اللّه سبحانه وتعالى أنّه يجمع لعبده المؤمن ذرّيته في الجنة كما كان يحب في الدنيا أن يجتمعوا له،

ويدخلهم الجنة بفضله ويلحقهم بدرجته،

بعمل الأب من غير أن ينقص الآباء من أجور أعمالهم شيئاً فذلك قوله سبحانه : {وَمَآ أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍ} يعني الآباء،

والهاء والميم راجعان إلى قوله : {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا} ،

والألت : النقص والبخس.

أخبرني الحسن بن محمد بن عبداللّه الحديثي،

قال : حدّثنا سعيد بن محمد بن إسحاق الصيرفي قال : حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال : حدّثنا جنادة بن المفلس،

قال : حدّثنا قيس بن الربيع،

قال : حدّثنا عمرو بن المسرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إنّ اللّه يرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل لتقرّ بهم عينه) ثم قرأ {والذين آمنوا واتّبعتهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء} قال : (ما نقصنا الآباء بما أعطينا (البنين)).

وأخبرنا الحسن بن محمد قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن علي بن الحسن الهمداني،

قال : حدّثنا أبو عبداللّه عمر بن نصر البغدادي ببردعة،

قال : حدّثنا محمد بن عبدالرَّحْمن بن غزوان،

قال : حدّثنا شريك بن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس،

قال : أظنّه ذكره عن النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (إذا دخل أهل الجنة الجنة فسأل عن أبويه وزوجته وولده،

فيقال : إنّهم لم يدركوا ما أدركت،

فيقول : عملت لي ولهم،

فيؤمر بإلحاقهم به) وتلا ابن عباس : {والذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم} .

وأخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا القطيعي قال : حدّثنا عبداللّه بن أحمد بن حنبل،

قال : حدّثني عثمان بن أبي شيبة،

قال : حدّثنا محمد بن فضيل عن محمد بن عثمان عن زاذان عن علي قال : سألتْ خديجة النبىّ (صلى اللّه عليه وسلم) عن ولدين ماتا في الجاهلية،

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (هما في النار) قال : فلمّا رأى الكراهية في وجهها قال : (لو رأيت مكانهما لأبغضتِهما) قالت : يا رسول اللّه فولداي منك؟

قال : (في الجنة).

قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن المؤمنين وأولادهم في الجنة،

وإن المشركين وأولادهم في النار) ثم قرأ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) {والذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريّاتهم} {كلّ امرئ بما كسب} من الخير والشر {رَهِينٌ} مرهون فيؤخذ بذنبه ولا يؤخذ بذنب غيره.

٢٢

{وَأَمْدَدْنَاهُم} وأعطيناهم {بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} من أنواع اللحمان

٢٣

{يَتَنَازَعُونَ} يتعاطون فيتناولون ويتداولون {فِيهَا كَأْسًا} إناءً فيها خمر {لا لَغْوٌ فِيهَا} وهو الباطل. عن قتادة. مقاتل بن حيان : لا فضول فيها. سعيد بن المسيّب : لا رفث فيها. ابن زيد : لا سباب ولا تخاصم فيها. القتيبي : لا يذهب بعقولهم فيلغوا ويرفثوا،

وقال ابن عطاء : أي لغو يكون في مجلس محلّه جنة عدن،

والساقي فيه الملائكة،

وشربهم على ذكر اللّه،

وريحانهم تحية من عند اللّه مباركة طيبة،

والقوم أضياف اللّه {وَلا تَأْثِيمٌ} أي فعل يؤثمهم،

وهو تفعيل من الإثم،

يعني : إنّهم لا يأثمون في شربها.

وقال ابن عباس : يعني ولا كذب،

وقال الضحّاك : يعني لا يكذب بعضهم بعضاً.

٢٤

{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} بالخدمة {غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ} من بياضهم وصفاء لونهم {لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} مخزون مصون،

قال سعيد بن جبير : يعني في الصدف.

أخبرني الحسن بن محمد،

قال : حدّثنا أحمد بن علي بن عمر بن خنيس،

قال : حدّثنا محمد بن أحمد بن عصام،

قال : حدّثنا عمر بن عبدالعزيز المصري،

قال : حدّثنا يوسف بن أبي طيبة عن وكيع بن الجراح عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة خ قالت : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادي الخادم من خدمه فيجيبه ألف،

يناديه كلّهم : لبيك).

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا أبو علي المقرئ،

قال : حدّثنا محمد بن عمران قال : حدّثنا هاني بن المسري،

قال : حدّثنا عبيده بن سعيد عن قتادة بن عبداللّه بن عمر قال : ما من أحد من أهل الجنة إلاّ سعى له ألف غلام،

كل غلام على عمل ما عليه صاحبه.

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عبداللّه بن إبراهيم بن أيوب المنوي قال : حدّثنا الحسن ابن الكميت الموصلي قال : حدّثنا المعلى بن مهدي،

قال : أخبرنا مسكين عن حوشب عن الحسن أنّه كان إذا تلا هذه الآية {يطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون} قالوا : يا رسول اللّه الخادم كاللؤلؤ فكيف بالمخدوم؟

قال (ما بينهما كما بين القمر ليلة البدر وبين أصغر الكواكب).

٢٥

{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} يسأل بعضهم بعضاً قال ابن عباس : إذا بعثوا من قبورهم،

وقال غيره : في الجنة وهو الأصوب لقوله سبحانه

٢٦

{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} خائفين من عذاب اللّه

٢٧

{فَمَنَّ اللّه عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} قال الحسن : السَّموم : اسم من أسماء جهنم.

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا أبو بكر بن مالك،

قال : حدّثنا عبداللّه،

قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا أنس بن عياض،

قال : حدّثني شيبة بن نصاح عن القاسم بن محمد قال : غدوت يوماً وكنت إذا غدوت بدأت بعائشة خ أُسلّم عليها،

فوجدتها ذات يوم تصلّي السبحة وهي تقرأ {فمنّ اللّه علينا ووقانا عذاب السموم} وتردّدها وتبكي،

فقمت حتى مللت ثم ذهبت إلى السوق بحاجتي ثم رجعت فإذا هي تقرأ وترددها وتبكي وتدعو.

٢٨

{إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ} في الدنيا {نَدْعُوهُ} نخلص له العبادة {إِنَّهُ} قرأ الحسن وأبو جعفر ونافع والكسائي بفتح الألف،

أي لأنّه،

وهو اختيار أبي حاتم،

وقرأ الآخرون بالكسر على الابتداء،

وهو اختيار أبي عبيدة {هُوَ الْبَرُّ} قال ابن عباس : اللطيف،

وقال الضحاك : الصادق فيما وعد {الرَّحِيمُ} .

٢٩

{فَذَكِّرْ} يا محمد {فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ} أي برحمته وعصمته {بِكَاهِنٍ} يبتدع القول ويخبر بما في غد من غير وحي،

والكاهن : الذي يقول : إنّ معي قريناً من الجن.

{وَلا مَجْنُونٍ} نزلت هذه الآية في الخرّاصين الذين اقتسموا عقاب مكة،

يصدون الناس عن الإيمان،

ويرمون رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بالكهانة والجنون والسحر والشعر. فذلك قوله سبحانه :

٣٠

{أَمْ يَقُولُونَ} يعني هؤلاء المقتسمين الخرّاصين {شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} حوادث الدهر فيكفينا أمره بموت أو حادثة متلفة فيموت ويتفرق أصحابه،

وذلك أنهم قالوا : ننتظر به ملك الموت فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة وفلان وفلان،

إنّما هو كأحدهم،

وإنّ أباه توفي شاباً،

ونحن نرجو أن يكون موته كموت أبيه.

والمنون يكون بمعنى الدهر،

ويكون بمعنى الموت،

سمّيا بذلك لأنّهما ينقصان ويقطعان الأجل،

قال الأخفش : لأنّهما يمنيان قوى الانسان ومنيه أي ينقصان،

وأنشد ابن عباس :

تربّص بها ريب المنون لعلّها

تطلّق يوما أو يموت حليلها

٣١

{قل تربّصوا فإني من المتربصين} حتى يأتي أمر اللّه فيكم.

٣٢

{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم} عقولهم { بهذا } وأنّهم كانوا يُعدون في الجاهلية أهل الاحلام ويوصَفون بالعقل،

وقيل لعمرو بن العاص : ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم اللّه سبحانه بالعقول؟

. فقال : تلك عقول كادها اللّه،

أي لم يصحبها التوفيق. {أَمْ هُمُ} بل هم {قَوْمٌ طَاغُونَ} .

٣٣

{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ} استكباراً.

٣٤

{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} أي مثل هذا القرآن يشبهه {إِن كَانُوا صَادِقِينَ} أنّ محمداً تقوّله من تلقاء نفسه،

فإنّ اللسان لسانهم،

وهم مستوون في البشرية واللغة والقوة.

٣٥

{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ} قال ابن عباس : من غير ربّ،

وقيل : من غير أب ولا أم،

فهم كالجماد لا يعقلون،

ولا يقوم للّه عليهم حجة،

أليسوا خلقوا من نطفة ثم علقة ثم مضغة؟

قاله ابن عطاء،

وقال ابن كيسان : أم خُلقوا عبثاً وتركوا سُدىً لا يؤمرون ولا يُنهون،

وهذا كقول القائل : فعلت كذا وكذا من غير شيء يعني لغير شيء. {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} لأنفسهم.

٣٦-٣٧

{أم خلقوا السماواتِ والأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربّك} قال ابن عباس : المطر والرزق،

وقال عكرمة : يعني النبوّة،

وقيل : علم ما يكون {أَمْ عِندَهُمْ خَزَآنُ} المسلطون الجبّارون. قاله أكثر المفسّرين،

وهي رواية الوالبي عن ابن عباس،

وقال عطاء : أرباب قاهرون،

وقال أبو عبيدة : يقال : خولاً تسيطرت عليّ : اتّخذتني،

وروى العوفي عن ابن عباس : أم هم المنزلون.

٣٨

{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ} (يدّعون أن لهم) مصعداً ومرقاة يرتقون به إلى السماء {يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} الوحي فيدّعون أنّهم سمعوا هناك أنّ الذي هم عليه حق،

فهم مستمسكون به لذلك. {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم} إن ادّعوا ذلك {بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} حجة بيّنة.

٤٠

{أَمْ تَسْ َلُهُمْ أَجْرًا} جعلاً على ما جئتهم به ودعوتهم إليه {فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ} غرم {مُّثْقَلُونَ} مجهودون.

٤١

{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ} أي علم ما غاب عنهم حتى علموا أنّ ما يخبرهم الرسول من أمر القيامة والبعث والحساب والثواب والعقاب باطل غير كائن،

وقال قتادة : لمّا قالوا {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} أنزل اللّه سبحانه {أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ} فهم يعلمون حتى بموت محمد،

وإلى ماذا يؤول أمره؟

وقال ابن عباس : يعني أم عندهم اللوح المحفوظ {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ما فيه،

ويخبرون الناس به،

وقال القتيبي {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} أي يحكمون.

والكتاب : الحكم،

ومنه قول النبي (صلى اللّه عليه وسلم) للرجلين اللذين تخاصما (لأقضين بينكم بكتاب اللّه). أي بحكم اللّه.

٤٢

{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} مكراً في دار الندوة {فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} الممكور بهم يعود الضرر عليهم،

ويحيق المكر بهم،

وكل ذلك أنّهم قتلوا ببدر.

٤٣

{أَمْ لَهُمْ اله غَيْرُ اللّه سُبْحَانَ اللّه عَمَّا يُشْرِكُونَ} قال الخليل بن أحمد : ما في سورة الطور من ذكر {أَمْ} كلّه استفهام وليس بعطف.

٤٤

{وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَآءِ سَاقِطًا} كسفاً قطعة وقيل : قطعاً واحدتها كسفة مثل سدرة وسدر {مِّنَ السَّمَآءِ سَاقِطًا} ذكره على لفظ الكسف {يَقُولُوا} بمعاندتهم وفرط غباوتهم ودرك شقاوتهم هذا {سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} موضوع بعضه على بعض.

هذا جواب لقولهم : {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَآءِ} وقولهم : {وأسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً} فقال : لو فعلنا هذا لقالوا : سحاب مركوم.

٤٥

{فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِى فِيهِ يُصْعَقُونَ} أي يموتون،

وقرأ الاعمش وعاصم وابن عامر {يُصْعَقُونَ} بضم الياء وفتح العين،

أي يهلكون،

وقال الفرّاء : هما لغتان مثل سَعْد وسُعْد.

٤٦-٤٧

{يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئاً ولا هم ينصرون وإنّ للذين ظلموا} كفروا {عَذَابًا دُونَ ذلك } قال البراء بن عازب : هو عذاب القبر،

وقال ابن عباس : هو القتل ببدر،

وقال مجاهد : الجوع والقحط سبع سنين،

وقال ابن زيد : المصايب التي تصيبهم من الاوجاع وذهاب الأموال والأولاد. {وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَعْلَمُونَ} إن العذاب نازل بهم.

٤٨

{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} بمرأى ومنظر منا {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} قال أبو الأحوص عوف بن مالك وعطاء وسعيد بن جبير : قل سبحانك اللّهم وبحمدك حين تقوم من مجلسك،

فإن كان المجلس خيراً ازددت احتساباً،

وإن كان غير ذلك كان كفارة له.

ودليل هذا التأويل ما أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا محمد بن الحسن بن صقلاب،

قال : حدّثنا ابن الحسن أحمد بن عيسى بن حمدون الناقد بطرطوس. قال : حدّثنا أبو أُمية،

قال : حدّثنا حجاج،

قال : حدّثنا ابن جريج،

قال : أخبرني موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (من جلس في مجلس كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم : {سبحانك اللّهم وبحمدك لا إله إلاّ انت أستغفرك وأتوب إليك} غُفر له ما كان في مجلسه ذلك).

وقال ابن زيد : (سبّح) بأمر ربّك حين تقوم من منامك،

وقال الضحاك والربيع : إذا قمت إلى الصلاة فقل : سبحانك اللّهم وبحمدك،

وتبارك اسمك،

وتعالى جدّك : ولا إله غيرك،

وعن الضحاك أيضاً يعني : قل حين تقوم إلى الصلاة : (اللّه أكبر كبيراً والحمد للّه كثيراً وسبحان اللّه بكرة وأصيلا)،

وقال الكلبي : يعني ذكر اللّه باللسان حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل الصلاة،

وقيل : هي صلاة الفجر.

٤٩

{وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} أي وصلِّ له،

يعني صلاتي العشاء،

{وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} .

قال علي بن أبي طالب وابن عباس وجابر بن عبداللّه وأنس بن مالك يعني : ركعتي الفجر.

انبأني عقيل،

قال : أخبرنا المقابي،

قال : أخبرنا ابن جرير،

قال : أخبرنا بسر قال : حدّثنا سعيد بن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعيد بن هشام عن عائشة أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال في ركعتي الفجر (هما خير من الدنيا جميعاً).

وقال الضحاك وابن زيد : هي صلاة الصبح الفريضة.

قرأ سالم بن أبي الجعد (وأدبار) بفتح الألف،

ومثله روى زيد عن يعقوب يعني : بعد غروب النجوم.

﴿ ٠