١١

{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}

قرأ الحسن وأبو جعفر (والحجدري) وقتادة (كذّب) بتشديد الذال،

أي : ما كذّب قلب محمد ما رآى بعينه تلك الليلة،

بل صدّقه وحقّقه،

وقرأ الباقون بالتخفيف،

أي ما كذب فؤاد محمد محمداً الذي رآى بل صدّقه،

ومجاز الآية : ما كذب الفؤاد فيما رأى،

فأسقط الصفة،

كقول الشاعر :

لو كنت صادقة الذي حدثتني

لنجوت منجى الحارث بن هشام

أي : في التي حدّثتني،

وقال بندار بن الحسن : الفؤاد وعاء القلب فيما ارتاب الفؤاد فيما أرى الأصل وهو القلب.

واختلفوا في الذي رآه.فقال قوم : رأى جبريل،

وإليه ذهب ابن مسعود،

وقال آخرون : هو اللّه سبحانه،

ثم اختلفوا في معنى الرؤية،

فقال بعضهم : جعل بصرهُ في فؤاده،

فرآه في فؤاده ولم يره بعينه،

وقال قوم : بل رآه بعينه.

ذكر من قال : إنّه رآه بعينه

أخبرني الحسن بن الحسين قال : حدّثنا الفضل بن الفضل،

قال : حدّثنا أبو يعلى محمد بن زهير الإبلي،

قال : حدّثنا بن نحويه،

قال : حدّثنا سلمة،

قال : حدّثنا عبدالرزاق،

قال : حدّثنا ابن التيمي عن المبرك بن فضالة،

قال : كان الحسن يحلف باللّه عز وجل لقد رأى محمد ربّه.

وانبأني عقيل بن محمد قال : أخبرنا المعافي بن زكريا قال : حدّثنا محمد بن جرير قال : حدّثنا ابن حميد قال : حدّثنا مهران عن سفيان عن أبي إسحاق عمّن سمع ابن عباس يقول : {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قال : رأى محمد ربّه.

وبإسناده عن ابن حميد قال : حدّثنا يحيى بن واضح قال : حدّثنا عيسى بن عبيد سمعت عكرمة و (قد) سئل : هل رأى محمد ربّه؟

فقال : نعم،

قد رأى ربّه.

وبه عن ابن حميد قال : حدّثنا حكام عن أبي جعفر عن الربيع {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قال : رأى ربّه عز وجل.

ذكر من قال : لم يره

أخبرنا أبو عبيداللّه الحسين بن محمد الحافظ بقراءتي عليه في داري قال : حدّثنا موسى ابن محمد بن علي،

قال : حدّثنا إبراهيم بن زهير،

قال : حدّثنا مكي بن إبراهيم،

قال : حدّثنا موسى بن عبيده عن محمد بن كعب قال : قال بعض أصحاب رسول اللّه : يا رسول اللّه،

أرأيت ربّك؟

قال : (رأيته مرّتين،

بفؤادي ولم أره بعيني) ثم تلا هذه الآية {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} ومثله روي عن ابن الحنفية عن أبيه،

وأبو العالية عن ابن عباس.

وأخبرني الحسن،

قال : حدّثنا أبو القاسم عن بن محمد بن عبداللّه بن حاتم الترمذي،

قال : حدّثنا جدي لأمي محمد بن عبداللّه بن مرزوق،

قال : حدّثنا عفان بن مسلم قال : حدّثنا همان بن عبداللّه بن شفيق قال : قلت لأبي ذر : لو رأيت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لسألته،

قال : وعما كنت تسأله؟

قلت : كنت أسأله : هل رأى ربّه عز وجل؟

قال : فإني قد سألته فقال : (قد رأيت نوراً، أنى أراه؟).

وكذلك روي عن أبي سعيد الخدري أنّه قال : سئل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قال : (رأيت نوراً)،

ومثله روى مجاهد وعكرمه عن ابن عباس.

وقد ورد في هذا الباب حديث جامع وهو ما أخبرني الحسين بن الحسن،

قال : حدّثنا ابن حبش،

قال : أخبرنا علي بن زنجويه،

قال : حدّثنا سلمة بن عبدالرزاق،

قال : أخبرنا ابن عيينة عن مجالد عن سعيد عن الشعبي عن عبداللّه بن الحرث قال : اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس : أمّا نحن بنو هاشم فنقول : إنّ محمداً رأى ربّه مرتين،

وقال ابن عباس يحبّون أن تكون الخِلّة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد. قال : فكبّر كعب حتى جاوبته الجبال،

ثم قال : إن اللّه سبحانه قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى ج،

فكلّمه موسى ورآه محمد.

قال مجالد : وقال الشعبي : فأخبرني مسروق أنّه قال لعائشة خ : يا أمتاه،

هل رأى محمد (صلى اللّه عليه وسلم) ربّه تعالى قط؟،

قالت : إنك لتقول قولاً،

إنّه ليقف منه شعري،

قال : قلت : رويداً فقرأت عليها : {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} حتى {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} . فقالت : رويداً،

أين يُذهب بك؟

إنّما رأى جبريل في صورته. من حدّثك أن محمداً رأى ربّه فقد كذب،

واللّه عز وجل يقول : {لا تُدْرِكُهُ الأبصار} ،

ومن حدّثك أنّه يعلم الخمس من الغيب فقد كذب،

واللّه سبحانه يقول : {إِنَّ اللّه عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية،

ومن حدّثك أنّ محمداً كتم شيئاً من الوحي فقد كذب،

واللّه عز وجلّ يقول : {بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} الآية.

قال عبدالرزاق : فذكرت هذا الحديث لعمر،

فقال : ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس.

﴿ ١١