سورة الحشر

مدنية،

وهي أربع وعشرون آية،

وأربعمائةوخمس وأربعون كلمة،

وتسعمائة وثلاثة عشر حرفاً

أخبرنا أبو العبّاس سهل بن محمّد بن سعيد المروزي قال : حدّثني أبو الحسن المحمودي قراءة : حدثنا تميم بن محمود عن العبّاس بن (...) عن رجاله : قال : حدّثنا محمّد بن صالح عن زيد العجمي عن ابن عباس قال : قال النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (عليه السلام) : (من قرأ سورة (الحشر) لم يبق جنّة ولا نار ولا عرش ولا كرسي ولا حجاب ولا السماوات السبع والأرضون السبع والهوام والريح والطير والشجر والدواب والجبال والشمس والقمر والملائكة إلاّ صلّوا عليه،

واستغفروا له،

فإن مات من يومه أو ليلته مات شهيداً).

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١-٢

{سبّح للّه ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر} الآيات،

قال المفسرون : نزلت هذه الآيات بأسرها في بني النضير،

وذلك أنّ النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) لما دخل المدينة صالحه بنو النضير على أّلا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه،

فقبل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) منهم ذلك،

فلمّا غزا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بدراً وظهر على المشركين قالت بنو النضير : واللّه إنّه للنبيّ الذي وجدنا نعته في التوراة : لا تردّ لهم راية. فلما غزا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أحداً وهزم المسلمون ارتابوا ونافقوا وأظهروا العداوة لرسول اللّه (عليه السلام) والمؤمنين،

ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فركب كعب بن الأشرف في أربعين راكباً من اليهود إلى مكّة،

فأتوا قريشاً فحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمّد (عليه السلام). ثم دخل أبو سفيان في أربعين وكعب في أربعين من اليهود المسجد وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الأستار والكعبة،

ثم رجع كعب بن الأشرف وأصحابه إلى المدينة،

فنزل جبريل على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فأخبره بما تعاقد عليه كعب وأبو سفيان،

وأمر (عليه السلام) بقتل كعب بن الأشرف فقتله محمّد بن مسلمة الأنصاري،

وكان أخاه من الرضاعة.

وقد كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) اطّلع منهم على خيانة ونقض عهد،

حتى أتاهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ومعه أبو بكر وعمر وعليّ (ج) يستعينهم في دية الرجلين المسلمين اللذين قتلهما عمرو بن أُميّة الضمري في منصرفه من بئر معونة حين أغربا إلى بني عامر،

فأجابوه (صلى اللّه عليه وسلم) إلى ذلك،

وأجلسوه وهمّوا بالفتك به وطرح حجر عليه من فوق الحصن،

فأخبره اللّه سبحانه بذلك وعصمه.

وقد مضت هذه القصة وقصة مقتل كعب بن الأشرف،

فلمّا قتل كعب أصبح رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وأمر الناس بالسير إلى بني النضير،

وكانوا بقرية لهم يقال لها : زهرة،

فلمّا سار إليهم النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) وجدهم ينوحون على كعب،

وكان سيّدهم،

فقالوا : يا محمّد،

واعية على إثر واعية،

وباكية على إثر باكية؟

قال : (نعم). قالوا : ذرنا نبكي بشجونا ثم ائتمرنا أمرك. فقال النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (اخرجوا من المدينة).

قالوا : الموت أقرب إلينا من ذلك.

فتنادوا بالحرب وأذنوا بالقتال،

ودسّ المنافقون : عبد اللّه بن أُبّي وأصحابه إليهم أّلا تخرجوا من الحصن،

فإن قاتلوكم فنحن معكم ولا نخذلكم ولننصرنكم،

ولئن أُخرجتم لنخرجنّ معكم فدربوا على الأزقة وحصونها. ثم أجمعوا الغدر برسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فأرسلوا إليه : اخرج في ثلاثين رجلا من أصحابك،

وليخرج منا ثلاثون رجلا حتى نلتقي بمكان نَصَف بيننا وبينكم،

فيسمعوا منك،

فإن صدّقوك وآمنوا بك آمنّا كلّنا.

فخرج النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبراً من اليهود،

حتى إذا كانوا في بَراز من الأرض قال بعض اليهود لبعض : كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلا من أصحابه كلّهم يحبّ أن يموت قبله؟

فأرسلوا إليه : كيف نفهم ونحن ستون رجلا،

اخرج في ثلاثة من أصحابك،

ونخرج لك ثلاثة من علمائنا فيسمعوا منك،

فإن آمنوا بك آمنّا كلّنا وصدّقناك.

فخرج النبي (صلى اللّه عليه وسلم) في ثلاثة من أصحابه،

وخرج ثلاثة من اليهود،

واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته بما أراد بنو النضير من الغدر برسول اللّه (عليه السلام)،

فأقبل أخوها سريعاً حتى أدرك النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فسارّه بخبرهم قبل أن يصل النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) فرجع النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (عليه السلام).

فلمّا كان الغد عدا عليهم بالكتائب فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة،

فلمّا قذف اللّه سبحانه في قلوبهم الرعب،

وأيسوا من نصر المنافقين سألوا نبي اللّه (عليه السلام) الصلح فأبى عليهم (إلاّ) أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) فقبلوا ذلك،

وصالحهم على الإجلاء،

وعلى أنّ لهم ما أقلّت الإبل من أموالهم إلاّ الحلقة وهي السلاح،

وعلى أن يخلوا له ديارهم وعقارهم وسائر أموالهم.

وقال ابن عباس : صالحهم على أن يحمل كل أهل ثلاثة أبيات على بعير ما شاؤوا من متاعهم،

وللنبي (صلى اللّه عليه وسلم) ما بقي.

وقال الضحاك : أعطى كلّ ثلاثة نفر بعيراً وسقاءً،

ففعلوا ذلك وخرجوا من المدينة إلى الشام إلى أذرعات وأريحا إلاّ أهل بيتين منهم : آل أبي الحقيق وآل حيي بن أخطب،

فإنّهم لحقوا بخيبر،

ولحقت طائفة منهم بالحيرة،

فذلك قوله سبحانه وتعالى : {هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} يعني بني النضير {مِن دِيَارِهِمْ} التي كانت بيثرب.

قال ابن إسحاق : كان إجلاء بني النضير مرجع النبي (صلى اللّه عليه وسلم) من أُحد وكان فتح قريظة عند مرجعه من الأحزاب وبينهما سنتان.

{وَّلِ الْحَشْرِ} قال الزهري : كانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى،

وكان اللّه سبحانه قد كتب عليهم الجلاء،

ولو لا ذلك لعذّبهم في الدنيا وكانوا أول حشر في الدنيا حشروا إلى الشام.

قال ابن عباس : من شكّ أنّ المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية؛ وذلك أنّ النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (عليه السلام) قال لهم يومئذ : (اخرجوا). قالوا : إلى أين؟

فقال : (إلى أرض المحشر)،

فأنزل اللّه سبحانه {وَّلِ الْحَشْرِ} .

وقال الكلبي : إنّما قال : {وَّلِ الْحَشْرِ} ؛ لأنّهم أوّل من حشروا من أهل الكتاب ونفوا من الحجاز.

وقال مرّة الهمداني : كان هذا أوّل الحشر من المدينة،

والحشر الثاني من خيبر وجميع جزيرة العرب إلى أذرعات وأريحا من الشام في أيام عمر بن الخطاب ح وعلى بدنه.

وقال قتادة : كان هذا أوّل الحشر،

والحشر الثاني نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا،

وتقيل معهم حيث قالوا،

وتأكل منهم من تخلّف.

قال يمان بن رباب : إنّما قال : {وَّلِ الْحَشْرِ} ؛ لأنّ اللّه سبحانه فتح على نبيّه (عليه السلام) في أول ما قاتلهم.

{مَا ظَنَنتُمْ} أيّها المؤمنون {أَن يَخْرُجُوا} من المدينة {وظنّوا أنّهم ما نعتهم حصونهم من اللّه} حيث درّبوها وحصّنوها {فَأَتَ اهُمُ اللّه} أي أمر اللّه وعدله {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} بقتل سيّدهم كعب بن الأشرف.

{يُخْرِبُونَ} قراءة العامّة بالتخفيف،

من الإخراب،

أي يهدمون،

وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والحسن البصري وأبو عمرو بن العلاء بالتشديد،

من التخريب،

" وقال أبو عمرو : إنّما اخترت التشديد؛ لأنّ الإخراب ترك الشيء خراباً بغير ساكن،

وأنّ بني النضير لم يتركوا منازلهم فيرتحلوا عنها ولكنّهم خرّبوها بالنقض والهدم.

وقال الآخرون : التخريب والإخراب بمعنى واحد. قال الزهري : ذلك أنّهم لمّا صالحهم النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) على أنّ لهم ما أقلّت الإبل،

كانوا ينظرون إلى الخشبة في منازلهم ممّا يستحسنونه،

أو العمود أو الباب فيهدمون بيوتهم وينزعونها منها ويحملونها على إبلهم ويخرّب المؤمنون باقيها.

وقال ابن زيد : كانوا يقتلعون العمد وينقضون السقوف وينقبون الجدران ويقلعون الخشب حتى الأوتاد يخربونها لئلاّ يسكنها المؤمنون،

حسداً منهم وبغضاً.

وقال الضحاك : جعل المسلمون كلّما هدموا شيئاً من حصونهم جعلوا هم ينقضون بيوتهم بأيديهم ويخربونها ثم يبغون ما خرب المسلمون.

وقال ابن عباس : كلّما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها ليتّسع لهم المقاتل،

وجعل أعداء اللّه ينقبون دورهم من أدبارهم فيخرجون إلى التي بعدها فيتحصنّون فيها ويكسرون ما يليهم منها،

ويرمون بالتي خرجوا منها أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) .

وقال قتادة : كان المسلمون يخربون ما يليهم من ظاهرها،

ويخربها اليهود من داخلها فذلك قوله سبحانه {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ} .

: فاتّعظوا {يا أُولي الأبصار} يا ذوي العقول.

٣

{وَلَوْ أَن كَتَبَ اللّه عَلَيْهِمُ الْجَءَ} : الخروج عن الوطن {لَعَذَّبَهُمْ فِى الدُّنْيَا} بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة

٤

{ولهم في الآخرة عذاب النار ذلك بأنّهم شاقّوا اللّه ورسوله ومن يشاقّ اللّه} وقرأ طلحة بن مصرف : (ومن يشاقق اللّه) (كالتي في الأنفال) {فَإِنَّ اللّه شَدِيدُ الْعِقَابِ} .

٥

{مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ} الآية،

وذلك أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لما نزل ببني النضير وتحصّنوا في حصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها،

فجزع أعداء اللّه عند ذلك وقالوا : يا محمّد،

زعمت أنّك تريد الصلاح،

أفمن الصلاح عقر الشجر وقطع النخيل؟

فهل وجدت فيما زعمت أنّه أنزل عليك الفساد في الأرض؟

فشقّ ذلك على النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) ووجد المسلمون في أنفسهم من قولهم،

وخشوا أن يكون ذلك فساداً،

واختلف المسلمون في ذلك،

فقال بعضهم : لا تقطعوا؛ فإنّه ممّا أفاء اللّه علينا،

وقال بعضهم : بل نغيظهم بقطعها،

فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الإثم،

وأخبر أن قطعه وتركه بإذن اللّه سبحانه.

أخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن محمّد بن الحسن قال : حدّثنا محمّد بن يحيى وعبد الرحمن بن بشر وأبو الأزهر وحمدان وعلي قالوا : حدّثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريح قال : أخبرني موسى بن عقبة،

عن نافع،

عن إبن عمر أنّ النبي (عليه السلام) قطع نخل بني النضير وحرق،

ولها يقول حسان :

وهان على سراة بني لؤي

حريق بالبويرة مستطير

أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه وأبو محمّد إسحاق بن إبراهيم وأبو علي الحسن بن محمّد وأبو القاسم الحسن بن محمّد قالوا : حدّثنا أبو العباس الأصمّ قال : أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي،

عن مالك،

عن نافع،

عن ابن عمر،

أنّ النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) أمر بإحراق نخل بني النضير،

فقال فيه حسان بن ثابت :

وهان على سراة بني لؤي

حريق بالبويرة مستطير

وفي ذلك نزل قوله سبحانه : {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ} . اختلفوا فيها فقال قوم : هي ما دون العجوة من النخل،

فالنخل كلّه لينة ما خلا العجوة،

وهو قول عكرمة ويزيد بن رويان وقتادة.

ورواية باذان عن ابن عباس قال : وكان النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أمر بقطع نخلهم إلاّ العجوة،

وأهل المدينة يسمّون ما خلا العجوة من التمر : الألوان،

واحدها لون ولينة،

وأصلها لونة فقلبت الواو بالكسرة ما قبلها.

وقال الزهري : اللينة ألوان النخل كلّها إلاّ العجوة والبرنيّة،

وقال مجاهد وعطية وابن زيد : هي النخل كلّه من غير استثناء.

العوفي عن ابن عباس : هي لون من النخل.

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن عبد اللّه المزني قال : حدّثنا الحضرمي قال : حدّثنا جعفر بن محمّد قال : حدّثنا عبد اللّه بن مبارك،

عن عثمان بن عطإ،

عن أبيه،

عن ابن عباس في قوله : {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ} قال : النخلة والشجرة.

قال سفيان : هي كرام النخل.

وقال مقاتل : هي ضرب من النخل يقال لثمرتها : اللون،

وهو شديد الصفرة ترى نواهُ من خارج يغيب فيه الضرس. وكان من أجود تمرهم وأعجبها إليهم،

وكانت النخلة الواحدة منها ثمن وصيف،

وأحبّ إليهم من وصيف،

فلما رأوا ذلك الضرب يقطع شقّ عليهم مشقّة شديدة،

وقالوا للمؤمنين : تزعمون أنّكم تكرهون الفساد وأنتم تفسدون وتخربون وتقطعون الشجر،

دعوا هذا النخل،

فإنّما هي لمن غلب عليها.

وقيل : هي النخلة القريبة من الأرض.

وأنشد الأخفش :

قد شجاني الحمامُ حين تغنّى

بفراق الأحباب من فوق لينهْ

والعرب تسمّي ألوان النخل كلّها لينة،

قال ذو الرمّة :

كأنّ قتودي فوقها عش طائر

على لينة فرواء تهفو جنوبها

وقال أيضاً :

طراق الخوافي واقعاً فوق لينة

لدى ليلة في ريشه يترقرق

وجمع اللينة لين،

وقيل : ليان،

قال امروء القيس يصف عنق فرس.

وسالفة كسحوق الليا

ن أضرم فيها الغوي السعر

{أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآمَةً عَلَى أُصُولِهَا} : سوقها فلم تقطعوها ولم تحرقوها،

وقرأ عبد اللّه : (ما قطعتم من لينة ولا تركتم قوماً على أُصولها إلاّ بإذن اللّه). وقرأ الأعمش : (ما قطعتم من لينة أو تركتم قوّما على أصولها).

{فبإذن اللّه وليجزي الفاسقين} أي وليذلّ اليهود،

ويحزنهم ويغيظهم.

٦

{وَمَآ أَفَآءَ اللّه} : ردّ اللّه {عَلَى رَسُولِهِ} ورجع إليه،

ومنه فيء الظل {مِنْهُمْ} من بني النضير من الأموال {فَمَآ أَوْجَفْتُمْ} : أوضعتم {عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} وهي الإبل،

يقول : لم يقطعوا إليها شقة،

ولم ينالوا فيها مشقّة ولم يكلّفوا مؤونة ولم يلقوا حرباً وإنّما كانت بالمدينة فمشوا إليها مشياً،

ولم يركبوا خيلا ولا إبلا إلاّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فإنّه ركب جملا فافتتحها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) صلحاً وأجلاهم عنها وأحرز أموالهم،

فسأل المؤمنون النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) القسمة،

فأنزل اللّه سبحانه {ما أفاء اللّه على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب}.

{وَلَاكِنَّ اللّه يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَآءُ وَاللّه عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} فجعل أموال بني النضير لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) خاصّة يضعها حيث يشاء،

فقسمها رسول اللّه (عليه السلام) بين المهاجرين ولم يعطِ الأنصار منها شيئاً إلاّ ثلاثة نفر كانت بهم حاجة وهم أبو دجانة سماك بن خرشة،

وسهل بن حنيف،

والحرث بن الصمة،

ولم يسلم من بني النضير إلاّ رجلان : أحدهما سفيان بن عمير بن وهب،

والثاني سعيد بن وهب وسلما على أموالهما فأحرزاها.

أخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا حامد بن محمّد قال : أخبرنا بشر بن موسى قال : حدّثنا الحميد قال : حدّثنا سفيان قال : حدّثنا عمرو بن دينار ومعمر بن راشد،

عن ابن شهاب الزهري أنّه سمع مالك بن أوس بن الحدثان البصري يقول : سمعت عمر بن الخطاب ح يقول : إنّ أموال بني النضير كانت مما أفاء اللّه على رسوله ممّا لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب،

فكانت لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) خالصاً،

فكان رسول اللّه (عليه السلام) ينفق على أهله منه نفقة سنة،

وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدّة في سبيل اللّه.

أخبرنا محمّد بن عبد اللّه بن حمدون قال : أخبرنا أحمد بن محمّد بن الحسن قال : حدّثنا محمّد ابن يحيى قال : حدّثنا محمّد بن يوسف قال : حدّثنا ابن عيينة،

عن معمر،

عن الزهري قال : وأُخبرت عن محمّد بن جرير قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا عبد الأعلى قال : حدّثنا أبو ثور،

عن معمر،

عن الزهري،

عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : أرسل إليّ عمر بن الخطاب فدخلت عليه،

فقال : إنّه قد حضر أهل ثبات من قومك،

وأنّا قد أمرنا لهم برضخ فاقسمه بينهم. فقلت : يا أمير المؤمنين،

مر بذلك غيري. قال : اقبضه أيّها المرء.

فبينا أنا كذلك إذ جاء مولاه يرفأ فقال : عبد الرحمن بن عوف والزبير وعثمان وسعد يستأذنون. فقال : ايذن لهم. ثم مكث ساعة،

ثم جاء فقال : هذا علي والعباس يستأذنان.

فقال : ايذن لهما. فلمّا دخل العباس قال : يا أمير المؤمنين،

اقضضِ بيني وبين هذا الغادر الفاجر الخائن. وهما حينئذ يختصمان فيما أفاء اللّه عزّوجل على رسوله من أموال بني النضير. فقال القوم : اقضضِ بينهما يا أمير المؤمنين وأرح كلّ واحد منهما من صاحبه،

فقد طالت خصومتهما. فقال : أنشدكم باللّه الذي بإذنه تقوم السماوات والأرض،

أتعلمون أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (لا نورّث،

ما تركناه صدقه).

قالوا : قد قال ذلك. ثم قال لهما : أتعلمان أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال ذلك؟

قالا : نعم. قال : فسأخبركم بهذا الفيء،

إنّ اللّه سبحانه خصّ نبيّه (عليه السلام) بشيء لم يعطِ غيره فقال : عزّ من قائل : {وَمَآ أَفَآءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} فكانت هذه لرسول اللّه (عليه السلام) خاصّة،

فواللّه ما اختارها دونكم ولا استأثرها دونكم،

ولقد قسّمها عليكم حتى بقي منها هذا المال،

فكان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ينفق على أهله منها سنتهم ثم يجعل ما بقي في مال اللّه،

عزّوجل.

٧

{مَّآ أَفَآءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} يعني من أموال الكفار أهل القرى.

قال ابن عباس : هي قريظة والنضير وهما بالمدينة،

وفدك وهي من المدينة على ثلاثة أميال،

وخيبر،

وقرى عرينة،

وينبع جعلها اللّه تعالى لرسوله يحكم فيها ما أراد فاحتواها كلّها. فقال ناس : هلاّ قسّمها ؟

فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية {مَّآ أَفَآءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} .

{فَللّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى} قرابة النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) . وهم بنو هاشم وبنو المطلب.

واختلف الفقهاء في وجه استحقاقهم سهمهم من مال الفيء والغنيمة.

فقال قوم : إنّهم يستحقّون ذلك بالقرابة ولا تعتبر فيهم الحاجة وعدم الحاجة،

وإليه ذهب الشافعي وأصحابه.

وقال آخرون : إنّهم يستحقون ذلك بالحاجة لا القرابة،

وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه،

فإذا قسم ذلك بينهم فضل الذكور على الإناث كالحكم في الميراث،

فيكون للذكر سهمان،

وللأنثى سهم.

وقال محمّد بن الحسن : سوّي بينهم،

ولا يفضل الذكران على الإناث.

ذكر حكم هاتين الآيتين

اختلف العلماء فيه،

فقال بعضهم : أراد بقوله : {مَّآ أَفَآءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} : الغنائم التي يأخذها المسلمون من أموال الكافرين عنوة وقهراً،

وكانت الغنائم في بدء الإسلام لهؤلاء الذين سمّاهم اللّه سبحانه في سورة الحشر،

دون الغانمين والموجفين عليها،

ثم نسخ ذلك بقوله في سورة الأنفال : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ} الآية.

وهذا قول يزيد بن رويان وقتادة.

وقال بعضهم : الآية الأُولى بيان حكم أموال بني النضير خاصّة لقوله سبحانه : {وَمَآ أَفَآءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} ،

والآية الثانية بيان حكم سائر الأموال التي أُصيبت بغير قتال،

ولم يوجَف عليها بالخيل والجمال.

وقال الآخرون : هما واحد،

والآية الثانية بيان قسمة المال الذي ذكر اللّه سبحانه في الآية الأُولى.

واعلم أنّ جملة الأموال التي للأئمّة والولاة فيها مدخل على ثلاثة أوجه :

أحدها : ما أخذ من المسلمين على طريق التطهير لهم كالصدقات.

والثاني : الغنائم وهي ما يحصل في أيدي المسلمين من أموال الكافرين بالحرب والعهد.

والثالث : الفيء وهو ما رجع الى النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) من أموال الكافرين عفواً صفواً من غير قتال ولا إيجاف خيل وركاب مثل مال الصلح والجزية والخراج والعشور التي تؤخذ من تجّار الكفّار إذا دخلوا دار الإسلام،

ومثل أن يهرب المشركون ويتركوا أموالهم أويموت منهم في دار الإسلام أحد،

ولا يكون له وارث.

وأمّا الصدقات،

فمصرفها ما ذكر اللّه سبحانه وتعالى : {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ} الآية وقد مضى البيان عن أهل السهمين.

وأمّا الغنائم فإنّها كانت في بدء الإسلام لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يصنع بها ما يشاء،

كما قال عزّ وجلّ : {قُلِ انفَالُ للّه وَالرَّسُولِ} ثم نسخ ذلك بقوله : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ} الآية : فجعل أربعة أخماسها للغانمين تقسّم بينهم.

فأما ما كان من النقود والعروض والأمتعة والثياب والدواب والكراع فإنّه يقسّم بينهم،

ولا يحبس منهم.

وأمّا العقار،

فاختلف الفقهاء فيه،

فقال مالك (رحمه اللّه) : للإمام أن يحبس الأراضي عنهم ويجعلها وقفاً على مصالح المسلمين.

وقال أبو حنيفة : الإمام مخيّر بين أن يقسّمها بينهم وبين أن يحبسها عنهم ويجعلها وقفاً على مصالح المسلمين.

وقال الشافعي ح : ليس للإمام حبسها عنهم بغير رضاهم،

وحكمها حكم سائر الأموال. وهو الاختيار؛ لأنّ اللّه سبحانه أخرج الخمس منها بعدما أضاف الجميع إليهم بقوله : {غَنِمْتُمْ} فدلّ أنّ الباقي لهم وحقّهم. وأما الخمس الباقي فيقسّم على خمسه أسهم : سهم لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وسهم لذوي القربى،

وسهم لليتامى،

وسهم للمساكين،

وسهم لأبناء السبيل.

وأمّا الفيء فإنّه كان يقسّم على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) على خمسة وعشرين سهماً : أربعة أخماسها،

وهي عشرون سهماً لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يفعل بها ما شاء ويحكم فيها ما أراد،

والخمس الباقي يقسّم على ما يقسم عليه خمس الغنيمة.

وأما بعد وفاة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقد اختلف الفقهاء في الأربعة الأخماس التي كانت له (صلى اللّه عليه وسلم) من الفيء.

فقال قوم : إنّها تصرف الى المجاهدين المتصدّين للقتال في الثغور،

وهو أحد قولي الشافعي ح.

وقال آخرون : تصرف إلى مصالح المسلمين؛ من سد الثغور وحفر الآبار وبناء القناطر ونحوها بدءاً بالأهّم فالأهمّ،

وهو القول الآخر للشافعي ح.

وأمّا السهم الذي كان لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من خمس الفيء وخمس الغنيمة فإنّه يصرف بعده الى مصالح المسلمين بلا خلاف،

كما قال (صلى اللّه عليه وسلم) (الخمس مردود فيكم).

وهكذا ما خلّفه من مال غير موروث عنه،

بل هو صدقة تصرف عنه إلى مصالح المسلمين كما قال (صلى اللّه عليه وسلم) (إنّا لا نورّث،

ما تركناه صدقة). فكانت صفايا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من مال الفيء الذي خصّه اللّه سبحانه بها له،

ينفق منها على أهله نفقة سنة،

فما فضل جعله في الكراع والسلاح في سبيل اللّه كما ذكر. فلمّا توفي رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وليها أبو بكر ح فجعل يفعل بها ما كان يفعل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ثم وليها عمر ح على ما ولي رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وأبو بكر،

فلما استخلف عثمان ولاّها عليّ بن أبي طالب على سبيل التوليه وجعله القسيم فيها،

يليها على ما وليها رسول اللّه (عليه السلام) وصاحباه،

وباللّه التوفيق.

أخبرنا عقيل أن أبا الفرج أخبرهم عن أبي جعفر الطبري قال : حدّثنا ابن عبد الأعلى قال : حدّثنا ابن ثور،

عن معمر،

عن أيوب،

عن عكرمة بن خالد،

عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : قرأ عمر ح. {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ} حتى بلغ {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ثم قال : هذه لهؤلاء،

ثم قرأ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ} الآية ثم قال : هذه لهؤلاء،

ثم قرأ {مَّآ أَفَآءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} حتى بلغ {للفقراء المهاجرين... والذين تبوّأُوا... والذين جاءوا من بعدهم} ،

ثم قال : استوعبت هذه المسلمين عامّة،

فليس أحد إلاّ له فيها حقّ. ثم قال : لئن عشت ليأتينّ الراعي وهو يسير حمره نصيبه منها لم يعرق فيها جبينه.

{كَىْ يَكُونَ دُولَةَ} قراءة العامة {يَكُونَ} بالياء {دُولَةَ} بالنصب على معنى كي لا يكون الفيء دولة. وقرأ أبو جعفر بالتاء والرفع،

أي كي لا تكون الغنيمة أو الأموال،

ورفع {دُولَةَ} فاعلا ل (كان)،

وجعل الكينونة بمعنى الوقوع،

وحينئذ لا خبر له. والقرّاء كلهم على ضمّ الدال من ال {دُولَةَ} إلاّ أبا عبد الرحمن السلمي فإنّه فتح دالها.

قال عيسى بن عمر : الحالتان بمعنى واحد. وفرّق الآخرون بينهما،

فقالوا : الدولة بالفتح الظفر والغلبة في الحرب وغيرها وهي مصدر،

والدُولة بالضمّ اسم الشيء الذي يتداوله الناس بينهم مثل العارية،

ومعنى الآية : كي لا يكون الفيء دولة بين الرؤساء والأقوياء والأغنياء فيغلبوا عليه الفقراء والضعفاء؛ وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا غنموا غنيمة أخذ الرئيس ربعها لنفسه وهو المرباع،

ثم يصطفي منها أيضاً يعني المرباع ما شاء،

وفيه يقول شاعرهم :

لك المرباع منها والصفايا

وحكمك والنشيطة والفضول

فجعل اللّه سبحانه أمر الرسول (عليه السلام) بقسمته في المواضع التي أمر بها ليس فيها خمس،

فإذا خمس رفع عن المسلمين جميعاً.

{وَمَا نَهَ اكُمْ} : أعطاكم {الرَّسُولُ} من الفيء والغنيمة {فَخُذُوهُ وَمَا نَهَ اكُمْ عَنْهُ} من الغلول وغيره {فَانتَهُوا} .

قال الحسن في هذه الآية : يؤتيهم الغنائم ويمنعهم الغلول.

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا أبو حذيفة أحمد بن محمّد بن عليّ قال : حدّثنا أبو محمّد عبيد بن أحمد بن عبيد الصفّار الحمصي قال : حدّثنا عطية بن بقيّة بن الوليد قال : حدّثنا عيسى ابن أبي عيسى قال : حدّثنا موسى بن أبي حبيب قال : سمعت الحكم بن عمير الثمالي وكانت له صحبة يقول : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إنّ هذا القرآن صعب مستصعب عسير على من تركه،

يسير لمن تبعه وطلبه. وحديثي صعب مستصعب وهو الحكم،

فمن استمسك بحديثي وحفظه نجا مع القرآن. ومن تهاون بالقرآن وبحديثي خسر الدنيا والآخرة. وأمرتم أن تأخذوا بقولي وتكتنفوا أمري وتتبعوا سنتي،

فمن رضي بقولي فقد رضي بالقرآن،

ومن استهزأ بقولي فقد استهزأ بالقرآن. قال اللّه سبحانه : {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم فانتهوا} ).

وأخبرنا الحسين قال : حدّثنا ابن شنبه قال : حدّثنا الفريابي وعبيد اللّه بن أحمد الكناني قالا : حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدّثنا معاوية بن هشام قال : حدّثنا سفيان الثوري،

عن الأشتر،

عن إبراهيم،

عن عبد الرحمن بن يزيد قال : لقي عبد اللّه بن مسعود رجلا محرماً وعليه ثيابه،

فقال : انزع عنك. فقال الرجل : اتقرأ عليّ بهذا آية من كتاب اللّه؟

قال : نعم {ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم فانتهوا} .

{وَاتَّقُوا اللّه إِنَّ اللّه شَدِيدُ الْعِقَابِ} .

٨

{لِلْفُقَرَآءِ} يعني كي لا يكون ما أفاء اللّه على رسوله دولة بين الاغنياء منكم،

ولكن يكون للفقراء {الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْ مِّنَ اللّه وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللّه وَرَسُولَهُ أُولَاكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} في إيمانهم. قال قتادة : هؤلاء المهاجرون الذي تركوا الديار والأموال والأهلين والعشائر وخرجوا حباً للّه ولرسوله،

واختاروا الإسلام على ما كانت فيهم من شديدة،

حتى ذكر لنا أنّ الرجل يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع،

وكان الرجل يتّخذ الحفرة في الشتاء ماله دثار غيرها.

وروى جعفر بن المغيرة،

عن سعيد بن جبير وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزي قالا : كان أناس من المهاجرين لأحدهم الدار والزوجة والعبد والناقة يحجّ عليها ويغزو فنسبهم اللّه أنّهم فقراء،

وجعل لهم سهماً في الزكاة.

٩

{والذين تبوّأوا} : توطّنوا {الدَّارَ} اي اتّخذوا المدينة دار الإيمان والهجرة،

وهم الأنصار أسلموا في ديارهم وبنوا المساجد قبل قدوم النبي (صلى اللّه عليه وسلم) بسنتين فأخر اللّه عليهم البناء. ونظم الآية : {والذين تبوّأوا الدار من قبلهم} أي من قبل قدوم المهاجرين عليهم وقد آمنوا {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً} حزازة وغيطاً وحسداً {مِّمَّآ أُوتُوا} أي ممّا أعطوا المهاجرين من الفيء. وذلك أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قسم أموال بني النضير بين المهاجرين،

ولم يعط الأنصار منها شيئاً إلاّ ثلاثة نفر كما ذكرناهم،

فطابت أنفس الأنصار بذلك. {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ} إخوانِهم من المهاجرين بأموالهم وديارهم {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} : فاقة وحاجة إلى ما هو يزول؛ وذلك أنّهم قاسموهم ديارهم وأموالهم.

وأخبرنا أبو محمّد الحسن بن أحمد بن محمّد السيستاني قال : حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم الثقفي قال : أخبرنا محمود بن خداش وسمعته يقول : ما أخذت شيئاً أشتري قط قال : حدّثنا محمّد بن الحسن السيستاني قال : حدّثنا الفضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) وقد أصابه الجهد فقال : يا رسول اللّه،

إني جائع فأطعمني. فبعث النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (عليه السلام) إلى أزواجه : (هل عندكنّ شيء؟).

فكلّهنّ قلن : والذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما عندنا إلاّ الماء. فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ما عند رسول اللّه ما يطعمك هذه الليلة). ثم قال : (من يضف هذا هذه الليلة يرحمه اللّه).

فقام رجل من الأنصار قال : أنا يا رسول اللّه. فأتى به منزله،

فقال لأهله : هذا ضيف رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فأكرميه ولا تدّخري عنه شيئاً. فقالت : ما عندنا إلاّ قوت الصبية. قال : قومي فعلّليهم عن قوتهم حتى يناموا ولا يطعموا شيئاً،

ثم أسرجي فأبرزي،

فاذا أخذ الضيف ليأكل قومي كأنّك تصلحين السراج فأطفئيه وتعالي نمضغ ألسنتنا لضيف رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) حتى يشبع ضيف رسول اللّه. قال : فقامت إلى الصبية فعللتهم حتى ناموا عن قوتهم ولم يطعموا شيئاً،

ثم قامت فأبرزت وأسرجت فلمّا أخذ الضيف ليأكل قامت كأنّها تصلح السراج فأطفأته،

وجعلا يمضغان ألسنتهما لضيف رسول اللّه (عليه السلام) فظنّ الضيف أنّهما يأكلان معه،

حتى شبع ضيف رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وباتا طاويين. فلمّا أصبحا عَدوا إلى رسول اللّه (عليه السلام)،

فلمّا نظر إليهما تبسّم ثم قال : (لقد عجب اللّه من فلان وفلانة هذه الليلة). فأنزل اللّه سبحانه : {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الآية.

قال أنس بن مالك : أُهدي لبعض الصحابة رأس شاة مشوي وكان مجهوداً،

فوجّهه إلى جار له فتناوله تسعة أنفس ثم عاد إلى الأوّل،

فأنزل اللّه سبحانه : {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} .

ويحكى عن أبي الحسن الأنطاكي أنّه اجتمع عنده نيف وثلاثون رجلا بقرية بقرب الري ولهم أرغفة معدودة لم تسع جميعهم ونشروا الرغفان وأطفؤوا السراج وجلسوا للطعام،

فلمّا رفع فإذا الطعام بحاله لم يأكل واحد منهم إيثاراً لصاحبه.

ويحكى عن حذيفة العدوي قال : انطلقت يوم اليرموك لطلب ابن عم لي ومعي شيء من ماء وأنا أقول : إن كان به رمق سقيقه ومسحت وجهه،

فإذا أنا به،

قلت : أسقيك؟

فأشار أي نعم،

فإذا رجل يقول : آه،

فأشار ابن عمي أن انطلق به إليه،

فإذا هو هشام بن العاص،

فقلت : أسقيك؟

فسمع به آخر قال : آه،

فأشار هشام أن انطلق به إليه،

فجئته فإذا هو قدمات،

ثم رجعت الى هشام فإذا هو قدمات،

ثم رجعت الى ابن عمي فإذا قد مات رحمه اللّه.

سمعت أبا القاسم الحسن بن محمّد النيسابوري يقول : سمعت أبا عبد اللّه محمّد بن عبيد اللّه الجرجاني يقول : سمعت الحسن بن علوية الدامغاني يحكي عن أبي يزيد البسطامي قال : ما غلبني أحد مثل ما غلبني شاب من أهل بلخ قدم علينا حاجّاً،

فقال لي : يا أبا يزيد،

ما حدّ الزهد عندكم؟

قلت : إذا وجدنا أكلنا وإذا فقدنا صبرنا. فقال هكذا عندنا كلاب بلخ. فقلت : ماحدّ الزهد عندكم؟

فقال : إذا فقدنا صبرنا،

وإذا وجدنا آثرنا.

وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا محمّد أحمد بن محمّد بن إبراهيم البلاذري يقول : سمعت بكر بن عبد الرحمن يقول : سئل ذو النون المصري عن علامة الزاهد المشروح صدره فقال : ثلاث : تفريق المجموع،

وترك طلب المفقود،

والإيثار عند القوت.

قال ابن عباس : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه سلم) يوم النضير للأنصار : (إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وتشاركونهم في هذه الغنيمة،

وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة).

فقالت الأنصار : بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالقسمة ولا نشاركهم فيها. فأنزل اللّه سبحانه : {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} .

{وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَاكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} والشح في كلام العرب : البخل ومنع الفضل،

يقال : فلان شحيح من الشُّح والشِّحّ والشحّة والشحاحة،

قال عمرو بن كلثوم :

ترى اللحز الشحيح إذا أمرّت

عليه لماله فيها مهينا

وفرّق العلماء من السلف بينهما.

فأخبرني الحسن بن محمّد قال : حدّثنا موسى بن محمّد بن علي قال : حدّثنا إدريس بن عبد الكريم الحدّاد قال : حدّثنا عاصم بن علي بن عاصم،

وأخبرنا عبد الخالق قال : حدّثنا ابن حبيب قال : حدّثنا ابن شاكر قال : حدّثنا عاصم بن علي قال : حدّثنا المعادي،

عن جامع بن شداد،

عن أبي الشعثاء قال :

قال رجل لعبد اللّه بن مسعود : يا أبا عبد الرحمن،

إني أخاف أن أكون قد هلكت. قال : وما ذاك؟

قال : سمعت اللّه سبحانه يقول : {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج من يديّ شيء. فقال : ليس ذاك الشحّ الذي ذكر اللّه سبحانه في القرآن،

ولكن الشحّ أن تأكل مال أخيك ظلماً،

ولكن ذلك البخل،

وبئس الشيء البخل.

الوالبي علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} قال : يقول : هوى نفسه يتبع هواه فلم يقبل الإيمان.

وقال ابن زيد : من لم يأخذ شيئاً لشيء نهاه اللّه سبحانه ولم يدعه الشحّ الى أن يمنع شيئاً من شيء أمره اللّه تعالى به فقد وقاه شحّ نفسه.

وقال طاووس : البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه،

والشحّ أن يبخل بما في أيدي الناس.

وأخبرني أبي قال : أخبرنا محمّد بن أحمد بن عبد اللّه النحوي قال : أخبرنا محمّد بن حمدون ابن خالد قال : حدّثنا محمّد بن عبد الوهاب بن أبي تمام العسقلاني قال : حدّثنا سليمان ابن بنت شراحيل قال : حدّثنا إسماعيل بن عبّاس قال : حدّثنا عمارة بن عديّة الأنصاري،

عن عمّه عمر بن جارية،

عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (برئ من الشحّ من أدّى الزكاة،

وقرى الضيف وأعطى في النائبة).

أخبرني أبو عبد اللّه الحافظ قال : أخبرنا أبو حذيفة أحمد بن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه ابن محمّد الطائي قال : حدّثنا عبد اللّه بن زيد قال : حدّثنا إبراهيم بن العلاء قال : حدّثنا إسماعيل بن عباس عن هشام بن الغاد عن أبان عن أنس أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كان يدعو : (اللّهم إنيّ أعوذ بك من شحّ نفسي وإسرافها ووسواسها).

وأخبرنا أبو عبد اللّه قال : حدّثنا هارون بن محمّد بن هارون قال : أخبرنا عبد اللّه بن محمّد بن سنان قال : حدّثنا عبد اللّه بن مسلمة القعنبي قال : حدّثنا داود بن قيس الفرّاء،

عن عبد اللّه بن مقسم،

عن جابر بن عبد اللّه،

أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (اتقوا الشحّ؛ فانّ الشحّ أهلك من كان قبلكم،

حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم).

وروى سعيد بن جبير،

عن أبي الهياج الأسدي قال : كنت أطوف بالبيت،

فرأيت رجلا يقول : اللّهم قني شحّ نفسي. لا يزيد على ذلك. فقلت له فيه،

فقال : إنّي اذا وقيت شحّ نفسي لم أسرق،

ولم أزن،

ولم أفعل. وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف.

ويحكى أنّ كسرى قال لاصحابه : أي شيء أضرّ بابن آدم؟

قالوا : الفقر. فقال كسرى : الشحّ أضرّ من الفقر؛ لأنّ الفقير اذا وجد اتّسع،

والشحيح لا يتسع أبداً.

١٠

{وَالَّذِينَ جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمان وَلا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} .

قال ابن أبي ليلى : الناس على ثلاثة منازل : الفقراء المهاجرون،

والذين تبوّأوا الدار والإيمان،

والذين جاءوا من بعدهم،

فاجهد ألاّ تكون خارجاً من هذه المنازل.

أخبرني الحسن قال : حدّثنا علي بن إبراهيم الموصلي قال : حدّثنا محمّد بن مخلد الدوري قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل الحساني قال : حدّثني أبو يحيى الحماني،

عن الحسن بن عمارة،

عن الحكم بن عيينة،

عن مقسم،

عن ابن عباس قال : أمر اللّه سبحانه بالاستغفار لأصحاب محمّد (صلى اللّه عليه وسلم) وهو يعلم أنهم سيفتنون.

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : حدّثنا أحمد بن عبد اللّه قال : حدّثنا محمّد بن عبد اللّه ابن سليمان قال : حدّثنا ابن نمير قال : حدّثنا أبي،

عن إسماعيل بن إبراهيم،

عن عبد الملك بن عمير،

عن مسروق،

عن عائشة خ قالت : أُمرتم بالاستغفار لأصحاب محمّد (صلى اللّه عليه وسلم) فسببتموهم،

سمعت نبيّكم (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (لا تذهب هذه الأُمّة حتى يلعن آخرها أوّلها).

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عبد اللّه بن يوسف قال : حدّثنا الحسن بن علي الطوسي قال : حدّثنا محمّد بن المؤمّل بن الصباح البصري قال : حدّثنا النصر بن حماد العتكي قال : حدّثنا سيف ابن عمر الأسدي قال : حدّثنا عبيد اللّه بن عمر،

عن نافع،

عن ابن عمر،

قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إذا رأيتم الذين يسبّون أصحابي فقولوا : لعن اللّه شركم).

وأخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي قال : حدّثنا ابن النعمان قال : حدّثنا هارون بن سليمان قال : حدّثنا عبد اللّه يعني ابن داود قال : حدّثنا كثير بن مروان الشامي،

عن عبد اللّه بن يزيد الدمشقي قال : أتيت الحسن فذكر كلاماً إلاّ إنّه قال : أدركت ثلاثمائة من أصحاب محمّد (صلى اللّه عليه وسلم) منهم سبعون بدرياً كلّهم يحدّثونني أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه).

فالجماعة ألاّ تسبّوا الصحابة،

ولا تماروا في دين اللّه،

ولا تكفّروا أحداً من أهل التوحيد بذنب

قال عبد اللّه بن زيد : فلقيت أبا أمامة وأبا الدرداء وواثلة وأنس بن مالك،

وكلّهم يحدّثونني بحديث عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بمثل حديث الجماعة.

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حبيش قال : حدّثنا أبو الفضل صالح بن الأصبغ التنوخي قال : حدّثنا أبو الفضل الربيع بن محمّد بن عيسى الكندي قال : حدّثنا سعيد بن منصور قال : حدّثنا شهاب بن حراش،

عن عمّه العوّام بن حوشب،

قال : أدركت من أدركت من صدر هذه الأمّة وهم يقولون : اذكروا محاسن أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) حتى تأتلف عليهم القلوب ولا تذكروا ما شجر بينهم فتحرشوا الناس عليهم.

وسمعت عبد اللّه بن حامد يقول : سمعت محمّد بن محمّد بن الحسن قال : سمعت أبا عبد اللّه محمّد بن القاسم الجمحي المكّي قال : سمعت محمّد بن سعدان المروزي قال : سمعت أحمد بن إسماعيل المروزي،

عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول،

عن أبيه قال : قال عامر بن شراحيل الشعبي : يا مالك،

تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة،

سئلت اليهود : من خير أهل ملّتكم؟

فقالوا : أصحاب موسى. وسئلت النصارى من خير أهل ملتكم؟

فقالوا : حواريّو عيسى. وسئلت الرافضة : من شرّ أهل ملّتكم فقالوا : أصحاب محمّد،

أُمروا بالاستغفار إليهم فسبوّهم؛ فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة،

لا تقوم لهم راية ولا تثبت لهم قدم،

ولا تجمع لهم كلمة،

كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها اللّه بسفك دمائهم وتفريق شملهم،

وإدحَاض حجّتهم،

أعاذنا اللّه وإياكم من الأهواء المضلّة.

وأخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمّد المعدل قال : حدّثنا أبو عبد اللّه محد بن يونس المقري قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سالم قال : حدّثنا سوار بن عبد اللّه القاضي قال : حدّثنا أبي قال : قال مالك بن أنس : من ينتقص أحداً من أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وكان في قلبه عليهم غلّ،

فليس له حق في فيء المسلمين،

ثم تلا {ما أفاء اللّه ورسوله من أهل القرى} حتى أتى على هذه الآية،

ثم قرأ {لِلْفُقَرَآءِ} حتى أتى على هذه الآية،

ثم قال : {والذين تبوّأوا الدار والإيمان} حتى أتى على هذه الآية ثم قال : {والذين جاؤوا من بعدهم} إلى قوله : {رؤوف رحيم} فمن ينتقصهم أو كان في قلبه عليهم غلّ فليس له من الفيء حقّ.

١١

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا} ،

أي أظهروا خلاف ما أضمروا،

وهو مأخوذ من (نافقاء اليربوع) وهي أخذ جحرته،

إذا أُخذ عليه جحر أخذ من جحر آخر،

فيقال عند ذلك : نفق ونافق،

فشبه فعل المنافق بفعل اليربوع؛ لأنه يدخل من باب ويخرج من باب،

فكذلك المنافق يدخل في الإسلام باللفظ ويخرج منه بالعقد. والنفاق لفظ إسلامي لم يكن يعرفه العرب قبل الإسلام.

{يقولون لإخوانهم الذين كفرو من أهل الكتاب} وهم بنو قريضة والنضير {لَنْ أُخْرِجْتُمْ} من دياركم {لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا} سألنا خذلانكم وخلافكم

١٢-١٣

{أبداً ولئن قوتلتم لننصرنّكم واللّه يشهد إنهم لكاذبون لئن أُخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولّنّ الأدبار ثم لا ينصرون لأنتم} يا معشر المؤمنين {أَشَدُّ رَهْبَةً فِى صُدُورِهِم مِّنَ اللّه} يقول : يرهبونكم أشدّ من رهبتهم من اللّه

١٤

{ذلك بأنهم قوم لا يفقهون لا يقاتلونكم} يعني اليهود {جَمِيعًا إِلا فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ} ،

ولا يبرزون لكم بالقتال {أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُر} .

قرأ ابن عباس ومجاهد وابن كثير وابو عمرو : (جدار) بالألف على الواحد.

وروي عن بعض أهل مكّة : (جَدْر) بفتح الجيم وجزم الدال وهي لغة في الجدار.

وقرأ يحيى بن وثاب (جُدْر)،

بضم الجيم وسكون الدال.

وقرأ الباقون بضمّهما.

{بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} يعني : بعضهم فظّ على بعض وبعضهم عدوّ لبعض،

وعداوتهم بعضهم بعضاً شديدة.

وقيل : بأسهم فيما بينهم من وراء الحيطان والحصون شديدة،

فإذا خرجوا لكم فهم أجبن خلق اللّه سبحانه.

{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} متفرقة مختلفة. قال قتادة : أهل الباطل مختلفة أهواؤهم،

مختلفة شهاداتهم مختلفة أعمالهم وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق،

وقال مجاهد : أراد أن دين المنافقين يخالف دين اليهود

١٥

{ذلك بأنَّهم قوم لا يعقلون كمثل الذين من قبلهم}يعني مثل هؤلاء كمثل الذين من قبلهم وهم مشركوا مكة. {قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} يوم بدر قاله مجاهد،

وقال ابن عباس : كمثل الذين من قبلهم يعني بني قينقاع. وقيل : مثل قريظة كمثل بني النضير وكان بينهما سَنتان،

فربما ذاقوا وبال أمرهم الجلاء والنفي. {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

١٦

ثم ضرب مثلا للمنافقين واليهود في تخاذلهم فقال عزّ من قائل : {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِنسَانِ اكْفُرْ} الآية.

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا الباقرحي قال : حدّثنا الحسن بن علوُية قال : حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال : حدّثنا إسحاق بن بشر قال : حدّثنا مقاتل عن عطاء عن ابن عباس وعبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن ابن عباس في قوله سبحانه : {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّى بَرِىءٌ مِّنكَ} الآية قال : كان راهب في الفترة يُقال له بَرصيصَا وكان قد تعبّد في صومعة لهُ سبعين سنة لم يعص اللّه فيها طرفة عين وأن إبليس أعياه في أمره الحيل،

فلم يستطيع له شيء فجمع ذات يوم مردة الشياطين فقال : ألا أحدٌ منكم يكفيني أمر بَرصيصا،

فقال الأبيض،

وهو صاحب الأنبياء وهو الذي يتصدى للنبي (صلى اللّه عليه وسلم) وجاءه في صورة جبرائيل ليوسوسُ إليه على وجهِ الوحي فجاءه جبرائيل حتى دخل بينهما فدفعه بيده دفعة هينةً فوقع من دفعة جبرائيل إلى أقصى أرض الهند،

فذلك قوله سبحانه : {ذي قوّة عند ذي العرش مكين مطاع}.

فقال الأبيض لإبليس : أنا أكفيك فانطلق فتزيّن بزينة الرهبان وحلق وسط رأسِهِ ثم مضى حتى أتى صومعة بَرصيصا فناداه فلم يجبه برصيصا وكان لا ينفتل عن صلاته إلاّ في كل عشرة أيام ولا يفطر إلاّ في عشرة أيام مرّة،

فكان يواصل الأيام العشرة والعشرين والأكثر،

فلما رأى الأبيض أنَّه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعتهِ فلما أنفتر برصيصا اطّلع من صومعته ورأى الأبيض قائماً مُنتصباً يُصلّي في هيئة حسنة من هيئة الرهبان فلما رأى ذلك من حاله ندم في نفسه حين لها عنه فلم يجبه،

فقال له : إنّك ناديتني وكنت مُشتغلا عنك فحاجتك ؟

قال : حاجتي أني أحببت أن أكون معك فأنادبك وأقتبس من علمك ونجتمع على العبادة فتدعو لي وأدعو لك قال : برصيصا : إني لفي شغل عنك فإن كنت مؤمناً فإن اللّه سبحانه سيجعل لك فيما أدعو للمؤمنين والمؤمنات نصيباً إن استجاب لي،

ثم أقبل على صلاته وترك الأبيض،

وأقبل الأبيض يُصلي فلم يلتفت إليه برصيصا أربعين يوماً بعدها،

فلمّا انفتل رآه قائماً يصلي،

فلمّا رآى برصيصا شدّة اجتهاده وكثرة تضرّعه وابتهاله الى اللّه سبحانه كلّمه وقال له : حاجتك؟

قال : حاجتي أن تأذن لي فارتفع إليك،

فأذن له فارتفع إليه في صومعته فأقام الأبيض معه حولا يتعبد لا يفطر إلاّ في كل أربعين يوماً ولا ينفتل عن صلاته إلاّ في كل أربعين يوماً مرّة وربّما مدَّ الى الثمانين،

فلما رأى برصيصا أجتهاده تفاطرت إليه نفسه فأعجبه شأن الأبيض،

فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا : إني منطلق فأنَّ لي صاحباً غيرك ظننت أنك أشدّ اجتهاداً ممّا أرى،

وكان يبلغنا عنك غير الذي رأيت،

قال : فدخل على برصيصا من ذلك أمر شديد وكره مفارفته للّذي رأى من شدّة اجتهاده،

فلما ودّعه قال له الأبيض : إنَّ عندي دعوات أعلّمكها أياك تدعو بهن فهي خير مما أنت فيه،

يشفي اللّه بها السقيم،

ويعافي بها المبتلى والمجنون،

قال برصيصا : إني أكره هذه المنزلة،

لأن لي في نفسي شغلا وإني أخاف إنْ علم بهذا الناس شغلوني عن العبادة،

فلم يزل به الأبيض حتى علّمه،

ثم انطلق حتى أتى أبليس فقال له : قد واللّه أهلكتُ الرجل،

قال : فانطلق الأبيض فتعرّض لرجل فخنقه ثم جاءه في صورة رجل متطبّب فقال لأهله : إنَّ بصاحبكم جنوناً فأعالجه؟

قالوا : نعم،

فقال لهم : إني لا أقوى على جنِّيَته ولكن سأرشدكم الى من يدعو اللّه عزّ وجلّ فيعافى،

فقالوا له : دلّنا،

فانطلقوا الى برصيصا فإنَّ عنده أسم اللّه الذي إذا دعى به أجاب،

قال : فانطلقوا إليه فسألوه ذلك فدعا بتلك الكلمات فذهب عنهُ الشيطان،

وكان يفعل الأبيض بالناس مثل،

من مكانك قال : وما هي؟

قال : تسجد لي،

قال : أفعل،

فسجد له،

فقال : يا برصيصا هذا الذي أردت منك صارت عاقبة أمرك الى أن كفرت بربّك فلما كفر قال : {إِنِّى بَرِىءٌ مِّنكَ إِنِّى أَخَافُ اللّه رَبَّ الْعَالَمِينَ} يقول اللّه سبحانه :

١٧

{فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ} يعني الشيطان وذلك الإنسان {أَنَّهُمَا فِى النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَ ذلك جَزَاؤُا الظَّالِمِينَ} .

قال ابن عباس : فضرب اللّه هذا المثل ليهود بني النضير والمنافقين من أهل المدينة،

وذلك أن اللّه سبحانه أمر نبيّه (عليه السلام) أن يخلي بني النضير عن المدينة،

فدسّ المنافقون إليهم،

فقالوا : لا تجيبوا محمداً الى مادعاكم ولا تخرجوا من دياركم فإن قاتلكم كنا معكم وإن أخرجكم خرجنا معكم. قال : فأطاعوهم فدربوا على حصونهم وتحصّنوا في ديارهم رجاء نصر المنافقين حتى جاءهم النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فناصبوه الحرب يرجون نصر المنافقين فخذلوهم وتبرّؤوا منهم كما تبرّأ الشيطان من برصيصا وخذله.

قال ابن عباس : فكانت الرهبان بعد ذلك في بني إسرائيل لا يمشون إلاّ بالتقية والكتمان وطمع اهل الفجور والفسق في الاحبار فرموهم بالبهتان والقبيح،

حتى كان أمر جريج الراهب،

فلمّا برّأ اللّه جريجاً الراهب مما رموه به فانبسطت بعدها الرهبان وظهروا للناس.

١٨

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللّه} باداء فرائضه واجتناب معاصيه {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} يعني يوم القيامة

١٩

{واتقوا اللّه إن اللّه خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا اللّه} أي نسوا حق اللّه وتركوا أمره {فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} يعني حظ أنفسهم أن يقدّموا لها خيراً

٢٠-٢١

{أولئك هم الفاسقون لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون لو أنزلنا هذا القرآن على جبل} وركبّنا فيه العقل {لَّرَأَيْتَهُ} في صلابته ورزانته {خَاشِعًا} ذليلا خاضعاً {مُّتَصَدِّعًا} يعني متشققاً {مِّنْ خَشْيَةِ اللّه وَتِلْكَ امْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }

٢٢

{هُوَ اللّه الَّذِى اله إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} وهو ما غاب عن العباد مما لم يعاينوه ولم يعلموه {وَالشَّهَادَةِ} وهي ماعلموه وشاهدوه،

وقال الحسن : يعني السرّ والعلانية.

٢٣

{هو الرحمن الرحيم هو اللّه الذي لا إله هو الملك} وهو ذو الملك وقيل : القادر على اختراع الأعيان {الْقُدُّوسُ} الظاهر من كل عيب المنزه عما لايليق به. قال قتادة : المبارك،

وقال ابن كيسان : الممجّد وهو بالسريانية قديشا.

{السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} قال بعضهم : المصدّق لرسله باظهار معجزاته عليهم،

ومصدّق للمؤمنين ما وعدهم من الثواب وقابل إيمانهم،

ومصدق للكافرين ما أوعدهم من العقاب.

قال ابن عباس ومقاتل : هو الذي آمن الناس من ظلمه وآمن من آمن به من عذابه من الإيمان الذي هو هذا التخويف كما قال : {وَءَامَنَهُم مِّنْ خوْف} .

وقال النابغة :

والمؤمن العائذات الطير يمسحها

ركبان مكة بين الغيل والسند

وقال ابن زيد : هو الذي يصدّق المؤمنين إذا وحّدُوه،

وقال الحسين بن الفضل : هو الداعي الى الإيمان والآمر به والموجب لأهله اسمه. القرظي : هو المجير كما قال : {وهو يجير ولا يجار عيله} . {الْمُهَيْمِنُ} قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : الشهيد. ضحاك : الأمين. ابن زيد : المصدّق. ابن كيسان : هو اسم من أسماء اللّه في الكتب،

اللّه أعلم بتأويله. عطا : المأمون على خلقه. الخليل : هو الرقيب. يمان : هو المطّلع. سعيد بن المسيب : القاضي. المبرد : (المهيمن في معنى مؤيمن إلاّ أن الهاء بدل من الهمزة).

قال أبو عبيدة : هي خمسة أحرف في كلام العرب على هذا الوزن : المهيمن والمسيطر والمبيطر والمنيقر وهو الذاهب في الأرض ،

والمخيمر اسم جبل.

{الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ} قال ابن عباس : هو العظيم،

وجبروت اللّه عظمته،

وهو على هذا القول صفة ذات،

وقيل : هو من الجبر وهو الإصلاح،

يقال : جبرت العظم إذا أصلحته بعد كسر،

وجبرت الأمر،

والجبر وجبرته فجبر تكون لازماً ومتعدياً قال العجاج :

قد جبر الدين الإله فجبر

ونظيره في كلام العرب : دلع لسانه فدلع،

وفغر فاه ففغر،

وعمّر الدار فعمرت،

وقال السدي : هو الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما اراد.

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عبد اللّه بن يوسف،

قال : حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن عبد العزيز البغوي،

قال : حدّثنا محمد بن بكار بن الريان. قال حدّثنا أبو معشر عن محمد بن كعب قال : إنما يسمّى الجبار،

لأ نَّه جبر الخلق على ما أراد والخلق أرق شأناً من أن يعصوا (له أمراً) بل طرفة عين إلاّ بما أراد،

وسُئل بعض الحكماء عن معنى الجبّار فقال : هو القهّار الذي إذا أراد أمراً فعله وحكم فيه بما يريد لا يحجزه عنه حاجز ولا يفكّر فيمن دُونه. إن آدم أجتبي من غير طاعة وإن أبليس لعن على كثرة الطاعة،

وقيل : هو الذي لا تناله الأيدي،

من قول العرب : نخلة جبّارة،

إذا طالت وفاتت الأيدي قال الشاعر :

سوامق جبار أثيث فروُعه

وعالين قنواناً من البسر أحمرا

{الْمُتَكَبِّرُ} عن كل سوء،

المتعظّم عمّا لا يليق به،

وأصل الكبر والكبرياء : الأمتناع وقلة الإنقياد،

قال حميد بن ثور :

عفت مثل ما يعفو الفصيل فأصبحت

بها كبرياء الصعب وهي ذلول

٢٤

{الْخَالِقُ} المقدّر المقلّب للشي بالتدبير الى غيره كما قال : {يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً بعد خلق} وقال : {خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}

المنشيء للأعيان من العدم الى الوجود {الْمُصَوِّرُ} الممثل للمخلوقات والعلامات المميّزة والهيئات المتفرّقة حتى يتميّز بها بعضها من بعض يقال : هذه صورة الأمر أي مثاله،

فأولا يكون خلقاً ثم (نطفة ثمّ علقة) ثم تصويراً إذا انتهى وكمل،

واللّه أعلم.

{له الأسماء الحسنى يسبّح له ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم}.

أخبرنا أحمد بن محمد بن يعقوب الفقيه بالقصر قال : أخبرنا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ببغداد قال : حدّثنا الحسن بن عرفة قال : حدّثنا محمد بن صالح الواسطي عن سليمان ابن محمد عن عمر بن نافع عن أبيه قال : قال عبد اللّه بن عمر : رأيت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قائماً على هذا المنبر يعني منبر رسول (صلى اللّه عليه وسلم) وهو يحكي عن ربّه سبحانه فقال : (إنَّ اللّه تعالى إذا كان يوم القيامة جمع السموات والأرضين السبع في قبضته تبارك وتعالى ثم قال هكذا وشدّ قبضته ثم بسطها ثم يقولُ : أنا اللّه أنا الرحمن أنا الرحيم أنا الملك أنا القدّوس أنا السلام أنا المؤمن أنا المهيمن أنا العزيز أنا الجبّار أنا المتكبّر أنا الذي بدأت الدنيا ولم تك شيئاً،

أنا الذي أعدتها أين الملوك أين الجبابرة).

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن وهب قال : حدّثنا محمد بن يونس الكريمي قال : حدّثنا عمرو بن عاصم قال حدثنا أبو الأشهب عن يزيد بن آبان عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ آخر سورة الحشر غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر).

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبه قال : حدّثنا ابن وهب قال : حدثنا أحمد بن أبي سريح وأحمد بن منصور الرمادي قالا : حدّثنا أبو أحمد الزبيدي قال : حدّثنا خالد بن سليمان قال : حدّثني نافع عن أبي نافع عن معقل بن يسار أنَّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (من قال حين يصبح ثلاث مرات : أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر،

وكّل اللّه به سبعين ألف ملك يُصلّون عليه حتى يمسي،

فأن مات في ذلك اليوم مات شهيداً،

ومن قال حين يمسي كان بتلك المنزلة).

وأخبرني محمد بن القاسم قال : حدّثنا عبد اللّه بن محمد قال : حدّثنا السماح قال : حدّثنا أحمد بن الفرح قال : حدّثنا أبو عثمان يعني المؤذن قال : حدّثنا محمد بن زياد قال : سمعت أبا أمامة يقول : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ خواتيم الحشر من ليل أو نهار فقبض في ذلك اليوم أو الليلة فقد أوجب الجنة).

وأخبرني ابن القاسم قال حدّثنا ابن بختيار قال : حدثنا مكي بن عيدان قال : حدّثنا إبراهيم ابن عبد اللّه قال : حدّثنا عمرو بن عاصم قال : حدّثنا أبو الأشهب قال : حدّثنا يزيد الرقاسي عن أنس أنَّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (من قرأ آخر سورة الحشر : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل الى آخرها فمات من ليلته مات شهيداً).

وأخبرني أبو عثمان بن أبي بكر الحبري قال : حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد الحجاجي قال : أخبرنا عبد اللّه بن أبان بن شداد أن إسماعيل بن محمد الحبريني حدّثهم قال : حدثنا علي بن زريق قال : حدثنا هشام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال : سألت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) عن اسم اللّه الأعظم فقال : (عليك بأخر سورة الحشر فأكثر قرأتها،

فاعدت عليه فعاد عليّ،

فأعدت عليه فعاد عليّ).

﴿ ٠