سورة الصف

مكية،

وهي تسعمائة حرف،

ومائتان وأحدى وعشرون كلمة،

وأربع عشرة آية

أخبرنا أبو الحسن الحيازي قال : حدّثنا ابن حبش قال : حدّثني أبو عباس محمد بن موسى الرازي قال : حدّثنا عبد اللّه بن روح المدائني قال : حدّثني شبابة بن سواد الغزاري قال : حدّثنا مخلد بن عبد الواحد عن علي بن زيد وعن عطاء بن أبي ميمونة عن بن حبش عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ سورة عيسى (عليه السلام) كان عيسى مصلياً عليه مستغفراً له مادام في الدنيا وهو يوم القيامة رفيقه)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١-٢

{سبح للّه ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} قال مقاتلان : قال المؤمنون قبل أن يؤمروا بالقتال : لو نعلم أحب الأعمال الى اللّه سبحانه لعلمناه وبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا،

فدلّهم اللّه على أحب الأعمال اليه فقال : {إِنَّ اللّه يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} فبيّن لهم فابتلوا يوم أحد بذلك،

فولّوا عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) مدبرين فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية.

وقال : الكلبي : قال : المؤمنون : يا رسول اللّه لو نعلم أحب الأعمال لفعلنا ونزل {هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ثم أنقطع الكلام ولم يبين لهم شيئاً فمكثوا بعد ذلك ما شاء اللّه أن يمكثوا وهم يقولون : ليتنا نعلم ماهي أما واللّه إذن لأشتريناها بالأموال والأنفس والأهلين،

فدلّهم اللّه سبحانه فقال : {تُؤْمِنُونَ بِاللّه وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللّه} الآية،

فأبتلوا بذلك يوم أحد ففرّوا عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) حين صرع وشج في وجهه وكسرت رباعيته،

فنزلت هذه الآية يعيّرهم ترك الوفاء.

وقال محمد بن كعب : لما أخبر اللّه سبحانه وتعالى رسوله (صلى اللّه عليه وسلم) بثواب شهداء بدر قالت الصحابة : لئن لقينا بعده قتالا لنفرغن فيه وسعنا ففروا يوم أحد فعيّرهم اللّه بهذه الآية،

وقال ابن عباس : كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون : وددنا لو أن اللّه دلّنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به،

فأخبرهم اللّه تعالى أن أفضل الأعمال إيمان لا شك فيه والجهاد،

فكره ذلك ناس منه وشق عليهم الجهاد وتباطؤوا عنه فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية،

وقال : قتادة والضحاك : نزلتا في شأن القتال،

كان الرجل يقول : قتلت ولم يقاتل،

وطعنت ولم يطعن،

وضربت ولم يضرب،

وصبرت ولم يصبر.

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن مقلاب قال : حدّثنا أبو الحرث أحمد بن سعيد بدمشق قال : حدّثنا يعقوب بن محمد الزهري قال : أخبرنا حصين بن حذيف الصهري قال : حدّثني عمي عن سعيد بن المسيب عن مهيب قال : كان رجل يوم بدر قد آذى المسلمين ونهاهم فقتله صهيب في القتال،

فقال رجل : يا رسول اللّه قتلت فلاناً ففرح بذلك رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقال عمرو بن عبد الرحمن لصهيب : أخبر النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أنك قتلته فأن فلاناً ينتحله،

فقال صهيب : إنما قتلته للّه تعالى ولرسوله،

فقال عمرو بن عبدالرحمن : يا رسول اللّه قتله صهيب،

قال : كذلك يا أبا يحيى؟

قال : نعم يا رسول اللّه،

فأنزل اللّه سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لم تقولوا ما لا تفعلون} والآية الأخرى.

وقال الحسن : هؤلاء المنافقون ندبهم اللّه سبحانه ونسبهم الى الأقرار الذي أعلنوه للمسلمين فأنزل اللّه فقال : {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} كذباً وزوراً،

وقال : ابن زيد : نزلت في المنافقين كانوا يعدون المؤمنين النصر وهم كاذبون،

وقال : مجاهد : نزلت في نفر من الأنصار منهم عبد اللّه بن رواحة قال : في مجلس لهم : لو علمنا أي الأعمال أحب الى اللّه لعملنا بها حتى نموت،

فأنزل اللّه سبحانه هذه السورة فقال عبد اللّه بن رواحة : لا أبرح حبيساً في سبيل اللّه حتى أموت أو أُقتل فقتل بمؤته شهيداً رحمة اللّه عليه ورضوانه،

وقال : ميمون بن مهران : نزلت في الرجل يقرض نفسه بما لم يفعله نظيره ويحبون أن يحمدوا عما لم يفعلوا.

حدّثنا أبو القاسم الحسيني لفظاً قال : حدّثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي قال : حدّثنا عمي سعيد الدارمي قال : حدّثنا محبوب بن موسى الأنطاكي قال : حدّثنا أبو إسحاق الفراري عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد اللّه بن سلام قال : خرجنا نتذاكر فقلنا : أيكم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فسأله أي الأعمال أحب الى اللّه،

ثم تفرقنا وَهِبنا أن يأتيه أحدنا،

فأرسل إلينا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وجمعنا فجعل يومي بعضنا الى بعض فقرأ علينا {سَبَّحَ للّه} الى آخرها.

قال أبو سلمة : فقرأها علينا عبد اللّه بن سلام الى آخرها قال يحيى بن أبي كثير : فقرأ علينا أبو سلمة الى آخرها،

قال الأوزاعي : فقرأ علينا يحيى بن إسحاق الى آخرها،

قال أبو إسحاق الفزاري : فقرأها علينا الأوزاعي الى آخرها،

قال محبوب بن موسى : قرأها علينا الفزاري الى آخرها،

قال عثمان بن سعيد : فقرأها علينا محبوب الى آخرها،

قال الطرائفي : فقرأها علينا عثمان بن سعيد الى آخرها،

قال القاسم : وقرأها علينا أبو الحسن الطرائفي الى آخره،

وقرأها علينا الإستاذ أبو القاسم الى آخرها وسألنا أحمد الثعلبي أن يقرأ فقرأ علينا إلى آخرها.

٣

{كَبُرَ مَقْتًا} نصب على الحال وأن شئت على التمييز.

وقال الكسائي : {أَن تَقُولُوا} في موضع رفع لان {كَبُرَ} بمنزلة قولك بئس رجلا أخوك،

وأضمر القراء فيه أسماً مرفوعاً،

والمقت والمقاتة مصدر واحد يقال : رجل ممقوت ومقيت إذا لم تحبّه الناس

٤

{إِنَّ اللّه يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ} ولا يزولون عن أماكنهم {كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} قد رصّ بعضه الى بعض أي أحكم وأيقن وأدقّ فليس فيه فرجه ولا خلل،

وأصله من الرصاص،

ومنه قول النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (تراصوا بينكم في الصفوف لا يتخللنكم الشياطين كأنها بنات حذف).

٥

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} من بني إسرائيل {يَاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِى} وذلك حين رموه بالادرة {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّى رَسُولُ اللّه إِلَيْكُمْ} والرسول يحترم ويعظم {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللّه} عن الحق {قُلُوبَهُمْ} عن الدين

٦

{واللّه لا يهدي القوم الفاسقين وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول اللّه إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي أسمه أحمد} وهو الذي لا يذم،

وفي وجهه قولان :

أحدهما : أن الأنبياء كلّهم حمّادون للّه سبحانه ونبينا (صلى اللّه عليه وسلم) أحمد،

أي أكثر حمداً للّه منهم.

والثاني : أنَّ الأنبياء كلّهم محمودون ونبيّنا أحمد أي أكثر مناقب وأجمع للفضائل.

٧-١٠

{فلما جائهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ومن أظلم ممن أفترى على اللّه الكذب وهو يدعى الى الإسلام واللّه لا يهدي القوم الظالمين يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم واللّه متم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم} قراءة العامة بالتخفيف من الإنجاء وقرأ ابن عامر بالتشديد من (التنجية) {مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} بيّن ما هي فقال :

١١-١٢

{تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون في سبيله اللّه بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيّبة}.

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثني ابن حرجة قال : حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن سليمان قال : حدّثنا محمد بن الفرح البغدادي قال : حدّثنا حجاج بن محمد بن جبير القصاب عن الحسن قال : سألنا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) عليها فقال : (قصر من لؤلؤة في الجنّة وذلك القصر سبعون داراً من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتاً من زمردة خضراء في كل بيت سبعون سريراً على كل سرير سبعون فراشاً من كل لون،

على كلّ فراش امرأة من الحور العين،

في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لوناً من كل الطعام،

في كل بيت سبعون وصيفاً ووصيفة،

قال : فيعطي اللّه المؤمن من القوة في غذاءه وحده ما يأتي على ذلك كله).

١٣

{في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى} قال : نحاة البصرة : هي في محل الخفض مجازه : وتجارة أخرى،

وقال نحاة الكوفة : محلها رفع أي ولكم أخرى في العاجل مع ثواب الآجل.

{تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللّه وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} ثم حثهم على نصرة الدين وجهاد المخالفين فقال :

١٤

{يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار اللّه} أعواناً بالسيف على أعدائه،

قرأ أبو عمرو وقرأ أهل الحجاز أنصاراً بالتنوين وهو أختيار أيوب،

وقرأ الباقون بالأضافة وهو أختيار أبي حاتم وأبي عبيد قال : لقوله {نحن أنصاراً للّه} ولم يقل : أنصاراً للّه.

{كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّ نَ مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللّه قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّه فَآمَنَت طَّآئفَةٌ مِّن بنى إسرائيل وَكَفَرَت طائفة فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} .

﴿ ٠