سورة المُلك

مكية،

وهي ثلاثون آية،

وثلاثمائة وثلاثون كلمة وألف وثلاثمائة حرفاً

حدّثنا أَبُو محمد المخلدي أخبرنا أَبُو العباس السراج،

حدّثنا العباس بن عبد اللّه الترمذي،

حدّثنا حفص بن عمر،

حدّثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (وددتُ أنّ {تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ} في قلب كل مؤمن).

أخبرني أَبُو الحسن الفارسي،

حدّثنا أَبُو عبد اللّه محمد بن يزيد،

حدّثنا أَبُو يحيى البزار،

حدّثنا محمد بن يحيى،

حدّثنا أَبُو داود،

حدّثنا عمران عن قتادة عن عباس الحسبي عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (إنّ سورة من كتاب اللّه ما هي إلاّ ثلاثون آية شفعت لرجُل وأخرجته يوم القيامة من النّار وأدخلته الجنّة وهي سورة تبارك).

أخبرنا أَبُو الحسن بن أبي إسحاق المزكي،

وأَبُو الحسن بن أبي الفضل العدل قالا : حدّثنا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصّفار،

حدّثنا سعدان بن نصر،

حدّثنا معّمر بن سليمان عن الخليل بن مرّة عن عاصم بن أبي النّجود رواه عن زرّ بن حُبيش عن عبد اللّه بن مسعود قال : إذا وضع الميت في قبره يؤتى من قبل رجليه فيقال : ليس لكم عليه سبيل قد كان يقوم بسورة المُلك،

ثم يؤتى من قبل رأسه فيقول لسانه : ليس لك عليّ سبيل كان يقرأ بي سورة المُلْك،

ثم قال : هي المانعة من عذاب القبر،

وهي في التوراة سورة الملك من قرأها في ليلة فقد اكثر وأطيب.

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١-٢

{تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ}

{الذي خلق الموت والحياة}

قدّم الموت على الحياة لأنّهُ إلى القهر أقرب،

كما قدّم البنات على البنين في قوله : {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ} .

قال قتادة : أذلّ اللّه إبن آدم بالموت،

وجعل الدنيا دار حياة ودار فناء،

وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء. وقيل : قدّمةُ لأنّهُ أقدم،

وذلك أنّ الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموات كالنطفة والتراب ونحوها،

ثم اعترصت عليها الحياة.

قال ابن عباس : خلق الموت على صورة كبش أملح لا يمرّ بشيء ولا يجد ريحه شيء إلاّ مات،

وخلق الحياة على صورة فرس بلقاء،

وهي التي كان جبرئيل والأنبياء (عليهم السلام) يركبونها،

خطوها مد البصر،

وهي فوق الحمار ودون البغل،

لا تمر بشيء،

ولا تطأ شيئاً ولا يجد ريحها شيء إلاّ حيّ،

وهي التي أخذ السامري من أثرها؛ فألقاها على العجل فحيى.

{لِيَبْلُوَكُمْ} فيما بين الحياة إلى الموت،

{أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا}

أخبرنا الحسن بن محمد بن فنجويه،

حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن برزة،

حدّثنا الحرث بن أُسامة،

حدّثنا داود بن المحر،

حدّثنا عبد الواحد بن زياد العبدي عن كليب بن وائل عن إبن عمر عن النبي (صلّى اللّه عليه) أنّه تلا (تبارك الذي بيده الملك) حتى بلغ إلى قوله (أيكم أحسن عملا). ثم قال : أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم اللّه،

وأسرعكم في طاعة اللّه.

وبإسناده عن داود بن المحر،

حدّثنا ميسر عن محمد بن زيد عن أبي سلمة عن أبي قتادة قال : قلت : يا رسول اللّه أرأيت قول اللّه تعالى {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَ} ما عُني به ؟

قال : (يقول أيّكم أحسن عقلا).

وقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أتمّكم عقلا وأشدّكم للّه خوفاً،

وأحسنكم فيما أمر اللّه تعالى به ونهى عنه نظراً وإن كان أقلكم تطوعاً).

أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل،

حدّثنا أَبُو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن أحمد،

حدّثنا أَبُو بكر بن أبي الدّنيا القرشي،

حدّثنا محمد بن علي بن الحسن بن سقيق عن إبراهيم عن الأشعث عن فضيل بن عَياض {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَ} قال : أخلصه وأصوبة،

قلت : ما أخلصه وأصوبه ؟

قال : إنّ العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل،

وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتّى يكون خالصاً صواباً،

والخالص : إذا كان للّه،

والصّواب : إذا كان على السُنّة.

وقال الحسن : يعني أيّكم أزهد في الدنيا زهداً،

وأترك لها تركاً.

وقال سهل : أيّكم أحسن توكّلا على اللّه.

قال الفرّاء : لم يرفع البلوى على أي؛ لأنّ فيما بين أي والبلوى إضماراً وهو كما يقول في الكلام : بلوتكم لأنظر أيّكم أطوع،

ومثله {سَلْهُمْ أَيُّهُم بذلك زَعِيمٌ} أي سلهم وانظر أيّهم. فأيّ رفع على الابتداء وأحسن خبره.

٣

{وهو العزيز الغفور الّذي خلق سبع سماوات طباقاً} طبقا على طبق،

بعضها فوق بعض،

يقال : أطبقت الشيء إذا وضعت بعضه فوق بعض.

قال أبان بن تغلب : سمعت بعض الأعراب يذمّ رجلا فقال : شرّه طباق،

وخيره غير باق.

قال سيبويه : ونصب طباقاً لأنّه مفعول ثان.

{مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} قرأ يحيى بن ثابت والأعمش وحمزة والكسائي : من تفوّت بغير ألف،

وهي اختيار أبي عبيد وقراءة عبد اللّه وأصحابه.

أخبرنا عبد اللّه بن حامد الورّاق،

أخبرنا مكي بن عبدان،

حدّثنا عبد اللّه بن هاشم،

حدّثنا يحيى بن سعيد القّطان عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللّه أنّه كان يقرأ : من تفوّت.

قال الأعمش : فذُكرتْ لأبي رزين فقال : لقد سمعتها من عبد اللّه فيما قبلتها وأخذتها،

وقرأ تفاوت،

وهي قراءة الباقين واختيار أبي حاتم وهما لغتان مثل التّعهد والتّعاهد،

والتحمّل والتحامل،

والتطّهر والتطاهر. ومعناه : ماترى في خلق الرحمن من اعوجاج واختلاف وتناقض وتباين،

بل هي مستوية مستقيمة،

وأصله من الفوت،

وهي أَنْ يفوت بعضها بعضاً لقلّة استوائها،

يدلّ عليه قول إبن عبّاس : من تفرق.

{فَارْجِعِ} فَردّ {الْبَصَرَ} قال الفراء : إنّما قال فارجع وليس قبله فعل مذكور فيكون الرجوع على ذلك الفعل؛ لأَنّ مجاز الكلام : أُنظر ثمّ ارجع البصر.

{هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ} فتوق وشقوق وخروق.

الضحّاك : اختلاف وشطور،

عطية : عيب،

إبن كيسان : تباعد،

القرظي : قروح،

أَبُو عبيدة : صدوع قال عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود :

شققت القلب ثم ذررت فيه

هواك فليم فالتأم الفطورُ

وقال آخر :

تغلغل حيث لم يبلغ شراب

ولا سُكر ولم يبلغ سرور

وقال آخر :

بنى لكمُ بلا عمد سماءً

وزيّنها فما فيها فطور

٤

{ثُمَّ ارجِعِ الْبَصَرَ} رُدَّ البصر وكرّر النظر {كَرَّتَيْنِ} مرتين،

{يَنقَلِبْ} ينصرفْ ويرجع {إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا} خاشعاً،

ذليلا،

مبعداً {وَهُوَ حَسِيرٌ} يعني كليل،

منقطع لم يُدرك ماطلب قال الشاعر :

نظرتُ إليها بالمحصب من منى

فعاد إليّ الطرفُ وهو حسير

أخبرنا إبن فنجويه،

حدّثنا موسى بن محمد،

حدّثنا الحسن بن علويه،

حدّثنا إسماعيل بن عيسى،

حدّثنا المسيب،

حدّثنا إبراهيم البكري عن صالح بن جبار عن عبد اللّه بن يزيد عن أبيه،

قال المسيب : وحدّثنا أَبُو جعفر عن الرّبيع عن كعب قالا : السماء الدنيا موج مكفوف،

والثانية مرمرة بيضاء،

والثالثة حديد،

والرابعة صفر وقال نحاس والخامسة فضة،

والسادسة ذهب والسّابعة ياقوته حمراء،

وبين السّماء السّابعة إلى الحجب السبعة صحاري من نور،

واسم صاحب الحجب (فنطاطروس).

٥

{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} أي الكواكب،

واحدها مصباح وهو السراج.

{وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا} مرمىً {لِّلشَّيَاطِينِ} إذا اخترقوا السّمع،

{وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ} في الآخرة {عَذَابَ السَّعِيرِ} ما جعلنا لهم في الدنيا من الشهب،

٦

و{الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ} أيضاً {عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}

٧

{إِذَآ أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا} صوتاً كصوت الحمار {وَهِىَ تَفُورُ} تزفر وتغلي بهم كما يغلي القدر.

وقال مجاهد : تفور بهم كما يفوّر الحبّ القليل في الماء الكثير.

٨

{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} يتفرق بعضها من بعض على أهلها غيظاً وانتقاماً للّه تعالى {كُلَّمَآ أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ} قومٌ {سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} رسول في الدنيا

٩

{قَالُوا بَلَى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا} للرُسُل {مَا نَزَّلَ اللّه مِن شَىْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلا فِى ضَلَالٍ كَبِيرٍ} .

١٠

{وَقَالُوا} وهم في النّار {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} النذر من الرُسُل،

وما جاؤونا به {أَوْ نَعْقِلُ} عنهم. قال ابن عباس : لو كنّا نسمع الهدى أو نعقله فنعمل به.

{مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ}

١١

{فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا} بعداً،

وقال سعيد بن جبير : هو وادٍ في جهنم {لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ} ونقله أَبُو جعفر والكسائي بروايتيه الدوري وقتيبة الخلاف عنهما،

وحققه الآخرون : وهما لغتان مثل الرُّعب والرَّعب،

السُّحت والسَّحت،

أخبرنا عبد اللّه ابن حامد،

أخبرنا محمد بن خالد حدّثنا داود بن سليمان،

حدّثنا عبد بن حميد،

حدّثنا عبيد اللّه ابن موسى عن إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال : إنّ الرجل ليجرّ إلى النار فتنزوي،

وتنقبض بعضها إلى بعض،

فيقول لها الرحمن : مالكِ؟

قالت : إنّه كان يستجير منّي فيقول : أرسلوا عبدي. وإنّ الرجل ليُجرّ إلى النار،

فيقول : يا ربّ ما كان هذا الظنّ بك قال : فما كان ظنّك؟

قال : كان ظنّي أن تسعني رحمتك،

فيقول : أرسلوا عبدي. وإنّ الرجل ليُجرّ إلى النار فتشهق إليه النار شهيق البغلة إلى الشعير،

ثمّ تزفر زفرة لا يبقى أحدٌ إلاّ خاف.

١٢-١٤

{إنّ الذين يخشون ربّهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير وأسرّوا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.

قال ابن عباس : نزلت في المشركين،

كانوا ينالون من رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فيخبره جبرائيل ما قالوا فيه ونالوا منه،

فيقول بعضهم لبعض : أسرّوا قولكم كي لا يسمع إله محمد. وقال أهل المعاني : إن شئت جعلت (من) في قوله : {مَنْ خَلَقَ} اسماً للخالق؟

فقلت : ألا يعلم الخالق ما في الصدور وهو اللطيف الخبير،

وإن شئت جعلته اسماً،

فقلت : ألا يعلم اللّه مخلوقه.

أخبرنا الفنجوي حدّثنا موسى بن الحسن بن علويّة حدّثنا عيسى بن إسماعيل بن عيسى بن المسيّب،

قال : بينا رجل واقف بالليل في شجر كثير وقصفت الريح فوقع في نفس الرجل فقال : أترى اللّه يعلم ما يسقط من هذه الورق؟

فنودي من خلفه : ألا يعلم مَنْ خلق وهو اللطيف الخبير؟

وروى محمد بن فضيل عن زرين عن ابن أبي أسماء أنّ رجلا دخل غيضة فقال : لو خلوت هاهنا للمعصية مَنْ كان يراني؟

قال : فسمع صوتاً ملأ ما بين لا يتي الغيضة،

ألا يعلم مَنْ خلق وهو اللطيف الخبير؟

١٥

{هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولا} سهلا مُسخّرة لا تمتنع {فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا} قال ابن عباس وقتادة : في جبالها،

ضحاك : في آكامها،

مجاهد : طرقها وفجاجها،

وقال الكلبي : أطرافها،

الفرّاء : في جوانبها،

مقاتل : نواحيها،

الحسن : سهلها حيث أردتم فقد جعلها لكم ذلولا لا تمتنع،

وأصل المنكب الجانب ومنه منكب الرجل،

والريح النكاب،

وتنكب فلان.

{وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ} الحلال {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}

١٦

{ءَأمنتم مَنْ في السماء}

وقال ابن عباس : أمنتم عذاب مَنْ في السماء أن عصيتموه. وقيل : معنى {أَمِنتُم مَّن فِى السَّمَآءِ} : قدرته وسلطانه وعرشه ومملكته،

وقيل : إنّما قال : {مَّن فِى السَّمَآءِ} لأنّهم كانوا يعترفون بأنّه إله السماء،

ويزعمون إنّ الأصنام آلهة الأرض،

وكانوا يدعون اللّه من جهة السماء،

وينتظرون نزول أمره بالرحمة والسطوة منها.

وقال المحقّقون : معنى قوله : {فِى السَّمَآءِ} أي فوق السماء كقوله تعالى : {فَسِيحُوا فِى الأرض} ،

أي فوقها لا بالمماسة والتحيز ولكن بالقهر والتدبير.

وقيل : معناه على السماء كقوله : {وَصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ} ومعناه : إنّه مالكها ومدبّرها والقائم عليها،

كما يقال : فلان على العراق والحجاز،

وفلان على خراسان وسجستان يعنون أنّه واليها وأميرها.

وأعلم أنّ الآيات والأخبار الصحاح في هذا الباب كثيرة وكلّها إلى العلو مشيرة،

ولا يدفعها إلاّ ملحد جاحد أو جاهل معاند،

والمراد بها واللّه أعلم توقيره وتعظيمه وتنزيهه عن السفل والتحت،

ووصفه بالعلو والعظمة دون أن يكون موصوفاً بالأماكن والجهات والحدود والحالات؛ لأنّها صفات الأجسام وأمارات الحدث واللّه سبحانه وتعالى كان ولا مكان فخلق الأمكنة غير محتاج إليها،

وهو على ما لا يزل،

ألا يرى أنّ الناس يرفعون أيديهم في حال الدعاء إلى السماء مع إحاطة علمه وقدرته ومملكته بالأرض وغيرها أحاطتها بالسماء،

إلاّ أنّ السماء مهبط الوحي ومنزل القطر ومحلّ القدس ومعدن المطهرين المقرّبين من ملائكته،

وإليها تُرفع أعمال عباده وفوقها عرشه وجنّته وباللّه التوفيق.

{أَن يَخْسِفَ} يغور {بِكُمُ الأرض فَإِذَا هِىَ تَمُورُ} قال الحسن : تُحرّك بأهلها،

وقال الضحّاك : تدور بهم وهم في قعرها،

وقال ابن كيسان : تهوى بهم.

١٧

{أَمْ أَمِنتُم مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} ريحاً ذات حجارة كما فعل بقوم لوط وأصحاب الفيل {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} أي إنذاري بالعذاب.

١٨

{وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} إنكاري،

وأثبت بعض القرّاء الياء في هذه الحروف وجوابها على الأصل وحذفها بعضهم على الخط.

١٩

{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ} {صَافَّاتٍ} أجنحتها وهي تطير،

{وَيَقْبِضْنَ} أجنحتها بعد انبساطها،

{مَا يُمْسِكُهُنَّ} يحبسهنّ في حال القبض والبسط أن يسقطن،

{إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْء بَصِيرٌ} .

٢٠

{أَمَّنْ هذا الَّذِى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ} قال ابن عباس : منعه لكم {يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ} فيدفع عنكم ما أراد بكم {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِى غُرُورٍ}

٢١

{أَمَّنْ هذا الَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِى عُتُوٍّ} في الضلال {وَنُفُورٍ} تباعد من الحقّ

٢٢

{أَفَمَن يَمْشِى مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} راكباً رأسه في الضلالة والجهالة أعمى القلب والعين لا يُبصر يميناً ولا شمالا،

وهو الكافر.

وقال قتادة : هو الكافر أكبّ على معاصي اللّه في الدنيا فحشره اللّه يوم القيامة على وجهه،

{أَهْدَى أَمَّن يَمْشِى سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وهو المؤمن،

وقوله {مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} فعل غريب لأنّ أكثر اللغة في التعدّي واللزوم أن يكون أفعلت يفعّل،

وهذا على ضدّه يقال : كببت فلاناً على وجهه فأكب،

قال اللّه تعالى : {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ} ،

وقال النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (وهل يكبّ الناس في النار على مناخرهم إلاّ حصائد ألسنتهم).

ونظيره في الكلام قولهم : قشعت الريح السحاب فأقشعت،

وبشرته بمولود فأبشر،

وقيل مكبّاً لأنه فعل غير واقع،

قال الأعشى :

مكبّاً على روقيه يُحفّز عرفه

على ظهر عُريان الطريقة أهيما

٢٣-٢٧

{قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون قُلّ هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قُلّ إنّما العلم عند اللّه وإنّما أنا نذير مبين فلمّا رأوه} ويعني العذاب في الآخرة عن أكثر المفسّرين،

وقال مجاهد : يعني العذاب ببدر،

{زُلْفَةً} قريباً،

وهو اسم بوصف مصدر يستوي فيه المذكّر والمؤنّث والواحد والاثنان والجميع {سِيئَتْ} أُخزيت {وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فاسودّت وعلتها الكآبة والغربة يقول العرف : سويه فسيء،

ونظيره سررته فسر وشعلته فشعل {وَقِيلَ} قال لهم الخزنة : {هذا الَّذِى كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ} أي أن يعجّله لكم.

وقراءة العامّة : (تدّعون) بتشديد الدال يفتعلون من الدعاء عن أكثر العلماء أي يتمنّون ويتسلّون،

وقال الحسن : معناه يدّعون أن لا جنّة ولا نار،

وقرأ الضحاك وقتادة ويعقوب بتخفيف الدال،

أي تدعون اللّه أن يأتكم به وهو قوله : {وَإِذْ قَالُوا اللّهمَّ إِن كَانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ} الآية.

٢٨

{قُلْ} يا محمد لمشركي مكّة الذين يتمنّون هلاكك ويتربّصون بك ريب المنون {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِىَ} فأماتني {وَمَن مَّعِىَ أَوْ رَحِمَنَا} أبقانا وأخّر في آجالنا {فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} فإنّه واقع بهم لا محالة،

وهذا اختيار الحسين بن الفضل ومحمد بن الحسن.

وقال بعضهم : {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِىَ اللّه} فعذّبني (ومَنْ معي أو رحمنا) غفر لنا (فمن يُجير الكافرين من عذاب أليم) ونحن معاً إنّما خائفون من عذابه؛ لأنّ له أن يأخذنا بذنوبنا ويعاقبنا ويهلكنا؛ لأنّ حكمه جائز وأمره نافذ وفعله واقع في ملكه،

فنحن مع إيماننا خائفون من عذابه فمن يمنعكم من عذاب اللّه وأنتم كافرون؟

وهذا معنى قول ابن عباس واختيار عبد العزيز ابن يحيى وابن كيسان.

٢٩

{قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ ءَامَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ} بالياء الكسائي ورواه عن عليّح،

الباقون بالتاء،

{مَنْ هُوَ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ} نحن أم أنتم

٣٠

{قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْرًا} يعني غائراً ذاهباً ناضباً في الأرض لا تناله الأيدي والدلاء،

قال الكلبي ومقاتل : يعني ماء زمزم وبئر ميمون الحضرمي وهي بئر عادية قديمة.

{فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍ مَّعِين} ظاهر تناله الأيدي والدلاء،

وقال عطاء عن ابن عباس : جار،

وقال المؤرخ : عذب بلغة قريش.

﴿ ٠