سورة الجن

مكيّة وهي ثمان مائة وسبعون حرفاً،

وخمس وثمانون كلمة،

وثماني وعشرون آية

أخبرنا نافل بن راقم بن أحمد بن عبد الجبار البابي،

قال : حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن محمد البلخي،

قال : حدّثنا عمرو بن محمد الكرباسي،

قال : حدّثنا أسباط بن اليسع البخاري،

قال : حدّثنا يحيى بن عبد اللّه السلمي،

قال : حدّثنا نوح بن أبي مريم عن عليّ بن زيد عن أُبيّ ابن كعب،

قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (مَنْ قرأ سورة الجنّ أُعطي بعدد كلّ جنّي وشيطان صدّق بمحمد وكذّب به عتق رقبة).

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

{قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ}

وكانوا تسعة من جن نصيبين استمعوا قراءة النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) وقد مرّ خبرهم.

قال أبو حمزة الثمالي : بلغنا أنهم من بني الشيطان وهم أكثر الجن عدداً وهم عامة جنود إبليس. {فَقَالُوا} لما رجعوا إلى قومهم

٢-٣

{إنّا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرُشد فآمنّا به ولن نُشرك بربّنا أحداً وأنّه} بالفتح قرأه أهل الشام والكوفة إلاّ حفصاً.

وفتح أبو جعفر ما كان مردوداً على الوحي،

وكسر ما كان حكاية عن الجن،

وجرها كلّها الباقون.

{تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} حدّثنا عبيد اللّه بن محمد بن محمد بن مهدي العدل،

قال : حدّثنا الأصم،

قال : حدّثنا أحمد بن حازم،

قال : حدّثنا عبد اللّه بن سفيان عن السدي في قوله : {جَدُّ رَبِّنَا} قال : أمر ربنا.

وبإسناده عن سفيان عن سلمان التيمي عن الحسن،

قال : غنى ربنا ومنه قيل : للحظ جد ورجل مجدود. وقال ابن عباس : قدرة ربنا. مجاهد وعكرمة : جلاله. قتادة : عظمته. ابن أبي نجيح عن مجاهد : ذكره. ضحاك : فعله. القرظي : آلاؤه ونعمه على خلقه. الأخفش : علا ملك ربنا. ابن كيسان : علا ظفره على كل كافر بالحجة. والجدّ في اللغة : العظمة،

ومنه قول أنس : كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ في أعيننا أي عظم.

وقال ابن عباس : لو علمت أن في الإنس جدّاً ما قالت تعالى جدّ ربّنا،

وقال أبو جعفر الباقر وابنه جعفر والربيع بن أنس : ليس للّه جد وإنّما وليه الجدّ بالجهالة فلم توخذوا به.

{مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا} وقرأ عكرمة : {تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} بكسر الجيم على ضد الهزل،

وقرأ ابن السميع : (جدي ربّنا) وهو الجدوى والمنفعة.

٤

{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا} جاهلنا،

وقال مجاهد وقتادة : هو إبليس لعنه اللّه {عَلَى اللّه شَطَطًا} عدواناً وقولا عظيماً

٥

{وَأَنَّا ظَنَنَّآ} حسبنا {أَن لَّن تَقُولَ انسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللّه كَذِبًا} أي كنّا نظنّهم صادقين في قولهم : إنَّ للّه صاحبة وولداً حتّى سمعنا القرآن

٦

{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ انسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ} وذلك قول الرجل من العرب إذا أمسى بالأرض القفر : أعوذ بسيد هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه،

فيبيت في أمن وجوار حتّى يصبح.

قال مقاتل : أوّل مَنْ تعوّذ بالجن قوم من أهل اليمن،

ثمّ بنو حنيفة ثمّ فشا ذلك في العرب.

أخبرني ابن فنجويه،

قال : حدّثنا عبد اللّه بن يوسف،

قال : حدّثنا أبو القيّم عبد اللّه بن محمد بن إسحاق المروزي،

قال : حدّثنا موسى بن سعيد بن النعمان بطرطوس،

قال : حدّثنا فروة بن معراء الكندي،

قال : حدّثنا القيّم بن مالك عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري،

قال : خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك أوّل ما ذكر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بمكّة فآوانا المبيت إلى راعي غنم،

فلما انتصف النهار جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي،

فقال : يا عامر الوادي جارك،

فنادى مناد لا نراه يقول : يا سرحان أرسله،

فأتانا الحمل يشتدّ حتّى دخل الغنم،

ولم يصبه كدمة،

قال،

وأنزل اللّه سبحانه على رسوله بمكة : {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ انسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ} .

{فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} يعني : (إن الإنس زادوا الجن طُغياناً باستعاذتهم) فزادتهم رهقاً.

قال ابن عباس : أثماً. معمر عن قتادة : خطيئة. سعيد عنه : جرأة. مجاهد : طغياناً. ربيع : فرقاً. ابن زيد : خوفاً. إبراهيم : عظمة،

وذلك أنّهم قالوا : (سدنا) الجن والإنس. مقاتل : غيّاً. الحسن : شرّاً. ثعلب : خساراً. والرهق في كلام العرب : الإثمّ وغشيان المحارم،

ورجل مرهق : إذا كان كذلك. وقال الأعشى :

لا شيء ينفعني من دون رؤيتها

هل يشتفي وامق ما لم يصب رهقاً

٧

{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ} يا معشر الكفّار من الإنس {أَن لَّن يَبْعَثَ اللّه أَحَدًا} بعد موته

٨

{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا} من الملائكة {وَشُهُبًا} من النجوم

٩

{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا} من السماء

١٠

{مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً وأنا لا ندري أشرّ أُريد بمن في الأرض} برمي الشهب

١١

{أم أراد بهم ربّهم رشداً وأنا منّا الصالحون ومنّا دون ذلك كنّا طرائق ددا} أهواء مختلفة وفرقاً شتى،

منّا المؤمن ومنّا الكافر.

قال سعيد بن جبير : ألواناً شتى. الحسن : قدداً مختلفين،

الأخفش : ضروباً،

أبو عبيدة : أصنافاً،

المؤرّخ : أجناساً،

النضر : مللا،

ابن كيسان : شيعاً وفرقاً لكلّ فرقة هوى كأهواء الناس،

وقال الفراء : تقول العرب : هؤلاء طريقة قومهم أي ساداتهم ورؤساؤهم،

المسيّب : كنّا مسلمين ويهوداً ونصارى.

أخبرني ابن فنجويه،

قال : حدّثنا محمد بن عمرو بن الخطاب،

قال : حدّثنا الحسن بن محمد بن نحتويه،

قال : حدّثنا أبو الحسن محمد بن إبراهيم الصوري بأنطاكية،

قال : حدّثنا محمد بن المتوكل بن أبي السراي،

قال : حدّثنا المطلب بن زياد،

قال : سمعت السدي يقول في قول اللّه سبحانه : {كُنَّا طَرَآقَ قِدَدًا} ،

قال : الجن مثلكم فيهم قدرية ومرجئة ورافضة وشيعة.

واحد القدد : قدة،

وهي الفرقة وأصلها من القدّ وهو القطع. قال لبيد يرثي أخاه أربد :

لم تبلغ العين كل نهمتها

ليلة تمشي الجياد كالقدد

وقال آخر :

ولقد قلت وزيد جاسر

يوم ولّت خيل عمرو قددا

١٢

{وَأَنَّا ظَنَنَّآ} علمنا {أَن لَّن نُّعْجِزَ اللّه فِى الأرض} إن أراد بنا أمراً {وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا} إن طلبنا

١٣

{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى ءَامَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ} قرأه العامّة بالألف،

وقرأ الأعمش فلا يخفف بالجزم {بَخْسًا} نقصاً {وَلا رَهَقًا} ظلماً،

يقول : لا يخاف أن ينقص من حسناته،

ولا أن يزداد في سيّئاته،

ولا أن يؤخذ بذنب غيره،

ولا أن يعاقب بغير جرم،

وقيل : رهقاً : مكروهاً يغشاه،

وقيل : ذهاب كله نظيره قوله سبحانه وتعالى : {فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} .

١٤

{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} الجائرون العادلون عن الحق. يقال : أقسط الرجل فهو مقسط إذا عدل،

قال اللّه سبحانه : {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللّه يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ،

وقسط يقسط قسوطاً إذا جاد. قال الشاعر :

قوم هم قتلوا ابن هند عنوة

عمراً وهم قسطوا على النعمان

وأنشد ابن زيد :

قسطنا على الأملاك في عهد تبّع

ومن قبل ما أدرى النفوس عقابها

ونظيره في الكلام المترب : الفقير،

والمترب : الغني.

{فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَاكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} أي قصدوا وأعدّوا وتوخّوا ومنه بتحرّى القبلة لمن عميت عليه. وقال امرؤ القيس :

ديمة هطلاء فيها وطف

طبق الأرض تحرّى وتدر

١٥

{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} .

١٦

{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا} قراءة العامة لو : بكسر الواو. وقرأ الأعمش : لو استقاموا بضم الواو.

{عَلَى الطَّرِيقَةِ} اختلف المفسرون في تأويلها،

فقال قوم : معناها وأن لو استقاموا على طريقة الحقّ والإيمان والهدى وكانوا مؤمنين مطيعين. {سْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقًا} ،

قال عمر ح في هذه الآية : أينما كان الماء كان المال،

وأينما كان المال كانت الفتنة،

يعني أعطيناهم مالا كثيراً وعيشاً رغيداً ووسعنا عليهم في الرزق وبسطنا لهم في الدنيا

١٧

{لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لنختبرهم كيف شكرهم فيما خوّلوا وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء بن رياح والضحاك وقتادة وعبيد بن عمير وعطية ومقاتل والحسن،

قال : كان واللّه أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) سامعين للّه مطيعين فتحت عليهم كنوز كسرى وقيصر،

ففتنوا بها فوثبوا بإمامهم فقتلوه يعني عثمان بن عفان.

ودليل هذا التأويل قوله سبحانه وتعالى : {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التوراة والإنجيل وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ كَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} وقوله سبحانه : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ والأرض} وقوله تعالى : {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياةً طَيِّبَةً} وقوله تعالى : {فقلت استغفروا ربكم إنّه كان غفّاراً يرسل السماء عليكم مدراراً} الآيات.

وقال آخرون : معناها وأن لو استقاموا على طريقة الكفر والضلالة وكانوا كفّاراً كلهم لأعطيناهم مالا كثيراً ولوسّعنا عليهم لنفتنهم فيه عقوبة لهم واستدراجاً،

حتّى يفتنوا فيعذبهم. وهذا قول الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي والثمالي ويمان بن رباب وابن كيسان وابن مجلد،

ودليل هذا التأويل قوله سبحانه : {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَىْءٍ}

وقوله سبحانه وتعالى : {وَلَوْ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن} . وقوله سبحانه : {وَلَوْ بَسَطَ اللّه الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِى الأرض} .

وقوله سبحانه وتعالى : {كلاّ إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى}.

{وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ} قرأ أهل الكوفة ويعقوب وأيوب بالياء وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد. وقرأ مسلم بن جندب : نُسلكه بضم النون وكسر اللام. وقرأ الآخرون بفتح النون وضم اللام وهما لغتان سلك واسلك بمعنى واحد أي يدخله.

{عَذَابًا صَعَدًا} قال ابن عباس : شاقاً. السدي : مشقة. قتادة : لا راحة فيه. مقاتل : لا فرج فيه. الحسن : لا يزداد إلاّ شدّة.

ابن زيد : متعباً. والأصل فيه أن الصعود يشقّ على الإنسان،

ومنه قول عمر : ما تصعدني شيء ما تصعد في خطبة النكاح،

أي ما شقّ عليّ. وقال عكرمة : هو جبل في النار. وقال الكلبي : يكلّف الوليد بن المغيرة أن يصعد في النار جبلا من صخرة ملساء حتّى يبلغ أعلاها يجذب من أمامه بالسلاسل،

ويضرب بمقامع الحديد حتّى يبلغ أعلاها ولا يبلغه في أربعين سنة،

فإذا بلغ أعلاها أجر إلى أسفلها،

ثمّ يكلف أيضاً صعودها فذلك دأبه أبداً،

وهو قوله : {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} .

١٨

{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للّه} قال سعيد بن جبير : قالت الجن لنبي اللّه كيف لنا أن نأتي المسجد ونشهد معك الصلاة ونحن ناؤون عنك؟

فنزلت : وأن المساجد للّه {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّه أَحَدًا} . قال قتادة : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا باللّه،

فأمر اللّه سبحانه نبيه (صلى اللّه عليه وسلم) والمؤمنين أن يخلصوا له الدعوة إذا دخلوا المساجد،

وأراد بها المساجد كلّها.

وقال الحسن : أراد بها البقاع كلها وذلك،

أن الأرض جعلت للنبي (صلى اللّه عليه وسلم) مسجداً،

وكان المسلمون بعد نزول هذه الآية إذا دخل أحدهم المسجد قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه والسلام على رسول اللّه.

وقال سعيد بن جبير وطلق بن حبيب : أراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها العبد وهي سبعة : القدمان والركبتان واليدان والوجه. وسمعت محمد بن الحسن السلمي يقول : سمعت منصور بن عبد اللّه يقول : سمعت أبو القيّم البزاز يقول : قال ابن عطاء : مساجدك أعضاؤك التي أمرت أن تسجد عليها لا تذللّها لغير خالقها.

وأخبرنا أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن زكريا غير مرة،

قال : أخبرنا ابن الشرقي،

قال : حدّثنا حمدان السلمي،

قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل ومعلّى بن أسيد ومسلم بن إبراهيم،

قالوا : حدّثنا وهيب،

قال : حدّثنا ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس،

قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أُمرتُ أن أسجد على سبعة : أعظم الجبهة وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين،

وأن لا أكف شعراً ولا ثوباً).

وأخبرنا أبو بكر الجوزقي،

قال : أخبرنا عمرو بن عبد اللّه البصري،

قال : حدّثنا أحمد بن سلمة،

قال : حدّثنا قتيبة بن سعيد،

قال : حدّثنا بكر بن مضر عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن العباس بن عبد المطلب،

أنه سمع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (إذا سجد العبد سجد معه سبعة) فإن جعلت المساجد المواضع فواحدها مسجد بكسر الجيم،

وإن جعلت الأعضاء فواحدها مسجَد بفتح الجيم. وقال الحسن : {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للّه} يعني الصلوات فلا تدعوا مع اللّه أحداً أي أفردوا له التوحيد وأخلصوا له العبادة. وقيل : معناه فردّوها لذكر اللّه وعبادته فلا تتخذوها متجراً ولا مجلساً ولا طرقاً ولا تجعلوا فيها لغير اللّه نصيباً.

١٩

{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللّه} يعني : محمداً (صلى اللّه عليه وسلم) {يَدْعُوهُ} يقول : لا إله إلاّ اللّه ويدعوا إليه ويقرأ القرآن {كَادُوا} يعني : الجن {يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} أي يركبون بعضهم بعضاً،

ويزدحمون ويسقطون حرصاً منهم على استماع القرآن. قاله الضحاك ورواه عطية عن ابن عباس.

سعيد بن جبير عنه : هذا من قول النفر من الجن لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) له واهتمامهم به في الركوع والسجود واقتدائهم به في الصلاة.

وقال الحسن وقتادة وابن زيد : يعني لما قام عبد اللّه بالدعوة تلبّدت الجن والإنس،

وتظاهروا عليه ليبطلوا الحقّ الذي جاءهم به،

ويطفئوا نور اللّه فأبى اللّه إلاّ أن يتم هذا الأمر وينصره ويظهره على من ناواه.

وأصل اللبد : الجماعات بعضها فوق بعض،

ومنه قيل للجراد الكبير : لبدٌ،

وتلبد الشعر إذا تراكم. ومنه سمي اللبد لبداً،

كما ويقال للشعر على الأسد : لبدة وجمعها لبدٌ،

قال زهير :

لدى أسد شاك السلاح خبان

له لبد أظفاره لم تُقلّم

وفيه أربع لغات : لِبَدٌ بكسر اللام وفتح الباء و (هي) قراءة العامة واختيار أبي عبيدة وأبي حاتم واحدتها لِبدة بكسر اللام،

ولُبد بضم اللام وفتح الباء وهي قراءة مجاهد وابن محيص وواحدتها لبدة بضم اللام،

ولُبُد بضم اللام والباء وهي قراءة أبي حيوة واحدتها لبيد،

ولُبّد بضم اللام وتشديد الباء وهي قراءة الحسن وأبي جعفر وواحدها لابد مثل راكع رُكع وساجد وسُجد.

٢٠

{قُلْ} يعني رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وبه قرأ أكثر القرّاء،

وقرأ أبو جعفر والأعمش وعاصم وحمزة {قُلْ} على الأمر

٢١-٢٢

{إنّما أدعوا ربّي ولا أُشرك به أحداً قل إنّي لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً قل إنّي لن يجيرني من اللّه أحد ولن أجد من دونه ملتحداً} أي ملجأ أميل إليه وقال قتادة : نصراً. الكلبي : مدخلا في الأرض مثل السرب،

السدي : جرزاً.

قال مقاتل : قال كفار قريش للنبي (صلى اللّه عليه وسلم) إنّك أتيت بأمر عظيم لم يسمع بمثله،

وقد عاديت الناس كلهم فارجع عن هذا الأمر،

فنحن نجزيك،

فأنزل اللّه سبحانه هذه الآيات. وفي قراءة أُبي عنّا (ولا رشداً).

٢٣

{إِلا بَلَاغًا مِّنَ اللّه وَرِسَالَاتِهِ} فإن فيه الحوار والأمن والنجاة قاله الحسن.

وقال قتادة : إلاّ بلاغاً من اللّه فذلك الذي أملكه بعون اللّه وتوفيقه،

فإمّا الكفر والإيمان فلا أملكهما.

وقيل : لا أملك لكم ضراً ولا رشداً لكن أبلغ بلاغاً من اللّه،

إنّما أنا مرسل ومبلّغ لا أملك إلاّ ما ملكت.

{وَمَن يَعْصِ اللّه وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا }

٢٤

{حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ} يعني العذاب.

{فسيعلمون مَنْ أضعف ناصراً وأقلّ عدداً }

٢٥

{قل إن أدري أقريب ما تُوعدون} يعني العذاب وقيل : القيامة {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّى أَمَدًا} أجلا وغاية تطول مدتها

٢٦

{عَالِمُ الْغَيْبِ} رفع على نعت قوله ربّي،

وقيل : هو عالم الغيب. {فَلا يُظْهِرُ} يُطلع

٢٧

{على غيبه أحداً إلاّ مَنْ ارتضى} اصطفى {مِن رَّسُولٍ} فإنه يصطفيه ويُطلعه على ما يشاء من الغيب. {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} ذكر بعض الجهات دلالة على جميعها {رَّصَدًا} حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين واستماع الجن ليلا يسترقوه فيلقوه إلى كهنتهم.

قال سعيد بن المسيب : {رَّصَدًا} أربعة من الملائكة حفظة. قال مقاتل وغيره : كان اللّه إذا بعث رسولا أتاه إبليس في صورة جبرائيل يخبره،

فبعث اللّه من بين يديه ومن خلفه رصداً من الملائكة يحرسونه ويطردون الشيطان،

فإذا جاءه شيطان في صورة ملك،

قالوا : هذا شيطان فاحذر،

وإذا جاءه ملك،

قالوا : هذا رسول ربّك.

٢٨

{لِّيَعْلَمَ} قرأ ابن عباس ويعقوب بضم الياء،

أي ليعلم الناس أن الرسل قد بلّغوا،

وقرأ الآخرون بفتح الياء أي ليعلم الرسول أن الملائكة {أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} عندهم {وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَدَا} فلم يخفَ عليه شيئاً ونصب عدداً على الحال وإن شئت على المصدر أي عد عدداً.

﴿ ٠