سورة المطففينمدنية، وهي ست وثلاثون آية، ومائة وتسعوستون كلمة، وسبع مائة وثلاثون حرفاً أخبرنا كامل بن أحمد المفيد قال : أخبرنا محمد بن مطر العدل قال : حدّثنا ابن إبراهيم بن شريك الأسدي قال : حدّثنا أحمد بن يونس اليربوعي قال : حدّثنا سلام بن سليم قال : حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامه عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ سورة المطفّفين سقاه اللّه سبحانه من الرحيق المختوم يوم القيامة). بسم اللّه الرحمن الرحيم ١{وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} يعني الذين ينقصون الناس ويبخسون حقوقهم في الكيل والوزن، وأصله من الشيء الطفيف وهو النزر القليل، وإناءٌ طفاف إذا لم يكن ملآن، ومنه قيل للقوم الذين يكونون سواء في حسبة أو عدد : هم كطف الصاع، يعني ذلك : كقرب الملء منه ناقص عن الملء. ٢{الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا} أخذوا {عَلَى النَّاسِ} أي منهم، وعلى ومن تتعاقبان في هذا الموضع {يَسْتَوْفُونَ} حقوقهم منه ٣{وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ} أي كالوا لهم أو وزنوا لهم، يقال : وزنتك حقّك، وكِلْتك طعامك بمعنى وزنت لك وكلت لك، قال الفراء : وهي لغة أهل الحجاز ومَنْ جاوزهم من (......) قال : وسمعتُ أعرابية تقول : إذا صدر الناس أتينا التاجر فيكيلنا المد والمدين إلى الموسم المقبل. قال أبو عبيد : وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين حرفين ويقف على : كالوا ووزنوا، ثمّ يبتدئ فيقول : هم يخسرون، قال : وأحسب قراءة حمزة أيضاً كذلك، قال أبو عبيد : والأختيار أن يكون كلمة واحدة من جهتين : إحداهما : الخط، وذلك أنهم كتبوها بغير ألف، ولو كانتا مقطوعتين لكانتا كالوا ووزنوا بالألف على ما كتبوا الأفعال كلّها مثل : فاءوا وجاءوا (...) المصاحف إلاّ على إسقاطها. والجهة الأُخرى : أنه يقال : كلتك ووزنتك بمعنى كلتُ لك ووزنت لك، وهو كلام عربي كما يقال : صدتك وصدت لك وكسبتك وكسبت لك ومثله كثير. {يُخْسِرُونَ} ينقصون. حدّثنا أبو محمد المخلدي قال : أخبرنا ابن الشرقي قال : حدّثنا عبدالرحمن بن بشر قال : حدّثنا علي بن الحسين بن واقد، قال : حدّثني أبي قال : حدّثني يزيد النحوي أن عكرمة حدّثه عن ابن عباس قال : لما قدم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً، فأنزل اللّه سبحانه {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} فأحسنوا الكيل. وقال القرطبي : كان بالمدينة تجارٌ يُطفّفون وكانت بياعتهم كشبه القِمار والمنابذة والملامسة والمخاطرة فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية. فخرج رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إلى السوق وقرأها عليهم، وقال السدي : قدم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) المدينة وبها رجل يقال له أبو جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية. وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا بن يوسف قال : حدّثنا ابن عمران قال : حدّثنا أبو الدرداء، عبدالعزيز (بن منيب) قال : حدّثنا إسحاق بن عبداللّه بن كيسان عن أبيه عن الضحاك ومجاهد وطاووس عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (خمس لخمس) قالوا : يا رسول اللّه وما خمس لخمس؟ قال : (ما نقض قوم العهد إلاّ سلّط عليهم عدوّهم، وما حكموا بغير ما أنزل اللّه إلاّ فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلاّ فشا فيهم الموت، ولا طفّفوا الكيل إلاّ منعوا النبات وإخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلاّ حبس عنهم القطر). وأخبرني بن فنجويه قال : حدّثنا ابن ماجة قال : حدّثنا ابن أيوب قال : حدّثنا القصواني قال : حدّثنا سنان بن حاتم قال : حدّثنا حفص قال : حدّثنا مالك بن دينار قال : دخلتُ على جار لي وقد نزل به الموت فجعل يقول : جبلين من نار جبلين من نار، قال : قلت : ما تقول أتهجر؟ قال : يا أبا يحيى كان لي مكيالان، كنت أكيل بأحدهما وأكتال بالآخر، قال : فقمت فجعلت أضرب أحدهما بالآخر فقال : يا أبا يحيى كلما ضربت أحدهما بالآخر إزداد عظماً فمات في وجعه. وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا بن صقلان قال : حدّثنا محمد بن محمد بن النفاخ الباهلي قال : حدّثنا بركة بن محمد الحلبي عن عثمان بن عبدالرحمن عن النضر بن عدي قال : سمعتُ عكرمة يقول : أشهد على كلّ كيّال أو وزّان أنّه في النار، قيل له : إنّ ابنك كيال أو وزان، قال : أنا أشهد أنه في النار. وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا الفضل بن الفضل قال : حدّثني عبداللّه بن زكريا القاضي قال : حدّثنا العباس بن عبداللّه بن أحمد قال : حدّثنا المبرد قال : حدّثنا الرياسي عن الأصمعي قال : قال لي إعرابي : لا تلتمس الحوائج ممن مروءته في رؤس المكاييل والسن الموازين، وروى عبد خير أن عليّاً مرّ على رجل وهو يزن الزعفران وقد أرجح، فكفا الميزان، ثم قال : أقم الوزن بالقسط، ثم أرجح بعد ذلك ما شئت، وقال نافع كان ابن عمر يمرّ بالبائع فيقول : اتّقِ اللّه وأوفِ الكيل والوزن، فإن المطفّفين يوقفون يوم القيامة حتى أن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم. ٤-٦{أَلا يَظُنُّ} يستيقن {أولئك أنّهم مبعثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين} أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن مالك قال : حدّثنا ابن حنبل قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا وكيع عن هشام صاحب (الدستواني) عن القمر بن أبي (ابزى) قال : حدّثني من سمع ابن عمر قرأ {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} فلما بلغ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} بكى حتى خرّوا وامتنع من قراءة ما بعده. ٧{كَلا} قال الحسن : حقاً {إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ} الذي كتب فيه أعمالهم {لَفِى سِجِّينٍ} قال عبداللّه بن عمر ومغيث بن سمي وقتاده ومجاهد والضحاك وابن زيد : هي الأرض السابعة السفلى فيها أرواح الكفّار وأعمالهم، يدلّ عليه ما أخبرنا الحسين قال : حدّثنا موسى قال : حدّثنا ابن علوية قال : حدّثنا إسماعيل قال : حدّثنا المسيّب قال : حدّثنا الأعمش عن المنهال عن زادان عن البرك قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (سجين أسفل سبع أرضين) : وأخبرني أبو عبداللّه الفنجوي قال : حدّثنا أبو علي المقريء قال : حدّثنا أبو (القاسم بن) الفضل قال : حدّثنا محمد بن حميد قال : حدّثنا يعقوب بن عبداللّه الأشعري قال : حدّثنا حفص ابن حميد عن سمر بن عطية قال : جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال : أخبرني عن قول اللّه سبحانه وتعالى : {إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ} فقال : إنّ روح الفاجر يُصعد بها إلى السماء فتأبى السماء أن تقبلها ثم يهبط بها إلى الأرض فتأبى الأرض أن تقبلها فيُهبط تحت سبع أرضين حتى ينتهي بها إلى سجّين، وهي حدّ إبليس، فيخرج لها من سجين من تحت حدّ إبليس رق فيرقم ويختم ويوضع تحت حدّ إبليس بمعرفتها الهلاك بحساب يوم القيامة، وإليه ذهب سعيد بن جبير قال : سجّين تحت حدّ إبليس، وقال عطاء الخراساني : هي الأرض السُفلى وفيها إبليس وذريته. وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا الفضل قال : حدّثنا عبدالرحمن بن أبي حاتم قال : قراءتي على يونس بن عبدالأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : وحدّثني عمارة بن عيسى عن يونس بن يزيد عمّن حدّثه عن ابن عباس أنه قال لكعب الأحبار : أخبرني عن سجّين وعليّين، فقال كعب : والذي نفسي بيده لأأخبرنّك عنها إلاّ بما أجدُ في كتاب اللّه المنزل، أما سجّين فإنّها شجرة سوداء تحت الأرضين السبع مكتوب فيها كلّ اسم شيطان، فإذا قبضت نفس الكافر عرج بها إلى السماء فغلقت أبواب السماء دونها، ثم رمى بها إلى سجين فذلك سجين، وأما عليّيون فإنّه إذا قُبضت نفس المسلم عرج بها إلى السماء وفتحت لها أبواب السماء حتى تنتهي إلى العرش، قال : فيخرج كفّ من العرش فيكتبُ له نُزله وكرامته فذلك عليّون. وقال الكلبي : هي صخرة تحت الأرض السابعة السفلى خضراء خضرة السموات منها، يجعل كتاب الفجار تحتها، وقال وهب : هي آخر سلطان إبليس. وأخبرني عقيل : إن المعافى أخبرهم عن ابن جرير قال : حدّثني إسحاق بن وهب الواسطي قال : حدّثنا مسعود بن موسى بن مشكان قال : حدّثنا نصر بن خزيمة عن شعيب بن صفوان عن القرطي عن أبي هريرة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال. (الفلق جبّ في جهنم مغطّى وأما سجين جبّ في جهنم مفتوح). وأخبرنا أبو القمر الصفار قال : أخبرنا حاجب بن أحمد قال : حدّثنا محمد بن حماد قال : حدّثنا يحيى بن سليم الطائفي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول اللّه سبحانه : {إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ} قال : سجّين صخرة تحت الأرض السابعة تقلب فيجعل كتاب الفجّار تحتها، وقال عكرمة : أي لفي خسار وضلال، والمعنى أنه أراد بطلان أعمالهم وذهابها بلا محمده ولا ثواب وهذا سائغ مستفيض في كلام الناس، يقولون لمن خمل ذكره وسقط قدره قد لزق بالحضيض، وقال الأخفش : لفي حبس ضيق شديد، وهو فعّيل من السجّن كما يقال فسّيق وشرّيب قال ابن مقبل : ورفقه يضربون البيّض ضاحيّة ضرباً تواصت به الأبطال سّجيناً ٨{وَمَآ أَدْرَ اكَ} يا محمد {مَا سِجِّينٌ} أي ذلك الكتاب الذي في السجّين ثم منّ فقال : ٩{كِتَابَ} أي هو كتاب {مَّرْقُومٌ} مكتوب مثبت عليهم كالرقم في الثوب لا ينسى ولا يمحى حتى يجازوا به وقال قتادة : رُقم لهم بشرّ وقيل : مختوم بلغة حمير. ١٠-١٣{ويل يومئذ للمكذّبين الذين يكذّبون بيوم الدين وما يكذّب به إلاّ كلُ مُعتد أثيم إذا تتلى عليه آياتنا} قراءة العامة تتلى، وقرأ أبو حيان بالياء لتقديم الفعل. ١٤{قال أساطير الأوّلين كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} أخبرنا الحسين قال : حدّثنا الفضل قال : حدّثنا أبو الحسن أحمد بن مكرم التربي ببغداد قال : حدّثنا علي المكرمي قال : حدّثنا الوليد بن مسلم قال : سمعت محمد بن عجلان يقول : حدّثني القعقاع بن حكم أن أبا صالح السمّان قال أن أبا هريرة حدّثه أنّه سمع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (إنّ العبد إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب صُقل قلبه وإن عاد زادت حتى يسوّد قلبه) قال : فذلك قوله سبحانه {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وكذا قال المفسرون : هو الذنب على الذنب حتى يسوّد القلب، وقال حذيفة بن اليمّان : القلب مثل الكفّ فإذا أذنب العبد انقبض وقبض أصبعاً من أصابعه ثم إذا أذنب انقبض وقبض إصبعاً أخرى، ثم إذا أذنب انقبض وقبض أصابعه ثم يطبع عليه فكانوا يرون أنّ ذلك هو الرين، ثمّ قرأ هذه الآية. وقال بكر بن عبداللّه : إنّ العبد إذا أصاب الذنب صار في قلبه كوخزة الإبرة ثمّ إذا أذنب ثانياً صار كذلك فإذا كثرت الذنوب صار القلبُ كالمنخل أو كالغربال، وقال الحسن : هو الذنب على الذنب حتى لعله يصديء القلب، وقال ابن عباس : طبع عليها، عطا : غشيت على قلوبهم فهوت بها فلا يفزعون ولا يتحاشون، وقيل : قلبها فجعل أسفلها أعلاها، نظيره قوله سبحانه {وَنُقَلِّبُ أَفْدَتَهُمْ} وأصل الرين الغلبة، يقال : رانت الخمر على عقله إذا غلبت عليه فسكر، وقال أبو زبيد الطائي : ثم إذا رآه رانت به الخم ر وأن لا يرينه باتّقاء وقال الراجّز : لم نرو حتى هجّرت ورين بي ورين بالسّاقي الذي أمسّى معي معنى الآية غلب على قلوبهم وأحاطت بها حتى غمرتها وغشيتها. {قال أساطير الأوّلين كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} أخبرنا الحسين قال : حدّثنا الفضل قال : حدّثنا أبو الحسن أحمد بن مكرم التربي ببغداد قال : حدّثنا علي المكرمي قال : حدّثنا الوليد بن مسلم قال : سمعت محمد بن عجلان يقول : حدّثني القعقاع بن حكم أن أبا صالح السمّان قال أن أبا هريرة حدّثه أنّه سمع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (إنّ العبد إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب صُقل قلبه وإن عاد زادت حتى يسوّد قلبه) قال : فذلك قوله سبحانه {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وكذا قال المفسرون : هو الذنب على الذنب حتى يسوّد القلب، وقال حذيفة بن اليمّان : القلب مثل الكفّ فإذا أذنب العبد انقبض وقبض أصبعاً من أصابعه ثم إذا أذنب انقبض وقبض إصبعاً أخرى، ثم إذا أذنب انقبض وقبض أصابعه ثم يطبع عليه فكانوا يرون أنّ ذلك هو الرين، ثمّ قرأ هذه الآية. وقال بكر بن عبداللّه : إنّ العبد إذا أصاب الذنب صار في قلبه كوخزة الإبرة ثمّ إذا أذنب ثانياً صار كذلك فإذا كثرت الذنوب صار القلبُ كالمنخل أو كالغربال، وقال الحسن : هو الذنب على الذنب حتى لعله يصديء القلب، وقال ابن عباس : طبع عليها، عطا : غشيت على قلوبهم فهوت بها فلا يفزعون ولا يتحاشون، وقيل : قلبها فجعل أسفلها أعلاها، نظيره قوله سبحانه {وَنُقَلِّبُ أَفْدَتَهُمْ} وأصل الرين الغلبة، يقال : رانت الخمر على عقله إذا غلبت عليه فسكر، وقال أبو زبيد الطائي : ثم إذا رآه رانت به الخم ر وأن لا يرينه باتّقاء وقال الراجّز : لم نرو حتى هجّرت ورين بي ورين بالسّاقي الذي أمسّى معي معنى الآية غلب على قلوبهم وأحاطت بها حتى غمرتها وغشيتها. ١٥{كَلا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} قال بعضهم : من كرامته ورحمته ممنوعون، وقال قتادة : هو أن لا ينظر إليهم ولا يزكيهم، وقال أكثر المفسرين : عن رؤيته، قال الحسين بن الفضل : كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته. أخبرنا الحسن بن محمد بن جعفر قال : حدّثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هاني قال : حدّثنا الحسين بن الفضل قال : حدّثنا عفان بن مسلم الصفار عن الربيع بن صبيح وعبدالواحد بن زيد قالا : قال الحسن : لو علم الزاهدون والعابدون أنهم لا يرون ربّهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدنيا، وقال يحيى بن سليمان : بن نضلة : يُسئل مالك بن أنس عن هذه الآية قال : لها حجب أعداءه فلم يروه تجلّى لأوليائه حتى رآوه، وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد يقول : سمعت أبا علي الحسن بن أحمد (الشبوي) بها يقول : سمعت أبا نعيم عبدالملك بن محمد بن عدي يقول : سمعت الربيع بن سليمان يقول : كنت ذات يوم عند الشافعي ح وجاءه كتاب من الصعيد يسألونه عن قول اللّه سبحانه : {كَلا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يومئذ لَّمَحْجُوبُونَ} فكتب فيه : لما حجب قوماً بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضا، فقلت له : أوتدين بهذا يا سيدي؟ فقال : واللّه لو لم يوقن محمد بن إدريس أن يرى ربّه في المعاد لما عبده في الدنيا. ١٦{ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ} لداخلوا النار ١٧-١٨{ثم يقال هذا الذي كنت به تكذبون كلاّ إن كتاب الأبرار لفي عليين} أخبرني الحسين قال : حدّثنا موسى قال : حدّثنا ابن علوية قال : حدّثنا إسماعيل قال : حدّثنا المسيّب عن الأعمش عن النهال عن زادان عن البراء بن عازب عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (عليين في السماء السابعة تحت العرش) وقال ابن عباس هو لوح من زبزجدة خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيها، وقال كعب وقتادة : هو قائمة العرش اليمنى، مقاتل : ساق العرش، علي ابن أبي طلحة وعطاء عن ابن عباس : هو الجنة، عطية عنه : أعمالهم في كتاب اللّه في السماء، الضحاك : سدرة المنتهى، وقال أهل المعاني : علو بعد علو وشرف بعد شرف، ولذلك جمعت بالياء والنون لجمع الرجال إذا لم يكن له نبأ من واحد ولا ثانية، قال الفراء : هو اسم موضوع على صفة الجمع لا واحد له من لفظه كقولك عشرين وثلاثين، وقال يونس النحوي : واحدها عليّ وعليّه. وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا بن حمدان قال : حدّثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق الملحمي قال : حدّثنا محمد بن يونس قال : حدّثنا عفان قال : حدّثنا حماد بن سلمة عن عصام ابن يهدله عن خيثمة عن عبداللّه بن عمرو في قوله سبحانه : {كَلا إِنَّ كِتَابَ الأبرار لَفِى عِلِّيِّينَ} قال : إنّ أهل عليين لينظرون إلى أهل الجنة من كذا فإذا أشرف رجل أشرقت الجنة وقالوا : قد طلع علينا رجل من أهل عليين. ١٩-٢٠{وما أدرااك ما عليّون كتاب مرقوم} رقم له بخير وفي الآية تقديم وتأخير، مجازها : إنّ كتاب الأبرار مرقوم في عليين وهي محل الملائكة، ومثله إن كتاب الفجّار كتاب مرقوم وهي سجين، وهي محل إبليس وجنوده. ٢١{يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} الملائكة ٢٢-٢٣{إنّ الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون} أي ما أعطاهم اللّه تعالى من الكرامة والنعمة، الأرائك : كلّ ما يتكيء عليه، وقيل : السرير في الحجلة، وقال مقاتل : ينظرون إلى (أعدائهم) كيف يعذّبون، وقال ابن عطاء : على أرائك المعرفة ينظرون إلى المعروف وعلى أرائك القربة ينظرون إلى الرؤوف. ٢٤{تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} أي عصارته وبريقه ونوره يقال أنضر النبات إذا أزهر ونوّر، وقراءة العامة {تَعْرِفُ} بفتح التاء وكسر الراء {نَضْرَةَ} نصب، وقرأ أبو جعفر ويعقوب بضم التاء وفتح الراء على غير تسمية الفاعل. ٢٥{يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ} خمر صافية طيبة وقيل : هي الخمر العتيقة، مقاتل : الخمر البيضاء. قال حسان : يسقون من ورّد البريص عليهم بردا يُصفّق بالرحيق السَلسَل وقال آخر : أم لا سبيل إلى الشباب وذكره أشهى إليّ من الرحيق السلسل {مَّخْتُومٍ} ختمت ومُنعت عن أن يمسها ماس أو تنالها يد إلى أن يفكّ خَتْمها الأبرار يوم القيامة، وقال مجاهد : مطيّن. ٢٦{خِتَامُهُ} طينة {مِسْكٌ} قال ابن زيد : ختامه عند اللّه سبحانه : مسّك وختامها اليوم في الدنيا طين، وقال ابن مسعود : مختوم ممزوج، ختامه خلطو مسك، وقال علقمة : طعمه وريحه مسك، وقال الآخرون : عاقبته وآخر طعمه مسك، قال قتادة : يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك، وروى عبدالرحمن بن سابط عن أبي الدرداء في قوله سبحانه {خِتَامُهُ مِسْكٌ} قال : شراب أبيض مثل الفضة يختمون به شرابهم ولو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل إصبعه فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلاّ وجد طيبها. وختم كلّ شيء الفراغ منه، ومنه ختم القرآن، والأعمال بخواتيمها، وقراءة العامة (ختامه) بتقديم التاء وقرأ الكسائي (خاتمه) وهي قراءة علي وعلقمة. أخبرنا محمد بن عبدوس قال : حدّثنا محمد بن يعقوب قال : أخبرنا محمد بن الجهم قال : أخبرنا يحيى بن زرارة الفراء قال : حدّثني محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبي عبدالرحمن أنه قرأ خاتمه مسك. وباسناده عن الفراء قال : حدّثني أبو الأحوص عن أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي قال : قرأ علقمة بن قيس (خاتمه مسك) وقال : أما رأيت المرأة تقول للعطار : اجعل لي خاتمه مسكاً، تريد آخره، والخاتم والختام واحد كما يقال للرجل الكريم : الطابع والطباع، وقال الفرزدق : فبتن بجانبي مصّرعات وبتّ أفضُ أغلاق الختام {وَفِى ذلك فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة اللّه، وقال مجاهد فليعمل العاملون، نظيره قوله سبحانه : {لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} ، مقاتل بن سليمان : فليتنازع المتنازعون، ابن حيان : فليتسارع المتسارعون، عطا : فليستبق المتسابقون، زيد بن أسلم : فليتشاح المتشاحون، ابن جرير : فليجدوا في طلبه وليحرصوا عليه، وأصله من الشيء النفيس، وهو الذي تحرص عليه نفوس الناس، ويطلبه ويتمناه ويريده كل واحد منهم لنفسه وينفس به على غيره أي يضنُ. ٢٧{وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ} شراب ينصب عليه من علو، ومنه سنام البعير وتسنيم القبور قال الضحاك : هو شراب اسمه تسنيم وهو أشرف الشراب، مقاتل : يسمى تسنيماً؛ لأنه يتسنّم فيصب عليه انصباباً من فوقهم في غرفهم ومنازلهم تجري من جنّة عدن إلى أهل الجنان، قال ابن مسعود وابن عباس : هو خالص للمقربين يشربونها صرفاً ويمزج لساير أهل الجنة. وأخبرنا عبداللّه بن حامد في آخرين قالوا : أخبرنا مكيّ قال : حدّثنا عمار بن رجاء قال : حدّثنا سويد بن عمرو الكلبي قال : حدّثنا حماد بن سملة عن علي بن زيد عن يونس بن مهران عن ابن عباس {وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ} قال : هذا مما قال اللّه سبحانه : {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} ، وعن بعضهم : أنها عين تجري في الهواء متسنماً فتصب في أواني أهل الجنّة على مقدار ملئها، فإذا امتلأت أمسك الماء حتى لا يقع منه قطرة على الأرض فلا يحتاجون إلى الأستقاء وهو معنى قول قتادة، وأصل الكلمة مأخوذ من علوّ المكان والمكانة، فيقال للشيء المرتفع : سنام، وللرجل الشريف : سنام وهو إسم معرفة مثل التنعيم وهو اسم جبل. ٢٨{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا} أي منها، وقيل يشربها {الْمُقَرَّبُونَ} قال الحريري والواسطي : يشرب بها المقرّبون صرفاً على بساط القرب في مجلس الأُنس ورياض القُدس بكأس الرضا على مشاهدة الحقّ سبحانه وتعالى. ٢٩{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} اشركوا أبا جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأصحابهم من مترفي مكّة {كانوامن الذين} عمّار وخبّاب وصهيب وبلال وأصحابهم من فقراء المؤمنين. {يَضْحَكُونَ} وبهم يستهزؤون ومن إسلامهم يتعجبون. وقال مقاتل والكلبي : نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وذلك أنه جاء في نفر من المسلمين إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا : رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه فأنزل اللّه سبحانه وتعالى هذه الآيات قبل أن يصل عليّ وأصحابه إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (). ٣٠{وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} يغمز بعضاً ويشيرون بالأعين ٣١-٣٢{وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين وإذا رأوهم قالوا إنّ هؤلاء لضالون} حين يأتون محمد يرون أنهم على شيء ٣٣{وَمَآ أُرْسِلُوا} يعني المشركين {عَلَيْهِمْ} يعني على المؤمنين {حَافِظِينَ} لأعمالهم موكلين بأحوالهم. ٣٤{فَالْيَوْمَ} يعني يوم القيامة {الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} كما ضحك الكفار منهم في الدنيا وذلك أنّه يفتح للكفار باب إلى الجنة فيقال لهم أخرجوا إليها فإذا وصلوا إليه أغلق دونهم يفعل بهم ذلك مراراً ويضحك المؤمنون منهم وهم ٣٥{عَلَى ارَآكِ} من الدر والياقوت {يَنظُرُونَ} إليهم كيف يعذبون، قال كعب : بين الجنة والنار كوىً فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو له كان في الدنيا اطلّع من بعض تلك الكوى، دليله قوله سبحانه {فَاطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ الْجَحِيمِ} ٣٦{هَلْ ثُوِّبَ} جوزي {الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ثوّب وأثاب بمعنى واحد. |
﴿ ٠ ﴾