سورة الفجرمكّية، وهي خمسمائة وسبعة وتسعون حرفاًومائة وتسع وثلاثون كلمة، وثلاثون آية. أخبرني نافل بن راقم بن أحمد البابي قال : حدّثنا محمد بن محمد بن سادة قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن الحسن قال : حدّثنا محمد بن يحيى قال : حدّثنا سلمة بن قتيبة عن شعبة عن عاصم بن هدله عن زر بن حبيش عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ سورة والفجر في الليالي العشر غفر له ومن قرأها سائر الأيّام كانت له نوراً يوم القيامة). بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ١{وَالْفَجْرِ} قال ابن عبّاس : يعني النهار كلّه، عطية عنه، صلاة الفجر، عثمان بن محصن عنه : فجر المحرّم ومثله قال قتادة : هو أوّل يوم من المحرّم تتفجر منه السنة. ضحاك : فجر ذي الحجّة؛ لأنّ اللّه سبحانه قرن الأيّام بها. عكرمة وزيد بن أسلم : الصبح. مقاتل : عداهُ جميع كلّ سنة. القرظي : انفجار الصبح من كلّ يوم إلى انقضاء الدُّنيا. في بعض التفاسير : أنّ الفجر الصخور والعيون تتفجّر بالمياه. ٢{وَلَيالٍ عَشْرٍ} قال مجاهد وقتادة والضحّاك والكلبي والحلبي : هي عشر ذي الحجّة، عكرمة : ليالي الحجّ، وقال مسروق : هي أفضل أيّام السنة. أبو روق عن الضحّاك : هي العشر الأُول من شهر رمضان، أبو ظبيان عن ابن عبّاس قال : هي العشر الأواخر من شهر رمضان، يمان بن رباب : العشر الأُولى من المحرّم التي عاشرها يوم عاشوراء. أخبرني الحسن قال : حدّثنا بن حمدان قال : حدّثنا موسى بن إسحاق الأنصاري قال : حدّثنا منجاب بن الحرث قال : أخبرنا بشر بن عمارة قال : حدّثنا عمر بن حسّان عن عطية العوفي في قوله سبحانه : {وَالْفَجْرِ} قال : هو الفجر الذي تعرفون، قلت : {وَلَيالٍ عَشْرٍ} قال : عشر الأضحى، ٣قلت : {وَالشَّفْعِ} قال : خَلْقه، يقول اللّه سبحانه : {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} ، قلت : {وَالْوَتْرِ} قال : اللّه وتر، قلت له : هل تروي هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) قال : نعم، قلت : عمّن؟ قال : عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (). وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن نصرويه قال : حدّثنا ابن وهب قال : حدّثنا أحمد بن يحيى بن سعيد القطان وعبدة بن عبداللّه بن النعمان قالا : حدّثنا أبو الحسين زيد بن الحبّاب العكلي قال : حدّثنا عبّاس بن عقبة قال : حدّثني حسين بن نعيم الحضرمي عن أبي الزبير عن جابر بن عبداللّه قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في قول اللّه سبحانه : {والفجر وليال عشر} قال : (عشر النحر، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر). وبه عن ابن وهب قال : حدّثنا يوسف بن عبد الرحمن قال : حدّثنا سعيد بن مسلمة الأُموي قال : حدّثنا واصل بن السائب الرقاشي قال : حدّثني أبو سودة قال : حدّثني أبو أيّوب الأنصاري قال : سُئل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) عن قوله سبحانه وتعالى : {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} قال : (الشفع يوم عرفة ويوم الأضحى، والوتر ليلة النحر). وأخبرنا أبو الحسن بن أبي الفضل الفهندري قال : حدّثنا أبو الطاهر المحمد آبادي قال : حدّثنا عثمان بن سعيد قال : حدّثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدّثنا خالد بن قيس وهمام بن يحيى قالا : حدّثنا قتادة عن عمران بن عاصم عن عمران بن حصين أنّ النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) سُئل عن الشفع والوتر فقال : (هي الصلاة منها الشفع ومنها الوتر). وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن لؤلؤ قال : حدّثنا الهيثم قال : حدّثنا الدوّرقي قال : حدّثنا حجّاج عن ابن جريح قال : أخبرني محمد بن المرتفع أنّه سمع ابن الزبير يقول : والشفع النفر الأوّل والوتر (يوم) النفر الآخر. وأخبرني الحسن قال : حدّثنا محمّد بن علي بن الحسن الصوفي قال : حدّثنا أحمد بن كثير القيسي قال : حدّثنا محمد بن عبداللّه المقرئ قال : حدّثنا مروان بن معاوية الفزاري عن أبي سعيد بن عوف قال : سمعت عبداللّه بن الزبير يقول على المنبر : يا معشر الحاجّ إنّكم جئتم من القريب والبعيد على الضعيف والشديد، فأسهرتم الأعين وأنصبتم الأنفس وأتعبتم الأبدان، فلا يبطلنّ أحدكم حجّه وهو لا يشعر، ينظر نظرة بعينه أو يبطش بطشة بيده، أو يمشي مشية برجله. يا أهل مكّة وسّعوا عليهم ما وسّع اللّه عليكم وأعينوهم ما استعانوكم عليه، فإنّهم وفد اللّه وحاجّ بيت اللّه ولهم عليكم حقّ، فاسألوني فعلينا كان التنزيل، ونحن حصرنا التأويل، فقام إليه رجل من ناحية زمزم فقال : دخلت فأرة جرابي وأنا محرم؟ فقال : اقتلوا الفويسقة، فقام آخر فقال : أخبرنا بالشفع والوتر والليالي العشر فقال : أمّا الشفع والوتر فقول اللّه سبحانه : {فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} فهما الشفع والوتر، وأمّا الليالي العشرة فالثمان وعرفة والنحر، فقام آخر فقال : أخبرنا عن يوم الحجّ الأكبر؟ فقال : هو يوم النحر ثلاث تتلوها. وقال مجاهد ومسروق وأبو صالح : الشفع الخلق كلّه، قال اللّه سبحانه : {وَمِن كُلِّ شَىْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} الكفر والإيمان والشقاوة والسعادة والهدى والضلالة والليل والنهار والسماء والأرض والبرّ والبحر والشمس والقمر والجنّ والإنس، والوتر اللّه سبحانه، قال اللّه تعالى : {قل هو اللّه حد} . الحسن وابن زيد : أراد بالشفع والوتر الخلق كلّه، منه شفع ووتر. عطية عن ابن عبّاس : الشفع صلاة الغداة والوتر صلاة المغرب. قتادة عن الحسن : هو العدد منه شفع ومنه وتر. مقاتل : الشفع هو آدم وحواء، والوتر هو الربّ تبارك وتعالى، وقيل : الوتر آدم شفّعه اللّه بزوجته حواء. إبراهيم والقرظي : الزوج والفرد. الربيع عن أبي العالية : الشفع ركعتان من صلاة المغرب والوتر الركعة الثالثة، وقيل : الشفع الصفا والمروة والوتر البيت، الحسين بن الفضل : الشفع درجات الجنان؛ لأنّها ثمان والوتر دركات النار؛ لأنّها سبع، كأنّه اللّه سبحانه وتعالى أقسم بالجنّة والنار. مقاتل بن حيان : الشفع الأيّام والليالي، والوتر اليوم الذي لا ليلة بعده وهو يوم القيامة. وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : سمعت أبا عبداللّه محمد بن نافع الشجري يقول : سمعت أبا زيد حاتم بن محبوب السامي يقول : سمعت عبد الجبّار بن العلاء العطّار يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : الوتر هو اللّه عزّوجلّ وهو الشفع أيضاً؛ لقوله : {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} وسمعت أبا القاسم يقول : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد ابن يزيد يقول : سمعت أبا عبداللّه بن أبي بكر الورّاق يقول : سُئل أبو بكر عن الشفع والوتر فقال : الشفع تضاد أوصاف المخلوقين العزّ والذلّ والقدرة والعجز والقوّة والضعف والعلم والجهل والبصر والعمى، والوتر انفراد صفات اللّه سبحانه عزٌّ بلا ذلّ، وقدرة بلا ضعف، وعِلم بلا جهل، وبصر بلا عمى وحياة بلا موت وما إزاءها. وقيل : الشفع مسجد مكّة والمدينة، والوتر مسجد بيت المقدس، وقيل : الشفع القرآن في الحجّ والتمتّع فيه، والوتر الإفراد فيه، وقال ابن عطاء {وَالْفَجْرِ} محمّد صلّى اللّه عليه؛ لأنّ به تفجّرت أنوار الإيمان وغابت ظُلَم الكفر. {وَلَيالٍ عَشْرٍ} ليالي موسى التي أكمل بها ميعاده بقوله تعالى : {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} ، والشفع : الخلق والوتر : الحقّ، وقيل : الشفع الفرائض والوتر السنن، وقيل : الشفع الأفعال والوتر النيّة، وهو الإخلاص، وقيل : الشفع العبادة التي تتكرّر، كالصلاة والصوم والزكاة، والوتر : العبادة التي لا تتكرّر كالحجّ، وقيل : الشفع النفس والروح إذا كانتا معاً، والوتر الروح بلا نفس والنفس بلا روح، فكأنّ اللّه سبحانه أقسم بها في حالتي الاجتماع والافتراق. واختلف القرّاء في الوتر، فقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وخلف : بكسر الواو، وهو اختيار أبي عبيد، قال : لأنّها أكثر في العامّة وأفشى، ومع هذا إنّا تدبّرنا الآثار التي جاء فيها ذكر وتر الصلاة فوجدنا كلّها بهذه اللغة ولم نسمع في شيء منه الوتر بالفتح، ووجدنا المعنى في الوتر جميعاً الذي في الصلاة والذي في السورة، وإن تفرّقا في الفرع فإنّهما في الأصل واحد إنّما تأويله الفرد الذي هو ضدّ الشفع، وقرأ الباقون بفتح الواو، وهي لغة أهل الحجاز واختيار أبي حاتم وهما لغتان مستفيضتان. ٤{وَالَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} قال أكثر المفسّرين : يعني إذا سار فذهب، وقال قتادة : إذا جاء وأقبل. قال مجاهد وعكرمة والكلبي : هي ليلة المزدلفة. واختلف القرّاء في قوله : {يَسْرِ} فقرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعيسى بالياء في الوصل، وهي اختيار أبي حاتم ورواية قتيبة ونصير والشرياني عن الكسائي قال أبو عبيد : كان الكسائي فترة يقول : أثبت الياء بالوصل واحذفها في الوقف لمكان الكتاب، ثمّ رجع إلى حذف الياء في الحالين جميعاً؛ لأنّها رأس آية، وهي قراءة ابن عامر وعاصم واختيار أبي عبيد اتباعاً للخط، وقرأ ابن كثير ويعقوب الياء في الحالين على الأصل، قال الخليل بن أحمد : أسقط الياء منه وفاقاً لرؤوس الآي. وقال أكثر أهل المعاني : يعني يسري فيه كقولهم : ليلٌ نائم ونهارٌ صائم وسر كاتم. قال الفراء : يحذف العرب الياء ويكتفي بكسر ما قبلها. أنشدني بعضهم : كفّاك كفّ ما تلقي درهما جوداً وأُخرى تعط بالسيف الدما وقال آخر : ليس يخفى سادتي قدر قوم ولعل يخف سئمتي إعساري وقال المؤرّخ : سألت الأخفش عن العلّة في سقوط الياء من يسر، فقال : لا أُجيبك ما لم تبت على باب داري سنة. فبتُّ سنة على باب داره ثمّ سألته فقال : الليل لا يسري، وانّما يُسرى فيه وهو مصروف فلمّا صرفه بخسه حظّه من الإعراب، ألا ترى إلى قوله : {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} ؟ ولم يقل بغية؛ لأنّه صرّفه من باغية. ٥{هَلْ فِى ذلك } الذي ذكرت {قَسَمٌ} أي مقنع ومكتف في القسم {لِذِي حِجْر} عقل سمّي بذلك؛ لأنّه يحجر صاحبه ممّا لا يحلّ ولا يجمل كما سمّي عقلاً؛ لأنّه يعقله عن القبائح والفضائح، ونهيٌ لأنّه نهى عمّا لا ينبغي، وأصل الحجر المنع، يقال للرجل إذا كان مالكاً قاهراً ضابطاً له : إنّه لذو حجر، ومنه قولهم : حجر الحاكم على فلان. ٦-٧{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعاد إرم} قرأته العامّة بالتنوين وقرأ الحسن (بعاد إرم) على الإضافة وقرأت العامّة : (اِرم) بكسر الألف، وقرأ مجاهد بفتحه، قال المؤرّخ : من قرأ بفتح الألف شبههم بالآرام، وهي الأعلام واحدها اِرم. واختلف العلماء في معنى قوله {إِرَمَ} فأخبرني بن فنجويه قال : حدّثنا موسى الباقرحي قال : حدّثنا ابن علوية قال : حدّثنا إسماعيل قال : حدّثنا إسحاق بن بشير عن محمد بن إسحاق عمّن يخبره أنّ سعيد بن المسيّب كان يقول : اِرم ذات العماد دمشق. وأخبرني بن فنجويه قال : حدّثنا ابن حمدان قال : حدّثنا ابن مروان، قال : حدّثنا علي بن حرب الطائي قال : حدّثنا أبو الأشهب هود عن عوف الإعرابي عن خالد الربعي {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} قال : دمشق، وبه قال عكرمة وأبو سعيد المقبري. وقال القرظي : هي الإسكندرية، وقال مجاهد : هي اِرمة ومعناها القديمة. قتادة : هم قبيلة من عاد، وقال أبو إسحاق : هو جدّ عاد، وهو عاد بن عوص بن اِرم بن سام بن نوح. وقال مقاتل : اِرم قبيلة من قوم عاد كان فيهم الملك وكانوا موضع مهرة، وكان عاد أباهم فنسبهم إليه، وهو اِرم بن عاد بن شمر بن سام بن نوح. وأخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حنش قال : حدّثنا أبو الطيّب المروزي قال : حدّثنا محمّد بن علي قال : أخبرنا فضل بن خالد قال : حدّثنا عبيد بن سليمان عن الضحّاك بن مزاحم أنّه كان يقرأ {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} بفتح الألف والراء، والإرم الهلاك فقال : اِرم بنو فلان أي هلكوا، وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس. وروي عن الضحّاك أنّه قرأ {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} أي أهلكهم وجعلهم رميماً، والصواب أنّها اسم قبيلة أو بلدة فلذلك لم يجرّ. قوله : {ذَاتِ الْعِمَادِ} قال قوم : يعني ذات الطول والقوّة والشدّة. أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حنش قال : حدّثنا أبو القاسم بن الفضل قال : حدّثنا أبو حاتم قال : حدّثنا أبو صالح كاتب الليث قال : حدّثني معاوية بن صالح عمّن حدّثه عن المقدام عن النبيّ صلّى اللّه عليه أنّه ذكر (اِرم ذات العماد) فقال : (كان الرجل منهم يأتي بالصخرة فيحملها على ) كاهله فيلقيها على أي حي أراد) فيهلكهم). ٨وقال الكلبي : كان طول الرجل منهم أربع مائة ذراع، وقال ابن عبّاس : يعني طولهم مثل العماد، ويقول العرب للرجل الطويل : معمّدا، وقال مقاتل : كان طول أحدهم اثني عشر ذراعاً، وقال آخرون : إنّما قيل لهم : ذات العماد؛ لأنّهم كانوا أهل عمد سيارة ينتجعون الغيث وينتقلون إلى الكلأ، حيث كان ثمّ يرجعون إلى منازلهم ولا يقيمون في موضع. قال الكلبي : اِرم هو الذي يجتمع إليه نسب عاد وثمود وأهل السواد وأهل الجزيرة، كان يقال : عاد اِرم وثمود اِرم، فأهلك اللّه سبحانه عاداً، ثمّ ثمود وبقي أهل السواد وأهل الجزيرة، وكان أهل عمد وخيام وماشية في الربيع، فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم فكانوا أهل جنان وزروع ومنازلهم كانت بوادي القرى، وهي التي يقول اللّه سبحانه : {لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى الْبِلَادِ} . وقيل : سمّوا ذات العماد لبناء بناه بعضهم، فشيّد عمده ورفع بناءه، والعماد والعُمد والعَمد جمع عمود، وهو : ما أخبرنا أبو القاسم المفسّر قال : أخبرنا أبو عبداللّه محمد بن عبداللّه بن أحمد الصفّار الأصبهاني قال : أخبرنا أبو جعفر أحمد بن مهدي بن رستم الأصبهاني قال : حدّثنا عبداللّه بن صالح المصري قال : حدّثني ابن لهيعة وأخبرنا أبو القاسم قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس الطرايفي قال : أخبرنا عثمان بن سعيد الدارجي قال : أخبرنا عبداللّه بن صالح قال : حدّثني ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن وهب بن منبه عن عبداللّه بن قلابة أنّه خرج في طلب إبل له شردت، فبينما هو في صحاري عدن إذا هو قد وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن، وحول الحصن قصور كبيرة وأعلام طوال، فلمّا دنى منها ظنّ أنّ فيها أحداً يسأله عن إبله فلم ير خارجاً ولا داخلاً فنزل عن دابته وعقلها وسلّ سيفه ودخل من باب الحصن، فلمّا دخل في الحصن إذا هو ببابين عظيمين لم ير أعظم منهما، والبابان مرصّعان بالياقوت الأبيض والأحمر فلمّا رأى ذلك دُهش وأعجبه ففتح أحد البابين، فإذا هو بمدينة لم ير أحدٌ مثلها، وإذا قصور كل قصر معلّق تحته أعمدة من زبرجد وياقوت وفوق كلّ قصر منها غرف : (اعتبر يا أيها المغرور بالعمر المديد أنا شداد بن عاد صاحب الحصن المشيد) وأخو القوّة والبأساء والملك الحشيد دار أهل الأرض لي من خوف وعيدي ووعيد وملكت الشرق والغرب بسلطان شديد وبفضل الملك والعدّة فيه والعديد فأتى هود وكنّا في ضلال قبل هود فدعانا لو قبلناه إلى الأمر الرشيد وعصيناه ونادى هل من محيد فأتتنا صيحة تهوي من الأُفق البعيد فتوافينا كزرع وسط بيداء حصيد ٩{وَثَمُودَ} أي وثمود {الَّذِينَ جَابُوا} قطّعوا وخرقوا {الصَّخْرَ} الحجر واحدتها صخرة بِالْوَادِ يعني بوادي القرى، فنحتوا منها بيوتاً كما قال اللّه سبحانه : {وكان ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين} . قال أهل السير : أوّل من نحت الجبال والصخور والرخام ثمود، فبنوا من الدور والمنازل ألفي ألف وسبع مائة ألف كلّها من الحجارة، وأثبت أبو جعفر وأبو حاتم وورش الياء في الوادي وصلاً، وأثبتها في الوصل والوقف ابن كثير برواية البزي والعواش ويعقوب على الأصل، وحذفها الآخرون في الحالتين؛ لأنّها رأس آية. ١٠{وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ} اختلفوا فيه فقال بعضهم : أراد ذا الجنود والجموع الذين يقوّون أمره ويسدّدون مملكته، وسمّي الأجناد أوتاداً لكثرة المضارب التي كانوا يضربونها ويوتّدونها في أسفارهم، وهي رواية عطية عن ابن عبّاس. وقال قتادة : سمّي ذا الأوتاد؛ لأنّه كانت له مظال وملاعب وأوتاد يُضرب له فتلعب له تحتها، وقال محمد بن كعب : يعني ذا البناء المحكم، وقال سعيد بن جبير : كان له منارات يعذّب الناس عليها، وقال مجاهد وغيره : كان يعذّب الناس بالأوتاد، وكان إذا غضب على أحد مدّهُ على الأرض وأوتد يديه ورجليه ورأسه على الأرض. أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا مخلد قال : حدّثنا ابن علوية قال : حدّثنا إسماعيل قال : حدّثنا إسحاق بن بشير عن ابن سمعان عن عطاء عن ابن عبّاس أنّ فرعون لمّا قيل له : ذو الأوتاد أنّه كان امرأة وهي امرأة خازنه خربيل بن نوحابيل وكان مؤمناً كتم إيمانه مائة سنة، وكان لقي من لقى من أصحاب يوسف، وكانت امرأته ماشطة بنت فرعون فبينما هي ذات يوم تمشّط رأس بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها فقالت : تعس من كفر باللّه، فقالت بنت فرعون : وهل لكِ من إله غير أبي؟ فقالت : إلهي وإله أبيك وإله السماوات والأرض واحدٌ لا شريك له. فقامت فدخلت على أبيها وهي تبكي قال : ما يبكيك؟ قالت : الماشطة امرأة خازنك تزعم أنّ إلهك وإلهها وإله السماوات والأرض واحدٌ لا شريك له. فأرسل إليها فسألها عن ذلك، فقالت : صدقت. فقال لها ويحك : اكفري بإلهك وأقري أني إلهك، قالت : لا أفعل فمدها بين أربعة أوتاد ثم أرسل عليها الحيات والعقارب فقال لها : اكفري باللّه وإلاّ عذبتك بهذا العذاب شهرين، قالت : واللّه لو عذّبتني سبعين شهراً ما كفرت باللّه تعالى. قال : وكان لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على فيها، وقال لها : اكفري باللّه وإلاّ ذبحت ابنتك الصغرى على فيك، وكانت طفلة رضيعة تجد بها وجداً شديداً فقالت : لو ذبحت من على الأرض على فيّ ما كفرتُ باللّه تعالى. قال : فأتى بابنتها فلمّا أن قُدّمت منها واضجعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة، فأطلق اللّه لسان ابنتها فتكلّمت وهي من الأربعة الذين تكلّموا أطفالاً، فقالت : يا أُمّاه لا تجزعي فإنّ اللّه سبحانه قد بنى لكِ بيتاً في الجنّة، اصبري فإنّك تمضين إلى رحمة اللّه سبحانه وكرامته، قال : فذبحت فلم تلبث أن ماتت وأسكنها اللّه سبحانه الجنّة. قال : وبعث في طلب زوجها خربيل فلم يقدروا عليه، فقيل لفرعون : إنّه قد رُئي في موضع كذا وكذا في جبال كذا وكذا، فبعث رجلين في طلبه فانتهيا إليه وهو يصلّي وثلاثة صفوف من الوحش خلفه يصلّون، فلمّا رأيا ذلك انصرفا، وقال خربيل : اللّهم إنّك تعلم أنّي كتمتُ إيماني مائة سنة، ولم يظهر عليّ أحدٌ فأيّما هذين الرجلين كتم عليّ فاهده إلى دينك وأعطه من الدنيا سؤله، وأيّما هذين الرجلين أظهر عليّ فعجّل عقوبته في الدُّنيا، واجعل مصيره في العاقبة إلى النار، فانصرف الرجلان إلى فرعون فأمّا أحدهما فاعتبر وآمن، وأمّا الآخر فأخبر فرعون بالقصّة على رؤوس الملأ، فقال له فرعون : وهل كان معكَ غيرك؟ قال : نعم. قال : ومَنْ كان معك؟ قال : فلان. فدعى به. فقال : حقٌّ ما يقول هذا؟ قال : لا، ما رأيت ممّا قال شيئاً. فأعطاه فرعون وأجزل، وأمّا الآخر فقتله ثمّ صلبه. قال : وكان فرعون قد تزوّج امرأة من أجمل نساء بني إسرائيل يقال لها آسيا بنت مزاحم، فرأت ما صنع فرعون بالماشطة فقالت : وكيف يسعني أن أصبر على ما أتى فرعون وأنا مسلمة وهو كافر، فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريباً منها فقالت : يا فرعون أنت شرّ الخلق وأخبثه عمدت إلى الماشطة فقتلتها، فقال : فلعلّ بك الجنون الذي كان بها. قالت : ما بي من جنون، وإن إلهي وإلهها وإلهكَ وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له فمزّق عليها وضربها وأرسل إلى أبويها فدعاهما فقال لهما الأمر، بأنّ الجنون الذي كان بالماشطة أصابها فقالت : أعوذ باللّه من ذلك، إنّي أشهد أنّ ربّي وربّك وربّ السماوات والأرض واحد لا شريك له، فقال أبوها : يا آسية ألست خير نساء العماليق وزوجك إله العماليق؟ قالت : أعوذ باللّه من ذلك إن كان ما تقول حقّاً، فقولا له : يتوّجني تاجاً يكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله، فقال لهم فرعون : أخرجا عنّي فمدّها بين أربعة أوتاد يعذّبها، وفتح اللّه سبحانه لها باباً إلى الجنّة ليهوّن عليها ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت : {رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} يعني من جماع فرعون {وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} يعني من فرعون وشيعته، فقبض اللّه سبحانه روحها وأسكنها الجنّة. وقيل : الأوتاد عبارة عن ثبات مملكته وطول مدّته وشدّة هيبته، كثبوت الأوتاد في الأرض كقول الأسود : في ظل ملك ثابت الأوتاد ١١-١٣{الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَاب} قال قتادة : يعني لوناً من العذاب صبّه عليهم، وقال السّدي : كلّ يوم لون آخر من العذاب، وقيل : وجع العذاب، وقال أهل المعاني : هذا على الاستعارة؛ لأنّ السوط عندهم غاية العذاب، فجرى ذلك لكلّ عذاب. قال الشاعر : ألم ترَ أنّ اللّه أظهر دينه وصبّ على الكفّار سوط عذاب ١٤{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} قال ابن عبّاس : سبحانه يرى ويسمع، وقال مقاتل : ترصد الناس على الصراط، فجعل رصداً من الملائكة معهم الكلاليب والمحاجن والحسك، وقال الضحّاك : بمرصد لأهل الظلم والمعصية، وقيل : معناه مرجع الخلق ومصيرهم إلى حكمه وأمره، وقال الحسن وعكرمة : ترصد أعمال بني آدم، وعن مقاتل أيضاً : ممرّ الناس عليه. عطاء ابن أبي رياح : لا يفوته أحد. يمان : لا محيص عنه. السدي : أرصد النار على طرقهم حتّى تهلكهم، والمرصاد والمرصد الطريق وجمع المرصاد مراصيد وجمع المرصد مراصد. وروى مقسم عن ابن عبّاس قال : إنّ على جهنّم سبع مجاسر يسأل العبيد عند أوّلهنّ عن شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، فإن جاء بها تامّة جاز بها إلى الثاني، فيسأل عن الصلاة، فإن جاء بها تامّه جاز إلى الثالث، فيُسئل عن الزكاة فإن جاء بها تامّة جاز إلى الرابع، فيسأل عن الصوم، فإن جاء به تامّاً جاز إلى الخامس، فيسأل عن الحجّ فإن جاء به تامّاً جاز إلى السادس، فيسأل عن العمرة فإن جاء بها تامّة جاز إلى السابع، فيسأل عن المظالم فإن خرج منها وإلاّ يقال انظروا، فإن كان له تطوّع أكمل به أعماله، فإذا فرغ به انطلق به إلى الجنّة. ١٥{فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابْتَلَاهُ} امتحنه {رَبُّهُ} بالنعمة والوسعة. {فَأَكْرَمَهُ} بالمال {وَنَعَّمَهُ} بما وسّع عليه من الأفضال {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي} فيفرح بذلك ويُسر ويحمد عليه ويشكر، ١٦و {إِذَا مَا ابْتَلَاهُ} بالفقر {فَقَدَرَ} وضيّق وقتّر {عَلَيْهِ رِزْقَهُ} {فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي} أذلّني بالفقر، ولم يشكر اللّه على ما أعطاه من سلامة الجوارح ورزقه من العافية والصحّة. قال قتادة : ما أسرع كفر ابن آدم. وقراءة العامّة {فَقَدَرَ} بتخفيف الدال، وقرأ أبو جعفر وابن عامر بالتشديد، وهما لغتان وكان أبو عمرو يقول : قدرَ بمعنى قتّر وقدر هو أن يعطيه ما يكفيه ولو فعل ذاك ما قال : {ربي أهانني}، ١٧ثمّ ردّ عليه فقال : {كَلا} لم أبتلِهِ بالغنى لكرامته عليّ ولم ابتلِهِ بالفقر؛ لهوانه عليّ وأنّ الفقر والغنى من تقديري وقضائي. فلا أُكرم من أكرمته بالغنى وكثرة الدنيا، ولا أُهين من أهنته بالفقر وقلّة الدنيا، ولكني إنّما أكرم من أكرمته بطاعتي، وأُهين من أهنته بمعصيتي، وقال الفراء : معنى كلا لم ينبغِ له أن يكون هذا ولكن ينبغي أن يحمده على الأمرين على الغنى والفقر. ثم قال : {بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} يعني أهنت من أهنت من أجل أنّه لا يُكرم اليتيم. واختلف القرّاء في هذه الآية فقرأ أهل البصرة يكرمون وما بعده كلّه بالياء، وقرأها الآخرون بالتاء ١٨{وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} قرأ أبو جعفر وأهل الكوفة {تَحَاضُّونَ} بالألف وفتح التاء، وروى الشذري عن الكسائي (تُحاضون) بضم التاء، غيرهم (تحضّون) بغير الألف. ١٩{وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ} الميراث {أَكْ لَّمًّا} شديداً، قال الحسن : يأكل نصيبه ونصيب غيره. بكر بن عبداللّه : اللّمّ الاعتداء في الميراث يأكل ميراثه وميراث غيره. ابن زيد : الأكل اللمّ الذي يأكل كلّ شيء يجده ولا يسأل عنه أحلال أم حرام، ويأكل الذي له والذي لغيره، وذلك أنّهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان، وقرأ {يستفتونك في النساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ} الآية قال أبو عبيدة يقال : لممّتُ ما على الخوان إذا أتيت على ما عليه وأكلته كلّه أجمع. ٢٠{وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} كثيراً يقال جمّ الماء في الحوض إذا كثر واجتمع. ٢١{كَلا} ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر ثمّ أخبر ممن تلهّفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم فقال عزّ من قائل : {إِذَا دُكَّتِ الأرض دَكًّا دَكًّا} مرّة بعد مرّة فيكسر كلّ شيء على ظهرها. ٢٢{وَجَآءَ رَبُّكَ} قال الحسن : أمره وقضاؤه، وقال أهل الإشارة : ظهر قدرة ربّك وقد استوت الأُمور وأنّ الحقّ لا يوصف يتحوّل من مكان إلى مكان وأنّى له التجوّل والتنقّل ولا مكان له ولا أوان ولا تجري عليه وقت وزمان؛ لأنّ في حرمان الوقت على الشيء فوت الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز، والحقّ ينزّه أن تحوي صفاته الطبائع أو تحيط به الصدور. ٢٣{وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً وَجِيىءَ يَوْمَئِذ بِجَهَنَّم} أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن ماجه قال : حدّثنا يعقوب بن يوسف القروي قال : حدّثنا القاسم بن الحكم قال : حدّثنا عبيداللّه بن الوليد قال : حدّثنا عطية عن أبي سعيد قال : لمّا نزلت هذه الآية {وَجِاىءَ يومئذ بِجَهَنَّمَ} تغيّر لون رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وعرق في وجهه حتى اشتدّ على أصحابه ما رأوا من حاله فانطلق بعضهم إلى عليّ ح فقالوا : يا علي لقد حدث أمر قد رأيناه في نبي اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فجاء عليّ فاحتضنه من خلفه ثمّ قبَّل بين عاتقيه ثمّ قال : يا نبي اللّه بأبي أنت وأُمّي ما الذي حدث اليوم وما الذي غيّرك؟ قال : (جاء جبريل (عليه السلام) فأقرأني هذه الآية : {كلاّ إذا دُكّت الأرض دكاً دكّا وجاء ربّك والملك صفّاً صفّا وجيء يومئذ بجهنّم} قلت : فكيف يجاء بها؟ قال : (يجيء بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع، ثمّ تعرض لي جهنّم فتقول : ما لي وما لك يا محمّد فقد حرّم اللّه لحمك ودمك عليّ، فلا يبقى أحد إلاّ قال : نفسي نفسي وأنّ محمّداً يقول : أُمّتي أُمّتي، فيقول اللّه سبحانه إلى الملائكة : ألا ترون الناس يقولون : ربِّ نفسي نفسي وأنّ محمّد يقول : أُمّتي أُمّتي؟). وقال عبداللّه بن مسعود ومقاتل في هذه الآية : تقاد جهنّم بسبعين ألف زمان كلّ زمام بيد سبعين ألف ملك، لها تغيّظ وزفير حتّى تنصب على يسار العرش. ٢٤{يَوْمَئِذ يَتَذَكَّرُ الاْنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْت} في حياتي {لِحَيَاتِى} في الآخرة ٢٥-٢٦{فَيَوْمَئِذ لاَ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} قرأ العامّة بكسر الذال والثاء على معنى لا يعذّب أحد في الدنيا كعذاب اللّه يومئذ. قال الفراء وقيل : إنّه رجل مسمّى بعينه وهو أُميّة بن خلف الجمحي : يعني لا يعذّب كعذاب هذا الكافر أحد ولا يوثق كوثاقه أحد، واختار أبو عبيد وأبو حاتم هذه القراءة لما أخبرنا محمد بن نعيم قال : أخبرنا الحسين بن أيّوب قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز قال : أخبرنا القاسم بن سلام قال : حدّثنا هيثم وعناد بن عباد عن خالد الحذّاء عن أبي قلابة عمّن أقرأه النبيّ صلّى اللّه عليه {فيومئذ لا يعذّب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد} يعني بنصب الذال والثاء. ويروى أنّ أبا عمرو رجع في آخر عمره إلى قراءة النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) معنى الآية لا يبلغ أحد من الخلق كبلاغ اللّه في العذاب والوثاق، وهو الإشارة في السلاسل والأغلال. أخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن مالك قال : حدّثنا ابن حنبل قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا محمد بن جعفر قال : حدّثنا شعبة عن خالد الحذّاء عن أبي قلابة عمّن سمع النبيّ صلّى اللّه عليه يقرأ {فيومئذ لا يعذّب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد} يعني يفعل به. ٢٧{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} إلى ما وعد اللّه المصدّقة بما قال. مجاهد : المنيبة المخبتة التي قد أيقّنت أنّ اللّه سبحانه ربّنا، وضربت لأمره جأشاً. المسيّيب : سمعت الكلبي وأبا روق يقولان : هي التي يبيّض اللّه وجهها ويعطيها كتابها بيمينها فعند ذلك تطمئن. الحسن : المؤمنة الموقنة. عطية : الراضية بقضاء اللّه. حيّان عن الكلبي : الآمنة من عذاب اللّه تعالى. أخبرني عقيل أنّ أبا الفرج أخبرهم عن ابن جرير قال : حدّثنا خلاّد بن أسلم قال : أخبرنا النضر عن هارون القارئ قال : حدّثني هلال عن أبي شيخ الهنائي قال : في قراءة أبي يا أيّتها النفس الآمنة المطمئنة. وأخبرني أبو محمّد الحسين بن أحمد الشعبي قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا محمد بن إسحاق السراج قال : حدّثنا سوار بن عبداللّه قال : حدّثنا المعمر بن سليمان عن إبراهيم بن إسماعيل عن ابن أبي نجاح عن مجاهد {يا أيّتها النفس المطمئنة} قال : الراضية بقضاء اللّه التي قد علمت أنّ ما أصابها لم يكن ليخطئها وأنّ ما أخطأها لم يكن ليصيبها، وقال ابن كيسان : المخلصة. ابن عطاء : هي العارفة باللّه سبحانه التي لا تصبر عنه طرفة عين، وقيل : المطمئنة بذكر اللّه. بيانه : {وَتَطْمَ نُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّه} ، وقيل : هي المتوكّلة على اللّه تعالى الواثقة بما ضمن لها من الرزق. ٢٨{ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ} اختلف العلماء في تأويل هذه الآية، ووقت هذه المقالة فقال قوم : يقال ذلك لها عند الموت : ارجعي إلى ربّك وهو اللّه عزّوجلّ. أخبرني الحسين قال : حدّثنا عبيداللّه بن عبد اللّه بن أبي سمرة البغوي قال : حدّثنا محمّد ابن سهل العسكري قال : حدّثنا العطاردي قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا قيس بن الربيع عن إسماعيل عن أبي صالح في قوله سبحانه : {ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً} قال : هذا عند خروجها من الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قيل : ٢٩-٣٠{ادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبه قال : حدّثنا الفراتي قال : حدّثنا أحمد بن خالد قال : حدّثنا روح بن عبادة قال : حدّثنا زهير بن محمد قال : حدّثنا زيد ابن أسلم عن عبد الرحمن بن السيلماني عن عبداللّه بن عمرو بن العاص قال : إذا توفّي العبد المؤمن أرسل اللّه سبحانه ملكين وأرسل إليه تحفة من الجنّة فيقال لها : اخرجي أيّتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى روح وريحان وربّ عنك راض، فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد في نفسه قط، والملائكة على أرجاء السماء. فيقولون : قد جاء من الأرض روح طيّبة ونسمة طيّبة، فلا يمرّ بباب إلاّ فتح له ولا ملك إلاّ صلّى عليه، حتّى يؤتي به الرحمن، ثمّ تسجد الملائكة ثمّ يقولون : ربّنا هذا عبدك فلأن توفيته كان يعبدك لا يشرك بك شيئاً فيقول : مروه فليسجد، وتسجد النسمة، ثمّ يدعى ميكائيل فيقول : اذهب بهذه فاجعلها مع أنفس المؤمنين حتّى أسألك عنها يوم القيامة، ثمّ يؤمر فيوسع عليه قبره سبعون ذراعاً عرضه وسبعون ذراعاً طوله وينبت له فيه الريحان. إن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره، وإن لم يكن معه جعل له مثل الشمس في قبره، ويكون مثله كمثل العروس، ينام فلا يوقظه إلاّ أحبّ أهله إليه، فيقوم من نومته كأنّه لم يشبع منها، وإذا توفّي الكافر أرسل اللّه سبحانه وتعالى ملكين وأرسل قطعة من سجّاد أنتن وأخشن من كلّ خشن، فيقال : أيّها النفس الخبيثة اخرجي إلى حميم وعذاب أليم وربّ عليك غضبان. وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حمدان قال : حدّثنا المسوحي قال : حدّثنا عمرو بن العلاء الحنفي قال : حدّثنا ابن يمان عن أشعث عن جعفر عن سعيد قال : قرأ رجل عند النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) {يا أيّتها النفس المطمئنة} قال أبو بكر : ما أحسن هذا فقال النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (أمّا أنّ الملك سيقولها لك (عند الموت)). حدّثنا أحمد بن محمد بن يعقوب القصري بها قال : أخبرنا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ببغداد قال : حدّثنا الحسن بن عرفة قال : أخبرني مروان بن شجاع الجزري، وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبه قال : حدّثنا محمد بن علي بن سالم قال : حدّثنا أحمد بن منبع قال : حدّثنا مروان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال : مات ابن عبّاس بالطائف فجاء طائر لم ير على خلقه، فدخل نعشه ثمّ لم يُر خارجاً منه فلمّا دفن تُليت هذه الآية على شفير القبر لا يرى من تلاها : {يا أيّتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربّك راضيةً مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي} وقال آخرون : انّما يقال ذلك لها عند البعث : ارجعي إلى ربّك، أي صاحبك وجسدك فيأمر اللّه سبحانه الأرواح أن ترجع إلى الأجساد، وإلى هذا القول ذهب عكرمة وعطاء والضحّاك وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس. ودليل هذا التأويل ما أخبرنا محمد بن نعيم قال : أخبرنا الحسين بن أيّوب قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز قال : حدّثنا القاسم بن سلام قال : حدّثنا حجّاج عن هارون عن أبان بن أبي عيّاش عن سليمان بن قته عن ابن عبّاس أنّه قراها فأدخلي في عبدي على التوحيد. وقال الحسن : معناه ارجعي إلى ثواب ربّك وكرامته. ابن كيسان : ارجعي إلى ربّك أي أمثالك من عباد ربّك الصالحين. وقال بعض أهل الإشارة {يا أيّتها النفس المطمئنة} إلى الدنيا ارجعي إلى اللّه بتركها والرجوع إلى اللّه هو سلوك سبيل الآخرة. {رَاضِيَةً} عن اللّه بما أعدّ لها {مَّرْضِيَّةً} رضي عنها ربّها. {فَادْخُلِى فِى عِبَادِى} قال بعضهم : يعني مع عبادي جنّتي في معنى الآية تقديم وتأخير، وإليه ذهب مقاتل والقرظي وأبو عبيدة. {وَادْخُلِى} برحمتك في عبادك الصالحين يعني مع أنبيائنا في الجنّة، وقال الأخفش : أي في حزبي، وقال أمر الأرواح بعودها إلى أجسادها واللّه أعلم. وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا موسى بن محمد قال : حدّثنا ابن علوية قال : حدّثنا إسماعيل قال : حدّثنا المسيّب قال : حدّثنا إبراهيم عن صالح بن حيان عن ابن بريدة في هذه الآية {يا أيّتها النفس المطمئنة} قال : نفس حمزة بن عبد المطّلب نزلت فيه يوم استشهد يوم أحُد، بل نزلت نفسه عند ربّ العالمين، مكرمة مشرفة على من عنده حتّى يردها اللّه سبحانه إلى حمزة في دعة، وسكون وكرامة. وقد نزلت في حبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكّة وجعلوا وجهه إلى المدينة، فقال : اللّهمّ إن كان لي عندك خير فحوّل وجهي نحو قبلتك. فحوّل اللّه سبحانه وجهه نحو القبلة من غير أن يحوّله أحد، فلم يستطيع أحد أن يحوّله وحكمها عام لجميع المؤمنين المطمئنين. |
﴿ ٠ ﴾