سورة الشرحمكية، وهي مائة وثلاثة أحرفوسبع وعشرون كلمة، وثماني آيات أخبرنا أبو محمد إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن علي الجرجاني قال : حدّثنا أبو القاسم عبداللّه بن محمد بن إبراهيم قال : حدّثني أبو بكر أحمد بن إسحاق بن إبراهيم البصري قال : حدّثنا محمد بن عبدالملك بن أبي الشوارب قال : حدّثنا أبو عوانة، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ ابن حبيش، عن عبداللّه قال : سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (من قرأ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} فكأنما جاءني وأنا مغتم ففرّج عنّي). بسم اللّه الرحمن الرحيم ١{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ألمْ نفتح ونوسّع ونليّن لك قلبك بالإيمان والنبوّة والعلم والحكمة. ٢-٣{وَوَضَعْنَا} وحططنا {عنك وزرك الذي أنقض ظهرك} أثقل ظهرك فأوهنه، ومنه قيل للبعير إذا كان رجيع سفر قد أوهنه وأنضاه : نقض. وقال الفرّاء : كسر ظهرك حين سمع نقيضه : أي صوته، قال الحسن وقتادة والضحّاك : يعني ما سلف منه في الجاهلية، وقال الحسين بن الفضل : يعني الخطأ والسهو، وقيل : ذنوب أُمتك فأضافها إليه لاشتغال قلبه بها وإهتمامه لها، وقال عبدالعزيز بن يحيى وأبو عبيدة : يعني خفّفنا عليك أعباء النبوة والقيام بأمرها، وقيل : وعصمناك عن احتمال الوزر. ٤{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} أخبرنا عبدالخالق بقراءتي عليه قال : حدّثنا ابن جنب قال : حدّثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل قال : حدّثنا صفوان يعني ابن صالح الثقفي أبو عبدالملك قال : حدّثنا الوليد يعني ابن مسلم قال : حدّثني عبداللّه بن لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أنه سأل جبرائيل عن هذه الآية ورفعنا لك ذكرك، قال : (قال اللّه سبحانه : إذا ذكرتُ، ذكرتَ معي). وحدّثنا أبو سعيد عبدالملك بن أبي عثمان الواعظ قال : حدّثنا إسماعيل بن أحمد الجرجاني قال : أخبرنا عمران بن موسى قال : حدّثنا أبو معمر قال : حدّثنا عباد، عن عوف، عن الحسن في قوله ورفعنا لك ذكرك، قال : إذا ذكرتُ ذكرتَ معي، وقال قتادة : يرفع اللّه ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلاّ ينادي بها : أشهد ان لا إله إلاّ اللّه، وأن محمداً رسول اللّه، وقال مجاهد : يعني بالتأذين، وفيه يقول حسان بن ثابت يمدح النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أغرّ عليه للنبوةِ خاتم من اللّه مشهورٌ يلوح ويشهدُ وضمَّ الإله اسم النبي الى اسمه إذا قال في الخمس المؤذِّن أشهد وقال ابن عطاء : يعني جعلت تمام الإيمان بي بذكرك، وقيل : ورفعنا لك ذكرك عند الملائكة في السماء، وقيل : بأخذ ميثاقه على النبيين وإلزامهم الإيمان به والإقرار بفضله، وقال ذو النون : همم الأنبياء تجول حول العرش وهمّة محمد (صلى اللّه عليه وسلم) فوق العرش، لذلك قال : {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} ، فذكره ذكره، ومفزع الخلق يوم القيامة إلى محمد (صلى اللّه عليه وسلم) كمفزعهم إلى اللّه، لعلمهم بجاهه عنده. ٥{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} أي مع الشدّة التي أنت فيها من جهاد المشركين، ومزاولة ما أنت بسبيله يسراً ورخاءً بأن يظهرك عليهم، حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به طوعاً وكرها. ٦{إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} كرّره لتأكيد الوعد وتعظيم الرجاء، وقيل : فإن مع العسر يسراً : في الدنيا، إن مع العسر يسراً : في الآخرة. أخبرنا عبداللّه بن حامد قال أخبرنا أحمد بن عبداللّه قال : حدّثنا محمد بن عبداللّه قال : حدّثنا عثمان قال : حدّثنا ابن عليّة، عن يونس، عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية، قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ابشروا فقد جاءكم اليسر لن يغلب عُسْرٌ يُسرَين). وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عمر بن الخطاب قال : حدّثنا علي بن مرداراد الخياط قال : حدّثنا قطن بن بشير قال : حدّثنا جعفر بن سليمان، عن رجل، عن إبراهيم النخعي قال : قال ابن مسعود : والذي نفسي بيده، لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه، إنّه لن يغلب عسرٌ يسرين، إنّه لن يغلب عسر يسرين. قال العلماء في معنى هذا الحديث : لأنه عرّف العسر ونكّر اليسر، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسماً معرفة ثم أعادته فهو هو، وإذا نكرّته ثم كررته فهما اثنان، وقال الحسن بن يحيى بن نصر الجرجاني صاحب كتاب (النظم) وهو يكلم الناس في قوله (عليه السلام) : (لن يغلب عسر يسرين) : فلم يحصل غير قولهم : إن العسر معرفة واليسر نكرة مكررة، فوجب أن يكون (عسر) واحد ويسران، وهذا قول مدخول (إذ) لا يجب على هذا التدريج إذا قال الرجل : إنّ مع الفارس سيفاً إنّ مع الفارس سيفاً أن يكون الفارس واحداً والسيف اثنين، ولا يصح هذا في نظم العربية. فمجاز قوله : (لن يغلب عسر يسرين) إن اللّه بعث نبيّه (عليه السلام) مقلاّ مخففاً فعيّره المشركون لفقره، حتى قالوا أنجمع لك مالا؟ فاغتمّ، فظنّ أنهم كذّبوه لفقره، فعزّاه اللّه سبحانه وتعالى وعدد عليه نعماءه ووعده الغنى فقال : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} إلى قوله {ذِكْرَكَ} ، فهذا ذكر امتنانه عليه، ثم ابتدأ ما وعده من الغنى ليسلّبه مما خامر قلبه، فقال {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ، والدليل عليه دخول الفاء في قوله (فإنّ) ولا يدخل الفاء أبداً إلاّ في عطف أو جواب. ومجازه : لا يحزنك ما يقولون فان مع العسر يسراً في الدنيا عاجلا، ثم أنجزه ما وعده وفتح عليه القرى العربية، ووسّع ذات يده، حتى يهب المائتين من الإبل، ثم ابتدأ فضلا آخر من الآخرة فقال تأسيةً له : {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ، والدليل على ابتدائه تعرّيه من الفاء والواو وحروف النسق فهذا عام لجميع المؤمنين، ومجازه : إنّ مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسراً في الآخرة لا محالة، فقوله : (لن يغلب عسر يسرين) أي لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعد اللّه المؤمنين في الدنيا، واليسر الذي وعدهم في الآخرة، إنما يُغلب أحدهما وهو يسر الدنيا، فأمّا يسر الآخرة فدائم غير زايل؛ اي لا يجمعهما في الغلبة، كقوله (عليه السلام) (شهرا عيد لا ينقصان) اي لا يجتمعان في النقصان. وقال أبو بكر الوراق : مع (أختها) بالدنيا جزاء الجنة، قال القاسم : (بردا هذه السعادة من أسحار) الدنيا إلى رضوان العقبى، وقراءة العامة بتخفيف السينين، وقرأ أبو جعفر وعيسى، بضمهما، وفي حرف عبداللّه : إنّ مع العسر يسراً، مرة واحدة غير مكررة. أخبرني أبو عبدالرحمن محمد بن الحسين بن محمد الرمجاري وأبو الحسن علي بن محمد ابن محمد البغدادي قالا : حدّثنا محمد بن يعقوب الأصم قال : حدّثنا أحمد بن شيبان الرملي قال : حدّثنا عبداللّه بن ميمون القداح قال : حدّثنا شهاب بن خراش، عن عبدالملك بن عمير، عن ابن عباس قال : أُهدي للنبي (صلى اللّه عليه وسلم) بغلة، أهداها له كسرى فركبها بحبل من شعر، ثم أردفني خلفه، ثم سار بي مليّاً، ثم التفت اليّ فقال لي : (يا غلام)، قلت : لبيك يا رسول اللّه، قال : (احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده أمامك، تعرّف الى اللّه في الرخاء يعرفك في الشدّة، وإذا سألتَ فاسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه، قد مضى القلم بما هو كائن، فلو جهد الخلائق أن ينفعوك بما لم يقضه اللّه لك، لما قدروا عليه، ولو جهدوا أن يضرّوك بما لم يكتبه اللّه عليك ما قدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل، فإنّ لم تستطع فاصبر، فإنّ في الصبر على ما يُكره خيراً كثيراً، واعلم أنّ مع الصبر النصر، وأنّ مع الكرب الفرج و {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ). وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن الحسن النيسابوري يقول : سمعت أبا علي محمد ابن عامر البغدادي يقول : سمعت عبدالعزيز بن يحيى يقول : سمعت عمي يقول : سمعت العتبي يقول : كنت ذات يوم في البادية بحالة من الغم فأُلقي في روعي بيت شعر فقلت : أرى الموت لن أصبح ولاح مغموماً له أروح فلمّا جنّ الليل سمعت هاتفاً يهتف، من الهواء : ألا يا أيّها المرءُ ال ذي الهمُّ به برّح وقد أنشد بيتاً لم يزل في فكره يسنح إذا اشتدّ بك العسر ففكّرْ في ألمْ نشرح فعسرٌ بين يسرين إذا فكّرتها فافرح قال : فحفظت الأبيات، وفرّج اللّه غمّي. وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدنا أبو محمد أحمد بن محمد بن إسحاق الجيزنجي قال : أنشدنا إسحاق بن بهلول القاضي : فلا تيأسْ وإن أُعسرت يوماً فقد أُيسرت في دهر طويلِ ولا تظننّ بربك ظنّ سوء فإنّ اللّه أولى بالجميل فإنّ العسرَ يتبعه يسارٌ وقول اللّه أصدق كلِّ قيل وأنشدني أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدني محمد بن سليمان بن معاد الكرخي قال : أنشدنا أبو بكر الأنباري : إذا بلغ العسر مجهوده فثق عند ذاك بيسر سريع ألم تر بخس الشتاء القطيع يتلوه سعد الربيع البديع ولزيد بن محمد العلوي : إن يكنْ نالك الزمان ببلوى عظمت شدّةً عليك وجلّتْ وتلتها قوارع باكيات سئمت دونها الحياة وملّت فاصطبر وانتظر بلوغ مداها فالرزايا إذا توالت تولّت وإذا أوهنت قواك وحلّت كُشفتْ عنك جملة فتخلّت وقال آخر : إذا الحادثات بلغن المدى وكادت تذوب لهنّ المهجْ وحلّ البلاء وقلّ الرجاء فعند التناهي يكون الفرجْ وأنشدني أبو القاسم الحسن بن محمد السلوسي قال : أنشدني أبو الحسن عيسى بن زيد العقيلي النسابة قال : أنشدني سليمان بن أحمد الرقي : توقع إذا ما عرتك الخطوب سروراً (يسيّرها) عنك قسراً ترى اللّه يخلف ميعاده وقد قال : إنّ مع العسر يُسراً ٧{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} قال ابن عباس : إذا فرغت من صلاتك فانصب إلى ربّك في الدعاء، واسأله حاجتك وارغب اليه. ابن أبي نجيح، عن مجاهد : إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك إلى ربّك. الضحّاك : إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربّك في الدعاء، وأنت جالس قبل أن تسلم. قتادة : أمره أن يبالغ في دعائه إذا فرغ من صلاته. عن الحسن : إذا فرغت من جهاد عدوك، فانصب في عبادة ربّك. عن زيد بن أسلم : إذا فرغت من جهاد العرب وانقطع جهادهم، فانصب لعبادة اللّه وإليه فارغب. عن منصور، عن مجاهد : إذا فرغت من أمر الدنيا فانصب في عبادة ربّك وصلِّ. وأخبرنا محمد بن عبوس قال : حدّثنا محمد بن يعقوب قال : حدّثنا محمد بن الحميم قال : حدّثني الفراء قال : حدّثني قيس بن الربيع، عن أبي حصين قال : مرّ شريح برجلين يصطرعان فقال : ليس بهذا أُمر الفارغ، إنما قال اللّه عزّ وجلّ : {فإذا فرغت فانصب وإلى ربّك فارغب} . قال الفراء : فكأنّه في قول شريح : إذا فرغ الفارغ من الصلاة أو غيرها. وقوله {فَانصَبْ} من النصب، وهو التعب والدأب في العمل، وقيل : أمره بالقعود للتشهد إذا فرغ من الصلاة والانتصاب للدعاء. عن حيان، عن الكلبي : إذا فرغت من تبليغ الرسالة، فانصب : أي استغفر لذنبك وللمؤمنين. عن جنيد : فإذا فرغت من أمر الخلق، فاجتهد في عبادة الحق. عن أبو العباس بن عطاء : فإذا فرغت من تبليغ الوحي، فانصب في طلب الشفاعة. ٨{وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب} في جميع أحوالك (لا) إلى سواه، وقيل : إذا فرغت من أشغال الدنيا، ففرّغ قلبك لهموم العقبى. عن جعفر : اذكر ربّك على فراغ منك عن كل ما دونه، وقيل : إذا فرغت من العبادة، فانصب إلى الإعراض عنها مخافة ردّها عليك، وإلى ربّك فارغب، والاستغفار لعملك كالخجل المستحيي. أخبرنا الشيخ أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي المقري قال : حدّثنا أبو محمد عبداللّه ابن محمد المزني قال : حدّثنا الوليد بن بيان ويحيى بن محمد بن صاعد ومحمد بن أحمد السطوي قال : حدّثنا ابن أبي برة قال : حدّثنا عكرمة بن سليمان قال : قرأت على إسماعيل بن عبداللّه، فلمّا بلغت إلى والضحى قال : كبّر حتى نختم مع خاتمة كل سورة، فإني قرأت على شبل بن عباد وعلي بن عبداللّه بن كثير، فأمراني بذلك. قال : وأخبرني عبداللّه بن كثير أنه قرأ على مجاهد، فأمره بذلك، وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس، فأمره بذلك وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أُبي بن كعب، فأمره بذلك، وأخبره أُبيّ بن كعب أنه قرأ على النبي (صلى اللّه عليه وآله)، فأمره بذلك. |
﴿ ٠ ﴾