سورة البيّنة (المنفكّين)مدنيّة، وهي ثلاثمائة وتسعة وتسعون حرفاًوأربع وتسعون كلمة وثماني آيات أخبرنا السلمي والخبازي قالا : أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب قال : أخبرنا محمد بن موسى بن النعمان قال : حدّثنا فهد بن سليمان قال : حدّثنا إسحاق بن بشير قال : حدّثنا مالك بن أنس عن محمد بن سعيد عن سعيد بن المسيّب عن أبي الهاد قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (لو يعلم الناس ما في {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} لعطّلوا الأهل والمال وتعلّموها) فقال رجل من خزاعة : ما فيها من الأجر يا رسول اللّه ؟ قال رسول اللّه (عليه السلام) : (لا يقرأها منافق أبداً ولا رجل في قلبه شكّ في اللّه عزّوجل، واللّه إن الملائكة المقرّبين ليقرأونها منذ خلق اللّه السماوات والأرض لا يفترون من قراءتها، وما من عبد يقرأها بليل إلاّ بعث اللّه سبحانه ملائكة يحفظونه في دينه ودنياه، ويدعون اللّه له بالمغفرة والرحمة، فإنْ قرأها نهاراً أُعطيّ عليها من الثواب مثل ما أضاء عليه النهار وأظلم عليه الليل). فقال رجل من قيس عيلان : زدنا من هذا الحديث فداك أبي وأُمّي يا رسول اللّه، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (تعلّموا {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} وتعلّموا {ق وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ} وتعلّموا {وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} وتعلّموا {وَالسَّمَآءِ وَالطَّارِقِ} وإنّكم لو تعلمون ما فيهن لعطّلتم ما أنتم فيه وتعلّمتموهنّ وتقرّبتم إلى اللّه سبحانه بهنّ فإن اللّه يغفر بهنّ كل ذنب إلاّ الشرك باللّه. واعلموا أنّ {تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ} (تجادل عن صاحبها) وتستغفر له من الذنوب). وأخبرني الخبازي قال : حدّثنا ظفران قال : حدّثنا بن أبي داود قال : حدّثنا محمد بن عاصم قال : حدّثنا شبابة بن سوار قال : حدّثنا مخلد بن عبد الواحد عن علي بن زيد عن زر عن أُبيّ قال : قال رسول اللّه (عليه السلام) : (من قرأ سورة {لَمْ يَكُنِ} كان يوم القيامة مع خير البرية مسافراً أو مقيماً). وأخبرني الحسين قال : حدّثنا محمد بن الحسن بن علي قال : حدّثنا أبو يعلى الموصلي قال : حدّثنا محمد بن المثنى قال : حدّثنا عبد ربّه قال : حدّثنا شعبة قال : سمعت قتادة يحدّث عن أنس قال : قال رسول اللّه (عليه السلام) لأُبيّ بن كعب : (إن اللّه عزّ وجلّ أمرني أن أقرأ عليك {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} ) قال : وسمّاني؟ قال : (نعم) فبكى. بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ١{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} وهم اليهود والنصارى، والمشركون وهم عبدة الأوثان، {مُنفَكِّينَ} منتهين عن كفرهم وشركهم، وقال أهل اللغة : زائلين، يقول : العرب : ما انفكّ فلان يفعل كذا، أي ما زال، وأصل الفكّ الفتح، ومنه فكّ الكتاب، وفكّ الخلخال، وفكّ البيالم وهي خورنق العطر، قال طرفة : وآليت لا ينفك كشحي بطانة لعضب رقيق الشفرتين منهد {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} الحجّة الواضحة وهي محمد (عليه السلام) أتاهم بالقرآن فبيّن لهم ضلالتهم وجهالتهم، وهداهم إلى الإيمان، وقال ابن كيسان معناه لم يكن هؤلاء الكفار تاركين صفة محمد (عليه السلام) حتى بعث، فلمّا بعث تفرّقوا فيه. ٢ثم فسّر البيّنة فقال : {رَسُولٌ مِّنَ اللّه} . فأبدل النكرة من المعرفة كقوله : {ذُو العَرْشِ المَجِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} . {يَتْلُوا} يقرأ {صُحُفًا} كتباً {مُّطَهَّرَةً} من الباطل ٣{فِيهَا كُتُبٌ} من اللّه {قَيِّمَةٌ} مستقيمة عادلة ٤{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} في أمر محمد (عليه السلام) فكذّبوه {إِلا مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} البيان في كتبهم أنه نبيٌّ مرسل. قال العلماء : من أول السورة إلى قوله : {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} حكمها في من آمن من أهل الكتاب والمشركين، {وَمَا تَفَرَّقَ} حكمه في من لم يؤمن من أهل الكتاب بعد قيام الحجج عليها. قال بعض أئمّة أهل اللغة قوله : {مُنفَكِّينَ} أي هالكين من قوله انفك صلا المرأة عند الولادة وهو أن تنفصل ولا يلتئم فهلك، ومعنى الآية : لم يكونوا هالكين أي معذّبين إلاّ بعد قيام الحجّة عليهم بإرسال الرسول وإنزال الكتب. وقرأ الأعمش (والمشركون) رفعاً، وفي مصحف عبد اللّه (لم يكن المشركون وأهل الكتاب منفكّين) وفي حرف أُبيّ (ما كان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكّين حتى تأتيهم البيّنة رسولا من اللّه) بالنصب على القطع والحال. ٥{وَمَآ أُمِرُوا} يعني هؤلاء الكفار {إِلا لِيَعْبُدُوا اللّه مُخْلِصِينَ} يعني إلاّ أن يعبدوا اللّه مخلصين له الدين التوحيد والطاعة {حُنَفَآءَ} مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام. وقال ابن عباس : حجاجاً، وقال قتادة : الحنيفية هي الختان وتحريم الأُمّهات والبنات والأخوات والعمّات والخالات، وإقامة المناسك. وقال سعيد بن حمزة : لا تسمي العرب حنيفاً إلاّ من حجّ واختتن {وَيُقِيمُوا الصلاةَ وَيُؤْتُوا الزكاةَ وَ ذلك } الذي ذكرت {دِينُ الْقَيِّمَةِ} المستقيّمة فأضاف الدين إلى القيّمة وهو أمر فيه اختلاف اللفظين وأنّث القيّمة لأنّه رجع بها إلى الملّة والشريعة، وقيل : الهاء فيه للمبالغة. سمعت أبا القاسم الحنبلي يقول : سمعت أبا سهل محمد بن محمد بن الأشعث الطالقاني يقول : إن القيّمة هاهنا الكتب التي جرى ذكرها، والدين مضاف إليها على معنى : وذلك دين الكتب القيّمة فيما يدعو إليه ويأمر به، نظيرها قوله سبحانه : {وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} . وقال النضر بن شميل : سألت الخليل بن أحمد عن قوله سبحانه : {وَ ذلك دِينُ الْقَيِّمَةِ} فقال : القيّمة جمع القيّم، والقيّم (والقائم) واحد ومجاز الآية : وذلك دين القائمين لك بالتوحيد. ٦{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَولَاكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} الخليقة، قرأ نافع البرئة بالهمزة في الحرفين ومثله روى ابن ذكوان عن أهل الشام على الأصل لأنه من قولهم : برأ اللّه الخلق يبرأهم برءاً، قال اللّه سبحانه : {من قبل نبرأها} ، وقرأ الآخرون بالتشديد من غير همزة، ولها وجهان : أحدهما أنه ترك الهمزة وأدخل الشبه به عوضاً منه. والآخر أن يكون (فعيلة) من البراء وهو التراب، تقول العرب : بفيك البراء فمجازه : المخلوقون من التراب. ٧-٨{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْن تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الاْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِىَ اللّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّه}. قال الصادق ح : بما كان سبق لهم من العناية والتوفيق، ورضوا عنه بما منَّ عليهم بمتابعتهم لرسوله، وقبولهم ما جاءهم به، أي أن بيان رضا الخلق عن اللّه رضاهم بما يرد عليهم من أحكامه ورضاه عنهم أن يوفّقهم للرضا عنه). محمد بن الفضيل : الرَّوح والراحة في الرضا واليقين، والرضا باب اللّه الأعظم ومستراح العابدين. محمد بن حقيق : الرضا ينقسم قسمين : رضاً به ورضاً عنه، فالرضا به ربّاً ومدبّراً، والرضا عنه فيما يقضي ويقدّر. وقيل : الرضا رفع الاختيار. ذي النون : الرضا : سرور القلب لمرِّ القضاء. حارث : الرضا سكون القلب تحت جريان الحكم. أبو عمرو الدمشقي : الرضا نهاية الصبر. أبو بكر بن طاهر : الرضا خروج الكراهية من القلب حتى لا يكون إلاّ فرح وسرور. الواسطي : هو النظر إلى الأشياء يعني الرضا حتى لا يسخطك شيء إلاّ ما يسخِط مولاك. ابن عطاء : هو النظر إلى قديم إحسان اللّه للعبد فيترك السخط عليه. سمعت محمد بن الحسين بن محمد يقول : سمعت محمد بن أحمد بن إبراهيم يقول : سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت علي بن عبد الحميد يقول : سمعت السهمي يقول : إذا كنت لا ترضى عن اللّه فكيف تسأله الرضا عنك ؟. |
﴿ ٠ ﴾