سورة قريشمكّيّة، وهي ثلاثة وسبعون حرفاً، وسبع عشرة كلمة، وأربع آيات أخبرني نافل بن راقم بن أحمد بن عبد الجبار البابي قال : حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن محمد البلخي قال : حدّثنا عمر بن محمد بن محمد الكرمي قال : حدّثنا أسباط بن اليسع قال : حدّثنا يحيى بن عبيد اللّه السلمي قال : حدّثنا نوح بن أبي مريم عن علي بن زيد عن زر بن حبيش عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ سورة {لإيلَافِ قُرَيْشٍ} أُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من طاف بالكعبة واعتكف بها). وأخبرني الحسين قال : حدّثنا حازم بن يحيى الحلواني قال : أخبرنا أبو مصعب عن إبراهيم بن يحيى بن ثابت قال : أخبرني عبد اللّه بن أبي عتيق عن سعيد بن عمر بن جعدة عن أبيه عن جدته أُمّ هانئ بنت أبي طالب قالت : إن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (فضَّل اللّه قريشاً بسبع خصال لم يعطها أحداً قبلهم، ولا يعطاها أحداً بعدهم : فضلَّ اللّه قريشاً أني منهم، وأنّ النبوة فيهم وأنّ الحجابة فيهم، والسقاية فيهم، ونصرهم على الفيل، وعبدوا اللّه سبحانه عشرين سنة لا يعبدهُ غيرهم، وأنزل اللّه سبحانه فيهم سورة لم يذكر فيها أحدٌ غيرهم. بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ١-٢{لإِيلاَفِ قُرَيْش إِيلاَفِهِمْ} . اختلفت القرّاء فيها فقرأ عبد اللّه بن عامر (لألاف) مهموزاً مختلساً بلا ياء، وقرأ أبو جعفر (ايلاف) بغير همز وإنما ذهب إلى طلب الخفّة (لايلاف) بالياء مهموزة مشبعة، وأما قولهم : (إيلاف) فروى العمري عن أبي جعفر والبلخي عن ابن كثير (إلفهمْ) ساكنة اللام يغير ياء وتصديق هذه القراءة ما أخبرنا الحسين بن فنجويه قال : حدّثنا ابن خنيس قال : حدّثنا أبو خديجة أحمد ابن داود قال : حدّثنا محمد بن حميد قال : حدّثنا مهران عن سفيان بن ليث عن شمر بن حوشب عن أسماء قالت : سمعت النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (يقرأ) : (إلفهم رحلة الشتاء والصيف). وروى الفضل بن شاذان بإسناده عن أبي جعفر، والوليد عن أهل الشام (إلافهم) مهموزة مختلسة بلا ياء، وروى محمد بن حبيب الحموي عن أبي يوسف الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (إلأفْهم) بهمزتين الأُولى مكسورة والثانية ساكنة الباقون (إيلافهم ). وأخبرني سعيد بن المعافى، أخبرهم عن محمد بن جرير قال : حدّثنا أبو كرنب قال : حدّثنا وكيع عن أبي مكّي عن عكرمة أنه كان يقرأ (إليالف قريش الفهم ). وعدّ بعضهم السورتين واحدة منهم أُبيّ بن كعب ولافصل بينهما في مصحفه. وقال سفيان بن عيينة : كان لنا امام لا يفصل بينهما ويقرأهما معاً، وقال عمرو بن ميمون الاودي صلّيت المغرب خلف عمر بن الخطاب ح فقرأ في الأُولى والتين والزيتون، وفي الثانية ألم تّر ولإيلاف قريش. واختلفوا في العلّة الجالبة لهذه اللام فقال الفرّاء : هي متّصلة بالسورة الأُولى وذلك أنه (تعالى) ذكّر أهل مكّة عظيم نعمته عليهم في ما صنع بالحبشة، ثم قال : {لإيلَافِ قُرَيْشٍ} فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمةً منّا على قريش أي نعمتنا عليهم في رحلتهم الشتاء والصيف، فكأنّه قال : نعمةٌ إلى نعمة فتكون اللام بمعنى (إلى). وقال الرازي والأخفش : هي لام التعجب يقول : عجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة ربّ هذا البيت، ثم أمرهم بعبادته. وهذا كما يقول في الكلام : لزيد وإكرامنا إيّاه، على وجه التعجب أي : أعجبُ لذلك، والعرب إذا جاءت بهذه اللام اكتفوا بها دليلا على التعجّب لإظهار الفعل فيه كقول الشاعر : أغرَّكَ أن قالوا لقرة شاعرٌ افياك أباه من عريف وشاعرٌ أي أعجبوا لقرة شاعراً. وقيل هي لام (كي) مجازها {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُول} ليؤلف قريشاً، فكان هلاك أصحاب الفيل سبباً لبقاء إيلاف قريش، ونظام حالهم واقوام ما لهم، وقال الزجّاج : هي مردودة إلى ما بعدها، تقديرهُ : فليعبدوا رب هذا البيت لإيلاف رحلة الشتاء والصيف. وقريش هم ولد النضر بن كنانة، فمن وَلَده النضر فهو قرشي، ومن لم يلده النضر فليس بقرشي. قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمّنا، ولا ننتفي من أبينا). وأخبرنا أبو بكر الجوزي قال : أخبرنا الرعولي قال : حدّثنا محمد بن يحيى قال : حدّثنا أبو المغيرة قال : حدّثنا الأوزاعي قال : حدّثنا أبو عمار شداد عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول اللّه (عليه السلام) : (إن اللّه عزّ وجلّ اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم). وسمّوا قريشاً من التقرش، وهو التكسّب والتقلّب والجمع والطلب، وكانوا قوماً على المال والإفضال حراصاً. وسأل معاوية عبد اللّه بن عباس : لِمَ سمّيت قريش قريشاً؟ فقال : لدابّة في البحر يقال لها : القرش، تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلا. قال : وهل يعرف العرب ذلك في أشعارهم؟ قال : نعم : وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا سلطت بالعلو في لجّةِ الب حر على ساير البحور جيوشا تأكل الغثّ والسمين ولا تترك فيه لذي جناحين ريشا هكذا في البلاد حي قريش يأكلون البلاد أكلا كميشا ولهم آخر الزمان نبيٌّ يُكثر القتل فيهمُ والخموشا يملأ الأرض خيله ورجالا يحسرون المطيّ حسراً كشيشا وقوله : {إِلَافِهِمْ} بدل من الإيلاف الأوّل ويرخمه له، ومن أسقط الياء من الايلاف احتجَ بقول ابي طالب يوصي أبا لهب برسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ولا تتركنه ما حييت لمعظم وكن رجلا ذا نجدة وعفافِ تذود العدا عن عصبة هاشمية إلافهم في الناس خيرُ إلافِ {رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ} اختلفوا في وجه انتصاب الرحلة فقيل : نصبت على المصدر أي ارتحالهم رحلة، وإنْ شئت نصبته بوقوع إيلافهم عليه، وإنْ شئت على الظرف بمعنى : على رحلة، وإنْ شئت جعلتهما في محل الرفع على معنى هما رحلتا الشتاء والصيف، والأول أعجب وأحبّ إليّ لأنّها مكتوبة في المصاحف بغير ياء. وأمّا التفسير : فروى عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كانوا يشتون بمكّة ويصيفون بالطائف، فأمرهم اللّه سبحانه أن يشتوا بالحرم ويعبدوا ربّ البيت. وقال أبو صالح : كانت الشام فيها أرضٌ باردة وفيها أرض حارة، وكانوا يرتحلون في الشتاء إلى الحارة، وفي الصيف إلى الباردة وكانت لهم رحلتان كلّ عام للتجارة : أحدهما في الشتاء إلى اليمن؛ لأنها أدفأ، والأُخرى في الصيف إلى الشام، وكان الحرم وادياً جدباً لازرع فيه ولا ضرع، ولا ماء ولا شجر، وإنّما كانت قريش تعيش بها بتجارتهم ورحلتهم، وكانوا لا يُتعرض لهم بسوء. وكانوا يقولون : قريش سكان حرم اللّه وولاة بيته، فلولا الرحلتان لم يكن لأحد بمكّة مقام، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرّف، فشقّ عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام، وأخصبت تبالة وجرش والجند من بلاد اليمن، فحملوا الطعام إلى مكّة، أهل الساحل في البحر على السفن، وأهل البر على الإبل والحمر، فألقى أهل الساحل بجدّة وأهل البرّ بالمحصّب، وأخصبت الشام فحملوا الطعام إلى مكّة، فحمل أهل الشام إلى الأبطح، وحمل أهل اليمن إلى الجدّة، فامتاروا من قريب وكفاهم اللّه مؤونة الرحلتين وأمرهم بعبادة ربّ البيت. أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد قال : أخبرنا أبو الوليد حسان بن محمد قال : حدّثنا القاسم بن زكريّا المطرّز قال : حدّثنا محمد بن سليمان قال : حدّثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جُبير قال : مرَّ رسول اللّه (عليه السلام) ومعه أبو بكر بملَئِهم ينشدون : يا ذا الذي طلب السماحة والندى هلاّ مررت بآل عبد الدارِ هلاّ مررت بهم تريد قِراهمُ منعوك من جهد ومن إقتار فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لأبي بكر : (أهكذا قال الشاعر يا أبا بكر؟) قال : لا، والذي بعثك بالحق، بل قال : يا ذا الذي طلب السماحة والندى هلاّ مررت بآل عبد منافِ لو أنْ مررت بهم تريد قِراهمُ منعوك من جهد ومن إيجاف الرائشين وليس يوجد رائش والقائلين هلُمَّ للأضياف والخالطين غنَّيهم بفقيرهم حتى يصير فقيرُهم كالكافي والقائلين بكل وعد صادق ورجال مكّة مسنتين عجاف سفرين سنّهما له ولقومه سفر الشتاء ورحلة الأصياف قال الكلبي : وكان أوّل من حمل السمراء من الشام ورحل اليها الإبل هاشم بن عبد مناف. ٣-٤{فَلْيَعْبُدُوا} لام الأمر {رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوع} . أخبرنا أبو عبد اللّه الحسين بن محمد قال : حدّثنا أبو الفضل عبيد اللّه بن عبد الرحمن بن محمد قال : حدّثنا جعفر قال : سمعت ابن ملك بن دينار يقول : ما سقطت أُمة من عين اللّه سبحانه إلاّ ضرب أكبادها بالجوع. {وَءَامَنَهُم مِّنْ خوْف} وذلك أنهم كانوا يقولون : نحن قُطّان حرم اللّه سبحانه، فلا يعرض لهم أحد في الجاهلية، وإنْ كان الرجل ليصاب في الحي من أحياء العرب فقال : حرمي حرمي فيُخلّى عنه وعن ماله تعظيماً للحرم، وكان غيرهم من قبائل العرب إذا خرج أُغير عليه. وقال الضحّاك والربيع وشريك وسفيان : وآمنهم من الجذام، فلا يصيبهم ببلدهم الجذام. وأخبرنا أيضاً أبو الحسن المقري قال : حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن عيسى المقري البروجردي ببغداد قال : حدّثنا أبو سعيد عمر بن مرداس قال : حدّثنا محمد بن بكير الحضرمي قال : حدّثنا القاسم بن عبد اللّه عن (أبي) بكر بن محمد عن سالم قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (غبار المدينة يُبرئ من الجذام). وقال علي كرم اللّه وجهه : وآمنهم من (خوف) أن تكون الخلافة إلاّ فيهم . |
﴿ ٠ ﴾