٢-٥

وأما وجه تكرار الكلام فأن معنى الآية {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} في الحال

{وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} في الحال {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} في الاستقبال {وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} في الاستقبال وهذا خطاب لمن سبق في علم اللّه سبحانه أنهم لا يؤمنون،

وقال أكثر أهل المعاني : نزل القرآن بلسان العرب وعلى مجاري خطابهم ومن مذاهبهم التكرار إرادة التوكيد والإفهام،

كما أن مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز لإن إتيان المتكلّم والخطيب وخروجه من شيء الى شيء آخر أفضل من اقتصاره في المقام على شيء واحد،

قال اللّه تعالى : {فَبِأَىِّ ءَالآء ِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} {وَيْلٌ يَوْمَذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} في غير موضع من سورة واحدة وقال سبحانه : {كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون} وقال : تعالى {وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين} وقال : {فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسرا} كل هذا أراد به التأكيد،

ويقول القائل : ارم ارم،

عجّل عجل،

ومنه الحديث أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) صعد المنبر ذات يوم فقال : (إن بني مخزوم استأذنوا أن ينكحوا فتاتهم علياً فلا اذن ثم لا آذن،

لأنَّ فاطمة بضعة مني يسرّها ما يسرّني ويسوءها ما يسوءني).

ومنه قول الشاعر :

هلا سألت جموع كندة

يوم ولوا أين أينا

وقال آخر :

يا علقمه يا علقمه يا علقمه

خير تميم كلّها وأكرمه

وقال آخر :

قربا مربط النعامة مني

لقحت حرب وائل عن حيان

ثم قال في عدة أبيات من هذه القصيدة :

لقحت حرب وائل عن حيان

وأنشدني أبو القاسم بن حبيب قال : أنشدني أبو القاسم عبد الرحمن بن المظفر الأنباري قال : أنشدنا أبو بكر محمد بن أحمد بن القاسم الأنباري لبعض نساء الإعراب.

يقول رجال زوجها لعلها

تقر وترضى بعده بحليل

فأخفت في النفس التي ليس دونها

رجاء وان الصدق أفضل قيل

أبعد ابن عمي سيد القوم مالك

أزَّف الى بعل ألدّ كليل

وحدّثني أصحابه أن مالكاً

أقام ونادى صحبه برحيل

وحدّثني أصحابه أن مالكاً

صروم كماضي الشفرتين صقيل

وحدّثني أصحابه أن مالكاً

جواد بما في الرحل غير بخيل

وقال القتيبي : وفيه وجه آخر وهو أنَّ قريشاً قالوا : إن سرّك أن ندخل في دينك عاماً فأدخل في ديننا عاماً فنزلت هذه السورة،

فتكرار الكلام لتكرار الوقت،

وقال : فيه وجه آخر وهو أن القرآن نزل شيء بعد شيء وآية بعد آية فكانهم قالوا اعبد آلهتنا سنة فقال اللّه سبحانه : {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} ثم قالوا بعد ذلك : استلم بعض آلهتنا فانزل اللّه تعالى : {ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد}

﴿ ٤