٢٥

قوله جلّ ذكره : { وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } .

هذه البشارة بالجنان تتضمن تعريفاً بِنعِم مؤجلة لعموم المؤمِنين على الوصف الذي يُشْرَح بلسان التفسير . ويشير إلى البشارة للخواص بنعم مُعَجَّلة مضافة إلى تلك النعم يتيح ( ها ) اللّه لهم على التخصيص ، فتلك المؤجلة جنان المثوبة وهذه جنان القُربَة ، وتلك رياض النزهة وهذه رياض الزُّلفة ، بل تلك حدائق الأفضال وهذه حقائق الوِصال ، وتلك رفع الدرجات وهذه رَوْح المناجاة ، وتلك قضية جوده ، هذه الاشتعال بوجوده ، وتلك راحة الأبشار وهذه نزهة الأسرار ، وتلك لطف العَطاء للظواهر وهذه كشف الغِطاء عن السرائر ، وتلك لطف نواله وأفضاله وهذه كشف جماله وجلاله .

قوله جلّ ذكره : { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .

كما أن أهل الجنة تتجدد عليهم النعم في كل وقت ، فالثاني عندهم - على ما يظنون - كالأول ، فإِذا ذاقوه وجدوه فوق ما تقدّم - فكذلك أهل الحقائق : أحوالهم في السرائر أبداً في الترقي ، فإِذا رُقيِّ أحدهم عن محلِّه توهَّم أن الذي سيلقاه في هذا النَّفَس مثل ما تقدم فإِذا ذاقه وجده فوق ذلك بأضعاف ، كما قال قائلهم :

ما زلت أنزل من ودادك منزلاً ... تتحيَّرُ الألباب دون نزوله

﴿ ٢٥