٢٧

الإشارة فيه إلى حال من سلك طريق الإرادة ، ثم رجع إلى ما هو عليه أهل العادة ، قال بتَرْكِ نفسه ثم لم يَصْدُق حين عزم الأمر ، ونزل من إشارة الحقيقة إلى رخص الشريعة ، وكما أنَّ من سلك الطريق بنفسه - ما دام يبقى درهم في كيسه - فغيرُ محمودٍ رجوعُه فكذلك من قصد بقلبه - ما دام يبقى نَفَسٌ من روحه - فغير مَرْضيِّ رجوعهُ :

إن الأُلى ماتوا على دين الهدى ... وجدوا المنية منهلاً معلولا

ويقطعون ما أمر اللّه به أن يُوصَل : وصل أسباب الحق بقطع أسباب الخَلْق ، ولا يتم وصل مَا لَهُ إلا بقطع ما لَكَ ، فإذا كان الأمر بالعكس كان الحال بالضد .

ومما أُمِرَ العبد بوصله : حفظه دِمام أهل هذه الطريقة ، والإنفاق على تحصيل ذلك بصدق الهمم لا يبذل النِّعَم ، فهممهم على اتصال أسباب هذه الطريقة وانتظام أحوالها موقوفة ، وقلوبهم إلى توقع الحراسة من اللّه تعالى لأهلها مصروفة . وفساد هذه الطريقة في الأرض : أما مَنْ لهم حواشي أحوالهم ، وإطراق أمورهم فيتشاغلون عن إرشادِ مريدٍ بكلامهم ، وإشحاذِ قاصدٍ بهممهم؛ وذلك مما لا يرضى به الحق سبحانه منهم .

ومِنْ نَقْضِ العهد أيضاً أن يحيد سِرُّك لحظةً عن شهوده ، ومِنْ قَطْع ما أُمِرْتَ بِوَصْلِه أن يتخلل أوقاتك نَفَسٌ لحظِّك دون القيام بحقه ، ومِنْ فسادِكَ في الأرض ساعة تجري عليك ولم تَرَهُ فيها . أَلاَ إن ذلك هو الخسران المبين ، والمحنة العظمة ، والرزية الكبرى .

﴿ ٢٨