٦٠إن الذي قدر على إخراج الماء من الصخرة الصمَّاء كان قادراً على إروائهم بغير ماء ولكن لإظهار المعجزة فيه ، وإيصال محل الاستغاثة إليه ، وليكون على موسى عليه السلام - أيضاً في نقل الحجر - مع نفسه شغل ، ولتكليفه أن يضرب بالعصا مقاساةُ نوعٍ من معالجةِ ما أمضى حكمه عند استسقائه لقومه . ثم أراد الحق سبحانه أن يكون كل قوم جارياً على سُنَّتْ ، ملازماً لحَدّه ، غير مُزَاحِمٍ لصاحبه فأفرد لكل سبطة علامةً يعرفون بها مشربهم ، فهؤلاء لا يَرِدُون مشرب الآخرين ، والآخرون لا يَرِدُون مشرب الأولين . وحين كفاهم ما طلبوا أمرَهُم بالشكر ، وحِفْظِ الأمرِ ، وتَرْكِ اختيار الوِزر ، فقال :{ وَلاَ تَعْثَوْا فِى الأَرْضِ مُفْسِدِينَ } . والمناهل مختلفة ، والمشارب متفاوتة ، وكلٌّ يَرِدَ مَشْرَبه فمشربٌ عَذْبٌ فُرات ، ومشربٌ مِلْح أُجاج ، ومشربٌ صافِ زلال ، ومشرب رتق أوشال . وسائقُ كلِّ قوم يقودهم ، ورائد كُلِّ طائفة يسوقهم؛ فالنفوس تَرِدُ مناهل المنى والشهوات ، والقلوب ترد مشارب التقوى والطاعات ، والأرواح ترد مناهل الكشف والمشاهدات ، والأسرار ترد مناهل الحقائق بالاختطاف عن الكون والمرسومات ، ثم عن الإحساس والصفات ثم بالاستهلاك في حقيقة الوجود والذات . |
﴿ ٦٠ ﴾