١٢٥قوله جلّ ذكره : { وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا } . واذكر يا محمد حين جعلنا البيت - يعني الكعبة - مثابة للناس إليه يثوبون ، ومأمنًا لهم إليه يرجعون ، وإياه من كل نحوٍ يقصدون . هو بيت خلقتُه من الحجر ولكن أضفته إلى الأزل؛ فمن نظر إلى البيت بعين الخِلْقَة انفصل ، ومن نظر إليه بعين الإضافة وصل واتصل ، وكلُّ من التجأ إلى ذلك البيت أَمِنَ من عقوبة الآخرة إذا كان التجاؤه على جهة الإعظام والاحترام ، والتوبة عن الآثام . ويقال بُنيَ البيتُ من الحجر لكنه حجر يجذب القلوب كحجر المغناطيس يجذب الحديد . بيتٌ من وقع عليه ظِلُّه أناخ بعَقْوَةِ الأمن . بيتٌ مَنْ وقع عليه طَرْفُه بُشِّرَ بتحقيق الغفران . بيتٌ مَنْ طاف حَوْلَه طافت اللطائف بقلبه ، فطَوْفَة بطوفة ، وشَوْطة بشوطة وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان . بيتٌ ما خَسِرَ مَنْ أنفق على الوصول إليه مَالَه . بَيت ما ربح مَنْ ضَنَّ عليه بشيءٍ؛ مَنْ زاره نَسِيَ مزارَه ، وهجر ديارَه . بيت لا تُسْتَبْعَدُ إليه المسافة ، بيت لا تُنْرَك زيارته لحصول مخافة ، أو هجوم آفة ، بيت ليس له بمهجة الفقراء آفة . بيت من قعد عن زيارته فَلِعدَمِ فُتَوَّتِه ، أو لقلة محبته . بيتٌ من صَبِرَ عنه فقلبه أقسى من الحجارة . بيت من وقع عليه شعاعُ أنواره تَسَلَّى عن شموسه وأقماره . بيت ليس العجب ممن بقي ( عنه ) كيف يصبر ، إنما العجب ممن حضره كيف يرجع! قوله جلّ ذكره : { وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى } . عَبْدٌ رفع للّه سبحانه قَدمًا فإلى القيامة جعل أثر قَدَمِه قِبْلَةً لجميع المسلمين إكرامًا لا مدى له . |
﴿ ١٢٥ ﴾