١٧

الصبرُ حبسُ النَّفْس ، وذلك على ثلاث مراتب :

صبر على ما أُمرَ به العبد ، وصبر عما نُهي عنه وصبر هو الوقوف تحت جريان حكمه على ما يريد؛ إمَّا في فوات محبوبك أو هجومَ ما لا تستطيعه .

فإذا ترقيتَ عن هذه الصفة - بألا تصيبك مشقةٌ أو تنال راحةً - فذلك رضاً لا صبر ويقال الصابرين على أمر اللّه ، والصادقين ، فيما عاهدوا اللّه .

و { القَانِتِينَ } ، بنفوسهم بالاستقامة في محبة اللّه .

و { المُسْتَغْفِرِينَ } عن جميع ما فعلوه لرؤية تقصيرهم في اللّه .

ويقال : { الصّابِرِينَ } بقلوبهم و { وَالصَّادِقِينَ } بأرواحهم و { وَالقَانِتِينَ } بنفوسهم ، و { المُسْتَغْفِرِينَ } بألسنتهم .

ويقال ( الصابرين ) على صدق القصود ( الصادقين ) في العهود ( القانتين ) بحفظ الحدود و ( المستغفرين ) عن أعمالهم وأحوالهم عند استيلاء سلطان التوحيد .

ويقال ( الصابرين ) الذين صبروا على الطلب ولم يتعللوا بالهرب ولم يحتشموا من التعب ، وهجروا كل راحة وطلب . وصبروا على البلوى ، ورفضوا الشكوى ، حتى وصلوا إلى المولى ، ولم يقطعهم شيء من الدنيا والعقبى .

و ( الصادقين ) الذين صدقوا في الطلب فقصدوا ، ثم صدقوا حتى وردوا ، ثم صدقوا حتى شهدوا ، ثم صدقوا حتى وجدوا ، ثم صدقوا حتى فقدوا . . فترتيبهم قصود ثم ورود ثم شهود ثم وجود ثم خمود .

و ( القانتين ) الذين لازموا الباب ، وداوموا على تجرّع الاكتئاب ، وتركوا المحاب ، ورفضوا الأصحاب إلى أن تحققوا بالاقتراب .

و { وَالمُنفِقِينَ } الذين جادوا بنفوسهم من حيث الأعمال ، ( ثم جادوا بميسورهم من الأموال ) ، ثم جادوا بقلوبهم بصدق الأحوال ، ثم جادوا بترك كل حظٍ لهم في العاجل والآجل ، استهلاكاً عند القرب والوصال بما لقوا من الاصطلام والاستئصال .

و { وَالمُسْتَغْفِرِينَ } عن جميع ذلك إذا رجعوا إلى الصحو عند الأسحار يعني ظهور الإسفار ، وهو فجر القلوب لا فجر يظهر في الأقطار .

﴿ ١٧