٣٠

قوله جلّ ذكره : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا } .

وَدَّ أهل الطاعات أَنْ لو استكثروا منها ، ووَدَّ أهل المخالفات أَنْ لو كبحوا لجامهم عن الركض في ميادينهم ، قال قائلهم :

ولو إنني أُعْطِيتُ من دهري المُنَى ... وما كلُّ مَنْ يُعْطَى المنى بِمُسَدَّدِ

لَقُلْتَ لأيامٍ مَضَيْن : ألا ارجعي ... وقلتُ لأيام أتيْن ألا ابعدي

قوله جلّ ذكره : { وَيُحَذِّرُكُمُ اللّه نَفْسَهُ وَاللّه رَءُوفٌ بِالعِبَادِ } .

الإشارة من قوله : { وَيُحَذِّرُكُمُ اللّه نَفْسَه } للعارفين ، ومن قوله { وَاللّه رَءُوفٌ بِالعِبَادِ } للمستأنفين ، فهؤلاء أصحاب العنف والعنوة ، وهؤلاء أصحاب التخفيف والسهولة .

ويقال لمَّا قال : { وَيُحَذِّرُكُمُ اللّه نَفْسَه } اقتضى أسماع هذا الخطاب تحويلهم فقال مقروناً به { وَاللّه رَءُوفٌ بِالعِبَادِ } لتحقيق تأميلهم ، وكذلك سُنَّتُه يطمعهم في عين ما يروعهم .

ويقال أفناهم بقوله { وَيُحَذِّركُمُ اللّه نَفْسَهُ } ثم أحياهم وأبقاهم بقوله { وَاللّه رَءُوفٌ بِالعِبَادِ } .

﴿ ٣٠