٣١{ تُحِبُّونَ اللّه } فرق ، و { يُحْبِبْكُمُ اللّه } جمع . { تُحِبُّونَ اللّه } مشوب بالعلة ، و { يُحْبِبْكُمُ اللّه } بِلا عِلّة ، بل هو حقيقة الوصلة . ومحبة العبد للّه حالة لطيفة يجدها من نفسه ، وتحمله تلك الحالة على موافقة أمره على الرضا دون الكراهية ، وتقتضي منه تلك الحالة إيثاره - سبحانه - على كل شيء وعلى كل أحد . وشرطُ المحبةِ ألا يكون فيها حظٌّ بحال ، فَمنْ لم يَفْنَ عن حظوظه بالكلِّية فليس له من المحبة شظيَّة . ومحبة الحق للعبد إرادته إحسانَه إليه ولطفَه به ، وهي إرادةُ فضلٍ مخصوص ، وتكون بمعنى ثنائه سبحانه عليه ومدحه له ، وتكون بمعنى فضله المخصوص معه ، فعلى هذا تكون من صفات فعله . ويقال شرط المحبة امتحاء كليتك عنك لاستهلاكك في محبوبك ، قال قائلهم : وما الحبُّ حتى تنزف العين بالبكا ... وتخرس حتى لا تجيب المناديا وهذا فرق بين الحبيب والخليل؛ قال الخليل : { فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّى }[ إبراهيم : ٣٦ ] . وقال الحبيبُ : { فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللّه } . فإن كان مُتَّبعُ الخليل ( منه ) إفضالاً فإن متابعَ الحبيبِ محبوبُ الحقِّ سبحانه ، وكفى بذلك قربة وحالاً . ويقال قطع أطماع الكافة أن يسلم لأحدٍ نفس إلا ومقتداهم وإمامهم سيد الأولين والآخرين محمد صلى اللّه عليه وسلم . ويقال في هذه الآية إشارة إلى أن المحبة غير معلولة وليست باجتلاب طاعة ، أو التجرد عن آفة لأنه قال : { يُحْبِبْكُمُ اللّه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } بيَّن أنه يجوز أن يكون عبد له فنون كثيرة ثم يحبُّ اللّه ويحبُّه اللّه . ويقال قال أولاً : { يُحْبِبْكُمُ اللّه } ثم قال : { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } والواو تقتضي الترتيب ليُعْلَمَ أَنَّ المحبةَ سابقةٌ على الغفران؛ أولاً يحبهم ويحبونه ( وبعده ) يغفر لهم ويستغفرونه ، فالمحبة توجِب الغفران لأن العفو يوجب المحبة . والمحبة تشير إلى صفاء الأحوال ومنه حَبَبُ الأسنان وهو صفاؤها . والمحبة توجب الاعتكاف بحضرة المحبوب في السر . ويقال أحب البعير إذا استناخ فلا يبرح بالضرب . والحبُّ حرفان حاء وباء ، والإشارة من الحاء إلى الروح ومن الباء إلى البَدَن ، فالمُحِبُّ لا يَدَّخِر عن محبوبه لا قلبَه ولا بَدَنَه . |
﴿ ٣١ ﴾