٣٢

لسان المعاملة أن الأمر بالتعني لا بالتمني ، ولسان التوحيد أن الأمر بالحُكْم والقضاء لا بالإرادة والمنى . ويقال اسلكوا سبيل من تقدَّمكم في قيامكم بحق اللّه ، ولا تتعرضوا لنَيْلِ ما خُصُّوا به من فضل اللّه . قوموا بحقِّ مولاكم ولا تقوموا بمتابعة هواكم واختيار مناكم .

ويقال لا تتمنوا مقام السادة دون أن تسلكوا سُبُلَهُم ، وتلازموا سيرهم ، وتعملوا عملهم . . فإن ذلك جَوْرٌ من الظن .

ويقال : كُن طالب حقوقه لا طالب نصيبك على أي وجه شئت : دنيا وآخرة ( وإلاَّ ) أشركت في توحيدك من حيث لم تشعر .

ويقال لا تتمنَّ مقامات الرجال فإنَّ لكل مقام أهلاً عند اللّه ، وهم معدودون؛ فما لم يمت واحد منهم لا يورثَ مكانه غيرُه ، قال تعالى : { جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ }[ الأنعام : ١٦٥ ، وفاطر : ٣٩ ] والخليفة من يخلف من تقدَّمه ، فإذا تمنَّيْتَ مقام وليَّ من الأولياء فكأنَّكَ استعجلتَ وفاتَه؛ على الجملة تمنيت أو على التفصيل ، وذلك غير مُسَلَّم .

ويقال خمودُك تحت جريان حكمه - على ما سبق به اختياره - أحظَى لكَ من تعرضك لوجود مناك ، إذ قد يكون حتفك في مُنيتك .

ويقال مَنْ لم يؤدّب ظاهرهُ بفنون المعاملات ، ولم يهذِّب باطنه بوجوه المنازلات فلا ينبغي أن يتصدَّى لنيل المواصلات ، وهيهات هيهات متى يكون ذلك!

{ وَسْئَلُوا اللّه مِن فَضْلِهِ } : الفرق بين التمني وبين السؤال من فضله من وجوه : يكون التمني للشيء مع غفلتك عن ربك؛ فتتمنى بقلبك وجود ذلك الشيء من غير توقعه من اللّه ، فإذا سألت اللّه فلا محالة تذكره ، والآخر أن السائل لا يرى استحقاق نفسه فيحْمِلُه صِدْقُ الإرادة على التملُّق والتضرع ، والتمني يخلو عن هذه الجملة .

والآخر أن اللّه نهى عن تمني ما فضل اللّه به غيرك إذ معناه أن يسلب صاحبك ما أعطاه ويعطيك إياه ، وأباح السؤال من فضله بأن يعطيك مثل ما أعطى صاحبك .

ويقال لا تتمنَّ العطاء وسَلْ اللّه أن يعطيك من فضله الرضا بِفَقْدِ العطاء وذلك أتمُّ من العطاء ، فإنَّ التَّحرُّرَ من رقِّ الأشياء أتمُّ مِنْ تملُّكِها .

﴿ ٣٢