٤٣النُّهيُ عن موجب السكر من الشراب لا من الصلاة ، أي لا تصادفنكم الصلاة وأنتم بصفة السُّكْر ، أي امتنعوا عن شُرْبِ ما يُسْكِر فإنكم إن شربتم سكرتم ، ثم إذا صادفكم الصلاة على تلك الحالة لا تُقْبَل منكم صلاتكم . والسُّكْر ذهاب العقل والاستشعار ، ولا تَصحُّ معه المناجاة مع الحق . المُصَلِّي يناجي ربَّه؛ فكلُّ ما أوجب للقلب الذهول عن اللّه فهو ملحق بهذا من حيث الإشارة؛ ولأجل هذه الجملة حَصَلَ ، والسُكْرُ على أقسام : فسُكْرٌ من الخمر وسُكْرٌ من الغفلة لاستيلاء حب الدنيا . وأصعب السكر سكرك من نفسك فهو الذي يلقيك في الفرقة عنه ، فإنَّ مَنْ سَكِرَ من الخمر فقصاراه الحرقة - إن لم يُغْفَر له . ومن سكر من نفسه فحاله الفرقة - في الوقت - عن الحقيقة . فأمَّا السُكْر الذي يشير إليه القوم فصاحبه محفوظٌ عليه وقته حتى يصلي والأمر مخفف عليه : ( فإذا خرج عن الصلاة هجم عليه غالبُه فاختطفه عنه ومن لم يكن محفوظاً ) عليه أحكام الشرع ( فمشوبُ بحظ ) . وقوله تعالى : { وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ } . . . الآية : أذن للمضطر أن يترخَّص في عبور المسجد وهو على وصف الجنابة ، فإذا عرج زائداً على قدر الضرورة فمُعَاتَبٌ غيرُ معذور ، وكذلك فيما يحصل من محاذير الوقت في القيام بشرائط الوقت فمرفوعةٌ عن صاحبه المطالبة به . ثم إنه - سبحانه - بفضله جعل التيمم بدلاً من الطهارة بالماء عند عَوَزِ الماء كذلك النزولُ إلى ساحات الفَرْقِ عن ارتقاء ذرة الجمع - بِقَدْر ما يحصل من الضعف - بَدَلٌ لأهل الحقائق . ثم إن التيمم - الذي هو بَدَلُ الماء - أعمُّ وجوداً من الماء ، وأقلُّ استعمالاً من الأصل ، فإن كل من كان أقرب كانت المطالبات عليه أصعب . ثم في الظاهر أمَرْنا باستعمال التراب وفي الباطن باستشعار الخضوع واستدامة الذبول . وردَّ التيمم إلى التقليل ، وراعى فيه صيانةً لرأسِك عن التُّراب ولقَدَمِك؛ فإنَّ العزَّ بالمؤمن - ومولاه باستحقاق الجلال - أوْلى من الذل لِمَا هو مفلس فيه من الحال ، ولئن كان إفلاسه عن أعماله يوجب له التذلُّل فعرفانُه بجلال سيِّده يوجب كل تَعَزُّزٍ وتَجَمُّل . |
﴿ ٤٣ ﴾