١٤٧

هذه الآية من الآيات التي توجب حُسْنَ الرجاء وقوة الأمل ، لأنه جعل من أمارات الأمان من العقوبات شيئين اثنين : الشكر والإيمان ، وهما خصلتان يسيرتان خفيفتان؛ فإن الشكر قالة ، والإيمان حالة ، ولقد هوَّن السبيل على العبد حين رضي منه بقالته وحالته . والشكر لا يصح إلا من المؤمنين فأمَّا الكافر فلا يصح منه الشكر؛ لأن الشكر طاعته والطاعة لا تصح من غير المؤمن .

وقوله : { وَآمَنتُمْ } يعني في المآل؛ فكأنه بيَّن ان النجاة إنما تكون لمن كانت عاقبته على الإيمان ، فمعنى الآية لا يعذبكم اللّه عذاب التخليد ، إن شكرتم في الحال وآمنتم في المآل .

ويقال : إن شكرتم وآمنتم صدقتم بأن نجاتكم باللّه لا بشكركم وبإيمانكم .

ويقال الشكر شهود النعمة من اللّه والإيمان رؤية اللّه في النعمة ، فكأنه قال : إن شاهدتم النعمة من اللّه فلا يقطعنَّكم شهودها عن شهود المُنْعِم .

وقوله : { وَكَانَ اللّه شَاكِرًا عَلِيمًا } أي واللّه شاكر عليم ، ومعنى كونه شاكراً أنه مادِحٌ للعبد ومُشْهِدٌ عليه فيما يفعله لأن حقيقة الشكر وحَدَّه الثناء على المُحْسِن بذكر إحسانه؛ فالعبد يشكر اللّهأي يثني عليه بذكر إحسانه إليه الذي هو نعمته عليه ، والربُّ يشكر للعبد أن يثني عليه بذكر إحسانه الذي هو طاعته له ، فإن اللّه يثني عليه بما يفعله من الطاعة مع علمه بأن له ذنوباً كثيرة .

ويقال يشكره - وإنْ عِلِمَ أنه سيرجع في المستأنف إلى قبيح أعماله .

ويقال يشكره لأنه يعلم ضعفه ، ويقال يشكره لأنه يعلم أنه لا يعصي وقَصْدُه مخالفةُ ربِّه ولكنه يُذْنِبُ لاستيلاء أحوال البشرية عليه من شهوات غالبة .

ويقال يشكره لأن العبد يعلم في حالة ذنوبه أنه له ربّاً يغفر له .

﴿ ١٤٧