٢١البشارة من اللّه تعالى على قسمين : بشارة بواسطة المَلَكِ ، عند التوفي : { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ }[ فصلت : ٣٠ ] . وبشارة بلا واسطة بقول المَلَك ، إذ يُبَشِّرهم ربُّهم برحمةٍ منه ، وذلك عند الحساب . يبشرهم بلا واسطة بِحُسْنِ التولِّي؛ فعاجِلُ بشارتهم بنعمة اللّه ، وآجِل بشارتهم برحمة اللّه ، وشتان ما هما! ويقال البشارة بالنعمة والجنة لأصحاب الإحسان ، والبشارة بالرحمة لأرباب العصيان ، فأصحاب الإحسان صَلُحَ أمرهم للشهرة فأَظْهَرَ أَمَرَهُم للمَلَكِ حتى بَشَّروهم جَهْراً ، وأهلُ العصيان صلح حالهم لِلسَتْرِ فتولَّى بشارتهم - من غير واسطة سِرَّاً . ويقال إِنْ كانت للمطيع بِشارةٌ بالاختصاص فإنَّ للعاصي بشارة بالخلاص . وإن كان للمطيع بشارة بالدرجات فإن للعاصي بشارة بالنجاة . ويقال إنَّ القلوبَ مجبولةٌ على محبة من يُبَشِّر بالخير؛ فأراد الحقُّ - سبحانه - أن تكون محبةُ العبد له - سبحانه - على الخصوص؛ فتولَّى بشارته بعزيز خطابه من غير واسطة ، فقال :{ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ }[ التوبة : ٢١ ] وفي معناه أنشدوا : لولا تَمتُّعُ مُقْلتي بلقائه ... لَوَهَبْتُها بُشْرَى بقرب إيابه ويقال بَشَّرَ العاصِيَ بِالرحمة ، والمطيعَ بالرضوان ، ثم الكافةَ بالجنة؛ فَقَدَّمَ العاصِيَ في الذكر ، وقدَّم المطيع بالبرِّ ، فالذَّكر قوْلُه وهو قديم والبِرُّ طَوْلُه وهو عميم . وقولُه الذي لم يَزَلْ أعَزُّ مِنْ طوْله الذي حصَلَ . قدَّم العصاة على المطيعين لأنَّ ضَعْفَ الضعيف أَوْلى بالرِّفق من القوي . ويقال قدَّم أمر العاصي بالرحمة حتى إذا كان يومُ العَرْضِ وحضورِ الجمعِ لا يفتضح العاصي . ويقال : { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ } يُعَرِّفُهم أنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من تلك الدرجات بسعيهم وطاعتهم ، ولكن برحمته - سبحانه - وصلوا إلى نعمته ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحدٍ يُنَجِّيه عمله . قالوا : ولا أنتَ يا رسول اللّه؟ قال : ولا أنا ، إِلا أن يتغمدني اللّه برحمته ) . قوله : { لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ } : قومٌ نعيمُهم عطاءُ ربِّهم على وصف التمام ، وقومٌ نعيمُهم لقاءُ ربهم على نعت الدوام؛ فالعابدون لهم تمام عطائه ، والعارفون لهم داوم لقائه . |
﴿ ٢١ ﴾