٢

قوله جلّ ذكره : { أَكَانَ لِلنَّاس عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ } .

تعجبوا من ثلاثة أشياء : من جواز البعث بعد الموت ، ومن إرسال الرسل إلى الخَلْق ، ثم من تخصيص محمد صلى اللّه عليه وسلم بالرسالة مِنْ بين الخلق ، ولو عرفوا كمال مُلْكِه لم يُنْكِروا جواز البعث ، ولو علموا كمال ملكه لم يجحدوا إرسالَ الرُّسل إلى الخلْق ، ولو عرفوا أنَّ له أنْ يفعلَ ما يريد لم يتعجبوا من تخصيص محمد- صلى اللّه عليه وسلم بالنبوة مِنْ بين الخَلْق ، ولكنْ سُدَّتْ بصائرُهم فتاهوا في أودية الحيرة ، وعَثَرُوا- من الضلالة - في كل وَهْدَةٍ . وكان الأستاذ أبو علي الدَّقاق- رحمه اللّه - يقول : جَوَّزُوا أن يكون المنحوتُ من الخشب والمعمولُ من الصخر إلهاً معبوداً ، وتعجبوا أن يكون مثلُ محمد- صلى اللّه عليه وسلم - في جلالةِ قَدْرِه رسولاً . . . !!هذا هو الضلال البعيد .

قوله جلّ ذكره : { وَبَشِّرِ الَّذِنَ ءَامَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ } .

وهو ما قدَّموه لأنفسهم من طاعاتٍ أخلصوا فيها ، وفنونِ عباداتٍ صَدَقُوا في القيام بقضائها .

ويقال هو ما قَّدم الحقُّ لهم يومَ القيامة ، مع مقتضى العناية بشأنهم ، وما حَكَمَ لهم من فنون إحسانه بهم ، وصنوفِ ما أفردهم به من امتنانهم .

ويقال : { قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ } : هو ما رفعوه من أقدامهم في بدايتهم في زمان إرادتهم ، فإنّ لأقدام المريدين المرفوعِة لأَجْلِ اللّه حُرْمَةً عند اللّه ، ولأيامِهم الخاليةِ في حالِ تردُّدِهم ، وليالَيهم الماضية في طلبه وهم في حُرْقَةِ تحيّرهم . . . مقاديرَ عند اللّه .

وقيل :

مَنْ يَنْسَ داراً قد تخونها ... رَيْبُ الزمان فإني لست أنساكا

وقيل :

تلك العهودُ تشدُّها لتَحُلَّها ... عندي كما هي عقدها لم يُحللِ

﴿ ٢