سورة يوسف١التخاطُب بالحروف المتفرقة غير المنظومة سُنَّةُ الأحباب في سَتْر المحابِّ؛ فالقرآنُ - وإنْ كان المقصودُ منه الإيضاحَ والبيانَ - ففيه تلويح وتصريح ، ومُفَصَّلٌ ومُجْمَلٌ ، قال قائلهم : أبكي إلى الشرق إنْ كانت منازْلُكم ... مما يلي الغربَ خوفَ القيل والقالِ ويقال وقفت فهُومُ الخَلْق عن الوقوف على أسراره فيما خاطب به حبيبه - صلى اللّه عليه وسلم - ، فهم تعبدوا به وآمنوا به على الجملة أفرد الحبيبَ بفهمه ، فهو سِرُّ الحبيب عليه السلام بحيث لا يطلع عليه الرقيب ، يقول قائلهم : بين المحيين سِرُّ ليس يُفْشيه ... قولٌ ، ولا قلم للخْلق يحكيه وفي إنزال هذه الحروف المقطعة إشارة : وهي أنَّ منْ كان بالعقل والصحو استنبط من اللفظ اليسير كثيراً من المعاني ، ومن كان بالغيبة والمحو يسمع الكثير فلا يفهم منه اليسير؛ ذاك لكمال عقله وهذا لتمام وَصْلِه؛ فأنزل اللّه هذه الحروف التي لا سبيلَ إلى الوقوف على معانيها ، ليكون للأحباب فُرْجَةٌ حينما لا يقفون على معانيها بِعَدَم السبيل إليها فلا تتوجه عليهم مُطَالَبةٌ بالفهم ، وكان ذلك لائقاً بأحوالهم إذا كانوا مستغرِقين في عين الجَمْع ، ولذا قيل : استراح من العقل له . وقوله تعالى : { تِلْكَ } يحتمل أن يكون إشارة إلى أن هذا خَبَرُ الوعد الذي وعدناك . وقيل هذا تعريفنا : إليك بالتخصيص ، وأفرادُنا لك بالتقريب- قد حقَّقْناه لكَ؛ فهذه الحروف بيانٌ للإنجاز ولتحقيق الموعود . والإشارة من { الْكِتَابِ الْمُبِينِ } ها هنا إلى حُكْمِه السابق له بأَنْ يُرَقِّيَه إلى الرتبة التي لا يبلغها غيرُه ، وقد قال تعالى : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا }[ القصص : ٤٦ ]أي حين كلَّمنا موسى عليه السلام ، وأخبرناه بعلوِّ قَدْرِك ، ولم تكن حاضراً ، وأخبرناه بأننا نُبَلِّغُك هذا المقامَ الذي أنت فيه الآن . وكذلك كلُّ مَنْ أوحينا إليه ذَكَرْنَا له قِصَتَكَ ، وشَرَحْنَا له خِلقَتك ، فالآنَ وقتُ تحقيق ما أخبرنا به ، وفي معناه أنشدوا : سُقْياً لمعهدِكَ الذي لو لم يكن ... ما كان قلبي للصبابة معهدا قال اللّه تعالى :{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الْزَّبُورِ مِن بَعْدِ الْذِّكْرِ }[ الأنبياء : ١٠٥ ]يعني بعد التوراة { أَنَّ اَلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبادِىَ الْصَّالِحُونَ } يعني أمة محمد . |
﴿ ١ ﴾