سورة غافر

١

أي حُمَّ أمرٌ كائن . ويقال ( الحاء ) إشارة إلى حِلْمِه ( والميم ) إشارة إلى مجده أي : بحِلْمي ومجدي لا أُخَلِّدُ في النار مَنْ آمنَ بي .

ويقال هذه الحروف مفاتح أسمائه .

٢

( العزيز ) : المُعزِّ لأوليائه ، ( العليم ) بما كان ويكون منهم ، فلا يمنعه عِلمُه لما سَلَفَ منهم عن قضائه .

٣

كتابٌ مُعَنْوَنٌ بقبول توبته لِعِبادَه؛ عَلِمَ أنّ العاصيَ مُنكَسِرُ القلبِ فأزال عنه الانكسارَ بأن قدَّمَ نصيبه ، فقدَّم اسمَه على قبول التوبة . فَسَكَّنَ نفوسَهم وقلوبَهم باسْمِيْنِ يُوجِبَان الرجاء؛ وهما قولُه : { غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ } .

ثم عقبها بقوله : { شَدِيدِ الْعِقَابِ } ثم لم يرض حتى قال بعدئذٍ { ذِى الطَّولِ } .

فيُقَابِلَ قوْلَه : { شَدِيدِ الْعِقَابِ } قَوْلُه : { ذِى الطَّوْلِ } .

ويقال : غافرُ الذنبِ لِمَنْ اصَرَّ واجْتَرَمَ ، وقابلُ التوبِ لمن أقَرَّ ونَدِمَ ، شديد العقاب لِمَنْ جَحَدَ وَعَنَدَ ، ذِي الطول لمن عَرَفَ ووَحَد .

ويقال غافر الذنب للظالمين ، وقابل التوب للمقتصدين ، شديد العقاب للمشركين ، ذي الطول للسابقين .

ويقال : سُنَّةُ اللّه انه إذا خَوَّفَ العبادَ باسمٍ أو لفظٍ تدَاركَ قلوبهم بأن يُبشِّرَهم باسْمَيْن أو بوَصْفين .

{ إلَيْهِ الْمَصِيرُ } : وإذا كان إليه المصير فقد طاب إليه المسير .

٤

إذا ظَهر البرهانُ واتَّضحَ البيانُ استسلمَتْ الألبابُ الصاحيةُ للاستجابة والإيمان .

فأمَّا أهلُ الكفرِ فلهم عَلَى الجمود إصرارٌ ، وشُؤْمُ شرْكِهم يحولُ بينهم وبين الإنصاف . . وكذلك من لا يحترمون اولياء اللّه ، ويُصِرُّونَ على إنكارهم ، ويعترضون عليهم بقلوبهم ، ويجادلون في جَحْدِ الكرامات ، وما يخصُّ اللّه به عباده من الآيات . . فهؤلاء يميزون بين رجحانهم ونقصانهم ، وسيفتضحون كثيراً .

٥

كذلك مَنْ انقرض مِنَ الكفار كان تكذيبُ الرُّسُلِ دَأبَهم ، ولكنَّ اللّه -سبحانه- انتقم منهم ، وعلى كُفْرِهم احترمهم .

والمُنْكِرُ لهذا الطريق يدين بإنكاره ، ويتقرّبُ إلى اللّه به ، ويعد وقيعته في أولياء اللّه من جملة إحسانه وخيراته ، ولكن اللّه - سبحانه - يعذبهم في العاجل بتخليتهم فيما هم فيه ، وصَدِّ قلوبهم عن هذه المعاني ، وحرمانهم منها .

٦

إذا انختم على عبدٍ حُكْمُ اللّه بشقاوته فلا تنفعه كَثْرَةُ ما يورَدُ عليه من النُّصح . واللّه على أمره غالبٌ . ومَنْ أَسَرَتْه يَدُ الشقاوة فلا يُخَلِّصُه مِنْ مخالبها جُهْدٌ ولا سعاية .

٧

حَملَةُ العرش من حَوْلَ العرش من خواص الملائكة ، مأمورون بالتسبيح للّه ، ثم بالاستغفار للعاصين - لأنَّ الاستغفار للذنبِ والتوبةُ إنما تحصل من الذنب - ويجتهدون في الدعاء لهم على نحو ما في هذه الآية وما بعدها؛ فيدعون لهم بالنجاة ، ثم بِرفع الدرجات ، ويحيلون الأمر في كل ذلك على رحمة اللّه .

٨-٩

{ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ } : فلئن سلَّطَ عليك أراذل من خَلْقه - وهُم الشياطين - فلقد قيَّض بالشفاعة أفاضلَ من خَلْقِه ومن الملائكة المقرَّبين .

١٠

أشَدُّ العقوباتِ التي يُوصلها الحقُّ إليهم آثارُ سُخْطِه وغَضَبِه ، وأجَلُّ النِّعم التي يغروهم بها آثارُ رضاه عنهم . فإذا عَرَفَ الكافرُ في الآخرة أنَّ ربَّه عليه غضبانُ فلا شيء أصعبُ على قلبه من ذلك؛ لأنه عَلِمَ أنه لا بُكاء ينفعه ، ولا عناءَ يزيل عنه ما هو فيه ويدفعه ، ولا يُسْمَعُ له تضرُّعٌ ، ولا تُرْجَى له حيله .

١١

الإماتةُ الأولى إماتَتُهم في الدنيا ثم في القبر يحييهم ، ثم يميتهم فهي الإماتةُ الثانية . والإحياء الأول في القبر والثاني عند النشر .

{ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } : أقروا بذنوبهم -ولكن في وقتٍ لا ينفعهم الإقرار .

{ فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } مما نحن فيه من العقوبة ، وإنما يقولون ذلك حين لا ينفعهم الندمُ والإقرارُ . فيُقال لهم : -

١٢

{ ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ اللّه وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَالْحُكْمُ للّه الْعَلِىِّ الْكَبِيرِ }

أي تُصَدِّقوا المشركين لكفرهم . وهؤلاء إماتَتُهم محصورة ، فأمَّا أهلُ المحبةِ فلهم في كلِّ وقتِ حياةٌ وموتٌ ، قال قائلُهم :

أموت إذا فَقَدْتُكَ ثم أحيا ... فكم أحيا عليك وكم أموت!

فإنَّ الحقَّ - سبحانه - يُرَدِّدُ أبداً الخواصَّ من عباده بين الفناء والبقاء ، والحياة والموت ، والمحو والإثبات .

١٣

يُريهم آياتِ فَضْلِه فيما يُلاطِفُهم ، ويريهم آياتِ قَهْرِه فيما يكاشفهم ، ويريهم آياتِ عَفْوِه إذا تَنَصَّلُوا ، وآياتِ جوده إذا توسَّلُوا ، وآياتِ جلالِه إذا هابوا فغابوا ، وآياتِ جمالِه إذا آبوا واستجابوا . { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ رِزْقاً } لأبدانكم وهو توفيق المجاهدات ، ولقلوبكم وهو تحقيق المشاهدات ، ولأسراركم وهو فنون المواصلات والزيادات .

{ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } : يرجع من العادة إلى العبادة ، ومن الشَّكِّ إلى اليقين ، ومن الخَلْقِ إلى الحقِّ ، من الجهل إلى العِلْم ، ومن النَّكرة إلى العرفان .

١٤

شَرْطُ الدعاء تقديم المعرفة لتعرفَ من الذي تدعوه ، ثم تدعو بما تحتاج إليه مِمَّا لا بُدَّ لك منه ، ثم تنظر هل أعطاكَ ما تطلب وأنت لا تدري؟ والواجبُ ألا تطلب شيئاً تكون فيه مخالفةٌ لأمره ، وأن تتباعد عن سؤالك الأشيئاء الدَّنِيَّة والدنيوية ، وأن ترضى بما يختاره لك مولاك . ومن لإخلاص في الدعاء ألا ترى الإجابة إلاّ منه ، وألا ترى لنفسك استحقاقاً إلا بفضله ، وأن تعلم أنه إن بقيت سؤالك عن مطلوبك -الذي هو حَظُّكَ- لا تَبْق عن عبادة ربِّك - التي هي حَقُّه ( فإنَّ الدعاء مُخُّ العبادة ) ومن الإخلاص في الدعاء أن تكون في حال الاضطرار لما لا يكون ابتداؤه جُرْماً لك ، وتكون ضرورتُك لسراية جنايتك .

١٥

رافعُ الدرجات للعُصاةِ بالنجاة ، وللمطيعين بالمثوبات ، ولأصفياء والأولياء بالكرامات ، ولذوي الحاجات بالكفايات ، وللعارفين بتنقيبهم عن جميع أنواع الإرادات .

ويقال درجاتُ المطيعين بظواهرهم في الجنة ، ودرجاتُ العارفين بقلوبهم في الدنيا؛ فيرفع درجاتهم عن النظر إلى الكَونيْن دون المساكنه إليهما .

وأمَّا المحبون فيرفع درجاتِهم عن أن يطلبوا في الدنيا والعُقبى شيئاً غيرَ رضاءِ محبوبهم .

{ ذُو الْعَرْشِ } : ذو المُلْكِ الرفيع . ويقال العرش الذي هو قِبْلَةُ الدعاء ، خَلَقَه أرفعَ المخلوقاتِ وأعظمَها جُثة .

{ يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } روحٌ بها ضياءُ أبدانهم - وهو سلطانُ عقولهم ، وروحٌ بهاء ضياء قلوبهم - وهو شفاءُ علومهم ، وروحٌ بها ضياء أرواحهم- والذي هو للرُّوح رَوْحٌ - بقاؤهم باللّه .

ويقال : روحٌ هو روح إلهام ، وورح هو روح إعلام ، وروح هو روح إكرام .

ويقال : روح النبوة ، وروح الرسالة . وروح الولاية ، وروح المعرفة .

ويقال : روح بها بقاءُ الخلق ، وروح بها ضياء الحق .

١٦

قوله جلّ ذكر : { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللّه مِنْهُمْ شَىْءٌ } .

يعلم الحاصل الموجود ، ويعلم المعدوم المفقود؛ والذي كان والذي يكون ، والذي لا يكون مما عَلِمَ أنه لا يجوز أن يكون ، والذي جاز أن يكون أن لو كان كيف كان يكون .

{ لِّمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ للّه الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } .

لا يتقيد مُْلْكُه بيومٍ ، ولا يختصُّ مُلْكُه بوقتٍ ، ولكنَّ دَعَاوَى الخَلْقِ - اليومَ - لا أصلَ لها؛ إذ غداً تنقطع تلك الدعاوى وترتفع تلك الأوهام .

١٧

يجازيهم على أعمالهم بالجنان ، وعلى أحوالهم بالرضوان ، وعلى أنفاسهم بالقربة ، وعلى محبتهم بالرؤية .

ويجازي المذنبين على توبتهم بالغفران ، وعلى بكائهم بالضياء والشفاء .

{ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ } : أي أنه يستحيل تقديرُ الظلم منه ، وكل ما يفعل فله أن يفعله .

{ إِنَّ اللّه سَرِيعُ الْحِسَابِ } مع عباده؛ لا يشغله شأنٌ عن شأنٍ ، وسريعُ الحساب مع أوليائه في الحال؛ يطالبهم بالصغير والكبير ، والنقير والقطمير .

١٨

قيامةُ الكُلِّ مؤجَّلة ، وقامةُ المحبين مُعَجَّلة؛ فَلَهم في كلِّ نَفَسٍ قيامةٌ من العقاب والعذاب والثواب ، والبُعَاد والأقتراب ، ولما لم يكن لهم في حساب ، وتشهد عليهم الأعضاء؛ فالدمعُ يشهد ، وخَفَقَانُ القلبِ ينطق ، والنحولُ يُخْبِر ، واللونُ يُفْصِح . . . والعبدُ يَسْتُرُ ولكن البلاء يَظْهَرُ :

يا مَنْ تَغَيَّرُ صورتي لمَّا بَدَا ... لجميع ما ظَنُّوا بنا تصديقا

وأنشدوا :

لي في محبته شهودٌ أربعٌ ... وشهودُ كلِّ قضية اثنان

ذوبانُ جسمي وارتعادُ مفاصلي ... وخفوقُ قلبي واعتقالُ لساني

وقلوبُهم -إذا أزِفَ الرحيلُ بَلَغت الحناجر ، وعيونهم شَرِقَتْ بدموعها إذا نودي بالرحيل وشُدَّت الرواحل .

١٩

فخائنةُ أعين المحبين استحسانهم شيئاً ، ولهذا قالوا :

يا قُرَّة العينِ : سَلْ عيني هل اكتحلت ... بمنظرٍ حَسَنٍ مُذْ غِبْتَ عن بَصَرِى

ولذلك قالوا :

فعيني إذا استحسنَتْ غيرَكم ... أمَرْتُ السُّهادَ بتعذيبها

ومن خائنة أعينهم أن تأخذهم السِّنَةُ والسُّبات في أوقات المناجاة؛ وقد جاء في قصة داود عليه السلامة : كَذَبَ مَنْ أدَّعَى محبتي ، فإذا جَنَّهُ الليلُ نام عَنِّي!

ومن خائنة أعين العارفين أن يكون لهم خبرٌ بقلوبهم عمَّا تقع عليه عيونُهم .

ومن خائنة أعين الموحِّدين أن تخرج منها قطرةُ دمعٍ تأسُّفاً على مخلوقٍ يفوت في الدنيا والآخرة ، ولا على أنفسهم .

ومن خائنة أعين المحبين النظرُ إلى غير المحبوب بأي وجهٍ كان ، ففي الخبر : ( حُبُّكَ الشيء يعمي ويصم ) .

{ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ } : فالحقُّ به خبير .

٢٠

يقضي للأجانب بالبعاد ، ولأهل الوصال بالوداد ، ويقضي يومَ القدوم بعَزْلِ عمال الصدود ، وإذا ذُبحَ الموتُ غداً بين الجنة والنار على صورة كَبْشٍ أملح فلا غرابة أن يُذْبَح الفراقُ على رأسِ سكة الأحبابِ في صورة شخصٍ منكر ويصلب على جذوع العِبرة لينظرَ إلى أهلُ الحَضْرَة .

٢١

أولم يسروا في أقطار الأرض بنفوسهم ، ويطوفوا مشارقها ومغاربها ليعتبروا بها فيزهدوا فيها؟ أولم يسيروا بقلوبهم في الملكوت بجولان الفكر ليشهدوا أنوارَ التجلِّي فيستبصروا بها؟ أولم يسيروا بأسرارهم في ساحات الصمدية ليستهلكوا في سلطان الحقائق ، وليتخلَّصُوا من جميع المخلوقات قاصيها ودانيها؟

٢٢

إن بغى من أهل السلوك قاصدٌ لم يصل إلى مقصوده فَلْيَعْلَمْ أنَّ مُوجِبَ حَجْبِه اعتراضٌ خَامَرَ قلبَه على بعض شيوخه في بعض أوقاته؛ فإنَّ الشيوخَ بمحلِّ السفراء للمريدين . وفي الخبر : ( الشيخُ في قومه كالنبيِّ في أمته ) .

٢٣-٢٤

أكْرَمُ خَلْقِه في وقته كان موسى عليه السلام ، وأخَسُّ خَلْقِه وأذَلُّهمِ في حُكْمِه وأشدُّهم كفراً كان فرعون؛ فما قال أحدٌ غيره : { مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِى }[ القصص : ٣٨ ] .

فَبَعَثَ اللّه - أخصَّ عباده إلى أخسِّ عباده ، فقابله بالتكذيب ، ونَسبَه إلى السِّحر ، وأنْبَهُ بكل أنواع التانيب . ثم لم يُعَجِّلْ اللّه عقوبته ، وأمهله إلى أن أوصل إليه شِقْوَتَه- إنه سبحانه حليمٌ بعباده .

٢٥

عَزَم على إهلاكه وإهلاك قومه ، واستعان على ذلك بجُنْدِه وخَيْلِه ورَجْلِه ، ولكن كان كما قال اللّه : { وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلاَلٍ } ، لأنه إذا حَفَرَ أحدٌ لِوَلِيٍّ من أولياء اللّه تعالى حُفْرةً ما وقع فيها غيرُ حَافِرها . . . بذلك أجرى الحقُّ سُنَّتَه .

٢٦

{ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } أي لِيَسْتَعِنْ بربه ، وإني أخاف أن يبدل دينكم ، وأخاف أن يُفْسِدَ في الأرض ، وكان المفْسِدُ هو فرعون ، وهو كما قيل في المثل : ( رمَتْنِي بدائها وانْسَلَّتْ ) ولكن كادَ له الكيد ، والكائد لا يتخلص من كيده .

فاستغاذ موسى بربه ، وانْتُدِبَ في الردِّ عليهم مؤمِنٌ باللّه وبموسى كان يكتم إيمانه عن فرعون وقومه : -

٢٨

نَصَحَهُم واحتَجَّ عليهم فلم ينجح فيهم نُُصْحٌ ولا قَولٌ . وكم كَرَّرَ ذلكْ المؤمن من آل فرعون القولَ وأعاد لهم النُّصْحَ! فلم يستمعوا له ، وكان كما قيل :

وكم سُقْتُ في آثاركم من نصيحةٍ ... وقد يستفيد البغضة المتنصِّحُ

٣٤

بَيَّنَ أنَّ تكذيبَهم كتكذيب آبائهم وأسلافهم من قبل ، وكما أهلك أولئك قديماً كذلك يفعل بهؤلاء .

٣٦-٣٧

قوله جلّ ذكره : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِى صَرْحاً لَّعَلِّى أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّى لأَظُنُّهُ كَاذِباً } .

السببُ ما يُتَوَصَّلُ به إلى الشيء؛ أي لعلِّي أصل إلى السماء فأطَّلِعَ إلى إله موسى . ولو لم يكن من المضاهاة بين مَنْ قال إن المعبودَ في السماء وبين الكافر إلا هذا لكفي به خِزْياً لمذهبم . وقد غَلِطَ فرعونُ حين تَوَهَّمَ أنَّ المعبودَ في السماء ، ولو كان في السماء لكان فرعونُ مُصِيباً في طَلَبِه من السماء .

قوله جل ذكره : { وَكَذَالِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِى تَبَابٍ } .

أخبر أنَّ اعتقادَه بأنَّ المعبودَ في السماء خطأٌ ، وأنَّه بذلك مصدودٌ عن سبيل اللّه .

٣٨-٣٩

أصَرًَّ على دعائه وأصَرُّوا على جحودهم وعُنُودِهم .

٤٠

{ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا } : في المقدار لا في الصفة؛ لأن الأولى سيئة ، والمكافأةُ من اللّه عليها حسنةٌ وليست بسيئة .

{ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } يعني في الحال ، لأنَّ مَنْ لا يكون مؤمناً في الحال لا يكون منه العملُ الصالح ، { فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } : أي رزقاً مؤبَّداً مُخَلَّداً ، لا يخرجون من الجنة ولا مِمَّا هم عليه من المآل .

٤١

وهذا كُلُّه مِنْ قَوْلِ مؤمنِ آل فرعونَ ، ويقوله على جهة الأحتجاج لقومه ، ويلزمهم الحجة به .

٤٢

تدعونني لأكفر باللّه وأشرك به من غير علم لي بصحة قولكم ، وأنا أدعوكم إلى اللّه وإلى ما أوضحه بالبرهان ، وأقيم عليه البيان .

٤٣

لا جَرمَ أنَّ ما تدعونني إليه باطل؛ فليس لتلك الأصنام حياةٌ ولا عِلْمٌ ولا قُدْرَةٌ ، وهي لا تنفع ولا تَضُرُّ . ولقد علمنا -بقول الذين ظهر صِدْقُهم بالمعجزاتِ- كَذِبَكُم فيما تقولون .

٤٤

أفوض أمري إلى اللّه ، وأتوكل عليه ، ولا أخاف منكم ، ولا من كيدكم .

٤٥-٤٦

والآية تدلُّ على عذاب القبر .

ويقال إنَّ أرواح الكفار في حواصل طير سُودٍ تُعْرَضُ على النار غدواً وعشياً إلى يوم القيامة حيث تدخل النار .

{ أَدْخِلُواْ ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } : أي يا آل فرعون أُدخُلوا أشدَّ العذاب ، فَنَصَبه على النداء المضاف . ويقرأ ( أَدْخِلوا ) على الأمر .

{ أَشَدَّ الْعَذَابِ } : أي أصعبهُ ، وأصعبُ عذابٍ للكفار في النار يأسُهم من الخروج عنها . أمَّا العصاةُ من المؤمنين فأشدُّ عذابهم في النار إذا علموا أن هذا يومُ لقاء المؤمنين ، فإذا عرفوا ذلك فذلك اليومُ أشدُّ أيام عذابهم .

٤٧-٤٨

يقول الضعفاء للذين استكبروا : أنتم أضللتمونا ، ويقول لهم المستكبرون : أنتم وافقتمونا باختياركم؛ فمحاجةُ بعضهم لبعضٍ تزيد في غيظ قلوبهم ، فكما يُعَذَّبون بنفوسهم يعذبون بضِيقِ صدورهم وببُغْضِ بعضهم لبعض .

٤٩-٥٠

وهذه أيضاً من أمارات الأجنبية ، فهم يُدْخِلُونَ واسطةً بينهم وبين ربِّهم . ثم إن اللّه ينزع الرحمةعن قلوب الملائكة كي لا يستشفعوا لهم .

٥١

ننصرهم بالآياتِ وفنونِ التعريفات حتى يعرفوا ويشهدوا ان الظَّفَرَ وضِدَّه من اللّه ، والخيرَ والشرَّ من اللّه .

ويقال ننصرهم على أعدائهم بكيدٍ خفيٍّ ولطفٍ غيرِ مرئيٍّ ، من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون؛ ننصرهم في الدنيا بالمعرفة وباليقين بأنَّ الكائنات من اللّه ، وننصرهم في الآخرة بأن يشهدوا ذلك ، ويعرفوا - بالاضطرار- أنَّ التأثيرَ من اللّه ، وغاية النصرة أن يَقْتُلَ الناصرُ عدوَّ مَنْ ينصره ، فإذا أراد حَتْفَه تحقَّق بأن لا عَدُوَّ على الحقيقة ، وأنَّ الخَلْقَ أشباحٌ تجري عليهم أحكامُ القدرة؛ فالوليُّ لا عدوَّ له ، ولا صديق له إلاّ اللّه ، قال تعالى : { اللّه وَلِىَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ }[ البقرة : ٢٥٧ ] .

٥٢

دليلُ الخطابِ أن المؤمنين ينفعهم تَنَصُّلُهم ، ولهم من اللّه الرحمة ، ولهم حُسْنُ الدار ، وما بقي من هذه الدنيا إلا اليسير .

٥٣-٥٤

مضى طَرَفٌ من البيان في قصة موسى .

٥٥

الصبرُ في انتظار الموعود من الحقِّ على حسب الإيمان والتصديق؛ فَمَنْ كان تصديقهُ ويقينُه أتمَّ وأقوى كان صبرُه أتم وأوفى .

{ إِنَّ وَعْدَ اللّه حَقٌّ } : وهو - سبحانه - يُعْطِي وإن توَهَّمَ العبدُ أنه يُبْطِي .

ويقال الصبر على قسمين : صبرٌ على العافية ، وصبرٌ على البلاء ، والصبرُ على العافية أشدُّ من الصبر على البلاء ، فصبرُ الرجال على العافية وهو أتمُّ الصبر .

{ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } . وفي هذا دليل على أنه كانت له ذنوب ، ولم يكن جميعُ استغفاره لأمته لأنه قال في موضع آخر : { وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ }[ محمد : ١٩ ] وهنا لم يذكر ذلك . ويمكن حَمْلُ الذَّنْبِ على ما كان قبل النبوة؛ إذ يجوز أن يكون العبد قد تاب من الزَّلَّة ثم يجب عليه الاستغفار منها كلما ذكرها ، فإن تجديد التوبة يجب كما يجب أصلُ التوبة .

٥٦

{ بَغْيْرِ سُلْطَانٍ } : أي بغير حجة .

{ إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ } أي ليس في صدورهم إلا كِبْرٌ يمنعهم عن الانقياد للحق ، ويبقون به عن اللّه ، ولا يصلون إلى مرادهم .

٥٧

أي خَلْقُ السموات والأرضِ أكبرُ من بعثهم وخَلْقهم مرةً أخرى بعد أن صاروا رميماً؛ فالقوم كانوا يُقِرُّون بخلْقِ السموات والأرض ، وينكرون أمرَ البعث .

٥٨

أراد به : ما يستوي المؤمنُ والكافرٌُ ، ولا المربوطُ بشهوته كالمبسوط بصفوته ، ولا المجذوبُ بقربته كالمحجوب بعقوبته ، ولا المُرَقّي إلى مشاهدته كالمُبقّي في شاهده ، ولا المجدود بسعادته كالمردود لشقاوته .

٥٩

أنَّ ميقاتَ الحسابِ لكانٌ وإن وقعت المدةُ في أوانه .

٦٠

معناه : أدعوني اأستجب لكم إن شِئتُ؛ لأنه قال في آية أخرى : { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَآءَ }[ الأنعام : ٤١ ] .

ويقال ادعوني بشرطِ الدعاء ، وشرطُ الدعاء الأكلُ من الحلال؛ إذا يقال الدعاء مفتاحُه الحاجة ، وأسبابُهُ اللقمةُ الحلال .

ويقال كلُّ مَنْ دعاه استجاب له إمّا بما يشاء له . أوبشيء آخر هو خيرُ له منه .

ويقال الكافر ليس يدعوه؛ لأنه إنما يدعو مَنْ له شريك ، وهو لا شريكَ له .

ويقال : إذا ثبت أن هذا الخطاب للمؤمنين فيما مِنْ مؤمنٍ يدعو اللّه ويسأله شيئاً إلا أعطاه في الدنيا ، فأما في الآخر ة فيقول له : هذا ما طلبْتَه في الدنيا ، وقد ادْخرتُه لك لهذا اليوم حتى ليتمنى العبدُ أنه ليته لم يُعطَ شيئاً في الدنيا قط .

ويقال : ادعوني بالطاعات استَجبْ لكم بالثواب والدرجات .

ويقال ادعوني بلا غفلة أستجب لكم بلا مهلة . ويقال ادعوني بالتنصل أستجب لكم بالتفضُّل . ويقال ادعوني بحسَبِ الطاقة أستجب لكم بكشف الفاقة .

ويقال ادعوني بالسؤال أستجب لكم بالنّوال والأفضال .

{ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عِنْ عِبَادَتِى } أن يستكبرون عن دعائي ، سيدخلون جهنم صاغرين .

٦١

قوله جلّ ذكره : { اللّه الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِتَسكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً } .

سكونُ الناسِ في الليل على أقسام : أهلُ الغفلة يسكنون إلى غفلتهم ، واهل المحبة يسكنون بحكم وصلتهم ، وشتّان بين سكونِ غفلةٍ وسكونِ وصلة!

قومُ يسكنون إلى أمثالهم وأشكالهم ، وقومٌ يسكنون إلى حلاوة أعمالهم؛ لبسطهم واستقلالهم ، وقومٌ يعدِمون القرار في ليلهم ونهارهم وأولئك اصحابُ الاشتياق . . . إبداً في الاحتراق .

٦٢

{ ذَالِكُمُ اللّه رَبُّكُمْ } الذي جعل سكونكم معه ، وانزعاجكم له ، واشتياقكم إليه ، ومحبتكم فيه ، وانقطاعكم إليه .

٦٤

قوله جلّ ذكره : { اللّه الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَاراً والسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوًَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } .

{ وَصَوًّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } : خَلقَ العرشَ والكرسيّ والسموات والأرضين وجميعَ المخلوقاتِ ولم يقُلْ هذا الخطاب ، وإنما قال لنا : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } وليس الحَسَنُ ما يستحسنه الناسُ بل الحَسنُ ما يستحسنه الحبيبُ :

ما حطك الواشون عن رتبةٍ ... عندي ولا ضَرَّك مُعتابُ

كانهم أَثْتنَوْا -ولم يعلما- ... عليكَ عندي بالذي عابوا

لم يَقُلْ للشموس في علائها ، ولا للأقمار في ضيائها : { وَصَوَّرَكُمْ فََأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } .

ولما انتهى إلينا قال ذلك ، وقال : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }[ التين : ٤ ] .

ويقال إن الواشين قَبَّحوا صورتكم عندنا ، بل الملائكةُ كتبوا في صحائفكم قبيحَ ما ارتكبتم . . ومولاكم أحسن صوركم ، بأن محا من ديوانكم الزّلاّت ، وأثبت بدلاً منها الحسنات ، قال تعالى : { يَمْحُواْ اللّه مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ }[ الرعد : ٣٩ ] ، وقال : { فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللّه سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ }[ الفرقان : ٧٠ ] .

قوله جل ذكره : { وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ } .

ليس الطيبُ ما تستطيبه النفْسُ إنما الطيب ما يستطيبُه القلبُ ، فالخبزُ القفار أطيب للفقير الشكر من الحلواء للغنيِّ المتَسَخِّط .

ورِزْقُ النفوسِ الطعامُ والشرابُ ، ورزقُ القلوبِ لذاذات الطاعات .

٦٥

{ هُوَ الْحَىُّ } : الذى لا يموت ، ولا فضلُه يفوت ، فادعوه بلسان القوت ، وذلك عليه لا يفوت .

٦٦

قُلْ - يا محمد - إني نهيت عن عادة ما تدعون من دون اللّه ، أي أُمِرْتُ بالتبرِّي عمَّا عبدتم ، والإعراض عمّا به اشتغلتم ، والاستسلام للذي خلقني ، وبالنبوة استخصّني .

٦٧

قوله جلّ ذكره : { هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَِّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً } .

فمن تُربْةٍ إلى قطْرَةٍ؛ ومن قطرةٍ إلى عَلَقَةٍ . . ثم من بطون أُمهاتكم إلى ظهوركم في دنياكم . . ثم من حال كونكم طفلاً ثم شاباً ثم شيخاً .

وهو الذي يحيي ويميت ، ثم يبعث في أُخرى الدارين .

٦٩

في آيات اللّه يتبلّدُون؛ فلا حُجة يوردُون ، ولا عذاب عن أنفسهم يرُدُّون ، سيعلمون حين لا ينفعهم عِلمُهم ، ويعتذرون حين لا يُسمَع عُذْرُهم ، وذلك عندما

٧١-٧٢

يُسحبُون في النار والأغلالُ في أعناقهم ، ثم يُذَاقُون ألوان العذاب . فإذا أُقرُّوا بكفرهم وذنوبهم يقال لهم : أدخلوا جهنم خالدين فيها ، فبئس مثواهم ومصيرهم ، وساء ذهابُهم ومسيرهم .

٧٧

قوله جل ذكره : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّه حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } .

كُنْ بِقلبكَ فارغاً عنهم ، وانظر من بعدُ إلى ما يُفعلُ بهم ، واستيقن بأنه لا بقاء لجولة باطلهم . . فإن لقيت بعض ما نتوعدُهم به وإلاّ فلا تكُ في ريبٍ من مقاساتهم ذلك بَعْدُ . ثم أكَّدَ تسليتَه إياه وتجديدَ تصبيره وتعريفه بقوله :

٧٨

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّه فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ اللّه قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ } .

قصصنا عليك قصصَ بعضهم ، ولم نخبرك عن قصص آلاخرين .

ولم يكن في وسع أحدٍ الإتيان بمعجزة إلا إذا أظهرنا نحن عليه ما أردنا إذا ما أردنا . فكذلك إن طالبُوك بآيةٍ فقد أظهرنا عليك من الآيات ما أزحنا به العُذْرُ ، ووضحنا صِحّةً الأمر . . وما اقترحُوه . . فإن شئنا أظْهَرنا ، وإن شِئنا تَرَكنا .

٧٩-٨١

ذكّرهم عظيمَ إنعامه بتسخير الأنعام؛ فقال جعلها لكم لتنتفعوا بها بالركوب والحمل والعمل ، ولتستقوا ألبانها ، ولتأكلوا لحومها وشحومَها ، ولتنتفعوا بأصوافها وأوبارها وأشعارها ، ولتقطعوا مسافة بعيدةً عليها . . فعلى الأنعام وفي الفُلْكِ تنتقلون من صقْعٍ إلى صُقعٍ . . وأنالذي يَسَّرْتُ لكم هذا ، وأنا الذي ألهمتكم الانتفَاع به؛ فثقُوا في ذلك واعرفوه .

٨٢

أمَرَهم بالاعتبار بِمَنْ كانُوا قبلهُمْ؛ كانوا أشدّ قوةً وأكثر أموالاً وأطولَ أعماراً ، فانجرُّوا في حِبَالِ آمالهم ، فوقعوا في وهْدَة غرورهم ، وما في الحقُّ عن مراده فيهم ، واغتروا بسلامتهم في مُدّةِ ما أرخينا لهم عنان آمالهم ، ثم فاجأناهُم بالعقوبة ، فلم يُعْجِزُوا اللّه في مُرادِه منهم .

فلمَّا رأوا شِدَّةَ البأسِ ، ووقعوا مذلّةِ الخيبة واليأس تمنّوا أن لو أُعيدُوا إلى الدنيا من الرأس . . فقابلهم اللّه بالخيبة؛ وخرطهم في سِلكِ مَن أبادهم من أهل الشِّرْكِ والسّخْطِ .

﴿ ٠