سورة الزخرف

١-٣

الحاءُ تدل على حياته والميمُ على مجده . . وهذا قَسَمٌ؛ ومعناه : وحياتي ومجدي وهذا القرآنِ إنَّ الذي أخبرْتُ عن رحمتي بعبادي المؤمنين حقٌ وصِدْقٌ . وجعلناه قرآناً عربياً ليتيسَّرَ عليكم فَهْمُ معناه .

٤

{ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا } : أي أنه مكتوب في اللَّوح المحفوظ .

{ لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ } لِعَلِيٌّ القَدْرِ ، حكيمُ الوصفِ؛ لا تبديلَ له ولا تحويل .

٥

أي أننا لا نفعل ذلك؛ ( فيكون معنى الاستفهام ) أفتقطع عنكم خطابَنا وتعريفَنا إنْ أسرفتم في خلافكم؟ لا . . إننا لا نرفع التكليفَ بِأَنْ خالَفْتُم ، ولا نهجركم - بِقَطْع الكلام عنكم- إنْ أسرفتم .

وفي هذا إشارةٌ لطيفةٌ وهو أنه لا يقطع الكلامَ - اليومَ - عَمَّنْ تمَادَى في عصيانه ، وأسرف في أكثرشأنه . فأحرى أَنَّ مَنْ لم يُقَصِّرْ في إيمانه - وإنْ تَلَطَّخَ بعصيانه ، ولم يَدْخُلْ خَلَلٌ في عِرفانه - ألا يَمْنَعَ عنه لطائفَ غفرانه .

٦-٧

ما أتاهم من رسولٍِ فقابلوه بالتصديق ، بل كّذَّبَ به الأكثرون وحجدوا ، وعلى غَيِّهم أَصَرُّوا . . .

٨

قوله جلّ ذكره : { فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً } .

أي لم يُعجِزْنا أحدٌ منهم ، ولم نعادِرْ منهم أحداً ، وانتقمنا مِنَ الذين أساؤوا .

٩

كانوا يُقِرُّون بأنَّ اللّه خالقُهم ، وأنَّه خَلَقَ السمواتِ والأرضَ ، وإنما اجحدوا حديثَ الأنبياءِ ، وحديثَ البعثِ وجوازه .

١٠

كما جَعَلَ الأرضَ قراراً لأشباحهم جَعَلَ الأشباحَ قراراً لأرواحهم؛ فالخَلْقُ سُكَّانُ الأرضِ ، فإذا انتهت المدةُ - مدةُ كَوْنِ النفوسِ على الأرضِ - حَكَمَ اللّه بخرابها . . . كذلك إذا فارقت الأرواحُ الأشباحَ بالكُليَّة قضى اللّه بخرابها .

١١

قوله جلّ ذكره : { وَالَّذِى نَزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كّذَلِكَ تُخْرِجُونَ } .

يعني كما يُحْيي الأرضَ بالمطرَ يُحْيي القلوبَ بحُسن النَّظَر .

١٢

قوله جلّ ذكره : { وَالَّذِى خَلَق الأَزْوَاجَ كُلَّهَا } .أي الاصنافَ من الخَلْق .

قوله جلّ ذكره : { وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } .

كذلك جَنَّسَ عليكم الأحوالَ كلها؛ فمِنْ رغبةٍ في الخيرات إلى رهبةٍ مما توعدَّكم به من العقوبات . ومن خوفٍ يحملكم على تَرْكِ الزلاَّت إلى رجاءٍ يبعثكم على فعل الطاعات طمعاً في المثوبات . . . وغير ذلك من فنون الصِّفات .

١٣

{ لِتَسْتَوُاْ عَلَى ظُهُورِهِ } .يعني الفُلْكَ والأنعام . .

{ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوتَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } .

مطيعين ، وكم سَخَّرَ لهم الفُلْكَ في البحر ، والدوابَّ للركوب ، وأعَظم عليهم المنة بذلك فكذلك سَهَّلَ للمؤمنين مركب التوفيق فَحَمَلهم عليه إلى بساط الطاعة ، وسهَّلَ للمريدين مركبَ الإرادة فَحَمَلهم عليه إلى عرَصَات الجود ، وسَهَّل للعارفين مركبَ الهِمَمِ فأناخوا بعِقْوةِ العِزَّةِ . وعند ذلك مَحَطُّ الكافة؛ إذ لم تخرق سرادفاتِ العزَّةِ هِمَّةُ مخلوقِ : سواء كان مَلَكاً مُقَرَّباً أونبيّاً مُرْسَلاً أو وليًّا مُكَرَّماً ، فعند سطواتِ العِزَّةِ يتلاشى كلُّ مخلوقٍ ، ويقف وراءَها كلُّ مُحْدَثٍ مسبوق .

١٥

هم الذين قالوا : الملائكةُ بناتُ اللّه؛ فجعلوا البناتِ للّه جزءاً على التخصيص من جملة مخلوقاته . . تَعَسَاً لهم في قولهم ذلك وخِزْياً!! فردَّ عليهم ذلك قائلاً :

١٦

{ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ } .

قال لهم على جهة التوبيخ ، وعابهم بما قالوا؛ إذ - على حدِّ قولهم- كيف يُؤْثِرُهم بالبنين ويجعل لنفسه البنات؟ ففي قولهم ضلالٌ؛ إذا حكموا للقديم بالوَلَد . وفيه جهلٌ؛ إذا حكموا له بالبنات ولهم بالبنين- وهم يستنكفون من البنات . . ثم . . أي عيب في البنات؟ ثم . . كيف يحكمون بأن الملائكة إناثٌ - وهم لم يشاهدوا خِلْقَتَهم؟

كلُّ ذلك كان منهم خطأ محظوراً .

٢٠

إنما قالوا ذلك استهزاءً واستبعاداً لا إيماناً وإخلاصاً فقال تعالى : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } ولو عَلِمُوا ذلك وقالوه على وجه التصديق لم يكن ذلك منهم معلولاً .

٢١

أي ليس كذلك ، حتى أخبر أنهم ركنوا إلى تقليد لا يُفْضي إلى العلم ، فقال :

٢٢

{ بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُّهتَدُونَ } .

فنحن نقتدي بهم ، ثم قال :

٢٣

{ وَكّذَلِك مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَى أُمُّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } .

سلكوا طريقَ هؤلاء في التقليد لأسلافهم ، والاستنامةِ إلا ما اعتادوه من السِّيرة والعادة .

٢٤

فلم ينجعْ فيهم قولُه ، ولم ينفعهم وَعْظُه ، وأَصرُّوا عَلَى تكذيبِهم ، فانتقمَ الحقُّ- سبحانه - منهم كما فعل بالذين من قبلهم .

٢٦

أخبر أَنَّ إبراهيمَ لمَّا دعا أباه وقومَه إلى اللّه وتوحيده أَبَوْا إِلاَّ تكذيبَه ، فتبرّأَ منهم بأجمعِهم ، وجعلَ اللّه كلمةَ التوحيدِ باقيةً في عَقِبِه وقومه .

٢٩-٣٠

{ بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاَءِ وَءَابَآءَهُمْ حَتَّى جَآءَهُمُ الحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } أَرْخَيْنَا عنانَ إمهالهم مدةً ، ثم كان أمرُهم أَنْ انتصرْنا منهم ، ودَمّرْناهم أجْمعين .

٣١

قوله جلّ ذكره : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } .

إمّا أبي مسعود الثقفي أو أبي جهل ، وهذا أيضاً من فرْط جهلهم .

٣٢

{ أَهُمْ يَقْسَمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ورَفَعْنَا بَعْضَهمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } .

أَهم يَقْسمون - يا محمد - رحمةَ ربك في التخصيص بالنبوة؟ أيكون اختيارُ اللّه - سبحانه- عَلَى مقتضى هواهم؟ بئس ما يحكمون!

{ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم . . . } فلم نجعل القسمة في الحياة الدنيا لهم . . فكيف نجعل قسمة النبوة إلى هؤلاء؟! .

والإشارة من هذا : أن الحقَّ - سبحانه- لم يجعل قسمةَ السعادةِ والشقاوةِ إلى أحد ، وإنما المردودُ مَنْ ردّه بحكمه وقضائه وقَدَرِه ، والمقبولُ - من جملة عباده - مَنْ أراده وقَبِلَه- لا لِعلَّةٍ أَو سبب ، وليس الردُّ أوالقبولُ لأمرِ مُكتَسب . . .

ثمَّ إنه قَسَمَ لِبعْضِ عِباده النعمةَ والغنى ، وللبعض القلّةَ والفقر ، وجعل لكلِّ واحدٍ منهم سكناً يسكنون إليه يستقلون به؛ فللأغنياء وجودُ الإنعام وجزيل الأقسام . . فشكروا واستبشروا ، وللفقراء شهودُ المُنْعم القَسَّام . . فَحَمدوا وافتخروا . الأغنياءُ وجدوا النعمة فاستغنوا وانشغلوا ، والفقراء سمعوا قوله : ( نحن ) فاشتغلوا .

وفي الخبر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال للأنصار : ( اما ترضون أن يرجع الناس بالغنى؛ وأنتم ترجعون بالنبي إلى أَهليكم )

{ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً . . . } : لو كانت المقاديرُ متساويةً لَتَعَطَّلت المعايشُ ، ولَبَقِيَ كلٌّ عندَ حاله؛ فجعل بعضَهُم مخصوصين بالرّفَه والمال ، وآخرين مخصوصين من جهته بأجرته فيَصْلُحُ بذلك أمرُ الغنيِّ والفقير جميعاً .

٣٣

معنى الآية أنه ليس للدنيا عندنا خطر؛ فالذي يبقى عنَّا لو صَبَبْنَا عليه الدنيا بحذافيرها لم يكن ذلك جبراناً لمصيبته . ولولا فتنة قلوب المؤمنين لجعلنا لبيوتهم سُقُفاً من فضة ومعارجَ من فضة ، وكذلك ما يكون شبيهاً بهذا .

ولو فعلنا . . لم يكن لِمَا أعطيناه خَطَرٌ؛ لأنَّ الدنيا بأَسْرِها ليس لها عندنا خطر .

٣٦

مَنْ لم يعرف قَدْرَ الخلوة مع اللّه فحاد عن ذكره ، وأَخلدَ إلى الخواطر الردَّية فيَّضَ اللّه له مَنْ يَشْغَلُه عن اللّه -وهذا جَزاءُ مَنْ تَرَك الأدبَ في الخلوة . وإذا اشتغل العبدُ في خلوته بربِّه . . فلو تعرَّض له مَنْ يشغله عن ربه صَرَفه الحق عنه بأَي وجْهٍ كان ، وصَرَفَ دواعيه عن مفتاحته بمَا يشغله عن اللّه .

ويقال : أصعبُ الشياطين نَفْسُكَ؛ والعبدُ إذا لم يَعْرِفْ خَطَرَ فراغ قلبه ، واتَّبَعَ شهوته ، وفتح ذلك البابَ علَى نَفْسه بقي في يد هواه أسيراً لا يكاد يتخَلّصُ عنه إلا بعد مُدَّة .

٣٧-٣٨

الذي سوّلت له نَفْسُه أمراً يَتَوَهَّمُ أنه على صواب ، ثم يحمل صاحبَه على موافقته في باطله ، ويدّعي أَنه على حقِّ . وهو بهذا يَضُر بِنَفْسِه ويضر بغيره . ثم إذا ما انكشف -غداً- الغطاء تبيَّن صاحبُه خيانَته ، ونَدِمَ على صُحْبَتِه ، ويقال : { يَا وَيْلَتَى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً }[ الفرقان : ٢٨ ] و { يَالَيْتَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ } . ولكنَّ هذه الندامةَ لا تنفعُ حينئذٍ؛ لأنّ الوقتَ يكونُ قد فات ، لهذا قال تعالى :

{ وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِى الْعّّذَابِ مُشْتَرِكُونَ } .

٤٠

قوله جلّ ذكره : { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِى العُمْىَ وَمَن كَانَ فِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } .

هذا الاستفهام فيه معنى النفي؛أي أنه ليس يمكنُكَ هدايةَ مَنْ سَدَدْنا بصيرته ، ولبَّسْنا عليه رُشْدَه ، ومَنْ صَببْنا في مسامع فَهمه رصاصَ الشقاء والحرمان . . . فكيف يمكنك إسْمَاعه؟!

٤١

قوله جلّ ذكره { فَإِمنَّا نَذَْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } .

يعني : إنْ انفضى أَجَلُكَ ولم يتفق لكَ شهودُ ما نتوّعَدُهم به فلا تتوَهَّمْ أَنَّ صِدْقَ كلامنا يشوبه مَيْنٌ ، فإنّ ما أَخبرناك عنه - لا محالة - سيكون .

٤٢

قوله جلّ ذكره : { أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِى وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ } .

أَثبتَهُ عَلَى حدِّ الخوفِ والرجاء ، ووقَفَهُ عَلَى وصفِ التجويز لاستبداده -سبحانه بعلم الغيب . والمقصود كذلك أن يكونَ كلُّ أحد بالنسبة لأمر اللّه من جملة نظارة التقدير- فاللّه يفعل ما يريد .

٤٣

قوله جلّ ذكره : { فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِى أُوحِىَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِسمٍ } .

اجتهِدْ من غير تقصير وتوكَّلْ على اللّه من غير فُتور ، وِقفْ حيثما أُمِرْتَ ، وثِقْ بأنك على صِراطٍ مستقيم .

٤٤

قوله جلّ ذكره : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ } .

أي إنَّ هذا القرآن لَذِكْرٌ لك؛أي شرفٌ لك ، وحُسْنُ صيتٍ ، واستحقاقُ منزلةٍ .

٤٥

قوله جلّ ذكره : { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ } .

حَشَرَ أرواحَ الأنبياءِ - عليهم السلام - ليلةَ الإسراء ،

وقيل له - صلى اللّه عليه وسلم : ( سَلْهم : هل أَمَرْنا أحداً بعبادة غيرنا؟ فلم يَشُكّ النبي - صلى اللّه عليه وسلم - ولم يسأل ) .

ويقال : الخطابُ له ، ولمرادُ به غيره . . فَمَنْ يرتاب في ذلك؟ ويقال : المراد منه سَلْ أقوامهم ، لكي إذا قالوا إن اللّه لم يمر بذلك كان هذا أبلغ في إبرام الحجة عليهم .

٤٦-٤٧

قوله جلّ ذكره : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِئَايَاتِنَا . . . . . . . إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } .

كرَّر قصةَ موسَى غيرَ مرةٍ في القرآن ، وأعادَها هنا مجملةً؛ أرسلناه بدلائلنا ، أرسلناه بحجةٍ ظاهرةٍ قاهرةٍ ، أرسلناه بالمعجزات إلى فرعون وقومه من القبط ، فقوبل بالهزء والضحك والتكذيب . ومع أنَّ اللّه سبحانه لم يُجْرِ عليه من البيِّنات شيئاً إلا كان أوضحَ مما قبله إلا أنهم لم يقابلوه إلا بجفاءٍ أَوْحَشَ مما قبله . فلمَّا عضَّهم الأمرُ قالوا : يا أيها الساحرُ ، أدْعُ لنا ربَّك ليكشف عنَّا البليَّةَ لنؤمِنَ بك ، فدعا موسى . . . فكشف اللّه عنهم ، فعادوا إلى كفرهم ، ونقضوا عَهْدَهُم .

٥١

قوله جلّ ذكره : { وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِى قَّوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِى مِن تَحْتِىِ أَفَلاَ تُبْصِرونَ } .

تعزَّزَ بمُلْكَ مصر ، وجَرى النيل بأمره! وكان في ذلك هلاكه؛ ليُعْلَمَ أَنَّ مَنْ تعزَّزَ بشيء من دون اللّه فحتفُه وهلاكُه في ذلك الشيء .

٥٢

قوله جلّ ذكره : { أَمْ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } .

استصغر موسى وحديثَه ، وعابَه بالفقر . . فَسَلَّطه اللّه عليه ، وكان هلاكه بيديه ، فما استصغر أحدُ أحداً إلا سَلَّطه اللّه عليه .

٥٤

قوله جلّ ذكره : { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ } .

أطاعوه طاعةَ الرهبة ، وطاعة’ُ الرهبةِ لا تكون مخلصةً ، وإنما تكون الطاعةُ صادقةً إذا صَدَرت عن الرغبة .

٥٥

قوله جلّ ذكره : { فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } .

{ ءَاسَفُونَا } أغضبونا ، وإنما أراد أغضبوا أولياءَنا ، فانتقمنا منهم . وهذا له اصل في باب الجَمْع؛ حيث أضاف إيسافَهم لأوليائه إلى نَفْسِه . . . وفي الخبر : أنه يقول : ( مَرِضْتُ فلم تَعُدْني ) .

وقال في قصة إبراهيم عليه : { يَأْتُوكَ رِجَالاً . . . }[ الحج : ٢٧ ] .

وقال في قصة نبيِّنا - صلى اللّه عليه وسلم : { مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّه }[ النساء : ٨٠ ] .

٥٧

وضَرْبُ المَثَلِ بعيسى هو قوله : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّه كَمَثَلِ ءَادَمَ }[ آل عمران : ٥٩ ] ؛ خَلَقَ عيسى بلا أب كما خلق آدم بلا أبوين . فحجدوا بهذه الآية .

وقيل هو قوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّه حَصَبُ جَهَنَّمَ }[ الأنبياء : ٩٨ ] فقالوا : رضينا بأن نكون في النار مع عيسى وعُزَيْر والملائكة ، وليس لهم في الآية موضع ذِكرْ؛ لأنه سبحانه قال : ( وما ) تعبدون ، ولم يقل ( ومن ) تعبدون .

٥٨

{ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِِلاَّ جَدَلاَ } : وذلك أنهم قالوا : إن قال آلهتكم خيرٌ فقد أقرَّ بِأنها معبودة ، وإن قال : عيسى خيرٌ من آلهتكم فقد أقرَّ بأن عيسى يصلح لأن يُعْبد ، وإن قال : ليس واحدٌ منهم خيراً فقد نفى ذلك عن عيسى عليه . وهم راموا بهذا الكلام أن يجادلوه ، ولم يكن سؤالهم للاستفادة فكان جواب النبي صلىللّه عليه وسلم عليهم : ( أن عيسى عليه السلام خيرٌ من آلهتكم ولكنه لا يستحق أن يُعْبَد؛ إذ ليس كلٌّ ما هو خيرٌ من الأصنام بمستحق أن يكون معبوداً من دون اللّه) وهكذا بيَّن اللّه - سبحانه - لنبيِّه أنهم قوم جَدِلون ، وأنَّ حُجَتَهم داحضةٌ عند ربهم .

٥٩

قوله جلّ ذكره : { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ } فليس عيسى إلا عبدٌ أنعمنا عليه بالنبوَّة .

٦٠

قوله جلّ ذكره : { وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلاَئِكَةً فِى الأَرْضِ يَخْلُفُونَ } .

ولو شِئْنا لأنزلنا ملائكةً من السماء حتى يكونوا سُكَّانَ الأرض بَدَلَكم .

٦١

ثم قال : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هّاذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } .

{ وإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } : يعني به عيسى عليه السلام إذا أنزله من السماء فهو علامةٌ للساعة ، { فَلاَ تَمْتَرُونَّ } بنزوله بين يديّ القيامة .

٦٢

قوله جلّ ذكره : { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } .

ولا يصدنكم الشيطانُ عن الإيمان بالساعة ، وعن أتِّباع الإيمانِ بهُداي .

٦٣

ذكرَ مجيءَ عيسى عَلْيه السلام أول مرة؛ حيث أتى قومَه بالشرائع الواضحة ، ودعاهم إلى دين اللّه ، ولكنهم تحزَّبوا عليه ، وإن الذين كفروا به لمستحقون للعقوبة .

٦٧

قوله جلّ ذكره : { الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذِ بَعْضُهُمْ لِبَعضٍ عَدُوٌ إِلاَّ المُتَّقِينَ } .

ما كان لغير ِ اللّه فمآلُه إلا الضياع والأخلاءُ الذين اصطحبوا عَلَى مقتضى الهوى بعضهم لبعض عدو؛ يتبرَّأ بعضُهم من بعضَ ، فلا ينفع أحدٌ أحداً .

وامَّا الأخلاءُ في اللّه فيشفع بعضهم في بعض ، ويتكلم بعضهم في شأن بعض ، أولئك هم المتقون الذين استثناهم اللّه بقوله : { إِلاَّ الْمُتَقِينَ } .

وشرط الخلَّة في اللّه؛ ألا يستعمل بعضُهم بعضاً في الأمور الدنيوية ، ولا يرتفق بعضهم ببعضٍ؛ حتى تكونَ الصحبةُ خالصةً للّه لا لنصيبٍ في الدنيا ، ويكون قبولُ بعضهم بعض لأَجْلِ اللّه ، ولا تجري بينهم مُداهَنَةٌ ، وبقَدْرِ ما يرى أحدُهم في صاحبه من قبولٍ لطريقِ اللّه يقبله؛ فإنْ عَلِمَ منه شيئاً لا يرضاه اللّه لا يَرْضَى ذلك من صاحبه ، فإذا عاد إلى تركه عاد هذا إلى مودته ، وإلاّ فلا ينبغي أن يُساعدَه عَلَى معصيته ، كما ينبغي أن يتقيه بقلبه ، وأَلا يسكنَ إليه لغرضٍ دنيوي أو لطمعٍ أو لِعِوَض .

٦٨

قوله جلّ ذكره : { يَا عِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } .

يقال لهم غداً : { يا عبادي لا خوفٌ عليكم اليوم } مما يلقاه أهل الجمع من الأهوال ، ولا أنتم تحزنون فيما قَصَّرْتُم من الأعمال . . .

امَّا الذنوب . . فقد غفرناها ،

وأمَّا الأهوال . . فكفيناها ،

وأمَّا المظالم . . فقضيناها . فإذا قال المنادي : هذا الخطاب يُطْمِعُ الكلَّ قالوا : نحن عباده ، فإذا قال :

٦٩

{ الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِئَايَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } .

أيِسَ الكفارُ ، وقَوِيَ رجاءُ المسلمين .

٧٠

قوله جل ذكره : { ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ } .

في رياض الجنة ، وترْتَعون .

ويقال : { تُحْبَرُونَ } من لذة السماع .

٧١

قوله جل ذكره : { يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنُفسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .

العُبَّاد لهم فيها ما تشتهي أنفُسهم لأنهم قاسوا في الدنيا -بحُكم المجاهدات- الجوعَ والعطشَ ، وتحمَّلوا وجُوهَ المشاقِّ فيُجازون في الجنةَ بوجوهٍ من الثواب .

وأمَّا أهل المعرفة والمحبّون فلهم ما يلذ أعينهم من النظر إلى اللّه لطول ما قاسوه من فَرْطِ الاشتياق بقلوبهم؛ وما عالجوه من الاحتراق لشدة غليلهم .

٧٢

قوله جلّ ذكره : { وَتِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .

أي يقال لهم -والخطاب للمطيعين غداً- : أنتم يا أصحاب الإخلاص في أعمالكم؛ والصدق في أحوالكم :

٧٣

{ لَكُمْ فِيهَ فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأُْكُلُونَ } .

من الفاكهة الكثيرة تأكلون ، وفي الأُنْس تتقبلون .

٧٤

قوله جل ذكره : { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى عّذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } .

هؤلاء هم الكفار المشركون ، فهم أهل الخلود ، لا يُفْتَّرُ عنهم العذاب ولا يُخَفَّف .

وأمَّا أهل التوحيد : فقد يكون منهم قومٌ في النار . ولكن لا يخلدون فيها . ودليلُ الخطابِ يقتضي أنه يُفَتَّرُ عنهم العذاب . ورد في الخبر الصحيح : أنه لا يُميتهم الحقُّ - سبحانه - إماتةً إلى أن يُخْرِجَهم من النار - والميت لا يحسُّ ولا يتألم .

٧٥

{ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } .

الإبلاس من الخيبة ويدل ذلك على أن المؤمنين لا يأس لهم فيها ، وإن كانوا في بلائهم فهم على وصف رجائهم؛ يعدون أيامهم إلى أن ينتهي حسابهم .

ولقد قال الشيوخ : إنَّ حالَ المؤمن في النار - من وجهٍ- أرْوَحُ لقلبه من حاله في الدنيا؛ فاليومَ - خوفُ الهلاك : ، وغداً- يقينُ النجاة ، وأنشدوا :

عيبُ السلامةِ أنَّ صاحبَها ... متوقِّعٌ لقواصم الظَّهْرِ

وفضيلةُ البلوى تَرَقُّبُ أهلِها ... - عقبَ الرجاء - مودةَ الدهر

٧٦

قوله جل ذكره : { وَمَا ظَلَمْنَاهُم وَلكِن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمِينَ } .

هذا الخطاب يُشْبِهُ كلمة العُذْر - وإن جلّ قَدْرُه - سبحانه - عن ذلك .

٧٧-٧٨

لو قالوا : ( يا مَلِك ) لعلَّ أقوالهم كانت أقربَ إلى الإجابة ، ولكنَّ الأجنبيةَ حالت بينهم وبين ذلك ، فكان الجوابُ عليهم :

{ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ } فيها . . . نُصِحْتم فلم تنتصحوا ، ولم تقبلوا القولَ في حينه ، وكان أكثرهم للحق كارهين .

٧٩

قوله جلّ ذكره : { أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } .

بل أمورُهم مُنْتَقَضةٌ عليهم؛ فلا يتمشّى لهم شيء مما دبَّروه ، ولا يرتفع لهم أمرٌ على نحو ما قدَّروه - وهذه الحالُ أوضحُ دليل على إثبات الصانع .

٨٠

قوله جل ذكْره : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } .

إنما خوَّفهم بسماع المَلَك ، وبكتابتهم أعمالهم عليهم بغفلتهم عن اللّه- سبحانه ، ولو كان لهم خبرٌ عن اللّه لما خَوَّفهم بغير اللّه ، ومَنْ عَلِمَ أنَّ أعمالَه تُكتْتَبُ عليه ، وأنه يُطالَبُ بمقتضى ذلك - قَلَّ إلمامُه بما يخاف أن يُسألَ عنه . .

٨١

قوله جل ذكره : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوْلُ الْعَابِديِنَ } .

أي إن كان في ضميركم وفي حُكْمِكم وفي اعتقادكم أنَّ للرحمن ولداً فأنا أوَّلُ مَنْ يستنكِفُ من هذه القالة .

٨٢

قوله جل ذكره : { سُبْحانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } .

تنزَّه اللّه تنزيهاً ، وتقدَّس تقديساً عمَّا قالوه . وفي هذه الآيات وأمثالِهَا دليلٌ على جوازِ حكاية قول المبتدعة - فيما أخطأوا فيه من وصف المعبود - قصداً للردِّ عليهم ، وإخباراً بتقبيح أقولهم ، وبطلانِ مزاعمهم .

٨٣

ثم قال جلَّ ذكره : { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الَّذِى يُوعَدُونَ } .

إذ ليس يفوت أمرُهم ، وهم لا محالة سيلقون صغرهم .

وفي هذا دليلٌ على أنه لا ينبغي للعبد أن يَغْتَرَّ بطول السلامة فإنَّ العواقبَ غيرُ مأمونة .

٨٤

قوله جل ذكره : { وَهُوَ الَّذِى فِى السَّمَآءِ إِلهُ وَفِى الأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ } .

المعبودُ - في السماء - اللّه ، ولمقصودُ - في طلب الحوائج في الأرض - اللّه .

أهلُ السماءِ لا يعبدون غير اللّه ، وأهل الأرض لا يَقْضِي حوائجهم غير اللّه .

{ وَهُوَ الْحَكِيمُ } في إمهاله للغُصاة ، { الْعَلِيمُ } بأحوالِ العِباد .

٨٥

{ وَتَبَارَكَ الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } .

تعالى وتقدَّس وتنزَّه وتكبَّرَ الذي له مُلْكُ السموات والأرض .

السمواتُ والأرضُ بقدرته تظهر . . . لا هو بظهورها يتعزَّز .

٨٦

قوله جل ذكره : { وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعَونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } .

أي شهد -اليوم- بالتوحيد ، فيثبت له الحقُّ حقِّ الشفاعة . وفي الآية دليل على أن جميع المسلمين شفاعتهم تكون غداً مقبوله .

٨٧

قوله جلّ ذكره : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّه فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } .

فكيف لا يعتبرون؟ وكيف يتكبَّرون عن طاعة اللّه .

٨٨

{ وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلآءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فًسَوْفَ يَعْلَمُونَ } .

أي يعلم علم الساعة ويعلم { قيله يا رب } .

٨٩

{ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ } أي أَمْهِلْهُم ، وقل لكم مني سلامٌ . . ولكن سوف تعلمون عقوبة ما تستوجبون .

﴿ ٠