سورة الحجرات١قوله جلّ ذكره : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْن يَدَىِ اللّه وَرَسُولِهِ واتَّقُوا اللّه إن اللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ } . { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ } : شهادةٌ للمنادَى بالشَّرف . { لاَ تُقَدِّمُواْ } أَمْرٌ بتحمُّل الكُلَف . قدَّمَ الإكرام بالشرف على الإلزام بالكُلَف أي لا تقدموا بحكمكم { بَيْنَ يَدَىِ اللّه وَرَسُولِهِ } : أي لاتقضوا أمراً من دون اللّه ورسوله أي لا تعملوا من ذات أنفسِكم شيئاً . ويقال : فقوا حيثما وُقِفْتم ، وافعلوا ما به أُمِرْتُم ، وكنوا أصحابَ الاقتداءِ والاتّباع . . لا أربابَ الابتداءِ والابتداع . ٢قوله جلّ ذكره : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِى وَلاَ تَجْهَرواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } . أَمرَهم بحفظ حرمته ومراعاةِ الأدب في خدمته وصحبته ، وأَلاَّ ينظروا إليه بالعين التي ينظرون بها إلى أمثالهم . وأنه إذا كان بخُلُقهِ يُلاينُهم فينبغي ألا يتبسَّطوا معه مجاسرين ، ولا يكونوا مع ما يعاشرهم به مِنْ تَخَلُّقِه عن حدودِهم زائدين . ويقال : لا تبدأوه بحديثٍ حتى يُفَاتِحَكم . ٣قوله جلّ ذكره : { إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللّه أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّه قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفَرةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } . هم الذين تقع السكينةُ عليهم من هيبة حضرته ، أولئك هم الذين امتحن اللّه قلوبَهم للتقوى بانتزاع حُبِّ الشهوات منها ، فاتقوا سوءَ الأخلاقِ ، وراعوا الأدبَ . ويقال : هم الذين انسلخوا من عادات البشرية . ٤-٥قوله جلّ ذكره : { إِنَّ الَّذِينَ يُنَاُدُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ واللّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . أي لو عرفوا قَدْرَكَ لَمَا تركوا حُرْمَتَك ، والتزموا هَيبَتَك . ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم ولم يستعجلوا ، ولم يوقظوك وقت القيلولة بمناداتهم لكان خيراً لهم . أمَّا أصحابه - صلواتُ اللّه عليه وسلامه - الذين يعرفون قدْره فإنَّ احدهم - كما في الخبر : ( كانه يَقْرَعُ بابَه بالأظافر ) ٦قوله جلّ ذكره : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوآ أَن تُصِيبواْ قَوْمَاً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } . دلَّت الآية على تَرْكِ السكون إلى خَبَرِ الفاسق إلى أن يظهر صِدْقُه . وفي الآية إشارة إلى تَركِ الاستماعِ إلى كلام الساعي والنَّمامِ والمغتابِ للناس . والآيةُ تَدُلُّ على قبول خبرِ والواحدِ إذا كان عَدْلاً . والفاسقُ هو الخارجُ عن الطاعة . ويقال هو الخارج عن حدِّ المروءة . ويقال : هو الذي ألقى جِلبابَ الحياء . ٧قوله جلّ ذكره : { وَاعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّه لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَ اللّه حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهُ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُؤلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } . أي لو وافقكم محمدٌ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم في كثير مما تطلبون من لوقعتم في العَنَتِ- وهو الفساد . ولو قَبِلَ قولَ واحدٍ ( قَبْلَ وضوحِ الأمر ) لأَصابتكم من ذلك شدة . والرسول صلوات اللّه عليه لا يطيعكم في أكثر الأمور إذا لم يَرَ في ذلك مصلحة لكم وللدين . { وَلَكِنَّ اللّه حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ } : الإسلام والطاعة والتوحد ، وزيَّنَها في قلوبكم . { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ } : هذا من تلوين الخطاب . وفي الآية دليلٌ على صحة قول أهل الحقِّ في القَدَر ، وتخصيص المؤمنين بألطافٍ لا يشترك فيها الكفارُ . ولولا أنَّه يوفِّر الدواعي للطاعات لَحَصَلَ التفريط والتقصير في العبادات . ٨{ فَضْلاً مِّنَ اللّه وَنِعْمَةً } : أي فَعَلَ هذا بكم فضلاَ منه ورحمةً { وَاللّه عَليمٌ حَكِيمٌ } . ٩قوله جلّ ذكره : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللّه فَإِِن فَآءَتْ فَأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللّه يُحِبُّ المُقْسِطِينَ } . تدل الآية على أن المؤمن بفسقه - والفسق دون الكفر- لا يخرج عن الإيمان لأن إحدى الطائفتين - لا محالة - فاسقة إذا اقتتلا . وتدل الآية على وجوب نصرة المظلوم؛ حيث قال : { فَإِِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى } . الإشارة فيه : أن النفس إذا ظَلَمتْ القلب بدعائه إلى شهواتها ، واشتغالها في فسادها فيجب أن يقاتلها حتى تثخن بالجراحة بسيوف المجاهدة ، فإن استجابت إلى الطاعة يُعْفَى عنها لأنها هي المطيَّةُ إلى باب اللّه . ١٠قوله جلّ ذكره : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّه لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } إيقاعُ الصلح بين المتخاصمين مِنْ أوْكَد عزائم الدِّين . وإذا كان ذلك واجباً فإنه يدل على عِظَمِ وِزْرِ الواشي والنَّمام؛ والمصْدَرِ في إفساد ذات البَيْن . ( ويقال إنما يتم ذلك بتسوية القلب مع اللّه فإن اللّه إذا علم صِدْق هِمةِ عبدٍ في إصلاح ذات البيْن ) فإنه يرفع عنهم تلك العصبيَّة . فأما شرط الأخوة : فمِنْ حقِّ الأُخُوةِ في الدِّين إلا تُحُوِجَ أخاك إلى الاستعانة بك أو التماس النصرة عنك ، وألا تُقصِّر في تَفَقُّدِ أحواله بحيث يشكل عليك موضع حاجته فيحتاج إلى مساءلتك . ومن حقِّه ألا تُلْجِئَه إلى الاعتذار لك بل تبسط عُذْرَه؛ فإنْ أُشْكِل عليكَ وَجْهُه عُدْت باللائمة على نفسك في خفاء عُذْرِه عليك ومن حقه أنْ تتوبَ عنه إذا أذْنَبَ ، وتَعودَه إذا مرض . وإذا أشار عليك بشيءٍ فلا تُطَالِبْه بالدليل عليه وإبراز الحُجَّة - كما قالوا : إذا اسْتَنْجِدُوا لم يسألوا مَنْ دعاهم ... لأيَّةِ حَرْبٍ أم لأي مكان ومِنْ حقِّه أَنْ تَحفَظَ عَهْدَه القديم ، وأَنْ تُراعِيَ حقَّه في أهله المتصلين به في المشهد المغيب ، وفي حال الحياة وبعد الممات - كما قيل : وخليل إن لم يكن ... منصفاً كُنْتَ منصفا تتحسَّى له الأمَرَّ ... يْن وكُنْ ملاطفا إنْ يَقُل لكَ استوِ احترفْ ... ت رضًى لا تكلُّفا ١١قوله جلّ ذكره : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِنْ نِسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الإسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } . نهى اللّه - سبحانه تعالى- عن ازدارءِ الناس ، وعن الغَيْبَةِ ، وعن الاستهانةِ بالحقوق ، وعن تَرْكِ الاحترام . { وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنْفُسَكُمْ } : أي لا يَعِيبَنَّ بعضُكم بعضاً ، كقوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ }[ النساء : ٢٩ ] . ويقال : ما استصغر أحدٌ أحداً إلا سُلِّطَ عليه . ولا ينبغي أن يُعْتَبَر بظاهر أحوال الناس فإنَّ في الزوايا خبايا . والحقُّ يستر أولياءَه في حجابِ الضّعَة؛ وقد جاء في الخبر : ( رُبَّ أشعث أغبر ذي طمرين لا يُؤْبَهُ له لو أقسم على اللّه لأَبَرَّه ) ١٢قوله جلّ ذكره : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللّه إِنَّ اللّه تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } . النَّفْسُ لا تَصْدُقُ ، والقلبُ لا يَكْذِبُ . والتمييز بين النفس والقلب مُشْكِلٌ ومَنْ بَقِيَتْ عليه من حظوظه بقيَّةٌ - وإنْ قَلَّتْ - فليس له أن يَدعَّى بيانَ القلب بل هو بنفسه ما دام عليه شيءٌ من نَفْسِه ، ويجب أن يَتَّهِمَ نَفْسَهُ في كل ما يقع له من نقصان غيره . . هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال وهو يخطب . ( كلُّ الناس أفقهُ من عمر . . . أمرأةٌ أفقهُ من عمر ) . { وَلاَ تَجَسَّسُواْ } والعارف لا يتفرغ من شهود الحقِّ إلى شهود الخَلْق . . فكيف يتفرغ إلى تجَسُّسِ أحوالهم؟ وهو لا يتفرغ إلى نَفْسِه فكيف إلى غيره؟ { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُمْ بَعْضاً } : لا تحصل الغيبة للخَلق إلاَّ من الغيبةِ عن الحقِّ . { أَيَحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً } جاء في التفسير أن المقصود بذلك الغيبة ، وعلى ذلك يدل ظاهر الآية . وأَخَسُّ الكفّار وأَقَلُّهم قَدْراً مَنْ يأَكل الميتةَ . . وعزيزٌ رؤيةُ مَنْ لا يغتاب أحداً بين يديك . ١٣قوله جلّ ذكره : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن ذَكّرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أكْرَمَكُمْ عِندَ اللّه أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللّه عَلِيمٌ خَبِيرٌ } . إنَّا خلقناكم أجمعكم من آدمَ وحواء ، ثم جعناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا لا لتُكَاثروا ولا لتنافسوا . فإذا كانت الأصولُ تربةً ونطفةً وعَلَقَةً . . فالتفاخر بماذا؟ أبا لحمأ المسنون؟ أم بالنطفة في قرار مكين؟ أم بما ينطوي عليه ظاهرك مما تعرفه؟! وقد قيل : إِنَّ آثارَنا تَدُل علينا ... فانْظُروا بَعْدَنا إلى الآثارِ أم بأفعالك التي هي بالرياء مَشُوبة؟ أم بأحوالك التي هي بالإعجاب مصحوبة؟ أم بمعاملاتك التي هي ملأى بالخيانة؟ { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِند اللّه أَتْقَاكُمْ } ؟ أتقاكم أي أَبْعَدكم عن نَفْسِه ، فالتقوى هي التحرُّر من النفس وأطماعها وحظوظها . فأكرمُ العبادِ عند اللّه مَنْ كان أَبْعد عن نَفْسِه وأَقرَبَ إلى اللّه تعالى . ١٤قوله جلّ ذكره : { قَالَتِ الأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِنَ قُولُواْ أَسْلَمْنَا } . الإيمانُ هو حياة القلب ، والقلب لا يحيا إلا بعد ذَبْح النَّفس ، والنفوسُ لا تموت ولكنها تغيب ، ومع حضورها لا يَتمُّ خيرٌ ، والاستسلامُ في الظاهر إسلام . وليس كلُّ مَنْ استسلَمَ ظاهراً مخلصٌ في سِرِّه . { وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ } . في هذا دليلٌ على أن محلَّ الإيمانِ القلبُ . كما أنه في وصف المنافقين قال تعالى : { فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ }[ البقرة : ١٠ ] ومَرَضُ القلبِ والإيمانُ ضدان . ١٥قوله جلّ ذكره : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاللّه وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بَأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللّه أُؤْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } . جَعَلَ اللّه الإيمانَ مشروطاً بخصالٍ ذَكَرَها ، ونَصَّ عليها بلفظ { إِنَّمَا } وهي للتحقيق الذي يقتضي طَرْدَ العِكْسِ؛ فمَنْ خَرَج عن هذه الشرائط التي جَعَلَها للإِيمان فمردودٌ عليه قَوْلُه . والإيمانُ يوجِبُ للعبد الأَمان ، فما لم يكن الإيمان موجِباً للأَمانِ فصاحبُه بغيره أَوْلَى . ١٦قوله جلّ ذكره : { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللّه بِدِينِكُمْ وَاللّه يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاواتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَاللّه بِكُلْ شَىْءٍ علٍيمٌ } . تدل الآية على أَنَ الوقوف في المسائل الدينية يُعْتَبرُ واجباً؛ فالأسامي منه تَؤْخَذ ، والأحكامُ منه تُطْلَب ، وأوامره مُتَّبعة . ١٧قوله جلّ ذكره : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَى إِسْلاَمَكُم بَلِ اللّه يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . مَنْ لاحظ شيئاً من أعماله وأحواله فإنْ رآها مِنْ نَفْسه كان شِرْكاً ، وإنْ رآها لنفسه كان مكراً فكيف يمن العبد بما هو شِرْكٌ أو بما هو مكر؟! والذي يجب عليه قبول المِنَّة . . كيف يرى لنفسه على غيره مِنَّة؟! هذا لعمري فضيحةّ! بل المِنَّةُ للّه؛ فهو وليُّ النعمة . ولا تكون المةُ منةً إلا إذا كان العبدُ صادقاً في حله ، فأمَّا إذا كان معلولاً في صفة من صفاته فهي محنةٌ لصاحبها لا مِنَّة . والمِنَّةُ نُكَدَّرُ الصنيعَ إذا كانت من المخلوقين ، ولكن بالمِنَّةِ تطيب النعمة إذا كانت من قبل اللّه . ١٨قوله جلّ ذكره : { إِنَّ اللّه يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللّه بَصِيرُ بِمَا تَعْمَلُونَ } . ومَنْ وُقِف ها هنا تكدَّرَ عليه عِيْشُه؛ إذ ليس يدري ما غيبه فيه ، وفي معنى هذا قول القائل : أبكي . . . وهل تدرين ما يبكيني؟ ... أبكي حذاراً أن تفارقيني ... وتقطعي وَصْلي وتهجريني ... |
﴿ ٠ ﴾