سورة الذاريات

١-٤

والذارياتُ : أي الرياح الحاملات { وِقْراً } أي السحاب { فَالْجَارِياتِ } أي السفن . { فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } أي الملائكة . . . بربِّ هذه الأشياء وبقدرته عليها . وجواب القسم : { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ . . . } والإشارة في هذه الأشياء أن من جملة الرياح . الرياح الصيحية تحمل أنينَ المشتاقين إلى ساحات العزَّةِ فيأتي نسيمُ القربةِ إلى مَشَامِّ أسرارِ أهل المحبة . . . فعندئذٍ يجدون راحةً من غَلَبَات اللوعة ، وفي معناه أنشدوا :

وإني لأستهدي الرياحَ نسيمكم ... إذا أقبلَتْ من أرضكم بهبوب

وأسألُها حمْلَ السلام إليكمو ... فإنْ هي يوماً بَلَّغتْ . . فأجيبي

ومن السحاب ما يُمطر بعتاب الغيبة ، ويُؤْذن بهواجم النَّوى والفُرْقة . فإذا عَنَّ لهم من ذلك شيء أبصروا ذلك بنور بصائرهم ، فيأخذون في الابتهال ، والتضرُّع في السؤال استعاذةً منها . . . كما قالوا :

أقول- وقد رأيتُ لها سحاباً ... من الهجران مقبلة إلينا

وقد سحَّت عزاليها بِبَيْنٍ ... حوالينا الصدودُ ولا علينا

وكما قد يَحْملُ الملاَّحُ بعضَ الفقراء بلا أجرة طمعاً في سلامة السفينة - فهؤلاء يرْجُون أن يُحمَلُوا في فُلْكِ العناية في بحار القدرة عند تلاطم الأمواج حول السفينة . ومِنَ الملائكةِ مَنْ يتنزَّلُ لتفقد أهل الوصلة ، أو لتعزية أهل المصيبة ، أو لأنواعٍ من الأمور تتصل بأهل هذه القصة ، فهؤلاء القوم يسألونهم عن أحوالهم : هل عندهم خيرٌ عن فراقهم ووصالهم - كما قالوا :

بربِّكما يا صاحبيَّ قِفَا بيا ... أسائلكم عن حالهم وآسألانيا

٥-٦

{ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } : الحقُّ - سبحانه- وَعَدَ المطيعين بالجنة ، والتائبين بالرحمة ، والأولياءَ بالقربة ، والعارفين بالوصلة ، ووَعَدَ أرباب المصائب بقوله : { أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ }[ البقرة : ١٥٧ : ١٥٦ ] ، وهم يتصدون لاستبطاء حُسْنِ الميعاد - واللّه رؤوقٌ بالعباد .

٧-٨

قوله جلّ ذكره : { والسَّمَآءِ ذَاتِ الحُبُكِ إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } .

{ ذَاتِ الْحُبُكِ } أي ذات الطرائق الحسنة - وهذا قَسَمٌ ثانٍ ، وجوابه : { إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } يعني في أمر محمدٍ صلى اللّه عليه وسلم فأحدهم يقول : إنه ساحر ، وآخر يقول : مجنون ، وثالث يقول : شاعر . . . . وغير ذلك .

والإشارة فيه إلى القسم بسماء التوحيد ذات الزينة بشمس العرفان ، وقمر المحبة ، ونجوم القُرب . . . إنكم في باب هذه الطريقة لفي قولٍ مختلف؛ فَمِنْ مُنْكِرٍ يجحد الطريقة ومِنْ مُعترِضٍ يعترض علىأهلها يتوهَّم نقصانهم في القيام بحق الشريعة ، ومن متعسِّفٍ لايخرج من ضيق حدود العبودية ولا يعرف خبراً عن تخصيص الحقِّ أولياءَه بالأحوال السنية ، قال قائلهم :

فد سَحبَ الناسُ أذيال الظنون بنا ... وفَرَّقَ الناسُ فينا قولهم فِرقَا

فكاذبٌ قد رمى بالظنِّ غَيْرتكم ... وصادقٌ ليس يدري أنه صَدَقَا

٩

قوله جل ذكره : { يُؤْفَكُ عَنْهُ مِنْ أُفِكَ } .

أي يُصْرَفُ عنه مَنْ صُرِف ، وذلك أنهم كانوا يصدُّون الناسَ عنه ويقولون : إنه لمجنون .

١٠-١١

{ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِى غَمْرَةٍ سَاهُونَ } .

لُعِنَ الكذَّابون الذين هم في غمرة الضلالة وظلمة الجهالة ساهون لاهون .

١٢-١٤

قوله جلّ ذكره : { يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينَ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِى كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } .

يسألون أيان يومُ القيامة؟؛ يستعجلون بها ، فلأَجْلِ تكذيبهم بها كانت نفوسُهم لا تسكن إليها . ويوم هم على النار يُحْرَقون ويُعَذَّبون يقال لهم : قاسوا عقوبتكم ، هذا الذي كنتم به تَسْتَعْجِلُونَ .

والإشارة فيه إلى الذين يَكْذِبون في أعمالهم لِمَا يتداخلهم من الرياء ، ويكذبون في أحوالهم لِمَا يتداخلهم من الإعجاب ، ويكذبون على اللّه فيما يدَّعونه من الأحوال . . . قُتِلُو ولُعِنوا . . . وسيلقون غِبَّ تلبيسهم بما يُحْرَمون من اشتمام رائحة الصدق .

١٥-١٧

قوله جلّ ذكره : { إِنَّ المُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنينَ } .

في عاجلهم في جنَّتِ وَصْلِهم ، وفي آجلهم في جنّاتِ فَضْلِهم؛ فغداً درجات ونجاة ، واليومَ قرُبات ومناجاة ، فما هو مؤجَّلٌ حظُّ أنفسِهم ، وما هو معجّلٌ حقُّ ربِّهم . هم آخذين اليوم ما آتاهم ربهم؛ يأخذون نصيبه منه بِيَدِ الشكر والحمد ، وغداً يأخذون ما يعطيهم ربُّهم في الجنة من فنون العطاء والرِّفد .

ومَنْ كان اليومَ آخذه بلا وساطة من حيث الإيمان والإتقان ، وملاحظة القسمة في العطاء والحرمان . كان غداً آخذه بلا وسطة في الجنان عند اللقاء والعيان . { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَالِكَ مُحْسِنِينَ } ؛ كانوا ولكنهم اليوم بانوا ولكنهم بعد ما أعدناهم حصلوا واستبانوا . . . فهم كما في الخبر : ( أعبد اللّه كأنك تراه . . . ) . قوله جلّ ذكره : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } .

المعنى إمَّا : كانوا قليلاً وكانوا لا ينامون إلا بالليل كقوله تعالى : { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ }[ سبأ : ١٣ ] أو : كان نومُهم بالليل قليلاً ، أو : كانوا لا ينامون بالليل قليلاً .

١٨

{ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرونُ } : أخبر عنهم أنهم - مع تهجدهم ودُعائهم - يُنْزِلون انفسَهِم في الأخار منزلةَ العاصين ، فيستغفرون استصغاراً لِقدْرِهم ، واستحقاراً لِفِعْلهم .

والليلُ . . . للأحباب في أُنْس المناجاة ، وللعصاة في طلب النجاة . والسهرُ لهم في ليلايهم دائماً؛ إمّا لفَرْظِ أَسَفٍ أولِشدَّةِ لَهَفٍ ،

وإمَّا لاشتياقٍ أو لفراقٍ - كما قالوا :

كم ليلةٍ فيك لا صباحَ لها ... افنْيَتُهَا قابضاً على كبدي

قد غُصَّت العينُ بالدموعِ وقد ... وَضَعْتُ خدي على بنان يدي

وإمّ لكمال أُنْسٍ وطيب روح - كما قالوا :

سقى اللّه عيشاً قصيراً مضى ... زمانَ الهوى في الصبا والمجون

لياليه تحكي انسدادَ لحاظٍ ... لَعْينِيَ عند ارتداد الجفون

١٩

قوله جلّ ذكره : { وَفِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌ لِّلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ } السائلُ هوالمُتكفِّف ، والمحرومُ هو المتعفِّف - ويقال هو الذي يحرم نفسه بترك السؤال . . هؤلاء هم الذين يُعْطُون بشرط العلم ، فأمَّا أصحابُ المروءة : فغير المستحق لمالهم أَوْلَى من المستحق . وأما أهل الفترة فليس لهم مالٌ حتى تتوجه عليهم مطالبة؛لأنهم أهل الإيثار- في الوقت- لكلِّ مايُفْتَحُ عليهم به .

٢٠

قوله جلّ ذكره : { وَفِى الأَرْضِ ءَايَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ وَفِى السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } .

كما أَنَّ الأرضَ تحمل كلَّ شيء فكذلك العارف يتحمَّل كلَّ أحد .

ومَنْ استثقل أحداً أو تبرَّمَ برؤية أحدٍ فلِغَيْبته عن الحقيقة ، ولمطالعته الخَلْقَ بعين التفرقة - وأهلُ الحقائق لا يتصفون بهذه الصفة .

ومن الآيات التي في الأرض أنها يُلْقَى عليها كلُّ قذارةٍ وقمامة - ومع ذلك تُنْبِتُ كلَّ زَهْرٍ ونَوْرٍ . . . كذلك العارفين يتشرب كلَّ ما يُسْقَى من الجفاء ، ولا يترشح إلاَّ بكل خُلُقٍ عَلِيّ وشيمةٍ زكيَّة .

ومن الآيات التي في الأرضِ أنّ ما كان منها سبخاً يُتْرَكُ ولا يُعَمَّر لأنه لا يحتمل العمارة- كذلك الذي لا إيمانَ له بهذه الطريقة يُهْمَل ، فمقابلته بهذه الصفة كإلقاء البذر في الأرض السبخة .

٢١

{ وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } : أي وفي أنفسكم أيضاً آيات ، فمنها وقاحتها في همتها ، ووقاحتها في صفاتها ، ومنها دعواها العريضة فيما ترى منها وبها ، ومنها أحوالها المريضة حين تزعم أَنَّ ذَرّةً أو ( . . . ) بها أومنها .

٢٢

{ وَفِىلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } : أي قسمة أرزاقكم في السماء ، فالملائكة الموَكَّلون بالأرزاق ينزلون من السماء .

ويقال : السماء ها هنا المطر ، فبالمطر ينبت الحَبُّ والمرعى .

ويقال : على رب السماء أرزاقكم لأنه ضَمنَها .

ويقال : قوله : { وَفِى السَّمَآءَِ رِزْقُكُمْ } وها هنا وقف ثم تبتدىء : { وَمَا تُوعَدُونَ } .

٢٣

قوله جلّ ذكره : { فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } أي : إنَّ البعثَ والنشرَ لَحَقٌّ .

ويقال : إنَّ نصري لمحمدٍ ولديني ، وللذي أتاكم به من الأحكام- لحقٌّ مثل ما أنَّكم تنطقون .

كما يقال : هذا حقٌّ مثل ما أنك ها هنا .

ويقال : معناه : ( إنَّ اللّه رازقُكم ) - هذا القولُ حقٌّ مثلما أنكم إذا سُئِلْتُم : مَنْ رَبُّكم؟ ومَنْ خالقكم؟ قلتم : اللّه . . . فكما أنكم تقولون : إن اللّه خالق - وهذا حقٌّ . . . كذلك القولُ أَنَّ اللّه رازقٌ - هو أيضاً حقٌّ .

ويقال : كما أنَّ نُطْقَكَ لا يتكلم به غيرُك فرزقُكَ لا يأَكلُه غيرك .

ويقال : الفائدة والإشارة في هذه الآية أنه حال بزرفك على السماء ، ولا سبيلَ لك إلى العروج إلى السماء لتشتغلَ بما كلفك ولا تعنَّى في طلب ما لا تصل إليه .

ويقال : في السماء رزقكم ، وإلى السماء يُرْفَعُ عَمَلُكُم . . . فإنْ أرَدْتَ أنْ ينزلَ عليكَ رزقُك فأَصْعِدْ إلى السماءِ عمَلَكَ - ولهذا قال : الصلاةُ قَرْعُ باب الرزق ، وقال تعالى : { وَأَْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْئَلُكَ رِزْقاً }[ طه : ١٣٢ ] .

٢٤

قوله جلّ ذكره : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ } .

قيل في التفاسير : لم يكن قد أتاه خبرُهم قبل نزول هذه الآية .

وقيل : كان عددُهم اثني عشر مَلَكاً .

وقيل : جبريل وكان معه سبعة .

وقيل : كانوا ثلاثة .

وقوله : { الْمُكْرَمِينَ } قيل لقيامه - عليه السلام - بخدمتهم .

وقيل : اكرم الضيفَ بطلاقة وجهه ، والاستبشار بوفودهم .

وقيل : لم يتكلَّف إِبراهيمُ لهم ، وما اعتذر إليهم - وهذا هو إكرام الضيف - حتى لا تكون من المضيف عليه مِنَّةٌ فيحتاج الضيف إلى تحملها .

ويقال : سمّاهم مكرمين لأن غير المدعوِّ عند الكرام كريم .

ويقال : ضيفُ الكرام لا يكون إلا كريماً .

ويقال : المكرمين عند اللّه .

٢٥

قوله جلّ ذكره : { إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } .

أي سلَّمنا عليك { سَلاَماً } فقال إبراهيم : لكم مني { سَلاَمَاً } .

وقولُهم : { سَلاماً } أي لك منّا سلام ، لأنَّ السلامَ : الأمانُ .

{ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } : أي أنتم قوم منكرون؛ لأنه لم يكن يعرف مِثْلَهم في الأضياف ويقال : غُرَبَاء .

٢٦-٢٧

قوله جلّ ذكره : { فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأَْكُلُونَ } .

أي عَدَلَ إليهم من حيث لا يعلمون وكذلك يكون الروغان .

{ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } فشواه ، وقرَّبه منهم وقال : { أَلاَ تأْكُلُونَ؟ } وحين امتنعوا عن الأكل :

٢٨

{ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ } .

تَوَهَّمَ أنهم لصوص فقالوا له : { لاَ تَخَفْ } .

{ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ } : أي بَشَّروه بالوَلد ، وببقاء هذا الوَلَدِ إلى أن يصير عليماً؛ والعليم مبالغة من العلم ، وإنما يصير عليماً بعد كبره .

٢٩

{ فََأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِى صَرّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } .

{ فِى صَرَّةٍ } أي في صيحة شديدة ، { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا } أي فضربت وجهها بيدها كفعل النساء { وَقَالَتْ عُجُوزٌ عَقِيمٌ } : أي أنا عجوز عقيم .

وقيل : إنها يومَها كانت ابنةَ ثمانٍ وتسعين سنة ، وكان إبراهيمُ ابنَ تسع وتسعين سنة .

٣٠

{ قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ } .

أي قلنا لكِ كما قال ربُّكِ لنا ، وأنْ نُخْبِرَكِ أنَّ اللّه هو المُحْكِمُ لأ فعالِه ، { الْعَلِيمُ } الذي لا يخفى عليه شيء .

٣١

{ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ؟ } .

سألهم : ما شأنُكم؟ وما أمرُكم؟ وبماذا أُرْسِلْتُم؟

٣٢-٣٦

{ قَالُوآ إِنَّا أُرْسِلْنَآ إِلَى قَوْمٍ مُّجْرمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حَجَارَةً مِّن طِينٍ مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ } .

هم قوم لوط ، ولم نجد فيها غيرَ لوطٍ ومَنْ آمن به .

٣٧

قوله جلّ ذكره : { وَتَرَكْنَا فِيهَآ ءَايَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ } .

تركنا فيها علامةً يعتبر بها الخائفون- دون القاسية قلوبهم .

٣٨

قوله جلّ ذكره : { وَفِى مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } .

أي بحجة ظاهرة باهرة .

. . . إلى قوله : { وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ }[ الذاريات : ٤٧ ] : أي جعنا بينهما وبين الأرض سعة ، ( وإنا لقادرون ) : على أن نزيد في تلك السعة .

٤٨

{ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ المَاهِدُونَ } .

أي جعلناها مهاداً لكم ثم أثنى على نَفْسه قائلاً : { فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ } .

دلَّ بهذا كلَّه على كمال قدرته ، وعلى تمام فضله ورحمته .

٤٩

قوله جلّ ذكره : { وَمِن كُلِّ شَىْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَينِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } .

أي صنفين في الحيوان كالذَّكَرِ والأنثى ، وفي غير الحيوانِ؛ كالحركة والسكون ، والسواد والبياض ، وأصناف المتضادات .

٥٠

قوله جلّ ذكره : { فَفِرُّواْ إِلَى اللّه إِنّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } .

أي فارجِعوا إلى اللّه - والإنسان بإحدى حالتين؛ إِمَّا حالة رغبةٍ في شيءٍ ، أو حالة رهبة من شيء ، أو حال رجاء ، أو حال خوف ، أو حال جَلْبِ نَفْعٍ أو رفع ضُرٍّ . . . وفي الحالتين ينبغي أَنْ يكونَ فِرارُه إلى اللّه؛ فإنَّ النافعَ والضارَّ هو اللّه .

ويقال : مَنْ صَحَّ فِرارُه إلى اللّه صَحَّ قَرارُه مع اللّه .

ويقال : يجب على العبد أَنْ يفرَّ من الجهل إلى العلم ، ومن الهوى إلى التُّقَى ، ومن الشّكِّ إلى اليقين ، ومن الشيطانِ إلى اللّه .

ويقال : يجب على العبد أَنْ يفرَّ من فعله - الذي هو بلاؤه إلى فعله الذي هو كفايته ، ومن وصفه الذي هو سخطه إلى وصفه الذي هو رحمته ، ومن نفسه - حيث قال : { وَيُحَذِّرُكُمُ اللّه نَفْسَهُ }[ آل عمران : ٢٨ ] إلى نفسه حيث قال : { فَفِرُّواْ إِلَى اللّه } .

٥١-٥٣

قوله جلّ ذكره : { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ اللّه إِِلَهاً ءَاخَرَ إِنِّى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } .

أُخَوِّفُكم أليمَ عقوبته إنْ أَشركْتُم به - فإِنَّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ به .

ثم بيَّنَ أنه على ذلك جرَت عادتُهم في تكذيب الرُّسُل ، كأنهم قد توصوا فيما بينهم بذلك .

٥٤

قوله جلّ ذكره : { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } .

فأَعْرِضْ عنهم فليست تلحقك - بسوء صنيعهم - ملامةٌ .

٥٥

قوله جلّ ذكره : { وَذَكِّرْ فَإِنٍَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } .

ذَكِّر العاصين عقوبتي ليرجعوا عن خالفةِ أمري ، وذَكِّر المطيعين جزيلَ ثوابي ليزدادوا طاعةً وعبادةً ، وذَكِّرْ العارفين ما صرَفْتُ عنهم من بلائي ، وذكِّرْ الأغنياءَ ما أَتَحْتُ لهم من إحساني وعطائي ، وذَكِّر الفقراء ما أوجبْتُ لهم من صَرْفِ الدنيا عنهم وأَعْدَدْتُ له من لقائي .

٥٦-٥٨

قوله جلّ ذكره : { وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَآ أُرِيدُ مِّنْهُم مِّن رِّزقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللّه هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ الْمَتِينُ } .

الذين اصطفُْهم في آزالي ، وخصَصْتُهم - اليومَ - بحسْنِ إقبالي ، ووعدْتُهم جزيلُ أفضالي - ما خَلَقْتُهم إِلاَّ ليعبدونِ .

والذين سخطت عليهم في آزالي ، وربطتهم - اليوم - بالخذلان فيما كلَّفتهم من أعمالي ، وخَلَقْتُ النارَ لهم- بحُكْم إليهتي ووجوب حُكْمي في سلطاني - ما خلقتهم إلا لعذابي وأنكالي ، وما أَعْدَدْتُ لهم من سلاسلي وأغلالي .

ما أريد منهم أَنْ يُطْعِموا أو يرزفوا أحداً من عبادي فإنَّ الرزَّاقَ أنا .

وما أريد أن يطعمونِ فإِنني أنا اللّه { ذُو الْقُوَّةِ } : المتينُ القُوَى .

٥٩

قوله جلّ ذكره : { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونَ } .

لهم نصيبٌ من العذابِ مثلَ نصيبِ مَنْ سَلَفَ من أصحابهم من الكفار فلِمَ استعجالُ العذابِ - والعذابُ لن يفوتَهم؟ .

٦٠

{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِيِنَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الَّذِى يُوعَدُون } .

وهو يوم القيامة .

﴿ ٠