سورة النجم١قوله جلّ ذكره : { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } . والثريا إذا سقط وغرب . ويقال : هو جِنْسُ النجوم أقسم بها . ويقال : هي الكواكب . ويقال : أقسم بنجوم القرآن عَلَى النبي صلى اللّه عيله وسلم ويقال هي الكواكب التي تُرمَى بها الشياطين . ويقال أقسم بالنبي صلى اللّه عليه وسلم عند مُنَصَرفهِ من المعراج . ويقال : أقسم بضياء قلوب العارفين ونجوم عقولِ الطالبين . ٢وجوابُ القسَم قوله : { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } : أي ما ضَلَّ عن التوحيد قط ، { وَمَا غَوَى } : الغَيُّ : نقيضُ الرُّشد . . وفي هذا تخصيصٌ للنبي صلى اللّه عليه وسلم حيث تولّى- سبحانه - الذّبَ عنه فيما رُميَ به ، بخلاف ما قال لنوح عليه السلام وأذِنَ له حتى قال : { لَيْسَ بِى ضَلاَلَةٌ }[ الأعراف : ٦١ ] ، وهود قال : { لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ }[ الأعراف : ٦٧ ] . وغير ذلك ، وموسى قال لفرعون : { وَإِنِّى لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً }[ الإسراء : ١٠٢ ] . وقال لنبينا صلى اللّه عليه وسلم : { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } : معناه ما ضلَّ صاحبُكم ، ولا غَفَل عن الشهود طَرْفَةَ عينٍ . ٣-٤قوله جلّ ذكره : { وَمَا ينطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى } . أي ما ينطق بالهوى ، وما هذا القرآنُ إلا وحيٌ يُوحَى . وفي هذا أيضاً تخصيصٌ له بالشهادة؛ إذ قال لداود : { فَاحْكُم بَيْنَ النَّاس بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى }[ ص : ٢٦ ] . وقال في صفة نبيِّنا صلى اللّه عليه وسلم { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } . { ومتى ينطق عن الهوى } وهو في محل النجوى؟ في الظاهر مزمومٌ بزمام التقوى ، وفي السرائر في إيواء المولى ، مُصَفَّى عن كدورات البشرية ، مُرَقَّى إلى شهود الأَحَدِية ، مُكاشَفٌ بجلالِ الصمدية ، مُخْتَطفٌ عنه بالكُلِّيَّة ، لم تبقَ منه إلا للحقِّ بالحقِّ بقية . . . ومَنْ كان بهذا النعت . . . متى ينطق عن الهوى؟ ٥-٧قوله جلّ ذكره : { عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى } . أي جبريل عليه السلام . و { ذُو مِرَّةٍ } : أي ذو قوة وهو جبريل . { وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى } أي جبريل . ٨-٩{ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى } . دنا جبريلُ من محمدٍ عليه السلام . فتدلَّى جبريلُ : أي نَزَلَ من العُلُوِّ إلى محمد . وقيل :( تدلَّى ) تفيد الزيادةَ في القُرْب ، وأَنَّ محمداً عليه السلام هو الذي دنا من ربِّه دُنُوَّ كرامة ، وأَنَّ التدلِّى هنا معناها السجود . ويقال : دنا محمدٌ من ربِّه بما أُودِعَ من لطائفِ المعرفة وزوائِدها ، فتدلَّى بسكون قلبه إلى ما أدناه . { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى } : فكان جبريل - وهو في صورته التي هو عليها - من محمد صلى اللّه عليه وسلم بحيث كان بينهما قَدْرُ قوسين أو أدنى . ويقال : كان بينه - صلى اللّه عليه وسلم - وبين اللّه قَدْر قوسين : أراد به دُنُوَّ كرامة لا دُنُوَّ مسافة . ويقال : كان من عادتهم إذا أرادوا تحقيقَ الأُلْفَةِ بينهم إِلصاقُ أحدِهم قوسَه بقوس صاحبه عبارةً عن عقد الموالاة بينهما ، وأنزل اللّه - سبحانه - هذا الخطابَ على مقتضى معهودهم . ثم رفع اللّه هذا فقال : { أَوْ أَدْنَى } أي بل أدنى . ١٠قوله جلّ ذكره : { فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَآ أَوْحَى } . أي أَوحى اللّه إلى محمدٍ ما أوحى . ويقال : أَحْمَلَه أحْمَالاً لم يَطَّلِعْ عليها أحدٌ . ويقال : قال له : ألم أجدك يتيماً فآويتُك؟ ألم أجدك ضالاًّ فَهديتُك؟ أَلم أجدك عائلاً فأغنيتك؟ أَلم أِشرح لك صدرك؟ ويقال : بَشَّرَه بالحوض والكوثر . ويقال : أوحى إليه أَنَّ الجنَّةَ مُحَرَّمةٌ عَلَى الأنبياءِ حتى تدخلها ، وعلى الأمم حتى تدخلها أُمتَّك . والأَوْلَى أَن يقال : هذا الذي قالوه كله حَسَنٌ ، وغيره مما لم يَطَّلِعْ أحدٌ . . . كله أيضاً كان له في تلك الليلة وحدَه؛ إذ رقَّاه إلى ما رقَّاه ، ولقَّاه بما لقَّاه ، وأدناه حيث لا دنوَّ قبله ولا بعده ، وأخذه عنه حيث لا غيرٌ ، وأصحاه له في عين ما محاه عنه ، وقال له ما قال . . . دون أن يَطَّلِعَ أحدٌ على ما كا بينهما من السِِّّرِّ . ١١قوله جلّ ذكره : { مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى } . ما كذَّبَ فؤادُ محمدٍ صلى اللّه عليه وسلم ما رآه ببصره من الآيات . وكذلك يقال : رأى ربَّه تلك الليلة على الوصف الذي عَلِمَه قبل أن يراه . ١٢-١٥قوله جلّ ذكره : { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى } أفتجادلونه على ما يرى؟ قوله جلّ ذكره : { وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ المْنُتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى } . أي جبريلُ رأى اللّه مرةً أخرى حين كان محمدٌ عند سدرة المنتهى؛ وهي شجرة في الجنة ، وهي منتهى الملائكة ، وقيل : تنتهي إليها أرواحُ الشهداء . ويقال : تنتهي إليها أرواحُ الخَلْقِ ، ولا يَعْلم ما وراءها إلا اللّه تعالى - وعنداها { جَنَّةُ الْمَأْوَى } وهي جنة من الجِنان . ١٦قوله جلّ ذكره : { إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى } . يغشاها ما يغشاها من الملائكة ما اللّه أعلمُ به . وفي خبر : ( يغشاها رفرف طير خُضْرٍ ) . ويقال : يغشاها فَرَاشٌ من ذَهَبٍ . ويقال : أُعْطِيَ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) عندها خواتيم البقرة . وغُفِرَ لمن مات من أُمَّتِه لا يشرك باللّه شيئاً . ١٧قوله جلّ ذكره : { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى } . ما مَالَ - صلوات اللّه عليه وسلامه - ببصره عمَّا أُبيح له من النظر إلى الآيات ، والاعتبارِ بدلائلها . فما جَاوَزَ حَدَّه ، بل رَاعَى شروطَ الأدبِ في الحَضْرة . ١٨قوله جلّ ذكره : { لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } . أي ( الآية ) الكبرى ، وحَذَفَ الآية . . . وهي تلك التي رآها في هذه الليلة . ويقال : هي بقاؤه في حال لقائِه ربَّه بوصفِ الصَّحْوِ ، وحَفَظَه حتى رآه . ١٩-٢٢قوله جلّ ذكره : { أَفَرَءَيْتُمْ الَّلاَتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرَُ وَلَهُ الأُنثَى تِلْكَ إِذاَ قِسْمَةٌ ضِيزَى } . هذه أصنامٌ كانت العرب تعبدها؛ فاللات صنمٌ لثقيف ، والعُزَّى شجرةٌ لغطفان ، ومناه صخرة لهذيل وخزاعة . ومعنى الآية : أَخْبِرونا . . . هل لهذه الأصنام التي تعبدونها من دون اللّه من القدرة أن تفعل بعائذٍ بها ما فَعَلْنا نحن لمحمدٍ صلى اللّه عليه وسلم من الرُّتب والتخصيص؟ . ثم وبَّخَهم فقال : أرأيتم كيف تختارون لأنفسكم البنين وتنسبون البنات إلى اللّه؟ تلك إذاً قسمةٌ ناقصةٌ! ٢٣قوله جلّ ذكره : { إِنْ هِىَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّه بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الهُدَى } . أنتم ابتدعتُم هذه الاسماءَ من غير أنْ يكونَ اللّه أَمَركم بهذا ، أو أذِن لكم به . فأنتم تتبعون الظنَّ ، { وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً } . { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهمُ الْهُدَى } : فأعرضوا عنه ، وكما أنَّ ظنَّ الكفار أوْجبَ لهم الجهلَ والحَيْرةَ والحُكْمَ بالخطأ - فكذلك في هذه الطريقة : مَنْ عَرَّجَ على أوصاف الظنِّ لا يَحْظَى بشيءٍ من الحقيقة؛ فليس في هذا الحديث إلا القطعُ والتحقُّق ، فنهارُهم قد مَتَعَ ، وشمسُهم قد طلعت ، وعلومُهم أكثرها صارت ضرورية . أمَّا الظنُّ الجميلُ باللّه فليس من هذا الباب ، والتباسُ عاقبةَ الرجلِ عليه ليس أيضاً من هذه الجملة ذات الظن المعلول في اللّه ، وفي صفاته وأحكامه . ٢٤قوله جلّ ذكره : { أَمْ للإِنسَانِ مَا تَمَنَّى } . أي ليس للإِنسان ما يتمنَّاه؛ فإنَّه يتمنى طولَ الحياةِ والرفاهيةَ وخِصْبَ العَيْشِ . . . وما لا نهاية له ، ولكنَّ أحداً لا يبلغ ذلك بتمامه . ويقال : ما يتمنَّاه الإنسانُ أنْ يرتفعَ مرادُه واجباً في كل شيء - وأَن يَرتْفعَ مرادُ عَبْدٍ واجباً في كل شيءٍ ليس من صفات الخَلْقِ بل هو اللّه ، الذي له ما يشاء : ٢٥{ فَللّه الأَخِرَةُ وَالأُولَى } . له الآخرةُ والأُولى خَلْقاً ومِلْكاً ، فهو المَلِكُ المالك صاحبُ المُلْكِ التام . فأمَّا المخلوقُ فالنقصُ لازِمٌ للكُلِّ . ٢٦قوله جلّ ذكره : { وَكَم مِّن مَّلَكٍ في السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِى شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللّه لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَى } . وهذا ردٌّ عليهم حيث قالوا : إنَّ الملائكةَ شفعاؤنا عند اللّه . ٢٧-٢٨قوله جلّ ذكره : { إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالأَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْملائِكَةَ تَسْمِيةَ الأُنثَى وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبعُُِونَ إلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً } . هذه التَّسْمِيةُ من عندهم ، وهم لا يتبعون فيها علماً أو تحقيقاً . . . بل ظَنًّا - والظنُّ لا يفيد شيئاً . ٢٩-٣٠قوله جلّ ذكره : { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ العِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى } . أي أَعْرِض عمَّن أَعرض عن القرآنِ والإيمان به وتدَبُّرِ معانيه ، ولم يُرِدْ إِلا الحياةَ الدنيا . ذلك مبلغهم من العلم؛ وإنما رضوا بالدنيا لأنهم لم يعلموا حديث الآخرة ، وإِنَّ ربَّك عليمٌ بالضالِّ ، عليمٌ بالمهتدِي . . . وهو يجازي كلاًّ بما يستحق . ٣١قوله جلّ ذكره : { وَللّه مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَائُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى } . يجزي الذين أساؤوا بالعقوبات ، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى . ٣٢قوله جلّ ذكره : { الَّذِينَ يَجْتَيِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ } . الذنوبُ كلُّها كبائر لأنها مخالِفةٌ لأمر اللّه ، ولكن بعضَها أكبرُ من بعضٍ . ولا شيءَ أعظمُ من الشِّرك . { وَالْفَوَاحِشَ } المعاصي . { إِلاَّ اللَّمَمَ } : تكلموا فيه ، وقالوا : إنه استثناء منقطع ، واللمم ليس بإثم ولا من جملة الفواحش . ويقال : اللمم من جملة الفواحش ولكن فيها اشتباهاً - فأخبر أنه يغفرها . ويقال : اللمم هو أن يأتيَ المرءُ ذلك ثم يُقْلِعَ عنه بالتوبة . وقال لعضُ السَّلَفِ : هو الوقعة من الزِّنا تحصل مرةً ثم لا يعود إليها ، وكذلك شرب الخمر ، والسرقة . . . وغير ذلك ، ثم لا يعود إليها . ويقال : هو أن يهم بالزَّلَّة ثم لا يفعلها . ويقال : هو النَّظَر . ويقال : ما لا حدَّ عليه من المعاصي ، وتُكَفِّر عنه الصلوات . ( والأصحُّ أنه استثناء منقطع وأن اللمم ليس من جملة المعاصي ) . قوله جلّ ذكره : { إِنَّ رَبَّكَ وَاسَعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَأَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } . { إِذْ أَنَشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ } : يغني خَلْقَ آدم . ويقال : تزكيةُ النَّفْسِ من علامات كَوْنَ المرءِ محجوباً عن اللّه؛ لأنَّ المجذوب إلى الغاية والمستغرق في شهود ربِّه لا يُزكِّي نفسه . { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } : لأنه أعلمُ بكم منكم . ويقال : مَنْ اعتقد أنَّ على البسيطة أحداً شرٌّ منه فهو مُتَكَبِّرٌ . ويقال : المسلمُ يجب أنْ يكونَ بحيث يرى كلَّ مسلمٍ خيراً منه : فإن رأى شيخاً ، قال : هو أكثرُ منِّي طاعةً وهو أفضلُ منِّي ، وإنْ رأى شاباً قال : هو أفضلُ مني لأنه أقلُّ منِّي ذَنْباً . ٣٣-٣٤أعرض عن الحقِّ ، وتصدَّق بالقليل . { وَكْدَى } أي قطع عطاءَه . ٣٥{ أَعِندُهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فهُوَ يَرَى } . { فَهُوَ يَرَى } : فهو يعلم صِحَّةً ذلك . يقال : هو المنافق الذي يُعين على الجهاد قليلاً ثم يقطع ذلك : { أَعِندُهُ عِلْمُ الْغَيْبِ } : فهو يرى حاله في الآخرة؟ ٣٦-٣٧{ أَمْ لَمْ يُنَبَأْ بِمَا فِى صُحُفِ مُوسَى وَِإبْرَاهِيمَ الَّذَِى وَفَّى } . أم لم يُنَبَأْ هذا الكافرُ بما في صحف موسى ، وصحف إبارهيم الذي وفّى؛ أي أتمَّ ما طُولِبَ به في نَفْسِه ومالِه ووَلدِه . ٣٨-٤٠قوله جلّ ذكره : { أَلاََّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ للإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَآءَ الأَوْفَى } . الناسُ في سَعْيِهم مختلِفون؛ فَمَنْ كان سعيُهُ في طلب الدنيا خَسِرت صفقتُه ، ومن كان سعيُهُ في طَلَبِ الجنة ربحت صفقته ، ومن كان سعيُهُ في رياضة نَفْسِه وصل إلى رضوان اللّه ، ومَنْ كان سعيُه في الإرادة شَكَرَ اللّه سَعْيَه ثم هداه إلى نَفْسِه . وأمَّا المُذْنِبُ - فإِذا كان سعيُهُ في طلب غفرانه ، ونَدَمِ القلبِ على ما اسودَّ من ديوانه ، فسوف يجد من اللّه الثوابَ والقربة والكرامة والزلفة . ومَنْ كان سَعْيُه في عَدِّ أنفاسِه مع اللّه؛ لا يُعَرِّج على تقصير ، ولا يُفَرِّط في مأمور فسيرى جزاءَ سَعْيهِ مشكوراً في الدنيا والآخرة ، ثم يشكره بأَنْ يُخاطِبَه في ذلك المعنى بإِسماعهِ كلامَه من غير واسطة : عبدي ، سَعْيُك مشكور ، عبدي ، ذَنْبُكَ مغفور . ٤١{ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى } : هو الجزاءُ الأكبرُ والأَجَلُّ ، جزاءٌ غير مقطوعٍ ولا ممنوعٍ . ٤٢قوله جلّ ذكره : { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتُهَى } . إليه المرجعُ والمصيرُ ، فابتداءُ الأشياءِ من اللّه خَلْقاً . وانتهاءُ الأشياءِ إلى اللّه مصيراً . ويقال : إذا انتهى الكلامُ إلى اللّه تعالى فاسْكُتُوا . ويقال : إذا وَصَلَ العبدُ إلى معرفةِ اللّه فليس بعدَه شيءٌ إلا ألطافاً من مالٍ أو منالٍ أو تحقيق آمالٍ أو أحولٍ . . . يُجْريها على مرادِه - وهي حظوظٌ للعباد . ٤٣قوله جلّ ذكره : { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } . أراد به الضحك والبكاء المتعارَف عليهما بين الناس؛ فهو الذي يُجْريه ويَخْلُقُه . ويقال : أضحك الأرضَ بالنباتِ ، وأبكى السماءَ بالمطرِ . ويقال : أضحكَ أهلَ الجنة بالجنة ، وأبكى أهل النار بالنار . ويقال : أضحك المؤمنَ في الآخرة وأبكاه في الدنيا ، وأضحك الكافرَ في الدنيا وأبكاه في الآخرة . ويقال : أضحكهم في الظاهر ، وأبكاهم بقلوبهم . ويقال : أضحك المؤمنَ في الآخرة بغفرانه ، وأبكى الكافرَ بهوانه . ويقال : أضحك قلوبَ العارِفِين بالرضا ، وأبكى عيونهم بخوف الفراق . ويقال : أضحكهم برحمته ، وأبكى الأعداءَ بسخطه . ٤٤قوله جلّ ذكره : { وََأنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } . أماته في الدنيا ، وأحياه في القبر؛ فالقبر إما للراحة وإِما للإحساس بالعقوبة . ويقال : أماته في الدنيا ، وأحياه في الحشر . ويقال : أمات نفوسَ الزاهدين بالمجاهدة ، وأحيا قلوبَ العارفين بالمشاهدة . ويقال : أماتها بالهيبة ، وأحياها بالأُنْس . ويقال : بالاستتار ، والتجلِّي . ويقال : بالإعراض عنه ، والإقبال عليه . ويقال : بالطاعة ، والمعصية . ٤٥-٤٧قوله جلّ ذكره : { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى } . سماهما زوجين لازدواجهما عند خلْقهما من النُّطْفة . ٤٨قوله جلّ ذكره : { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى } . { أَغْنَى } : أعطى الغِنَى ، { وََأقْنَى } : أكثر القنية أي المال : وقيل { وَأَقْنَى } : أي أحوجه إلى المال - فعلى هذا يكون المعنى : أنه خَلَقَ الغِنَى والفقر . ويقال : { وََأقْنَى } أي أرضاه بما أعطاه . ويقال : { أَغْنَى } أي أقنع ، { وَأَقْنَى } : أي أرضى . ٤٩-٥٢{ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى } . ( الشِّعرى : كوكبٌ يطلع بعد الجوزاء في شدة الحر ، وكانت خزاعة تعبدها فأَعْلَمَ اللّه أنه ربُّ معبودهم هذا ) . { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى وَثَمُودَاْ فَمَآ أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى } . عاد الأولى هم قوم هود ، وعاد الأخرى هي إرَم ذات العماد ، كما أهلك ثموداً فما أبقى منهم أحداً . وأهْلَكَ مِنْ قَبْلِهم قومَ نوحٍ الذين كانوا أظلمَ من غيرهم وأغوى لِطُولِ أعمارهم ، وقوة أجسادهم . ٥٣-٥٤{ وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى } . أي المخسوف بها ، وهي قرى قوم لوط ، قَلَبَها جبريل عليهم ، فهي مقلوبة معكوسة . وقوله : { أَهْوَى } أي : أسقطها اللّه إلى الأرض بعدما اقتلعها من اصلها ، ثم عَكَسَها وألقاها في الأرض ، فغشاها ما غشاها من العذاب . ٥٥قوله جلّ ذكره : { فَبِأَىِّ ءَالآءِ رَبَِّكَ تَتَمَارَى } . فبأي آلاء ربك - أيها الإنسان - تتشكك؟ وقد ذكر هذا بعد ما عدَّ إنعامَه عليهم وإحسانَه إليهم . ٥٦قوله جلّ ذكره : { هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأُولَى } . هو محمد صلى اللّه عليه وسلم ، أرسلناه نذيراً كما أرسلنا الرُّسُلَ الآخرين . ٥٧-٥٨{ أَزِفَتِ الأَزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّه كَاشِفَةٌ } . أي قَرُبَت القيامة . ولا يقدر أحدٌ على إقامتها إلا اللّه ، وإذا أقامها فلا يقدر أحدِّ على ردِّها وكَشْفِها إلا اللّه . ويقال : إذا قامت قيامة هذه الطائفة - اليومَ- فليس لها كاشفٌ غيره . وقيامتُهم تقوم في اليوم غيرَ مَرَّةٍ . تقوم بالهَجْرِ والنَّوى والفراق . ٥٩-٦٠قوله جلّ ذكره : { أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ } . أفمن هذا القرآن تعجبون ، وتكونون في شكِّ ، وتستهزئون؟ ٦١{ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } : أي لاهون . . . ٦٢{ فَاسْجُدُواْ للّه وَاعْبُدُواْ } : فاسجدوا للّه ولا تعبدوا سواه . |
﴿ ٠ ﴾