سورة الرحمن

١-٢

أي الرحمن الذي عَرَفَه الموحِّدون وجَحَدَه الكافرون هو الذي علَّم القرآن . ويقال : الرحمن الذي رحمهم ، وعن الشِّرك عَصَمَهم ، وبالإيمان أكرمهم ، وكلمةَ التقوى ألزمهم - هو الذي عرَّفهم بالقرآن وعلَّمهم .

ويقال : انفرد الحقُّ عرَّفهم بالقرآن لعِباده .

ويقال : أجرى اللّه سُنَّتَه أنه إذا أعطى نبينا صلى اللّه عليه وسلم شيئاً أَشْرَكَ أُمتَّه فيه على ما يليق بصفاتهم؛ فلمَّا قال له (صلى اللّه عليه وسلم) : { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ }[ النساء : ١١٣ ] .

قال لأمته : { الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْءَانَ } .

ويقال : علَّم اللّه آدمَ الأسماءَ كلَّها ثم أمره بِعَرْضها على الملائكة وذكر آدمُ ذلك لهم - قال تعالى : { أنبئني بأسماء هؤلاء }[ البقرة : ٣٣ ] يا آدم ، وعلَّمَ ( نبيُّنا صلى عليه وسلم ) المسلمين القرآنَ فقال صلى اللّه عليه وسلم : ( لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ، والمُصَلِّي مُناجٍ ربه ) قال لآدم : أُذْكُرْ ما علَّمْتُكَ للملائكة . وقال لنا : ناجِنِي يا عبدي بما عَلَّمْتُك . وقد يُلاطَفُ مع أولاد الخَدم بما لا يُلاطَفُ به آباؤهم .

ويقال : لمَّا علَّم آدمَ أسماء المخلوقاتِ قال له : أَخْبِرْ الملائكة بذلك ، وعلَّمَنَا كلامَه وأسماءَه فقال : اقْرأوا عليَّ وخاطِبوا به معي .

ويقال : علَّم الأرواحَ القرآن - قَبْلَ تركيبها في الأجساد بلا واسطة ، والصبيانُ إنما يُعَلَّمُونَ القرآن - في حالِ صِغَرِهم - قبل أَنْ عَرَفَتْ أرواحُنا أحداً ، أو سَمِعْنا من أحدٍشيئاً . . علَّمَنَا أسماءَه .

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادَفَ قلبي فارغاً فَتَمَكَّنا

ويقال : سقياً لأيامٍ مضت - وهو يُعلِّمنا القرآن .

ويقال : برحمته علّمَهم القرآن؛ فبرحمته وصلوا إلى القرآن - لا بقراءة القرآن يَصِلُون إلى رحمته .

٣-٤

قوله جلّ ذكره : { خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ } .

{ الإِنْسَانَ } : ها هنا مجَنْسُ الناس؛ عَلَّمَهم البيانَ حتى صاروا مُمَيزَّين - فانفصلوا بالبيان عن جميع الحيوان . وعَلَّمَ كُلَّ قومٍ لسانَهم الذي يتكلمون ويتخاطبون به .

والبيانُ ما به تبينُ المعاني - وشَرْحُه في مسائل الأصول .

ويقال : لمَّا قال أهلُ مكة إنما يُعلِّمه بَشَرٌ ردَّ اللّه - سبحانه- عليهم وقال : بل عَلَّمَه اللّه؛ فالإنسانُ على هذا القول هو محمد صلى اللّه عليه وسلم .

وقيل هو آدم عليه السلام .

ويقال : البيان الذي خُصَّ به الإنسان ( عموماً ) يعرِفُ به كيفيةَ مخاطبةِ الأغيار من الامثال والأشكال .

وأمَّا أهل الإيمان والمعرفة فبيانُهم هو عِلْمُهم كيفيةَ مخاطبةِ مولاهم - وبيانُ العبيدِ مع الحقِّ مختلفٌ : فقومٌ يخاطِبونه بلسانهم ، وقومٌ بأنفاسهم ، وقوم بدموعهم :

دموعُ الفتى عمَّا يحسُّ تترجمُ ... وأشواقه تبدين ما هو يكتم

وقومُ بأنينهم وحنينهم :

قُلْ لي بألسنة التنفُّس كيف أنت وكيف حالك؟

٥

قوله جلَّ ذكره : { الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } .

يعني يجري أمرهما على حدٍّ معلومٍ من الحساب في زيادة الليل والنهار ، وزيادة القمر ونقصانه ، وتُعْرَفُ بجريانهما الشهورُ والأيامُ والسنون والأعوام . وكذلك لهما حساب إذا انتهى ذلك الأَجَلُ . . فالشمسُ تُكَوَّرُ والقمرُ يَنْكَدِر .

وكذلك لشمسِ المعارفِ وأقمارِ العلوم - في طلوعها في أوج القلوبِ والأسرار - في حكمة اللّه حسابٌ معلومٌ ، يُجْريهَا على ما سَبَق به الحُكْمُ .

٦

قوله جلّ ذكره : { وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } .

ويقال : النجم من الأشجار : ما ليس له ساق ، والشجر : ما له ساق .

ويقال : النجومُ الطالعةُ والأشجارُ الثابتةُ { يَسْجُدَانِ } سجودَ دلالة على إثبات الصانع بنعت استحقاقه للجلال .

٧

قوله جلّ ذكره : { وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَانَ } .

سَمَكَ السماءَ وأعلاها ، وعلى وصفِ الإتقانِ والإحكام بناها ، والنجومَ فيها أجراها ، وبثَّ فيه كواكبَها ، وحفظ عن الاختلالِ مناكِبهَا ، وأثبت على ما شاءَ مشارقَها ومغاربَهَا . . . وَخَلَقَ الميزانَ بين الناس ليعتبروا الإنصافَ في المعالملات بينهم .

ويقال : الميزانُ العَدْلُ .

٨

{ أَلاَّ تَطْغُوْا فِى الْمِيزَانِ } .

احفظوا العَدْل في جميع الأمور؛ في حقوق الآدميين وفي حقوق اللّه ، فيعتبرُ العدلُ ، وتَرْكُ الحَيْفِ ومجاوزةُ الحدِّ في كل شيءٍ؛ ففي الأعمال يُعْتَبَرُ الإخلاصُ ، وفي الأحوال الصدقُ ، وفي الأنفاس الحقائقُ ومساواةُ الظاهرِ والباطنِ وتَرْكُ المداهنةِ والخداعِ والمكرِ ودقائق الشِّرِك وخفايا النفاق وغوامض الجنايات .

٩

{ وََأقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ } .

وأقميوا الوزن بالمكيال الذي تحبون أن تُكَالوا به ، وعلى الوصف الذي ترجون أن تنالوا به مطعمكم ومشربكم دون تطفيف .

١٠

قوله جلّ ذكره : { وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصفِ وَالرَّيْحَانُ } .

خلق الأرض وَجَعلَها مهاداً ومثوى للأنام .

ويقال : وضعها على الماء وبسط أقطارها ، وأنبت أشجاها وأزهارها ، وأجرى أنهارها وأغطش ليلها وأوضح نهارَها .

١١

{ فِيهَا فَاكِهَةٌ . . . } يعني ألوانُ الفاكهة المختلفة في ألوانها وطعومها وروائحها ونفعها وضررها ، وحرارتها وبرودتها . . وغير ذلك من اختلافٍ في حَبِّها وشجرها ، وورقها ونَوْرَها .

١٢

{ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ } وأكمام النخل ليفها وما يُغِطَِّها من السَّعف .

{ وَالْحَبُّ } : حَبُّ الحنطة والشعير والعدس وغير ذلك من الحُبوب .

{ ذُو الْعَصْفِ } : والعصف ورق الزرع .

{ وَالرَّيْحَانُ } الذي يُشَمُّ . . ويقال : ( الرزق لأن العرب تقول : خرجنا نطلب ريحانَ اللّه) .

ذكَّرهم عظِمَ مِنَّتِه عليهم بما خَلَقَ من هذه الأشياء التي ينتفعون بها من مأكولاتٍ ومشمومات وغير ذلك .

١٣

قوله جلّ ذكره : { فَبِأَىِّ ءَالآَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .

فبأي آلاء ربكما تجحدان؟ والآلاءُ النَّعماء .

والتثنيةُ في الخطاب للمُكلَّفين من الجِنِّ والإِنس .

ويقال : هي على عادة العرب في قولهم : خليليَّ ، وقِفَا ، وأرحلاها بأغلام ، وأرجراها بأغلام .

١٤

قوله جلّ ذكره : { خَلَق الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ } .

{ الإِنسَانَ } : يعني آدم ، والصلصالُ الطينُ اليابس الذي إذا حُرِّكَ صَوَّتَ كالفخار . ويقال : طين مخلوط بالرمل .

ويقال : مُنَتَّتٌ؛ من قولهم صَلَّ وأَصَلَّ إذا تَغيرَّ .

١٥

{ وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } .

المارج : هو اللّهب المختلط بواد النار .

١٦

{ فَبِأَىِّ ءَالآَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .

يُذَكِّرُ الخَلْقَ من الجن والإنس كما سبق - وكرَّر اللّه سبحانه هذه الآية في غير موضع على جهة التقرير بالنعمةعلى التفصيل ، أي نعمةً بعد نعمة .

ووجُه النعمة في خلق آدم من طين أنه رقاه إلى رتبته بعد أن خلقه من طين . ويقال ذَكَّرَ آدمَ نِسبتَه وذكَّرنا نسبَتنا لئلا نْعَجبَ بأحوالنا .

ويقال عَرَّفَه قدَرَه لئلا يتعدَّى طَوْرَه .

١٧-١٨

قوله جلّ ذكره : { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَىِّ ءَالآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .

{ الْمَشْرِقَيْنِ } : مشرق الصيف ومشرق الشتاء وكذلك مغربيهما .

ووجه النعمة في ذلك جريانهما على ترتيب واحدٍ حتى يكمل انتفاع الخَلْقِ بهما .

ويقال : مشرق القلب ومغربه ، وشوارق القلب وغوار به إنما هي الأنوار والبصائر التي جرى ذِكْرُ بعضها فيما مضى .

١٩-٢٠

{ بَرْزَخٌ } أي حاجز بقدرته لئلا يغلب أحدهما الآخر ، أراد به البحر العذب والبحر الملح . ويقال : لا يبغيان علىلناس ولا يغرقانهم .

٢٢

الؤلؤ : كبار الدُرِّ ، والمَرجان : صغار الدُّرِّ . ويقال : المرجان النَّسْلِ .

وفي الإشارة : خَلَقَ في القلوب بحرين : بحر الخوف وبحر الرجاء . ويقال القبض والبسط .

وقيل الهيبة والأُنس . يُخرج منها اللؤلؤ والجواهر وهي الأحوال الصافية واللطائف المتوالية .

ويقال : البحران : إشارة إلى النفس والقلب ، فالقلب هو البحر العَذْب والنفس هي البحر الملح . . فمن بحر القلب كلُّ جوهرٍ ثمين ، وكلُّ حالة لطيفة . . ومن النفس كل خلق ذميم . والدرُّ من أحد البحرين يخرج ، ومن الثاني لا يكون إلا التمساح مما لا قَدْرَ له من سواكن القلب . { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } : يصون الحقُّ هذا عن هذا ، فلا يَبْغي هذا على هذا .

٢٤

{ الجواري } : واحدها جارية ، وهي السفينة .

{ كَالأَعْلاَمِ } : الجبال . له هذه السفن التي أنشئت وخلقت في البحر كَأَنها الجبال العالية .

٢٦

كل من على وجه الأرض في حكم الفناء من حيث الجواز . ومن حيث الخبر : ( ستفنى الدنيا ومن عليها ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) ( والوجه ) : صفة للّه- سبحانه- لم يدلّ عليه العقل قطعاً ودلَّ عليه جَوازاً ، وورد الخبر بكونه قطعاً .

ويقال : في بقاءِ الوجه بقاءُ الذات ، لأن الصفة لا تقوم بنفسها ، ولا محالة شَرطها قيامها بنفسه وذاته . وفائدة تخصيص الوجه بالذكر أن ما عداه يُعْرَفُ بالعقل ، والوجه لا يُعْلَمُ بالعقل ، وإنما يُعْرَفُ بالنقل والأخبار . و ( يبقى ) : وفي بقائه . سبحانه خَلَفٌ عن كلِّ تلفٍ ، وتسليةٌ للمسلمين عمَّ يصيبهم من المصائب ، ويفوتهم من المواهب .

٢٩

أهلُ السمواتِ يسألون أبداً المغفرة ، وأهل الأرض يسألونه الرزق والمغفرَة ، أي لا بُدَّ لأحدٍ منه ( سبحانه ) .

وفي السموات والأرض مَنْ لا يسأله : وهم مَنْ قيل فيهم : ( مَنْ شَغَلَه ذِكْري عن مسألتي أعطيته أفضلَ ما أُعطي السائلين ) .

ويقال : ليس كلُّ مَنْ في السمواتِ والأرض يسألونه مِمَّا في السموات والأرض ولكن :

بين المحبين سِرُّ ليس يُغْشيه ... قَوْلٌ ولا قَلَمٌ للخَلْق يحكيه

{ كُلَّ يَومٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } مِنْ إحياء وإماتة ، وقبض قوم وبَسْطِ قومٍ . . . وغير ذلك من فنون أقسام المخلوقات ، وما يُجْريه عليها من اختلاف الصفات .

وفي الآية ردُّ على اليهود حيث قالوا : إنَّ اللّه يستريح يومَ السبت لا يفعل شيئاً ، فأخبر أنه كل يوم هو في شأن ، ولو أُخْلِيَ العالَم لحظةً من حِفْظِه لتلاشى وبَطُلَ .

( ومن شأنه أن يغفرَ ذنباً ، ويَسْتُرَ عيباً ، ويُذْهِبَ كرباً ) ، ويُطَيِّبُ قلباً ، ويُقْصِي عَبْداً ويُدْنِي عبداً . . . إلى غير ذلك من فنون الأفعال . وله مع عباده كلَّ ساعَةٍ بِرٌّ جديدٌ ، وسِرٌّ بينه وبين عبده - عن البقاء - بعيد .

ويقال : كل يوم هو في شأنِ سَوْقِ المقادير إلى أوقاتها .

ويقال : كل يوم هو في شأنِ إظهارِ مستورٍ وسَتْرِ ظاهرٍ ، وإحضارِ غائبٍ وتغييبِ حاضرٍ .

٣١

أي للحساب يومَ القيامة- وليس به اشتغالٌ . . . تعالى اللّه عن ذلك .

ومعنىلآية : سنقصد لحسابكم .

٣٣

أقطارُ السمواتِ والأرضِ نواحيها . أي إِنْ قدرتم أن تخرجوا من مُلْكِه فاخرجوا .

ثم قال : { لاَ تَنفُذُونَ إلاَّ بِسُلْطَانٍ } . أي لا تَصِلون إلى موضع إلاَّ وهنا سلطاني ومُلْكي ولا تنفذون في قُطْرٍ إلا وهناك عليكم حجة .

٣٥

أي فلا تنتقمان . والشواظُ : اللّهبُ من النار لا دخانَ معه . والنحاس : الصُّفْرُ المذاب .

٣٧

ينفكُّ بعضها عن بعض وتصير في لون الورد الأحمر . ويقال : بها الفُرُش الموردة كالدهان وهو جمع دهن . أي كدهن الزيت وهو دردي الزيت .

ويقال : كما أن الوردة يتلوَّن لونُها؛ إذ تكون في الربيع إلى الصُّفْرة ، فإذا اشتدت الوردة كانت حمراء ، وبعد ذلك إلى الغبرة فكذلك حالُ السماء تتلون من وصفٍ إلى وصفٍ في القيامة .

٣٩

أراد في بعض أحوال القيامة لا يُسألون ، ويُسْأَلون في البعض . . . فيومُ القيامة

طوِيلٌ .

ويقال : لمَّا كانت لهم يومئدٍ علامات : فللكفارِ سوادُ الوجه وزُرْقَةُ العين ، وللمسلمين بياض الوجه وغير ذلك من العلامات فالملائكة لا يحتاجون إلى سؤالهم : من أنتم؟ لأنهم يعرفون كُلاًّ بسيماهم .

ويقال : لا يُسْأَلون سؤالاً يكون لهم ويُسْأَلون سؤالاً يكون عليهم .

٤١

المؤمنون غُرٌّ مُحَجَّلُون ، والكفَّارُ سود الوجوهِ زُرْقُ العيون ، فيعرف الملائكة هؤلاء فيأخذون بنواصيهم ويَجُرُّونهم مرة ومرةً بأقدامهم ثم يلقونُهم في النار ، ويطرحونهم في جهنم :

٤٣-٤٤

يقال لهم : هذه جهنم التي كنتم بها تكذبون!

{ حَمِيمٍ } : ماءٌ حارٌّ . { ءَانٍ } تناهى في النضج .

٤٦

يقال : لِمَنْ خاف قُرْبَ ربِّه منه واطلاعه عليه .

ويقال : لمن خالف وقوفَه غداً بين يدي اللّه - جنتان ، ولفظة التثنية هنا على العادة في قولهم : خليليَّ ونحوه .

وقيل : بل جنتان على الحقيقة ، ومُعَجَّلة في الدنيا من حلاوة الطاعة وروح الوقت ، ومؤجَّلة في الآخرة وهي جنة الثواب . ثم هم مختلفون في جنات الدنيا على مقادير أحوالهم كما يختلفون في الآخرة على حسب درجاتهم .

٤٩-٥٠

دلَّ على أن الجنتين في الآخرة . والأفنانِ الأغصان . وهي جمع فنن .

ويقال : ذواتا ألوانٍ من كلِّ صنفٍ ولونٍ تشتهيه النَّفْسُ والعينُ - وتكون جمع فن . { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } إحداهما التنسيم ، والاخرى السلسبيل .

ويقال : عينان تجريان غداً لمن كان له - اليومَ - عينان تجريان بالدموع .

٥٢

زوجان أي صِنْفان وضَرْبان؛ كالرطب واليابس ، والعنب والزبيب .

ويقال : إنها في نهاية الحسن والجودة .

٥٤

بطائنها من استبرق فكيف بظهائرها؟ ( والبطائن ) : ما يلي الأرض . ( والاستبرق ) : الديباج الغليظ . وإنما خاطَبَهم على قَدْرِ فَهْمِهم؛ إذا يقال إنه ليس في الجنة شيء مما يُشْبِه ما في الدنيا ، وإنما الخطاب مع الناس على قَدْرِ أفهامهم .

{ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } : أي ما يجتنى من ثمَرها - إذا أرادوه- دنا إلى أفواههم فتناولوه من غير مَشَقَّةٍ تنالهم . وفي الخبر المسند : ( مَنْ قال سبحان اللّه والحمد اللّه ولا إله إلأ اللّه واللّه أكبر غَرَسَ اللّه له شجرةً في الجنة أصلها الذهب وفرعها الدر وطلعها كثدي الأبكار ألين من الزبد وأحلى من العسل ، كلما أخذ منها شيئاً عاد كما كان ) - وذلك قوله : { ودنا الجنتين دان } .

ويقال : ينالها القائم والقاعد والنائم .

٥٦

أي في الجنان حورٌ قَصَرٍن عيونَهن عن غير أزواجهن .

وإذا كانت الزوجاتُ قاصراتِ الطَّرْفِ عن غير أزواجهن فأَوْلى بالعبد إذ رجا لقاءَه - سبحانه - أن يقصر طَرْفَه وَيَغُضَّه عن غير مُبَاحٍ .

بل عن الكُلِّ . . . إلى أن يلقاه .

ويقال : من الأولياء مَنْ لا يَنْظُرُ إليهن - وإنْ أُبيح له ذلك لتحرُّره عن الشهوات ، ولعلوِّ همته عن المخلوقات - وأنشدوا :

جِنِنَّا بَليْلَى وهي جُنَّتْ بغيرنا ... وأخرى بنا مجنونة لا نريدها

ويقال : هُنَّ لمن قصرت يدُه عن الحرام والشبهة ، وطرفُه عن الرِّيَبِ .

{ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } : لم يصحبهن غيرُ الوليّ ولم يَحْزُنَ غيرَه ، وفي الخبر : ( اشتاقت الجنة لثلاثة ) .

٥٨

أي : في صفاء الياقوت ولون المرجان .

٦٠

يقال : الإحسانُ الأول من اللّه والثاني من العبد؛ أي : هل جزاء مَنْ أحسنَّا إليه بالنصرة إلاَّ أن يُحْسِن لنا بالخدمة؟ وهل جزاء مَنْ أحسنَّا إليه بالولاء إلا أن يحسن لنا بالوفاء؟

ويصح أن يكون الإحسانُ الأول من العبد والثاني من اللّه؛ أي : هل جزاء من أحسن من حيث الطاعة إلا أن يُحْسَنَ إليه من حيث القبول والثواب؟

وهل جزاء من احسن من حيث الخدمة إلا أن يُحْسَنَ إليه من حيث النعمة؟

ويصح أن يكون الإحسانان من الحقِّ؛ أي : هل جزاء مَنْ أحسنَّا إليه في الابتداء إلا أن نُحْسِنَ إليه في الانتهاء؟ وهل جزاء مَنْ فاتحناه باللُّطف إلا أن نُرْبِيَ له في الفضل والعطف؟

ويصحُّ أن يكون كلاهما من العبد؛ أي : هل جزاء من آمن بنا إلاَّ أَن يَثْبت في المستقبل على إيمانه؛ وهل جزاء مَنْ عَقَد معنا عقد الوفاء إلا أَنْ يقوم بما يقتضيه بالتفصيل؟

ويقال : هل جزاء مَنْ بَعُدَ عن نَفْسِه إلاَّ أَنْ نُقَرِّبَه مِنَّا؟

وهل جزاء مَنْ فَنِيَ عَنْ نَفْسِه إلاَّ أَنْ يبقى بنا؟

وهل جزاء مَنْ رَفَعَ لنا خطوة إلاَّ أَن نكافِئِه بكل خطوة ألف حظْوَة ، وهل جزاء من حفظ لنا طَرْفَه إلا أن نُكْرِمَه بلقائنا؟ .

٦٢

هما جنتان غير هاتين اللتين ذُكِرَتا؛ جنتان أُخْرَيان . وليس يريد دونهما في الفضل ، لكن يريد { جَنَّتَانِ } سواهما .

٦٤

أي : خضروان خُضْرةً تضرب إلى السواد . فالدهمة السواد والفعل منه ادهامَّ والاسم منه مُدْهامٌّ . وللمؤنث مدهامَّة . ولتثنية المؤنث مدهامتان .

٦٦

والنَّضْخُ فَوَرانُ العينَ بالماء .

٦٨

الأسماء متشابهة . . . والعيون فلا .

٧٠

أي : حورٌ خَيِّرات الأخلاق حِسانُ الوجوه . واحدها خَيِّرة والجمع خيِّرات وهذا هو الأصل ثم خُفِّف فصارت خيرات .

٧٢-٧٤

محبوسات على أزواجهن . وهُنَّ لِمَنْ هو مقصورٌ الجوارح عن الزَّلاَّت ، مقصورُ القلب عن الغفلات ، مقصور السِّرِّ عن مساكنة الأشكال والأعلال والأشباه والأمثال .

وفي بعض التفاسير : أن الخيمة من دُرَّةٍ مجوفة فرسخ في فرسخ لها ألف باب .

ويقال : قصرت أنفسهن وقلوبهن وأبصارهن على أزواجهن . وفي الخبر : ( أنهن يقلن : نحن الناعمات . فلا نبؤس ، الخالدات فلا نبيد ، الراضيات فلا نسخط ) .

وفي خبر عن عائشة رضي اللّه عنها : ( ونحن المتصدِّقاتُ وما تَصَدَّقْتُنَّ ) قالت عائشة يغلبهن قولُه :

{ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلُهُمْ وَلاَجَآنٌّ } .

٧٦

قيل : رياض الجنة ،

وقيل : المجالس ،

وقيل : الزرابيّ والوسائد - وهي خُضْرٌ { وعبقري حسان } : العبقري عند العرب كلُّ ثوبٍ مُوَشَّى .

٧٨

مضى تفسيره .

﴿ ٠