سورة الواقعة

١-٢

قوله جلّ ذكره : { إِذَا وَقَعَتِ الوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعِتهَا كَاذِبةٌ } .

إذا قامت القيامة لا يردُّها شيءٌ .

{ كَاذِبَةٌ } ها هنا مصدر : كالعافية ، والعاقبة : أي : هي حقَّةٌ لا يدرها شيءٌ ، وليس في وقوعها كذب .

ويقال : إذا وقعت الواقعة فَمَنْ سَلَكَ منهاج الصحة والاستقامة وَصَلَ إلى السلامة ولقي الكرامة ، ومَنْ حادَ عن نهج الاستقامة وَقَعَ في الندامة والغرامة ، وعند وقوعها يتبين الصادق من المماذق :

إذا اشتبكت دموعٌ في خدودٍ ... تَبَيَّنَ مَنْ بكى مِمَّن تباكى

٣-٤

{ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } .

{ خَافِضَةٌ } لأهل الشقاوة ، { رَّافِعَةٌ } : لأهل الوفاق .

{ خَافِضَةٌ } : للنفوس ، { رَّافِعَةٌ } : للقلوب .

{ خَافِضَةٌ } لأهل الشهوة ، { رَّافِعَةٌ } : لأهل الصفوة .

{ خَافِضَةٌ } : لمن جَحَد ، { رَّافِعَةٌ } : لمن وَحَدَ .

قوله جلّ ذكره : { إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً } .

حُرِّكت حركةً شديدة .

٥-٦

قوله جلّ ذكره : { وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } .

فُتَّتَت فكانت كالهباء الذي يقع في الكوَّة عند شعاع الشمس .

٧-٩

قوله جلّ ذكره : { وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ المَشْئَمَةِ مَآ أَصْحَابُ المَشْئَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّبِقُونَ } .

{ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } ؟ على جهته التفخيم لشأنهم والتعظيم لِقَدْرهم وهم أصحاب اليمن والبركة والثواب .

{ مَآ أَصْحَابُ الْمَشْئَمةِ } : على جهة التعظيم والمبالغة في ذَمِّهم ، وهم أصحاب الشؤم على أنفسهم ويقال : أصحاب الميمنة هم الذين كانوا في جانب اليمين من آدم عليه السلام يومَ الذَّرِّ ، وأصحاب المشأمة هم الذين كانوا على شماله .

ويقال : الذين يُعْطُوْن الكتابَ بأَيمْانهم ، والذين يُعْطَوْن الكتاب بشمائلهم .

ويقال : هم الذين يُؤْخَذُ بهم ذات اليمين . . إلى الجنة ، والذين يُؤْخَذُ بهم ذات الشمال . . إلى النار .

١٠

{ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } : وهم الصف الثالث . وهم السابقون إلى الخصال الحميدة ، والأفضال الجميلة .

ويقال : السابقون إلى الهجرة . ويقال : إلى الإسلام . ويقال : إلى الصلوات الخمس .

ويقال : السابقون بصدْق القَدَم . ويقال : السابقون بعُلُوَّ الهِمَم . ويقال : السابقون إلى كل خير . ويقال السابقون المتسارعون إلى التوبة من الذنوب فيتسارعون إلى النَّدمَ إن لم يتسارعوا بصدق القَدَم .

ويقال : الذين سبقت لهم من اللّه الحسنى فسبقوا إلى ما سبق إليه :

١١

{ أُوْلَئِِك المُقَرَّبُونَ } .

ولم يقل : { المتقربون } بل قال : أولئك المُقَرَّبون- وهذاعين الجَمْع ، فعَلِمَ الكافة أنهم بتقريب ربهِّم سبقوا- لا بِتقَرُّبهم .

١٢

{ فِى جَنَّاتِ النَّعِيمِ } .

أي : في الجنة . ويقال : مقربون إلا من الجنة فمحال أن يكونوا في الجنة ثم يُقَرَّبون من الجنة ، وإنما يُقَرَّبُون إِلى غير الجنة : يُقَرَّبون من بِساط القربة . .

وأنَّى بالبساط ولا بساط؟! مقربون . . . ولكن من حيث الكرامة لا من حيث المسافة؛ مُقَرَّبةٌ نفوسُهم من الجنة وقلوبهُم إلى الحقِّ .

مُقَرَّبةٌ قلوبهُم من بساط المعرفة ، وأرواحُهم من ساحات الشهود - فالحقُّ عزيز . . لا قُرْبَ ولا بُعْدَ ، ولا فَصْلَ ولا وَصْلَ .

ويقال : مقربون ولكن من حظوظِهم ونصيِبهم . وأحوالُهم - وإنْ صَفَتْ - فالحقُّ وراء الوراء .

١٣-١٤

قوله جلّ ذكره : { ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الأَخِرِينَ } .

الثُّلّة : الجماعة . ويقال : ثلة من الأولين الذين شاهدوا أنبياءَهم وقليل من الآخرين الذين شاهدوا نبيَّنَا صلى اللّه عليه وسلم .

ويقال : ثُلّةٌ من الاولين : من السلف وقليل من المتأخرين : من الأمة .

١٥

{ عَلَى سُرُرٍمَّوْضُونَةٍ } .

أي منسوخة نسيج الدرع من الذهب . جاء في التفسير : طولُ كل سريرٍ ثلاثمائة ذراع ، إنْ أراد الجلوسَ عليه تواضع ، وإن استوى عليه ارتفع .

١٦

{ مُّتَّكِئينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ } .

أي لا يرى بعضُهم قفا بعضٍ . وَصَفهم بصفاء المودة وتَهَذُّب الأخلاق .

١٧

{ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } .

يطوف عليهم وهم مقيمون لا يبرحون ولدانٌ في سِنِّ واحدة . . . لا يهرمون .

وقيل : مُقَرَّطون ( الخَلدة . القُرْط ) .

١٨-١٩

{ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسِ مِّن مَّعِينٍ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } .

{ بِأَكْوَابٍِ } جمع كوب وهي آنية بلا عروة ولا خرطوم ، { وَأَبَارِيِقَ } : جمع إبريق وهو عكس الكوب ( أي له خرطوم وعروة ) .

ولاصداع لهم في شربهم إياها ، كما لا تذهب عقولهم بسببها .

ولهم كذلك فاكهة مما يتخيرون ، ولحم طيرٍ مما يشتهون ، وحُورٌ عين ، كأمثال اللؤلؤ المكنون ، أي : المصون ، جزاءً بما كانوا يعملون .

٢٥-٢٦

اللغو : الباطل من القول ، والتأثيم : الإثم والهذيان .

ولا يسمعون إلا قيلاً سلاماً ، وسلاماً : نعت للقيل

٢٧-٢٩

{ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ اليَمِينِ فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } : لا شوكَ فيه ، { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } والطلح شجر الموز ، متراكم نضيد بعضه على بعض .

٣٠

{ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } كما بين الإسفار إلى طلوع الشمس .

وقيل : ممدود أي دائم .

٣١

{ وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } : جَارٍ لا يتعبون فيه .

٣٢

{ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } : لا مقطوعة عنهم ولا ممنوعة منهم .

٣٤

{ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } لهم .

وقيل : أراد بها النساء .

٣٥-٣٦

{ إِنَّآ أَنشَأْنَهُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَهُنَّ أَبْكَارَاً } أي الحُور العين .

٣٧

{ عُرُباً } جمع عَرُوب وهي الغَنِجَةٌ المتحببةُ إلى زَوْجِها . ويقال عرباً : أي مُتَشَهيَّات إلى أزواجهن .

{ أَتْرَاباً } : جمع تِرْب ، أي : هُنَّ على سِنٍّ واحدة .

٣٨

{ لأَصْحَابِ الْيَمِينِ } : أي خلقناهن لأصحاب اليمين .

٣٩-٤٠

{ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ } : أي : ثلة من أُولَى هذه الأمة ، وثُلة من أُخْراها .

٤١-٤٢

{ وََأصْحَابُ الشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِى سَمُومٍ وَحَمِيمٍ } : والسَّموم فيحُ جهنم وحَرُّها . والحميم : الماءُ الحار .

٤٣

{ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } ، وهو الدُّخان الأُسود .

٤٤

{ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } : لا بارد : أي لا راحةَ فيه . ولا كريمٍ : ولا حَسَنٍ لهم؛ ( حيث لا نفع فيه ) .

٤٥

{ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } أيك كانوا في الدنيا مُمَتَّعين .

٤٦

{ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ } أي الذَّنْبِ العظيم .

٤٧

{ وَكَانُواْ يَقُولُونَ إَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُثُونَ } ؟ أي : أنهم يُكَذِّبون بالبعث .

- ثم يقال لهم : { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّآلُّونَ الْمُكَذِّبُونَ } اليومَ { لأَكِلُونَ مِن شَجِرٍ مِّن زَقُّومٍ } وجاء في التفسير : أن الزقوم شجرة في أسفل جهنم إذا طُرِحَ الكافرُ في جهنم لا يصل إليها إلا بعد أربعين خريفاً .

{ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمَ } شرابٌ لا تهنأون به { فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ } وهي الإبل العِطاش . ويقال : الهيم أي الرَّمْلُ ينضب فيه كلٌّ ما يُصَبُّ عليه .

{ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الِّدِينِ } : يوم القيامة .

٥١-٥٢

ثم يقال لهم : { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّآلُّونَ الْمُكَذِّبُونَ } اليومَ { لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } وجاء في التفسير : أن الزقوم شجرة في أسفل جهنم إذا طُرِحَ الكافرُ جهنم لا يصل إليها إلا بعد أربعين خريفاً .

٥٣-٥٥

{ فَمَالئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ } شرابٌ لا تهنأون به { فَشَارِبوُنَ شُرْبَ الْهِيمِ } : وهي الإبل العِطاش . ويقال : الهيم أي الرَّمْلُ ينضب فيه كلٌّ ما يُصَبُّ عليه .

٥٦

{ هَذا نُزُولُهمْ يَوْمَ الدِّينِ } : يوم القيامة .

٥٧

قوله جلّ ذكره : { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } .

نحن خلقناكم : يا أهلَ مكة - فهلاَّ آمَنْتُم لتتخلصوا؟ توبَّخون وتُعَاتَبون . . واليومَ تَعْتَذِرون! ولكن لا ينفعكم ذلك ولا يُسْمَعُ منكم شيء .

وإن أشدّ العقوبات عليهم يومئذٍ أنهم لا يتفرَّغون من آلامِ نفوسِهم وأوجاعِ أعضائهم إلى التَحسُّر على ما فاتهم في حقِّ اللّه .

ويقال : أشدُّ البلاء - اليوم - على قلوب هذه الطائفة خوفُهم من أَنْ يَشْغَلَهم - غداً - بمقاساة آلامهم عن التحسُّر على ما تكدَّرَ عليهم من المشارب في هذا الطريق . وهذه محنة لا شيءَ أعظمُ على الأصحاب منها . وإنَّ أصحابَ القلوب - اليوم - يبتهلون إليه ويقولون : إنْ حَرَمْتَنا مشاهدَ الأُنْس فلا تَشْغَلْنا بلذَّاتٍ تشغلنا عن التحسُّر على ما فاتنا ، ولا بآلامٍ تشغلنا عن التأسُّف على ما عَدِمْنا منك .

٥٨-٥٩

قوله جلّ ذكره : { أَفَرَءَيْتُم مَّا تُمْنُونَ ءَأَنتُمْ تَخْلَقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ } .

يقال : مَنىَ الرجلُ وأَمْنَى . والمعنى : هل إذا باشَرْتُم وأنزلتم وانعقد الولد . . . أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون؟ والخَلْقُ ها هنا : التصوير؛ أي : أأنتم تجمعون صُوَرَ المولود وتُرَكِّبون أعضاءَه . . . أم نحن؟

وهم كانوا يُقِرُّون بالنشأة الأولى فاحتجَّ بهذا على جواز النشأة الأخرى عند البعث الذي كانوا ينكرونه . وهذه الآية أصلٌ في إثبات الصانع؛ فإن أصلَ خِلْقَةِ الإنسان من قطرتين : قطرة من صُلْبِ الأب وهو المني وقطرة من تربية الأم ، وتجتمع القطرتان في الرَّحِم فيصير الولد . وينقسم الماءان المختلطان إلى هذه الأجزاء التي هي أجزاء الإنسان من العَظْم والعَصَبِ والعرِقِ والجِلْدِ والشَّعْر . . . ثم يركبها على هذه الصور في الأعضاء الظاهرة وفي الأجزاء الباطنة حيث يُشَكَّلُ كل عضوٍ بشكلٍ خاص ، والعِظام بكيفية خاصة . . . إلى غير ذلك .

وليس يخلو : إِمَّا أَنْ يكونَ الأبوَان يصنعانه - وذلك التقديرُ محالٌ لتقاصر عِلْمِها وقُدْرتهما عن ذلك وتمَنِّيهما الولَدَ ثم لا يكون ، وكراهتهما الولدَ ثم يكون!

والنُّطفة أو القَطْرةُ مُحَالٌ تقديرُ فِعْلها في نَفْسِها على هذه الصورة لكونها من الأموات بَعْدُ ، ولا عِلْمَ لها ولا قدرة .

أو مِنْ غيرِ صانعٍ . . . وبالضرورة يُعْلَمُ أنه لا يجوز .

فلم يَبْقَ إِلاَّ أن الصانعَ القديمَ المَلِكَ العليمَ هو الخالق .

٦٠-٦١

قوله جلّ ذكره : { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَمَا نَحُنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمُ وَنُنشِئَكُمْ فِى مَا لاَ تَعْمَلُونَ } .

يكون الموتُ في الوقت الذي يريده؛ منكم مَنْ يموت طفلاً ومنكم من يموت شابَّاً ، ومنكم من يموت كهلاً ، وبِعللٍ مختلفة وبأسبابٍ متفاوتةٍ وفي أوقاتٍ مختلفة .

{ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } في تقديرنا فيفوتنا شيءٌ ولَسْنا بعاجزين عن أن نَخْلُقِ أمثالَكم ، ولا بعاجزين عن تبديلَ صُوَركم التي تعلمون؛ إِن أردنا مَسْخَكُم وتبديلَ صُوَركم فلا يمنعنا عن ذلك أحدٌ .

ويقال : وننشئكم فيما لا تعلمون من حكم السعادة والشقاوة .

٦٢

قوله جلّ ذكره : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النًَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } .

أي : أنتم أقررتم بالنشأة الأولى . . فهلاَّ تذكرَّون لتعلموا جَوَازَ الإعادة؛ إذ هي في معناها .

٦٣-٦٤

قوله جلّ ذكره : { أَفَرَءَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ } .

أي : إذا ألقيتم الحَبَّ في الأرض . . أأنتم تُنْبِتُونه أم نحن المُنبِتون؟ وكذلك وُجوهُ الحكمةِ في إنبات الزَّرْع ، وأنقسام الحَبَّةِ الواحدةِ على الشجرة النابتةِِ منها في قِشْرِها ولحائها وجِذْعِها وأغصاناها وأوراقها وثمارها - كل هذا :

٦٥

{ لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } .

لو نشاء لجعناه حطاماً يابساً بعد خُضْرَته ، فصِرْهُم تتعجبون وتندمون على تعبكم فيه ، وإنفاقكم عليه ، ثم تقولون :

٦٦

{ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } .

أي : لَمُلْزَمون غرامةَ ما أنفقنا في الزَّرع ، وقد صار ذلك غُرْماُ علينا - فالمغرم مَنْ ذَهَبَ إنفاقُه بغير عِوَضٍ .

٦٧

{ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } بل نحن محرومون بعد أن ضاع مِنَّا الرزق .

٦٨-٧٠

قوله جلّ ذكره : { أَفَرَءَيْتُمُ الْمَآءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } .

أأنتم أنزلتموه من السحاب . . . أم نحن نُنْزِلُهُ متى نساء أَنَّى نشاء كما نشاء على من نشاء وعلى ما نشاء؟ ونحن الذين نجعله مختلفاً في الوقت وفي المقدار وفي الكيفية ، في القِلَّة وفي الكثرة .

ولو نشاء لجعناه ملحاً . . أفلا تشكرون عظيمَ نعمةِ اللّه - سبحانه - عليكم في تمكينكم من الانتفاع بهذه الأشياء التي خَلَقها لكم .

٧١-٧٢

قوله جلّ ذكره : { أَفَرَءَيْتُمُ النَّارَ الَّتِى تُورُونَ ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ المُنشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } .

وَرَى الزَّنْدَ يُرَى فهو وارٍ . . وأَوْراه يُورِيه أي يَقْدَحُه .

يعني : إذا قدحتم الزند . . أرأيتم كيف تظهر النار - فهل أنتم تخلقون ذلك؟

أأنتم أنشأتم شجرتها - يعني المَرْخ والعَفَار - أم نحن المنشئون؟

٧٣

{ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً } : أي يمكن الاستدلالُ بها .

{ وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } : يقال : أقوى الرجلُ إذا نزل بالقواء أي : الأرض الخالية .

فالمعنى : أن هذه النار { تَذْكِرةً } يتذكَّر بها الإنسان ما توعده به في الآخرة من نار جهنم ، و { وَمَتَاعاً } : يستمتع بها المسافر في سفره في الانتفاع المختلفة .

٧٤

قوله جلّ ذكره : { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } .

أي : اسبحْ بفكرك في بحار عقلك ، وغُصْ بقوة التوحيد فيها تَظْفَرْ بجواهر العلم ، وإيَّاك أَنْ تُقَصِّرَ في الغوص لسببٍ أولآخَر ، وإياك أن تتداخَلَكَ الشُّبَهُ فيتلفَ رأسَ مالِك ويخرجَ من يدك وهو دينُك واعتقادك . . وإلاَّ غرقتَ في بحار الشُّبَه ، وضَلَلْتَ .

وهذه الآيات التي عَدَّها اللّه - سبحانه - تُمَهِّدُ لسلوكِ طريقِ الاستدلالِ ، فكما في الخبر ( فِكْرُ ساعةٍ خيرٌ من عبادةِ سَنَةٍ ) - وقد نبَّه اللّه سبحانه بهذا إلى ضرورة التفكير .

٧٥-٧٦

قوله جلّ ذكره : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرءَانٌ كَرِيمٌ فِى كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } .

قيل : هي مواقع نجوم السماء . ويقال : موقع نجوم القرآن على قلب الرسول صلى اللّه عليه وسلم .

٧٧-٧٩

{ إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ } : والكَرَمُ نَفْيُ الدناءة - أي : أنه غير مخلوق ويقال : هو { لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ } : لأنه يدل على مكارم الأخلاق .

ويقال هو قرآن كريمٌ أنه من عند ربٍّ كريم على رسولٍ كريم ، على لسانَ مَلَكٍ كريم . { فِى كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } : يقال : في اللوح المحفوظ . ويقال : في المصاحفَ . وهو محفوظ عن التبديل . { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ } عن الأدناس والعيوب والمعاصي .

ويقال : هو خَبَرٌ فيه معنى الأمر : أي لا ينبغي أَنْ يَمَسَّ المصحفَ إلا مَنْ كان مُتَطهِّراً من الشِّرْكِ وعن الأحداث .

ويقال : لا يجد طَعْمَه وبَرَكَته إلاَّ مَنْ آمَنَ به .

ويقال : لا يقربه إلاَّ الموَحِّدون ، فأمَّا الكفَّار فيكرهون سماعَه فلا يقربونه .

وقرئ المُطَهِّرون : أي الذين يُطَهِّرون نفوسَهم عن الذنوب والخُلُقِ الدَّنيّ .

ويقال : لا يَمَسُّ خبره إلاَّ من طُهِّر يومَ القسمة عن الشقاوة .

ويقال : لا يَمَسُّ خبره إلاَّ مَنْ طَهَّر سِرَّه عن الكون .

ويقال : المطهِّرون سرائرَهم عن غيره .

ويقال : إلا المُحْتَرِمون له القائمون بحقِّه .

ويقال : مَنْ طُهِّرَ بماء السعادة ثم بماء الرحمة .

٨٠

{ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } أي : مُنَزَّل من قِبَلهِ - سبحانه .

٨١

قوله جلّ ذكره : { أَفَبِهَذَا الحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } .

أبهذا القرآن أنتم تُنافِقون ، وبه تُكَذِّبون .

٨٢

{ وَتَجْعَلُون رِزْقَكُمْ } : كانوا إذا أُمْطِروا يقولون أُمْطِرْنا بِنَوْءٍ كذا .

يقول : أتجعلون بَدَلَ إنعامِ اللّه عليكم بالمطر الكفرانَ به ، وتتوهمون أن المطرَ - الذي هو نعمةٌ من اللّه - من الأنواء والكواكب؟! .

ويقال : أتجعلون حظَّكم ونصيبَكم من القرآنِ التكذيبَ؟

٨٣-٨٥

قوله جلّ ذكره : { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } .

يخاطِبُ أولياء الميت فيقول : هَّلا إذا بَلَغتْ روحُه الحلقوم ، وأنتم تنظرون إلى هذا المريض ، رجعتم إلى اللّه تعالى وتحققتم به؟ فنحن أقرب إليه منكم بالعلم والرؤية والقدرة . . . ولكن لا تبصرون!

ويقال : أقرب ما يكون العبدُ من الحقِّ عندما يتم استيلاءُ ذِكْرِه وشهودِه عليه ، فينتفِي إِحساسُ العبدِ بغيره ، وعلى حسب انتفاءِ العلمِ والإحساسِ بالأغيار - حتى عن نفسه - يكون تحقُّق العبد في سِرِّه حتى لا يرى غير الحَقّ .

فالقرب والبعد معناهما : أنَّ العبد في أوان صحوه وأنه لم يُؤْخَذْ - بَعْدُ - عن نفسه؛ فإذا أُخِذَ عنه فلا يكون إلا الحق . . . لأنه حينئذٍِ لا قُرْب ولا بُعْدِ .

٨٦

قوله جلّ ذكره : { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِنَ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .

ليس لكم من أمر الموت شيءٍ .

٨٧

{ تَرْجعُونَهَآ } أي : تردُّون الروح إلى الجسد .

{ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } : في أنه لا بعث .

٨٨-٩٠

قوله جلّ ذكره : { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } .

المقَرَّبون هم الذين قرَّهم اللّه بفضله ، فلهم { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } .

ويقال : الرَّوْح الاستراحة ، والريحانُ الرزقُ .

وقيل : الرَّوح في القبر ، والريحانُ : في الجنة .

ويقال : لا يخرج مؤمِنٌ في الدنيا حتى يُؤْتَى بريحانٍ من رياحين الجنة فيشمه قبل خروج روحه ، فالرُّوْح راحةٌ عند الموت ، والريحان في الآخرة .

وقيل : كانت قراءة النبي صلى اللّه عليه وسلم ( الرُّوح ) بضم الراء أي لهم فيها حياة دائمة .

ويقال : الرَّوْحُ لقلوبهم ، والرياح لنفوسهم ، والجنَّةُ لأبدانهم .

ويقال : رَوْحٌ في الدنيا ، وريحانٌ في الجنة ، وجنَّةُ نعيمٍ في الآخرة .

ويقال : رَوْحٌ وريحان مُعَجَّلان ، وجنة نعيم مؤجلة .

ويقال : رَوْحٌ للعابدين ، وريحان للعافين ، وجَنَّةُ نعيم لعوام المؤمنين .

ويقال : رَوْحٌ نسيم القرب ، وريحان كما البسط ، وجنة نعيمٍ في محل المناجاة .

ويقال : رَوْح رؤية اللّه ، وريحانُ سماع كلامه بلا واسطة ، وجنة نعيم أن يدوم هذا ولا ينقطع .

٩١-٩٢

قوله جلّ ذكره : {وََأمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمَِينِ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينَ } .

أن نخبرك بسلامة أحوالِهم .

ويقال : سترى فيهم ما تحب من السلامة .

ويقال : أمانٌ لك في بابهم؛ فلهم السلامة . ولا تُشْغِلْ قلبَكَ بهم .

ويقال : فسلامٌ لك - أيها الإنسان - إنك من أصحاب اليمين ، او أيها الإنسانُ الذي من أصحاب اليمين .

٩٢-٩٤

قوله جلّ ذكره : {وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضَّآلِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيهُ جَحِيمٍ } .

إن كان من المكذبين للّه ، الضالّين عن دين اللّه فله إقامةٌ في الجحيم .

٩٥

قوله جلّ ذكره : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } .

هذا هو الحق اليقين الذي لا محالةَ حاصلٌ .

٩٦

{ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } .

أي قَدِّسْ اللّه عَمَّا لا يجوز في وصفه .

ويقال : صلِّ للّه . ويقال : اشكرْ اللّه على عصمة أُمَّتِكَ من الضّلال ، وعلى توفيقهم في اتِّباعِ سُنّتِكَ .

﴿ ٠