سورة المنافقون١قوله جل ذكره : { إِذَا جَآءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّه وَاللّه يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ واللّه يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } . كذَّبهم فيما قالوا وأظهروا ، ولكنهم لم يشهدوا عن بصيرة ولم يعتقدوا تصديقك ، فهم لم يكذبوا في الشهادة ولكنَّ كِذْبَهم في قولهم : إنَّهم مخلصون لك ، مُصَدِّقون لك . فصِدْقُ القالة لا ينفع مع قُبْح الحالة . ويقال : الإيمان ما يوجِبُ الأمان؛ فالإيمانُ يوجِبُ للمؤمن إذا كان عاصياً خلاصَه من العذاب أكثره وأقّله . . إلاَّ ما ينقله من أعلى جهنم إلى أسفلها . ٢قوله جل ذكره : { اتَّخَذُواْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّه إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } تَسَتَّرُوا بإقرارهم ، وتكَشَّفوا بنفاقهم عن أسْتارِهم فافتضحوا ، وذاقوا وبالَ أحوالهم . ٣قوله جل ذكره : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } . استضاؤوا بنورِ الإجابة فلم يَنْبَسِطْ عليهم شعاعُ السعادة ، فانطفأ نورُهم بقَهرِ الحرمان ، وبقوا في ظلمات القسمة السابقة بحُكْم الشقاوة . ٤قوله جل ذكره : { وَإِذَا رَأَيْتُهمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيِْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللّه أَنَّى يُؤْفَكُونَ } . أي هم أشباحٌ وقوالبٌ وليس وراءهم ألبابٌ وحقائق - فالجوزُ الفارغُ مُزَيَّنٌ ظاهِرُه ولكنه للعب الصبيان . { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } وذلك لِجُبْنِهم؛ إذ ليس لهم انتعاشٌ بربِّهم ، ولا استقلالٌ بغيرهم . { هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ } هم عدوٌّ لك - يا محمد- فاحْذَرْهم ، ولا يَغُرَّنْكَ تَبَسُّطُهم في الكلام على وجهِ التودُّدِ والتقرُّب . ٥قوله جل ذكره : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِر لَكُمْ رَسُولُ اللّه لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ ورَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } . سمعوا إلى ما يقال لهم على وجه التكبُّر ، وإظهار الاستغناء عن استغفارك لهم . . فخَلِّ سبيلهم؛ فليس للنُّصح فيهم مساغٌ ، ولن يُصْحِيَهم من سَكْرَتهم إلاَّ حَرُّ ما سيلقونه من العقوبة ، فما دام الإصرارُ من جانبهم فإنهم : ٦{ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللّه لَهُمْ إِنَّ اللّه لاَ يَهْدِى القَوْمَ الْفَاسِقِينَ } . فقد سبق العِلْمُ بذلك : ٧قوله جل ذكره : { هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللّه حَتَّى يَنفَضُّواْ وَللّه خَزَآئِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنٍَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } . كأنهم مربوطون بالأسباب ، محجوبون عن شهود التقدير ، غيرُ متحقِّقين بتصريف الأيام ، فأنْطَقَهُم بما خَامَرَ قلوبَهم مِنْ تَمَنِّي انطفاء نورِ رسول اللّه ، وانتكاث شَمْلِهم ، فتواصَوْا فيما بينهم بقولهم : { لاَ تُنفِقُواْ عَلى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللّه } فقال تعالى : { وَللّه خَزَآئِنُ السَّمَاوَاتِ } . وليس استقلالُك - يا محمد - ولا استقلالُ أصحابِك بالمرزوقين . . بل بالرازق؛ فهو الذي يمسككم . ٨قوله جل ذكره : { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَللّه الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنََّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } . إنما وقع لهم الغَلَطُ في تعيين الأعزِّ والأذَلِّ؛ فتوَهَّموا أنَّ الأعزَّ هم المنافقون ، والأذلَّ هم المسلمون ، ولكن الأمر بالعكس ، فلا جَرَمَ غَلَبَ الرسولُ صلى اللّه عليه وسلم والمسلمون ، وأُذِلَّ المنافقون بقوله : { وَللّه الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } : للّه عِزُّ الإلهية ، وللرسول عِزُّ النبوَّة ، وللمؤمنين عِزُّ الولاية . وجيمعُ ذلك للّه؛ فعِزُّه القديم صِفَتُه ، وعِزُّ الرسولِ وعِزُّ المؤمنين له فِعْلاً ومِنَّةً وفَضْلاً ، فإذاً للّه العِزَّةُ جميعاً . ويقال : كما انَّ عِزَّةَ اللّه - سبحانه - لا زوالَ لها فعِزَّة الأنبياء بأن لا عَزْلَ لهم ، وعِزَّةُ المؤمنين بألا يَبْقَى منهم مُخَلَّدٌ في النار . ويقال : مَنْ كان إيمانُهم حقيقياً فلا زوالَ له . ويقال : مَنْ تعزَّزَ باللّه لم يلحقه تَغَيُّرٌ عن حاله بغير اللّه . ويقال : لا عِزَّ إلاَّ في طاعةِ اللّه ، ولا ذُلَّ إلاَّ في معصية اللّه . . . وما سوى هذا فلا أصلَ له . ٩قوله جل ذكره : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلآَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللّه وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ } . لا تُضَيِّعوا أمورَ دينكم بسبب اموالكم وأولادكم بل آثروا حقَّ اللّه ، واشْتَغِلوا به يَكْفِكُم أمور دنياكم وأولادكم؛ فإذا كُنْتَ للّه كان اللّه لك . ويقال : حقُّ اللّه مما ألزمكَ القيامَ به ، وحقُّك ضمن لك القيام به؛ فاشتغِلْ بما كُلِّفْتَ لا بما كُفِيت . ١٠قوله جل ذكره : { وَأَنفِقُواْ مِن مّا رَزَقْناكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرتَنِى إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ } . لا تَغْتَرُّوا بسلامةِ أوقاتِكم ، وتَرَقَّبوا بَغَتاتِ آجالِكم ، وتأهَّبوا لما بين أيديكم من الرحيل ، ولاتُعَرِّجوا في أوطان التسويف . |
﴿ ٠ ﴾