سورة الملك

١

قوله جلّ ذكره : { تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } .

تَقَدَّسَ وتعالَى ، مَنْ إحسانُه تَواتَرَ وتَوالَى ، فهو المتكبِّرُ في جلالِ كبريائه ، المتجرِّد في علاءِ بهائه ودوامِ سنائه .

{ بِيَدِهِ الْمُلْكُ } : بقدرته إظهارُ ما يريد ، { وَهَوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ } .

٢

{ الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } .

خَلَقَ الموتَ والحياةَ ، ابتلاءً للخَلْق ، يختبرهم ليَظْهَر له شكرانهُم وكفرانُهم ، كيف يكونان عند المحنة في الصبر وعند النعمة في الشكر - { وَهُوَ الْعِزِيزُ الْغَفُورُ } .

٣

{ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوِتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ } .

عَرَّفَهم كمالَ قدرتِه بدلالاتِ خَلْقِه ، فَمسَك السماءَ وأمسكها بلا عِمدَ ، ورَكَّبَ أجزاءَها غيرَ مُسْتعينٍ بأحدِ في خَلْقِها ، وبالنجومِ زَيَّنهَا ، ومِنَ استراقِ سمعِ الشياطين حَصَّنها ، وبغيرِ تعليم مُعلِّم أحكمها وأتقنها .

{ مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ؟ } : لا ترى فيما خَلَقَ تفاوتاً ينافي آثارَ الحكمة ولا يدل على كمال القدرة .

ويقال : ما ترى فيها تفاوتاً ، في استغنائه عن الجميع . . . ما ترى فيها تفاوتاً في الخَلْقِ؛ فَخْلقُ الكثير واليسير عنده سيَّان ، فلا يَسْهُلُ عنده القليلُ ولا يَشُقُّ عليه الكثير؛ لأنه مُتَنَزَّهٌ عن السهولة عليه ولحوقِ المشقة به .

فأنْعِمْ النظرَ ، وكَرِّر السِّبْرَ والفِكْرَ . . . فلن تجد فيها عيباً ولا في عِزِّه قصوراً .

٥

قوله جلّ ذكره : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلّشَيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ } .

زَيَّنَ السماءَ بالكواكب والنجوم ، وزَيَّنَ قلوبَ أوليائه بأنواعٍ من الأنوار والنجوم؛ فالمؤمنون قلوبُهم مُزَيَّنةٌ بالتصديق والإيمان ثم بالتحقيق بتأَمُّل بالبرهان ، ثم بالتوفيق لطلب البيان . والعارفون قلوبهم مُزَيَّنةٌ بشمسِ التوحيد ، وأرواحُهم مُزَيَّنةٌ بأنوار التفريد ، وأسرارُهم مزينةٌ بآثارِ التجريد . . . وعلى القياس : ( لكلِّ طائفةٍ أنوارٌ ) .

{ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينَ } : فمن النجوم ما هو للشياطين رجوم ، ومنها ما هو للأهتداء به معلوم . . . فأخبر أن هذا القَدْرَ من العقوبة بواسطة الرجوم لا يكفي ، وإنما يُعَذِّبهم مؤبَّدين في السعير .

٦-٨

قوله جلّ ذكره : { وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِى تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَآ أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } .

أخبر : أنهم يحْتَجُّ عليهم بإرسال الرسل ، فتقول لهم الملائِكةُ : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } .

٩-١٠

{ قَالُواْ بَلَى قَدْ جَآءَانَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللّه مِن شَىْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِى ضَلاَلٍ كَبِيرٍ وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ } .

{ وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أََوْ نَعْقِلُ . . . } فأخبر أنهم لم يكن لهم سمع قبول ، فاستوجبوا العقوبة لأَجْلِه ، لم يسمعو نصيحةَ الناصحين ولا وَعْظَ الواعظين ، ولا ما فيه لقلوبهم حياة .

وفي الآية للمؤمنين بشارة؛ لأنهم يسمعون ويعقلون ما يسمعون؛ فإِنَّ مَنْ سَمِعَ بالحقِّ سمع كل ما يقال عن الحق مِنْ كل مَنْ يقول عن الحق ، فيحصل له الفهم لما يسمع ، لأنه إذا كان من أهل الحقائق يكون سَمْعُه من اللّه وباللّه وفي اللّه .

١١

قوله جلّ ذكره : { فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ } .

اعترفوا بذنبهم ولكن في غير وقت الاعتراف . . . فلا جَرَمَ يقال لهم : { فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعيرِ } .

١٢

قوله جلّ ذكره : { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } .

الخشيةُ توجِب عدمَ القرار فيكون العبدُ أبداً - لانزعاجه - كالحَبِّ على المَقْلَى؛ لا يَقَرًُّ ليلَه أو نهارَه ، يتوقَّعُ العقوباتِ مع مجاري الأنفاس ، وكلمَّا ازداد في اللّه طاعةً ازداد للّه خشيةً .

١٣

قوله جلّ ذكره : { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ } .

خوَّفَهم بِعلْمِه ، ونَدَبَهم إلى مراقبته ، لأنه يعلم السِّرَّ وأخفى ، ويسمع الجَهْرَ والنجوى . . . ثم قال مُبَيِّناً :

١٤

{ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبَيرُ } .

وفي كل جُزْءِ مِنْ خَلْقِه - من الأعيانِ والآثارِ - أدِلةٌ على علمه وحكمته .

١٥

قوله جلّ ذكره : { هُوَ الَّّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلولاً فَامْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوْ مِن رِّزْقِه وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } .

أي إذا أردتم أن تضربوا في الأرضِ سَهَّلَ عليكم ذلك .

كذلك جعل النَّفْس ذلولاً؛ فلو طَالَبْتَها بالوفاقِ وَجَدْتَها مُسَاعدةً مُوَافقة ، مُتَابِعةً مُسَابِقة . . . وقد قيل في صفتها :

هي النَّفْسُ ما عَوَّدْتها تتعودُ ... وللدهرِ أيامٌ تُذَمُّ وتُحْمَدُ

١٦-١٧

قوله جلّ ذكره : { ءَأَمِنتُم مَّن فِى السَّمَآءِ أن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } .

{ مَّن فِى السَّمَآءِ } أراد بهم الملائكة الذين يسكنون السماء ، فهم مُوَكَّلون بالعذاب .

وخوَّفهم بالملائكة أن يُنْزِلوا عليهم العقوبةََ من السماء ، أو يخسفوا بهم الأرض ، وكذلك خَوَّفَهمِ أنْ يُرْسِلوا عليهم حجارةً كما أرسلوا على قوم لوط . وبيَّن أنَّ مَنْ كذَّب قَبْلَ هؤلاءِ رُسُلَهم كيف كانت عقوبتهم .

١٩

{ أَوَلَمْ يَرَوا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءِ بَصِيرُ } .

أو لم يروا كيف خَلَقَ الطيور على اختلاف أجناسها ، واختصاصها بالطيران لأن لها أجنحة - بخلاف الأجسام الأخر . . . مَنْ الذي يمسكهن ويحفظهن وهن يقبضن ويبسطن أجنحتهن في الفضاء؟ وما الذي يوجبه العقل حفظ هذه الطيور أم بقية الأجسام الأُخر؟

٢٠

{ أََمَّنْ هَذَا الَّذِى هُوَ جُندٌ لَكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِى غُرُورٍ } .

إِن أراد الرحمنُ بك سوءاً . . . فَمَنْ الذي يُوَسِّعُ عليكم ما قَبَضَه ، أو يمحوا ما أثبته ، أو يُقَدِّمُ ما أَخَّرَه ، أو يُؤَخّرُ ما قدَّمَه؟ .

٢٢-٢٣

قوله جلّ ذكره : { أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِى سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ قُلْ هُوَ الَّذِى أَنشَأَكُمْ } .

وخَصَّكم بالسمع والبصر والأفئدة ، وأنتم لا تشكرون عظيمَ نِعَمه .

٢٥

وأجاب عنه حيث قال : لا تستعجلوا العذاب ، وبيَّن أنهم إذا رأوه كيف يخافون وكيف يندمون .

٢٨-٢٩

قوله جلّ ذكره : { قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِىَ اللّه وَمَن مَّعِىَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الكَافِرِينَ مِنَ عَذَابٍ أَلِيمٍ قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ ءَامَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا . . . } .

وإليه أمورنَا - جملةً - فَوَّضْنَا .

٣٠

{ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍ مَّعِين } مَنْ الذي يأتيكم بالماء إذا صار غائراً في الأرض لا تناله الأيدي .

وهذه الآيات جميعها على وجه الاحتجاج عليهم . . . ولم يكن لواحدٍ عن ذلك جواب .

سورة القلم

١

قوله جلّ ذكره : { ن وَالقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } .

{ ن } قيل : الحوت الذي على ظهره الكون ، ويقال : هي الدواة .

ويقال : مفتاح اسمه ناصر واسمه نور .

ويقال : إنه أقسم بنُصْرَة اللّه تعالى لعبادِه المؤمنين .

وأقسم بالقلم - وجوابُ القسم قولُه :

٢

{ مَآ أَنت َبِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } .

ما أوجب لصدره من الوحشة من قول الأعداء عنه :

إنه مجنون ، أزاله عنه بنفيه ، ومحقَّقاً ذلك بالقَسَم عليه . . . وهذه سُنَّةُ اللّه تعالى مع رسوله صلى اللّه عليه وسلم ؛ فما يقوله الأعداءُ فيه يردُّه - سبحانه- عليهم بخطابه وعنه ينفيه .

٣

{ وَإِنَّ لَكَ لأجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } : أي غير منقوص . . . لمَّا سَمَتْ هِمَّتُه صلى اللّه عليه وسلم عن طلب الأعواض أثبت اللّه له الأجر ، فقال له : { وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } - وإنْ كُنْتَ لا تريده .

ومن ذلك الأَجْر العظيم هذا الخُلُق ، فأنت لستَ تريد الأجْرَ - وبِنَا لَسْتَ تريد؛ فلولا أنْ خَصَصْناكَ بهذا التحرُّر لكنتَ كأمثالِك في أنهم في أسْرِ الأعواض .

٤

قوله جلّ ذكره : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .

كما عرَّفَه اللّه سبحانه أخبارَ مَنْ قبْلَه من الأنبياء عرَّفه أنه اجتمعت فيه متفرقاتُ أخلاقهم فقال له : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .

ويقال : إنه عَرَضَ مفاتيحَ الأرضِ فلم يقبلْها ، ورقّاه ليلةَ المعراج ، وأراه جميع المملكة والجنة فلم يلتفت إليها ، قال تعالى : { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى }[ النجم : ١٧ ] فما التفت يميناً ولا شمالاً ، ولهذا قال تعالى : { وَإِنٍَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } . . . ويقال : { على خلق عظيم } : لا بالبلاءِ تنحرف ، ولا بالعطاءِ تنصِرف؛ احتمل صلوات اللّه عليه في الأذى شَجَّ رأسِه وثَغْرِه ، وكان يقول :

( اللّهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) وغداً كلٌّ يقول : نفسي نفسي وهو صلوات اللّه عليه يقول : ( أمتي أمتي )

ويقال : عَلّمه محاسنَ الأخلاق بقوله : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْمَعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلينَ } .

سأل صلواتُ اللّه عليه جبريل : ( بماذا يأمرني ربي؟ قال : يأمرك بمحاسن الأخلاق؛ يقول لك : صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وأعْطِ مَنْ حَرَمك واعفٌ عَمَّن ظَلَمَك ) فتأدَّبَ بهذا؛ فأثنى عليه وقال : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } .

٥-٧

قوله جلّ ذكره : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِيّكُمُ المَفْتُونُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ } .

المفتون : المجنون لأنه فُتِنَ أي مُحِنَ بالجنون .

٨

{ فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ } .

معبودُكَ واحدٌ فليكن مقصودُك واحداً . . . وإذا شهدت مقصودك واحداً فليكنْ مشهوداً واحداً .

٩

{ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } .

مَنْ أصبح عليلاً تمنَّى أَنْ يكونَ الناسُ كلُّهم مَرْضَى . . . وكذا مَنْ وُسمَ بكيِّ الهجران ودَّ أَنْ يُشارِكه فيه مَنْ عاداه .

١٠

{ وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } .

وهو الذي سقط من عيننا ، وأقميناه بالبعد عنا .

١١

{ هَمَّازٍ مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ } .

محجوبٍ عنَّا مُعّذَّبٍ بخذلان الوقيعة في أوليائنا .

١٢

{ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } .

مُهانٍ بالشُّحِّ ، مسلوب التوفيق .

{ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } .

ممنوعِ الحياءِ ، مُشَتَّتٍ في أودية الحرمان .

١٣

{ عُتُلِّ بَعْدَ ذَالِكَ زَنِيمٍ } .

لئيم الاصل ، عديم الفضل ، شديد الخصومة بباطله ، غير راجعٍ في شيءٍ منْ الخير إلى حاصله .

١٤-١٥

{ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ } .

أي : لا تطعه لأن كان ذا مالٍ وبنين . . . ثم استأنف الكلام فقال : إذا تتلى . . . قابَلَها بالتكذيب ، وحَكَمَ أنَّ القرآن من الاساطير .

١٦

{ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ } .

أي سنجعل له في القيامة على أنفهِ تشويهاً لصورته كي يُعْرَفَ بها .

١٧

قوله جلّ ذكره : { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنآ أَصْحَابَ الْجَنَّةَ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَ مُصْبِحِينَ } .

أي امتحنَّهم . . . حين دعا عليهم النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فابتلاهم اللّه بالجوع ، حتى أكلوا الجِيَف - كما بلونا أصحاب الجنة ، قيل : إن رجلاً من أهل اليمن كانت له جنة مثمرة وكان له ثلاثة بنين ، وكان للمساكين كل ما تَعدّاه المِنْجل فلم يجذه من الكَرْم ، فإذا طُرح على البساط فكل شيء سقط عن البساط فهو أيضاً للمساكين ، فما أخطأه القطافُ من نخلة وكَرْمه يَدَعه للمساكين ، وكان يجتمع منه مال ، فلما هو قال وَرَثَتُه : إنَّ هذا المالَ تفرَّق فينا ، وليس يمكننا أن نفعلَ ما كان يفعله أبونا ، وأقسموا ألا يُعْطوا للفقراء شيئاً ، فأهلكَ اللّه جَنَّتهَم؛ فنَدموا وتابوا .

وقيل : أَبدْلَهُم اللّه جنةً حسنة ، فأقسموا ليصرمُنَّ جنَّتهم وقت الصبح قبلَ أَنْ تفطِنَ المساكينُ ، ولم يقولوا : إن شاء اللّه .

١٩-٢٠

أرسل عليها من السماء آفةً فأحرقت ثمارهم . وأصبحت { كَالصَّرِيمِ } أي كالليل المسودِّ ، فنادى بعضُهم بعضاً وقت الصبح : أن اغدوا على حرثكم إن أردتم الصرام ، فانطلقوا لا يرفعون أصواتهم فيما بينهم لئلا يسمعَهم أحدٌ . وقصدوا إلى الصرام

٢٥

{ عَلَى حَرْدٍ } أي : قادرين عند أنفسهم ، ويقال : على غضبٍ منهم على المساكين .

فلمّا رأوا الجنةَ وقد استؤصلَتْ قالوا : ليست هذه جنتنا!!

ثم قالوا : بل هذه جَنّتُنا . . . ولكنّا حُرِمْنا خيرَها .

قال أوسطُهم : أي أعدلُهم طريقةَ وأحسنُهم قولاً :

٢٨

أي : تستثنون وتقولون : { إِن شَآءَ اللّه }[ البقرة : ٧٠ ] .

٢٩

ثم أقبل بعضُهم على بعض يتلاومون ، ويقولون .

٣٢-٣٣

{ عَسَى رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ } .

قال تعالى : { كَذَالِكَ الْعَذَابُ } لأهل مكة { وَلَعَذَابُ الأَخِرَةِ أَكْبَرُ }

وهكذا تكون حالُ مَنْ له بدايةٌ حسنةٌ ويجدُ التوفيق على التوالي ، ويجتنبُ المعاصي ، فيُعَوضه اللّه في الوقتِ نشاطاً ، وتلوحُ في باطنه الأحوالُ . . . فإذْا بَدَرَ منه سوءٌ دعوى أو تَرْكَ أدبٍ من آداب الخدمة تَنْسَدُّ عليه تلك الأحوالُ ويقع في قرْةٍ من الإعمال فإذا حَصَلَ منه بالعبادات إخلالٌ ، ولبعض الفرائض إهمالٌ - انقلب حالُه ، ورُدَّ من الوصال إلى البعاد ، ومن الاقتراب إلى الاغتراب عن الباب ، فصارت صفوتُه قسوةً . وإن كان له بعد ذلك توبة ، وعلى مَا سَلَفَ منه ندامة - فقد فات الأمُرُ من يده ، وقلَّما يصل إلى حاله .

ولا يبعد أن ينظر إليه الحقُّ بأفضاله ، فيقبله بعد ذلك رعايةً لما سَلَفَ في بدايته من أحواله . . . فإنَّ اللّه تعالى رؤوفٌ بعباده .

٣٤

قوله جلّ ذكره : { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ } .

الذين يتقون الشِّرْكَ والكُفْر ، ثم المعاصيَ والفِسُقَ ، لهم عند اللّه الثوابُ والأجْر .

٣٥-٣٧

قوله جلّ ذكره : { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُم كِتََابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } .

كيف تحكمون؟ هل لديكم حجة؟ { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } ؟ أم لكم منا عهود فيها تحكمون؟ والمقصود من هذه الأسئلة نفي ذلك .

٤٢

قوله جلّ ذكره : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } .

{ عَن سَاقٍ } : أي عن شِدَّةٍ يومَ القيامة .

ويقال في التفسير عن ساقِ العرش .

يُؤْمَرون بالسجود؛ فأمَّا المؤمنون فيسجدون ،

وأمَّا الكفار فتُشَدُّ أصلابُهم فلا تنحني .

وقيل : يكشف المريضُ عن ساقه - وقت التوفِّي - ليُبْصِرَ ضعفَه - ويقول المؤذَّنُ : حيِّ على الصلاة - فلا يستطيع .

وعلى الجملة فقد خَوَّفَهم بهذه القالة : إمَّاعند انتهائهم في الدنيا أو ابتدائهم في الآخرة .

٤٣

{ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ . . . } .

يذكرهم بذلك ليزدادوا حسرةً ، ولتكونَ الحجةُ عليهم أبلغَ .

٤٤

قوله جلّ ذكره : { فَذَرْنِى وَمَن يُكَذِّبُ بَهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } . سنُقَرِّبُهم من العقوبة بحيث لا يشعرون .

وبالاستدراجُ : أَنْ يريد الشيءَ ويَطْوِي عن صاحبه وَجْهُ القَصْدِ فيه ، ويُدْرِجُه إليه شيئاً بعد شيء ، حتى يأخذه بغتةً .

ويقال : الاستدراج : التمكين من النِّعم مقروناً بنسيان الشكر .

ويقال : الاستدراج : أنهم كلما ازدادوا معصيةً زادهم نعمةً .

ويقال : أَلاَّ يُعاقِبَه في حالِ الزَّلَّة ، وإنما يؤخِّر العقوبَة إِلى ما بعدها . . .

ويقال : هو الاشتغال بالنعمة مع نسيان المنعم .

ويقال : الاغرارُ بطول الإمهال .

ويقال : ظاهرٌ مغبوط وباطنٌ مُشَوَّش .

٤٥

قوله جلّ ذكره : { وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ } .

أُمْهِلُهم . . . ثم إِذا أَخَذْتُهم فأخْذِي أَليمٌ شديدٌ .

٤٦

قوله جلّ ذكره : { أَمْ تَسْئَلَهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّتَقلُونَ } .

أي : ليس عليهم كُلْفة مقابلَ ما تدعوهم إليه ، وليست عليهم غرامة إِنْ هم اتبعوك . . . فأنت لا تسأل أجراً . . . فما موجِباتُ التأخُّرِ وتركُ الاستجابة؟

٤٧

{ أَمْ عِندَهُمُ الغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ؟ } .

أم عندهم شيءٌ من الغيب انفردوا به وأوجب لهم ألا يستجيبوا؟ .

٤٨

قوله جلّ ذكره : { فَاصْبِرَ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } .

صاحب الحوت : هو يونس عليه السلام : { نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } : مملوء بالغيظ على قومه . فلا تستعجلْ - يا محمد - بعقوبة قومك كما استعجل يونس فلقي ما لقي ، وتَثَبَّتْ عند جريان حكمنا ، ولا تُعارِضْ تقديرنا .

٤٩

{ لَّوْلآَ أَن تََدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } . أي : لولا أَنَّ اللّه رَحِمَه بفَضْلِه لَطُرِحَ بالفضاء وهو مذموم ولكن :

٥٠

{ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } .

فاصطفاه واختاره ، وجعله من الصالحين بأن أَرسله إِلى مائة أَلف أَو يزيدون .

٥١

قوله جلّ ذكره : { وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ } .

كانوا إِذا أرادوا أَنْ يُصيبوا شيئاً بأعينهم جاعوا ثلاثةَ أَيامٍ ، ثم جاؤوا ونظروا إِلى ذلك الشيء قائلين : ما أَحسنه من شيء! فكان يسقط المنظور في الوقت . وقد فعلوا ذلك بالنبي صلوات اللّه عليه ، فقالوا : ما أَفصحه من رجل! ولكنَّ اللّه سبحانه حفظه ، ومَنَّ بذكره عليه .

﴿ ٠