سورة المعارج

١

قوله جلّ ذكره : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } .

الباء في { بِعَذَابٍ } بمعنى عن ، أي سأل سائلٌ عن هذا العذاب لِمَنْ هو؟

٢-٣

فقال تعالى : { لِّلْكَفِرِينَ لَيْسَ لهُ دَافِعٌ مِّنَ اللّه ذِى الْمَعَارِجِ } .

هذا العذاب للكافرين ليس له دافع { مِّنَ اللّه ذِى الْمَعَارِجِ } ؛ فهذا العذابُ من اللّه .

ومعنى { ذِى الْمَعَارِجِ } ذي الفضل ومعالي الدرجات التي يُبْلِغُ إليها أولياءَه .

٤

قوله جلّ ذكره : { تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالْرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } .

{ وَالرُّوحُ } أي جبريل ، في يومٍ كان مقداره ألف سنة من أيام الدنيا يعني به يوم القيامة .

ويقال : معناه يحاسِبُ الخَلْقَ في يوم قصيرٍ ووقتٍ يسير ما لو كان الناسُ يشتغلون به لكان ذلك خمسين ألف سنة ، واللّه يُجْرِي ذلك ويُمضيه في يومٍ واحد .

ويقال : من أسفلِ المخلوقاتِ إلى أعلاها مسيرةُ خمسين ألف سنة للناس؛ فالملائكة تعرج فيه من أَسفله إلى أعلاه في يومٍ واحد .

٥

قوله جلّ ذكره : { فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً } .

فاصبرْ - يا محمد - على مقاساةِ أذاهم صبراً جميلاً . والصبرُ الجميلُ ما لا شكوى فيه .

ويقال : الصبر الجميل ألا تَسْتَثْقِلَ الصبرَ بل تستعذبه .

ويقال : الصبرُ الجميل ما لا ينْتَظِرُ العبدُ الخروجَ منه ، ويكون ساكناً راضياً .

ويقال : الصبرُ الجميل أن يكون على شهود المُبْلِي .

ويقال : الصبرُ الجميل ما تجرَّد عن الشكوى والدَّعْوى .

٦-٧

قوله جلّ ذكره : { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً } .

إِنَّ ما هو آتٍ فقريبٌ ، وما اسْتَبْعَدَ مَنْ يستَبْعِد إلاَّ لأنّه مُرْتَابٌ؛ فأمّا الواثِقُ بالشيءِ فهو غيرُ مُسْتَبْعِدٍ له .

٨-٩

قوله جلّ ذكره : { يَوْمَ تَكُونُ السَّمَآءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ } .

الإشارة فيه أنه في ذلك اليوم مَنْ كان في سُمُوِّ نخوته ونُبُوِّ صولته يلين ويستكين ويَضْعُفُ مَنْ كان يَشْرُفُ ، ويَذَلُّ مَنْ كان يُذِلُّ .

١٠

قوله جلّ ذكره : { وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } .

لا يَتَفَرَّغُ قريبٌ إلى قريبٍ؛ فلكلِّ امرىءٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يُغْنيه .

ولا يَتَعَهَّدُ المساكينَ - في ذلك اليوم - إلا اللّه .

١١-١٤

{ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِى مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِى تُئْوِيِهِ وَمَن فِى الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ } .

{ يُبَصَّرُونَهُمْ } أي يعرفون أقاربهم ، ولكن لا تَرِقُّ قلوبُ بعضهم على بعض .

ويتمنَّى المجرمُ يومئذٍ أَنْ يُفتدىَ من عذاب جهنم بأعز مَنْ كان عليه في الدنيا من قريبٍ ونسيب وحميم وولدٍ ، وبكلٍّ من الأرض حتى يخلص من العذاب .

١٥

{ كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى } .

اسم من اسماء جهنم .

١٦

{ نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى } .

قَلاَّعةٌ للأطراف . تكشط الجِلْدَ عن الوجه وعن العَظْم .

١٧

قوله جلّ ذكره : { تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى } .

تقول جهنمٌ للكافرِ والمنافقِ : يا فلان . . إليَّ إليَّ .

والإشارة فيه : أنَّ جهنمَ الدنيا تعلق بقلبِ المرءِ فتدعوه بكلابِ الحِرْصِ إلى نَفْسِه وتجرُّه إلى جمعها حتى يؤثرها على نَفْسه وكلِّ أحد له؛ حتى لقد يَبْخَلُ بدنياه على أولاده وأَعِزَّتهِ . . . وقليلٌ مَنْ نجا من مكر الدنيا وتسويلاتها .

١٩

قوله جلّ ذكره : { إِنَّ الإنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً } .

وتفسيره ما يتلوه :

٢٠-٢١

{ إِذَا مَسَّّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً } .

والهََلَعُ شِدَّةُ الْحِرِصِ مع الجزع . ويقال هلوعاً : متقلِّباً في غمرات الشهوات .

ويقال : يُرْضيه القليلُ ويُسْخِطه اليسير .

ويقال : عند المحنه يدعو ، وعند النعمة ينسى ويسهو .

٢٢-٢٣

{ إِلاَّ الْمُصلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } .

استثنى منهم المصلين - وهم الذين يُلازِمون ابداً مواطنَ الافتقار؛ مِنْ صَلِيَ بالمكان .

٢٤-٢٥

{ وَالَّذينَ فِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِّلسَّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ } .

وهم المُتَكفِّف والمُتَعَفِّف .

وهم على أقسام : منهم مَنْ يُؤْثر بجميع مالِه؛ فأموالُهم لكلِّ مَنْ قَصَدَ ، لا يخصُّون سائِلاً من عائل . ومنهم مَن يعطي ويمسك - وهئلاء منهم - ومنهم مَنْ يرى يَدَه يَدَ الأمانه فلا يتكلِّف باختياره ، وإنما ينتظر ما يُشَار عليه به من الأمر؛ إِمَّا بالإمساك فيقف أو ببذْلِ الكُلِّ أو البعضِ فيستجيب على ما يُطَالَبُ به وما يقتضيه حُكْمُ الوقت . . . وهؤلاءِ أَتَمُّهُم .

٢٦

{ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ } .

وأماراتهُم الاستعدادُ للموتِ قبل نزوله ، وأن يكونوا كما قيل :

مستوفزون على رِجْلٍ كأَنهمو ... فقد يريدون أن يمضوا فيرتحلوا

٢٩-٣١

قوله جلّ ذكره : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ العَادُونَ } .

وإنما تكون صحبتُهم مع أزواجهم للتَّعَفُّفِ وصَوْنِ النَّفْسِ ، ثم لابتغاء أن يكونَ له وَلَدٌ من صلبه يذكر اللّه . وشَرْطُ هذه الصحبة : أن يعيش معها على ما يهون ، وألا يجرَّها إلى هَوَى نَفسِه ويحملها على مرادِه وهواه .

٣٢

قوله جلّ ذكره : { وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } .

يحفظون الأمانات التي عندهم للخَلْق ولا يخونون فيها . وأمانات الحق التي عندهم أعضاؤهم الظاهرة- فلا يُدَنِّسُونها بالخطايا؛ فالمعرفة التي في قلوبهم أمانة عندهم من الحق ، والأسرارُ التي بينهم وبين اللّه أماناتٌ عندهم . والفرائضُ واللوازمُ والتوحيدُ . . . كل ذلك أماناتٌ .

ويقال : من الأمانات إقرارُهم وقتَ الذّرِّ . ويقال : من الأمانات عند العبد تلك المحبة التي أودعها اللّه في قلبه .

٣٣

شهادتهم للّه بالوحدانية ، وفيما بينهم لبعضهم عند بعض - يقومون بحقوق ذلك كله .

٣٦-٣٧

والإهطاع أن يُقْبِلَ ببصره إلى الشيءِ فلا يرفعه عنه ، وكذلك كانوا يفعلون عند النبي صلى اللّه عليه وسلم { عِزينَ } : أي خَلْقاً خَلْقاً ، وجماعةً جماعة .

٣٨

كلا . . . إنك لا تدعو عن هذا! وليس هذا بصوابٍ؛ فإنهم - اليوم - كفار ، وغداً يعاملون بما يستوجبون .

{ فَلآَ أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ } لا - هنا صلة ، والمعنى أقسم . وقد مضى القولُ في المشارق وْالمغارب - { إِنَّا لَقَادِرُونَ } على ذلك .

٤٢

{ فّذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا } غاية التهديد والتوبيخ لهم .

٤٣

{ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً } كأَنهم يسرعون إلى أصنامهم ، شبَّه إسراعهم حين قاموا من القبور بإسراعهم إلى النُّصُبِ - اليومَ - كي يقوموا بعبادتهم إياها .

﴿ ٠