سورة نوح

١

قوله جلّ ذكره : { إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .

أرسلنا نوحاً بالنبوَّةِ والرسالة . { أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ } أي بأن أنذرهم وإرسالُ الرُّسُل من اللّه فضلٌ ، وله بحق مُلْكه ان يفعل ما أراد ، ولم يجبْ عليه إرسالُ الرُّسُلِ لأن حقيقته لا تقبل الوجوب .

وإرسالُ الرسلِ إلى مَنْ عَلِمَ أنه لا يَقْبَل جائز ، وتكليفُهم من ناحية العقل جائز فنوحٌ - عَلِمَ منهم أَنهم لا يقبلون . . ومع ذلك بَلَّغ الرسالة وقال لهم : { إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } .

٢-٤

قوله جلّ ذكره : { قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَنِ اعْبُدُواْ اللّه وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللّه إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } .

{ يغفر لكم من ذنوبكم } مِنْ هنا للجنس لا للتبعيض كقوله تعالى : { فَاجْتَنِبُواْ الرِّجسَ مِنَ الأَوْثَانِ }[ الحج : ٣٠ ] .

ويقال : ما عملوه دون ما هو معلوم أنهم سيفعلونه؛ لأنه لو أخبرهم بأنه غفر لهم ذلك كان إغراءً لهم . . وذلك لا يجوز . فأبوا أن يَقْبَلوا منه ، فقال :

٥-٦

{ قَالَ رَبِّ إِنِّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآءِى إِلاَّ فِرَاراً } .

بَيّنَ أَنّ الهداية ليست إليه ، وقال : إنْ أَرَدْتَ إِيمانَهم فقلوبُهم بقدرتك - سبحانك .

٧

قوله جلّ ذكره : { وَأَصَرُّواْ وَاسْتَكْبَرُواْ اسْتِكْبَاراً } .

وإِنِّي ما ازدَدْتُ لهم دعاءً إلا ازدادوا إصراراً واستكباراً .

ويقال : لمَّا دام بينهم إصرارُهم تَولَّدَ من الإصرار استكبارُهم ، قال تعالى :

{ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُبُهُمْ }[ الحديد : ١٦ ] .

٨-١٠

قوله جلّ ذكره : { ثُمَّ إِنِّى دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً ثُمَّ أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدرَاراً وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } .

ليعلمَ العالِمون : أَنًَّ الاستغفار قَرْعُ أبوابِ النعمة ، فمن وقعت له إلى اللّه حاجةُ فلن يَصِلَ إلى مرادِه إلاّ بتقديم الاستغفار .

ويقال : مَنْ أراد التَّفَضُّل فعليه بالعُذْرِ والتنصُّل .

١١-١٢

قوله : { يُرْسِلِ السَّمَآءَ عََلَيْكُمْ } : كان نوح عليه السلام كلمّا ازداد في بيان وجوه الخير والإحسان زادوا هم في الكفر والنسيان .

١٣

قوله جلّ ذكره : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ للّه وَقَاراً } .

ما لَكْم لا تخافون للّه عَظَمَةً؟ وما لكم لا ترجون ولا تؤمِّلون على توقيركم للأمرِ من اللّه لُطْفاً ونعمة؟ .

١٥-١٦

ثم نَبَّهَهُم إلى خَلْقِ السموات والأرض وما فيهما من الدلالات على أنها مخلوقة ، وعلى أنَّ خالقَها يستحقُّ صفاتِ العُلُوِّ والعِزَّة .

٢١-٢٢

ثم شكا نوحٌ إلى اللّه وقال : { قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَونِى وَاتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } يعني كبراءَهم وأغنياءَهم الذين ضلُّوا في الدنيا وهلكوا في الآخرة .

٢٦

وذلك بتعريفِ اللّه تعالى إيَّاه أَنَّه لن يؤمِنَ من قومك إلاّ من قد آمن . فاستجاب اللّه فيهم دعاءَه وأهلكهم .

﴿ ٠