سورة المزمل

١-٢

قوله جلّ ذكره : { يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً } .

أي : المتزمل المتلفِّف في ثيابِه . وفي الخبر : ( أنه كان عند نزول هذه الآية عليه مِرْطُ من شَعْرٍ وَبَرٍ ، وقالت عائشة رضي اللّه عنها : نصفُه عليَّ وأنا نائمة ، ونصفه على رسول اللّه وهو يُصَلِّي ، وطولُ المِرْطِ أربعةُ عشر ذراعاً ) .

٣

{ نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّل الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً } .

{ قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً } نصفَه بَدَلٌ منه؛ أي : قم نصف الليل ، وأَنْقِصْ من النصف إلى الثلث أوزِدْ على الثلث ، فكان عليه الصلاة والسلام في وجوب قيام الليل مُخَيَّراً ما بين ثلث الليل إلى النصف وما بين النصف إلى الثلث . وكان ذلك قبل قَرْضِ الصلوات الخمس ، ثم نُسِخَ بعد وجوبها على الأمة - وإن كانت بقيت واجبة على الرسول صلى اللّه عليه سلم .

ويقال : يا أيها المتزمل بأعباء النبوَّة . . { قُمِ الَّيْلَ } .

ويقال : يا أيها الذي يُخْفِي ما خصصناه به قُمْ فأنذِرْ . . فإنّا نصرناك .

ويقالك قُمْ بنا . . يا مَنْ جعلنا الليل ليسكن فيه كلُّ الناس . . قُمْ أنت .

فليسكنْ الكلُّ . . ولْتَقُمْ انت .

ويقال : لمَّا فَرَضَ عليه القيام بالليل أخبر عن نَفْسِه لأجل أُمَّته إكراماً لشأنه وقدرة .

وفي الخبر : ( أنه ينزل كلَّ ليلة إلى السماء الدنيا . . . ) ولا يُدْرَى التأويل للخبر ، أو أنَّ التأويل معلوم . . وإلى أن ينتهي إلى التأويل فللأحبابِ راحاتٌ كثيرة ، ووجوهٌ من الإحسان موفورة .

٤

قوله جلّ ذكره : { عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً } .

ارْتَعْ بِسِرِّك في فَهْمِه ، وَتأَنَّ بلسانِك في قراءته .

٥

قوله جلّ ذكره : { إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } .

قيل : هو القرآن .

وقيل : كلمة لا إلَهَ إلا اللّه .

ويقال : الوحي؛ وسمَّاه ثقيلاً أي خفيفاً على اللسان ثقيلاً في الميزان .

ويقال : ثقيل أي : له وزن وخطر . وفي الخبر ( كان إذا نزل عليه القرآن - وهو على ناقته- وضعت جِرانها ، ولا تكاد تتحرك حتى يُسرَّى عنه ) .

وروى ابن عباس : أنَّ سورة الأنعامِ نَزَلَتْ مرةَ واحدةٍ فَبَركَت ناقةُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من ثقل القرآن وهيبته .

ويقال : { ثَقِيلاً } سماعه على مَنْ جحده .

ويقال : ( ثقيلاً بِعِبْئِه - إلاَّ على من أُيِّدِ بقوةٍ سماوية ، ورُبِّي في حِجْرِ التقريب ) .

٦

قوله جلّ ذكره : { إِنَّ نَاشِئَةَ الَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً } .

أي : ساعات الليل ، فكلُّ ساعةٍ تحدث فهي ناشئة ، وهي أشد وطئاً أي : مُوَطَّأة أي : هي أشدُّ موافقةً للسانِ والقلبِ ، وأشدُّ نشاطاً .

ويحتمل : هي أشدُ وأغلظُ على الإنسان من القيام بالنهار .

{ وَأَقْوَمُ قِيلاً } أي : أَبْيَنُ قولاً .

ويقال : هي أشدُّ موطأةً للقلب وأقوم قيلاً لأنها أبعدُ من الرياء ، ويكون فيها حضورُ القلبِ وسكونُ السِّرِّ أبلغَ وأتمِّ .

٧

قوله جلّ ذكره : { إِنَّ لَكَ فِى النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً } .

أي : سبحاً في أعمالك ، والسبح : الذهب والسرعة ، ومنه السباحة في الماء .

فالمعنى : مذاهبُك في النهار فيما يَشْغَلُك كثيرةٌ - والليلُ أَخْلَى لك .

٨

قوله جلّ ذكره : { وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِلاً } .

أي : انقَطِعْ إليه انقطاعاً تاماً .

٩

{ رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لآَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً } .

الوكيلُ مَنْ تُوكَلُ إليه الأمورُ؛ أي : تَوَكَّلْ عليه وكِلْ أمورَك إليه ، وثِقْ به .

ويقال : إنك إذا اتخذْتَ من المخلوقين وكيلاً اختزلوا مالَكَ وطالبوك بالأجرة ، وإذا اتخذتني وكيلاً أُوَفِّرُ عليكَ مَالَكَ وأُعطيكَ الأجر .

ويقال : وكيلُك ينفق عليك من مالِك ، وأنا أرزقك وأنفق عليك من مالي .

ويقال : وكيلُك مَنْ هو في القَدْرِ دونَك ، وأنت تترفَّعُ أن تكلِّمَه كثيراً . وأنا ربُّكَ سَيِّدُك وأحبُّ أنْ تكَلمَني وأُكلِّمَك .

١٠

قوله جلّ ذكره : { َوَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } .

الهَجْرُ الجميل : أن تعاشرَهم بظاهرك وتُباينَهم بِسِرِّك وقلبك .

ويقال : الهجرُ الجميل ما يكون لحقِّ ربِّك لا بِحَظِّ نَفْسِك .

ويقال : الهجرُ الجميلُ ألا تُكلِّمَهم ، وتكلمني لأجْلهم بالدعاء لهم .

وهذه الآية منسوخة بآية القتال .

١١

قوله جلّ ذكره : { وَذَرْنِى وَالْمُكَذِّبِينَ أُوْلِى النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } .

أي : أُولِي التَّنَعُّم وأنْظِرْهم قليلاً ، ولا تهتم بشأنهم ، فإني أكفيكَ أمرَهم .

١٢-١٣

قوله جلّ ذكره : { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً } .

ثم ذكر وصف القيامة فقال :

١٤

{ يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً } .

ثم قال :

١٥-١٦

{ إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عِلَيْكُمْ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً } .

يعني : أرسلنا إليكم محمداً صلى اللّه عليه وسلم شاهداً عليكم { كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً } ، { فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً } ثقيلاً .

١٧

{ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً } من هَوْلُه يصير الولدانُ شيباً - وهذا على ضَرْبِ المثل .

١٨

{ السَّمَآءُ مُنفَطِرُ بِهِ } أي بذلك : اليوم لهوله .

ويقال : مُنْفَطِرٌ باللّهأي : بأمره .

{ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } : فما وَعَدَ اللّه سيصدقه .

١٩

{ إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ } : يعني هذه السورة ، أو هذه الآيات مَوْعِظَةٌ؛ فَمَنْ اتعظ بها سَعِدَ .

٢٠

{ إِنَّ رَبَّكَ } يا محمد { يَعْلَمُ أَنََّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثِى الَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ } من المؤمنين .

{ وَاللّه يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ } فهو خالقهما { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } وتطيعوه .

{ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } أي : خَفَّفَ عنكم { فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ } من خمس آيات إلى ما زاد . ويقال : من عَشْرِ آيات إلى ما يزيد .

{ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الأَرْضِ } يسافرون ، ويعلم أصحاب الأعذار ، فَنَسخَ عنهم قيامَ الليل .

{ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } المفروضة .

{ وَأَقْرِضُواْ اللّه قَرْضاً حَسَناً } مضى معناه .

{ وَمَاتُقَدِّمُواْ لأَنِفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ } أي : ما تقدِّموا من طاعة تجدوها عند اللّه ثواباً هو خيرٌ لكم من كلِّ متاع الدنيا .

﴿ ٠