٢١{ عَالَيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } . يحتمل أن يكون هذا الوصف للأبرار . ويصح أن يكون للولدان وهو أَوْلَى ، والاسم يوافق الاسم دون العين . { شََراباً طَهُوراً } : الشراب الطهورُ هو الطاهر في نفسِه المُطَهَّرُ لغيره . فالشراب يكون طهوراً في الجنة - وإنْ لم يحصل به التطهيرُ لأن الجنة لا يُحتاجُ فيها إلى التطهير . ولكنه - سبحانه - لمَّا ذَكَرَ الشرابَ - وهو اليومَ في الشاهد نجَسٌ - أخبر أنَّ ذلك الشرابَ غداً طاهرٌ ، ومع ذلك مُطَهِّر؛ يُطَهِّرُهم عن محبة الأغيار ، فمن يَحْسِ من ذلك الشرابِ شيئاً طَهَّرَه عن محبة جميع المخلوقين والمخلوقات . ويقال : يُطَهِّرُ صدورهم من الغِلِّ والغِشِّ ، ولا يُبْقِي لبعضهم مع بعض خصيمة ولا عداوة ولا دَعْوَى ولا شيء . ويقال : يُطهِّرُ قلوبهم عن محبة الحور العين . ويقال : إن الملائكة تعرض علهيم الشرابَ فيأبون قبولَه منهم ، ويقولون : لقد طال أَخْذُنا مِنْ هؤلاء ، فإذا هم بكاساتٍ تُلاقِي أفواهَهَم بغير أكُفٍّ؛ من غيبٍ إلى عَبْدٍ . ويقال : اليومَ شرابٌ وغداً شراب . . . اليوم شرابُ الإيناس وغداً شرابُ الكاس ، اليومَ شرابٌ من اللُّطْفِ وغداً شرابٌ يُدار على الكفّ . ويقال : مَنْ سقاه اليومَ شرابَ محبَّتهِ آنسَه وشَجَّعُه؛ فلا يستوحِش في وقته من شيء ، ولا يَضِنُّ بروحه عن بَذْل . ومن مقتضى شُرْبه بكأسِ محبته أن يجودَ على كلِّ أحدٍ بالكونين من غير تمييز ، ولا يَبْقَى على قلبه أثرٌ للأخطار . ومن آثارِ شُرْبِه تذللّه لكلِّ أحدٍ لأجل محبوبه ، فيكون لأصغرِ الخَدم تُرَابَ القَدَم ، لا يتحرَّكُ فيه للتكبُّر عرْقٌ . وقد يكون من مقتضى ذلك الشارب أيضاً في بعض الأحايين أَنْ يَتِيه على أهل الدارين . ومن مقتضى ذلك الشراب أيضاً أَنْ يمْلِكَه سرورٌ ولا يَتَمَالَكُ معه من خَلْعِ العذار وإلقاء قناع الحياء ويظهر ما هو به من المواجيد : يخلع فيك العذارَ قومٌ ... فكيف مَنْ مالَه عذارُ؟ ومن موجِبات ذلك الشراب سقوط الحشمة ، فيتكلم بمقتضى البسط ، أو بموجب لفظ الشكوى ، وبما لا يَستخرجُ منه - في حال صَحْوه - سفيه بالمناقيش . . . وعلى هذا حَمَلُوا قول موسى : { رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ }[ الأعراف : ١٤٣ ] . فقالوا : سَكِرَ من سماع كلامه ، فَنَطَقَ بذلك لسانُه . وأمَّا مَنْ يسقيهم شرابَ التوحيد فَيَنْفي شهودَ كلِّ غَيْرِ فَيهيمون في أودية العِزِّ ، ويتيهون في مفاوزِ الكبرياء ، وتتلاشى جملتهُم في هوء الفرادنية . . . فلا عقلَ ولا تمييزَ ولا فَهْمَ ولا إدراك . . . فكلُّ هذه المعاني ساقطة . فالعبدُ يكون في ابتداء الكَشْفِ مُستوْعَباً ثم يصير مستغْرقاً ثم يصيرُ مُسْتَهْلَكا . . . { وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنتَهَى }[ النجم : ٤٢ ] . |
﴿ ٢١ ﴾