سورة النبأ

١-٢

مختلفون بشدة إنكارهم أمرَ البعث ، ولالتباسِ ذلك عليهم ، وكثرةِ مُساءَلتهم عنه ، وكثرة مراجعتهم إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم في معناه .

تكرَّر من اللّه إنزال أمرِ البعث ، وكم استدلَّ عليهم في حوازِه بوجوهٍ من الأمثلة . . فهذا من ذلك ، يقول : { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ } : عن الخبر العظيم

٣

{ الَّذِى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } قال اللّه تعالى على جهة الاحتجاج عليهم .

٦

{ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً } .

ذَلَّلْناها لهم حتى سَكًنوها .

٧

{ وَالجِبَالَ أَوْتَاداً } .

أوتاداً للأرضِ حتى تَمِيدَ بِهم .

٨

{ وَخََلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } .

ذَكَراً وأنثى ، وحَسَناً وقبيحاً . . . وغير ذلك .

٩

{ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } .

أي راحةً لكم ، لتَنْقَطِعوا عن حركاتِكم التي تعبتم بها في نهاركم .

١٠

{ وَجَعَلْنَا الَّيْلَ لِبَاساً } .

تُغَطَّي ظُلمتُه كلَّ شيءٍ فتسكنوا فيه .

١١

{ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً } .

أي وقتَ معاشِكم .

١٢

{ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } .

أي سبع سموات .

١٣

{ وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } .

أي الشمس ، جعلناها سراجاً وقَّاداً مشتعلاً .

١٤

{ وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً } .

{ الْمُعْصِرَاتِ } الرياح التي تعْصِرُ السحاب .

{ مَآءً ثَجَّاجاً } مطراً صَبَّاباً .

١٥-١٦

{ لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً } .

{ حَبّاً } كالحنطة والشعير ، { وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً } بساتين يَلْتَفُّ بعضُها ببعض .

وإذا قد علمتم ذلك فهلاَّ علمتم أنِّي قادرٌ على أَنْ أُعيدَ الخَلْقَ وأُقيمَ القيامة؟

فبعدَ أن عَدَّ عليهم بعضَ وجوهِ إنعامه ، وتمكينهم من منافعهم . . . قال :

١٧

{ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } .

مضى معناه .

١٨

{ يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ فَتأَْتُونَ أَفْوَاجاً } .

أي في ذلك اليوم تأتون زُمراً وجماعاتٍ .

١٩

{ وَفُتِحَتِ السَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } .

أي : تَشَقَّقَتْ وانفطرت .

٢٠

{ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } .

أي كالسراب .

٢١

{ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } .

أي ممراً . ويقال : ذات ارتقابٍ لأهلها .

٢٢

{ لِّلطَّاغِينَ مَئَاباً } .

أي مرجعاً .

٢٣

{ لَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } .

أي دهوراً ، والمعنى مُؤَبَّدين .

٢٤-٢٥

{ لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً ولا شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } .

مضى معناه . ثم يُعَذَّبون بعد ذلك بأنواعٍ أُخَرَ من العذاب .

٢٦

{ جَزَآءً وِفَاقاً } .

أي : جُوزُوا على فرق أعمالهم . ويقال : على وفق ما سَبَقَ به التقديرُ ، وجرى به الحكم .

٢٧

{ إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } .

لا يؤمنون فيرجعون الثواب ويخافون العقاب .

٢٨

{ وَكَذَّبُواْ بِئَايِاتِنَا كِذَّاباً } .

أي : تكذيباً .

٢٩

{ وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } .

يأي : كتبناه كتاباً ، وعلمناه عِلْماً .

والمسبِّحُ الزاهدُ تسبيحَه ، والمهجورُ البائسُ يحصي أيامَ هجرانه ، والذي هو صاحب وصالٍ لا يتفرَّغ من وَصْلِه إلى تذكُّرِ أيامه في العدد ، أو الطول والقصر .

والملائكة يُحصون زلاَّت العاصين ، ويكتبونها في صحائفهم . والحق سبحانه يقول :

{ وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } فكما أحصى زَلاَّتٍ العاصين وطاعات المطيعين فكذلك أحْصَى أيامَ هجرانِ المهجورين وَأيَامَ مِحَنِ الممتحَنين ، وإِنَّ لهم في ذلك لَسَلْوَةً وَنَفَساً :

ثمانٍ قد مضيْنَ بلا تلاقٍ ... وما في الصبر فَضْلٌ عن ثمانٍ

وكم من أقوامٍ جاوزت أيامُ فترتهم الحدَّ! وأَرْبَتْ أوقاتُ هجرانهم على الحَصْر!

٣٠

قوله جلّ ذكره : { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِِلاَّ عَذَاباً } .

يا أيها المُنَعَمَّون في الجنة . . افرحوا وتمتعوا فلن نزيدكم إلا ثواباً .

أيها الكافرون . . احترقوا في النار . . ولن نزيدكم إلا عذاباً .

ويا أيها المطيعون . . افرحوا وارتعوا فلن نزيدكم إلا فَضْلاً على فَضْل .

يا أيها المساكين . . ابكوا واجزعوا فلن نزيدَكم إلاَّ عَزْلاً على عَزْل .

٣١-٣٤

قوله جلّ ذكره : { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً وَكَأْساً دِهَاقاً لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً } .

مُسَلَّمٌ للمتقين ما وعدناهم به . . فهنيئاً لهم ما أَعددنا لهم من الفوزِ بالبُغْية . والظّفَرِ بالسُّؤَالِ والمُنْيَة : من حدائق وأَعنابٍ ، ومن كواعبَ أَترابٍ وغير ذلك .

فيا أيها المُهَيَّمون المتَيَّمون هنيئاً لكم ما أنتم فيه اليومَ في سبيل مولاكم من تجرُّدِ وفقر ، وما كلَّفَكم به من توكل وصبر ، وما تجرعتم من صَدٍّ وهجر .

أحرى الملابسِ ما تَلْقَى الحبيبَ به ... يومَ التزاورِ في الثوب الذي خَلَعا

٣٥-٣٦

قوله : { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا } آذانُهم مصونةٌ عن سماع الأغيار ، وأبصارهم محمفوظةٌ عن ملاحظة الرسوم والآثار .

٣٧

قوله جلّ ذكره : { رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً } .

وكيف تكون للمُكَوَّن المخلوقِ الفقيرِ المسكينِ مُكْنَةٌ أَنْ يملك منه خطاباً؟ أو يتنفَّسَ بدونه نَفَساً؟ كلاّ . . بل هو اللّه الواحدُ الجبَّار .

٣٨

قوله جلّ ذكره : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً } .

إنما تظهر الهيبةُ على العموم لأهل الجمع في ذلك اليوم ،

وأمَّا الخواص وأصحابُ الحضور فَهُم أبداً بمشهدِ العِزِّ بنعت الهيبة ، لا نَفَسَ لهم ولا راحة؛ أحاط بهم سرادُقها واستولت عليهم حقائها .

٣٩

قوله جلّ ذكره : { ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَئَاباً } .

هم بمشهد الحقِّ ، والحَكَمُ عليهم الحقُّ ، حكم عليهم بالحق ، وهم مجذوبون بالحقِّ للحقِّ .

٤٠

قوله جلّ ذكره : { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } .

وهو عند أهلِ الغفلة بعيدٌ ، ولكنَّه في التحقيق قريبٌ .

{ يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِى كُنتُ تُرَبَا } .

مضوا في ذُلِّ الاختيار والتعنِّي ، وبُعِثوا في حسرة التمنِّي ، ولو أنهم رضوا بالتقدير لتخلَّصوا عن التمنِّي .

﴿ ٠