سورة المطففين١-٣قوله جلّ ذكره : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } { وَيْلٌ } : الويلُ كلمةٌ تُذْكَر عند وقوع البلاء ، فيقال : ويلٌ لك ، وويلٌ عليك! و ( المطفّف ) ، الذي يُنْقِصُ الكيْلَ والوزنَ ، وأراد بهذا الذين يعامِلون الناس فإذا أخذوا لأنفسهم استوفوا ، وإذا دفعوا إِلى من يعاملهم نقصوا ، ويتجلَّى ذلك في : الوزن والكيْلِ ، وفي إظهار العيب ، وفي القضاء والأداء والاقتضاءْ؛ فَمَنْ لم يَرْضَ لأخيه المسلم ما لا يرضاه لنفسه فيس بمنصف . وأمَّا الصِّدِّيقون فإنهم كما ينظرون للمسلمين فإنهم ينظرون لكلِّ مَنْ لهم معهم معاملة - والصدقُ عزيزٌ ، وكذلك أحوالهم في الصُّحْبَةِ والمعاشرة . . . فالذي يرى عَيْبَ الناسِ ولا يرى عيبَ نَفْسِه فهو من هذه الجملة - جملة المطففين - كما قيل : وتُبْصِرُ في العينِ منِّي القَذَى ... وفي عينِكَ الجذْعَ لا تُبْصِرُ ومَنْ اقتضى حقَّ نَفْسه - دون أن يَقْضِيَ حقوق غيره مثلما يقتضيها لنفسه - فهو من جملة المطففين . والفتى مَنْ يقضي حقوق الناس ولا يقتضي من أحدٍ لنفسه حقّاً . ٤-٦قوله جلّ ذكره : { أَلاَ يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } . أي : ألا يستيقن هؤلاء أنهم مُحَاسَبون غداً ، وأنهم مُطَالَبون بحقوق الناس؟ . ويقال : مَنْ لم يَذْكُرْ - في حال معاملةِ الناسِ - معاينة القيامة ومحاسبتها فهو في خسرانٍ في معاملته . ويقال : مَنْ كان صاحبَ مراقبة للّه ربِّ العالَمين استشعر الهيبةَ في عاجِلِهِ ، كما يكون حالُ الناسِ في المحشر؛ لأنَّ اطلاعَ الحقِّ اليومَ كاطلاعه غداً . ٧قوله جلّ ذكره : { كَلآَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ وَمَآ أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ؟ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } . { سِجِّينٍ } قيل : هي الأرض السابعة ، وهي الأرض السفلى ، يُوضَع كتابُ أعمالِ الكفار هنالك إِذلالاً لهم وإهانة ، ثم تُحْمَلُ أرواحُهم إلى ما هنالك . ويقال : ( السِّجين ) جُبٌّ في جهنم . وقيل : صخرةٌ في الأرض السفلى ، وفي اللغة السِّجين : فعيلٌ من السجن . ٨{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } . استفهامٌ على جهة التهويل . ٩{ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } . أي مكتوب؛ كَتَبَ اللّه فيه ما هم عاملون ، وما هم إليه صائرون . وإنما المكتوبُ على بني آدم في الخير والشر ، والشقاوة والسعادة فهو على ما تعلَّق به علمه وإرادته ، وإنما أخبر على الوجه الذي علم أن يكون أو لا يكون ، وكما علم أنه يكون أو لا يكون أراد أن يكون أو لا يكون . ثم إنه سبحانه لم يُطْلِعْ أحداً على أسرار خَلْقِه إلاَّ مَنْ شاءَ من المقربين بالقَدْرِ الذي أراده؛ فإنه يُجرِي عليهم في دائم أوقاتهم ما سَبَقَ لهم به التقدير . ١٠-١٢ثم قال : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } . ويلٌ للذين لا يُصَدِّقون بيوم الدين ، وما يُكذِّبُ به إلا كل مُجَاوِزٍ للحَدِّ الذي وُضِعَ له؛ إذا يُتْلَى عليه القرآن كَفَرَ به . ١٤-١٥أي : غَطَّى على قلوبهم ما كانوا يكسبون من المعاصي . . . وكما أنهم - اليومَ - ممنوعون عن معرفته فهم غداً ممنوعون عن رؤيته . ودليلُ الخطابِ يوجِبُ أن يكونَ المؤمنون يََرَوْنَه غداً كما يعرفونه اليوم . ١٨{ عِلِّيِّينَ } أعلى الأمكنة ، تحمل إليه أرواح الأبرار تشريفاً لهم وإجلالاً . ويقال : إنها سِدْرة المنتهى . ويقال : فوق السماء السابعة . كتابٌ مرقوم فيه أعمالهم مكتوبة يشهده المقربون من الملائكة . ٢٢{ إِنَّ الأَبْرَارَ لَفى نَعِيمٍ } . اليومَ وغداً : اليومَ في رَوْحٍ العرفان ، وراحةِ الطاعة والإحسان ، ونعمةِ الرضا وأُنْسِ القُربة وبَسْطِ الوصلة . وغداً - في الجنة وما وُعِدوا به من فنون الزلفة والقربة . ٢٣قوله جلّ ذكره : { عَلَى الأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } . أثْبَتَ النظرَ ولم يُبَيَّنْ المنظور إليه لاختلافهم في أحوالهم؛ فمنهم من ينظر إلى قُصُوره . ومنهم من ينظر إلى حُرِه ، ومنهم ومنهم . . . ومنهم الخواصُّ فهم على دوامِ الأوقات إلى اللّه - سبحانه - يَنْظُرون . ٢٤قوله جلّ ذكره : { تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } . مَنْ نظر إليهم عَلِمَ أنَّ أثََرَ نَظَرِه إلى مولاه ما يلوح على وجه من النعيم؛ فأحوال المحبِّ شهودٌ عليه أبداً . فإنْ كان الوقتُ وقتَ وصالٍ فاختيالُه ودلالُه ، وسرورُه وحبورُه ، ونشاطُه ونبساطُه . وإِنْ كان الوقتُ وقتَ غيبةٍ وفراق فالشهودُ عليه نحولُه وذبولُه ، وحنينُه ، ودموعُه وهجوعُه . . . وفي معناه قلت : يا مَنْ تَغَيُّرُ صورتي لَمَّا بدا ... - لجميع ما ظنوا بنا - تحقيقُ وقلت : ولمَّا أتَى الواشين أنِّي زُرْتُها ... جَحَدُتُ حذاراً أنْ تَشِيعَ السرائرُ فقالوا : نرى في وجهِك اليومَ نضرةً ... كَسَتْ مُحيَّاك . . وهاذاك ظاهِرُ! وبُرْدُكَ لا ذاك الذي كان قبلَه ... به طِيبُ نَشْرٍ لم تُشِعْهُ المجامِرُ فما كان منِّي من بيانٍ أُقيمه ... وهيهات أن يخفي مُريبٌ مساتِرُ! ٢٥قوله جلّ ذكره : { يُسْقُوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } . { مَّخْتُومٍ } أي رحيقٌ لا غِشَّ فيه . ويقال : عتيقٌ طَيِّبٌ . ويقال : إنهم يشربون شراباً آخره مِسْكٌ . ويقال : بل هو مختومٌ قبل حضورهم . ٢٦ويقال : { خِتَامُهُ مِسْكٌ } . ممنوعٌ من كلِّ أحدٍ ، مُعَدٌّ مُدَّخَرٌ لكلِّ أحدٍ باسمه . { وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } . وتنافُسُهم فيه بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة ، والسباقُ إلى القُرْب ، وتعليقُ القلبِ باللّه ، والانسلاخُ عن الاخلاقِ الدَّنِيَّة ، وجَوَلاَنُ الهِمَمِ في الملكوت ، واستدامةُ المناجاة . ٢٧-٢٨قوله جلّ ذكره : { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } . { تَسْنِيمٍ } : أي : عينٌ تسَنَّمُ عليهم من عُلُوٍّ . وقيل : ميزابٌ يَنْصَبُّ عليهم من فوقهم . ويقال : سُمِّي تسنيماً؛ لأن ماءَه يجري في الهواء مُتَسَنِّماً فينصبُّ في أواني أهل الجنة؛ فمنهم مَنْ يُسْقَى مَزْجاً ، ومنهم مَنْ يُسْقى صِرْفاً . . . الأولياء يُسْقَون مزجاً ، والخواصُ يُسْقَون صِرْفاً . ٢٩-٣٠كانوا يضحكون استهزاءً بهم { فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } ! . ٣٤-٣٦{ هل . . . } استفهام يراد منه التقرير . ويقال : إذا رأوا أهلَ النارَ يُعذَّبون لا تأخذهم بهم رأْفة ، ولا تَرِقُّ لهم قلوبُهم ، بل يضحكون ويستهزئون ويُعَيِّرونهم . |
﴿ ٠ ﴾