سورة الأعلى

١

قوله جلّ ذكره : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } .

أي سَبِّحْ ربَّك بمعرفة أسمائه ، واسبح بسِرِّك في بحار علائه ، واستخرِجْ من جواهر عُلوِّه وسنائه ما ترصِّعُ به عِقْدَ مَدْحِه وثنائه .

٢

{ الَّذِى خَلَقَ فَسَوَّى } .

خَلق كلَّ ذي روح فسوَّى أجزاءَه ، ورَكَّبَ أعضاءَه على ما خَصّه به من النظم العجيب والتركيب البديع .

٣

{ وَالَّذِى قَدَّرَ فَهَدَى } .

أي قدَّر ما خَلَقَه ، فجَعَلَه على مقدار ما أراده ، وهدى كلَّ حيوانٍ إلى ما فيه رشده من المنافع ، فيأخذ ما يُصْلِحه ويترك ما يضره - بحُكم الإلهام .

ويقال : هَدَى قلوبَ الغافلين إلى طلب الدنيا فعمروها ، وهدى قلوبَ العابدين إلى طلب العقبى فآثروها ، وهدى قلوبَ الزاهدين إلى فناء الدنيا فرفضوها ، وهدى قلوبَ العلماءِ إلى النظر في آياته والاستدلال بمصنوعاته فعرفوا تلك الآيات ولازموها .

وهدى قلوبَ المريدين إلى عِزِّ وَصْفِه فآثروه ، واستفرغوا جُهْدَهم فطلبوه ، وهدى العارفين إلى قُدْس نعتِه فراقبوه ثم شاهدوه ، وهدى الموحِّدين إلى علاء سلطانه في تحد كبريائه فتركوا ما سواه وهجروه ، وخرجوا عن كلِّ مألوفٍ لهم ومعهود حتى قصدوه . فلمّا ارتقوا عن حدِّ البرهان ثم عن حدِّ البيان ثم عمَّا كالعيان عَلِموا أنَّه عزيزٌ ، وأنَّه وراءَ كلِّ فَصْلٍ ووَصْلٍ ، فرجعوا إلى مواطنِ العَجْزِ فتوسَّدوه .

٤

{ وَالَّّذِى أَخْرَجَ الْمَرْعَى } .

أي النبات .

٥

{ فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَى } .

جعله هشيماً كالغثاء ، وهو الذي يقذفه السيل . و ( أحوى ) أسود .

٦

{ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى } .

سنجمع القرآن في قلبك - يا محمد - حِفْظاً حتى لا تنسى لأنا نحفظه عليك .

٧

{ إِلاَّ مَا شَآءَ اللّه إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى } .

مما لا يدخل تحت التكليف فتنساه قبل التبليغ ولم يجب عليه أداؤه .

وهو - سبحانه - يعلم السِّرَّ والعَلَن .

٩

قوله جلّ ذكره : { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى } .

والذِّكرى تنفع لا محالة ، ولكنْ لِمَنْ وَفَّقَه اللّه للإتعاظِ بها ، أمَّا مَنْ كان المعلومُ من حاله الكفرَ والإعراضَ فهو كما قيل :

وما انتافعُ أخي الدنيا بِمُقْلَتهِ ... إذا استوَتْ عنده الأنوارُ والظُّلَمُ

١٠

{ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى } .

الذي يخشى اللّه ويخشى عقوبته .

١١-١٣

{ وَيَتَجَنًَّبُهَا الأَشْقَى الَّذِى يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى } .

أي يتجنَّبُ الذَّكْرَ الأشَقى الذي يَصْلَى النارَ الكبرى ، ثم لا يموت فيها موتاً يريحه ، ولا يحيا حياةً تَلَذُّ له .

١٤

قوله جلّ ذكره : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى } .

مَنْ تَطَهَّرَ من الذنوبِ والعيوبِ ، ومشاهدة الخَلْقِ وأدَّى الزكاة - وَجَدَ النجاة ، والظَّفَرَ بالْبُغْيَة ، والفَوزَ بالطِّلبة .

١٥

{ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } .

ذَكَرَ اسمَ ربِّه في صلاته . ويقال : ذَكَره بالوحدانية وصَلَّى له .

١٦

{ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } .

تميلون إليها؛ فتُقَدِّمون حظوظكم منها على حقوق اللّه تعالى .

١٧

{ وَالأَخِرَةُ خَيْرٌ وَأبْقَى } .

والآخرة للمؤمنين خيرٌ وأبقَى - من الدنيا - لطُلاّبها .

١٨-١٩

قوله جلّ ذكره : { إِنَّ هَذَا لَفِى الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } .

إن هذا الوعظَ لفي الصحف المتقدمة ، وكذلك في صحف إبراهيم وموسى وغيرهما؛ لأنَّ التوحيدَ ، والوعدَ والوعيدَ . . . لا تختلف باختلاف الشرائع .

﴿ ٠